فى ركن هادئ وسط الضجيج الذى سببه فيروس «كورونا» داخل جميع المجتمعات، انفرد الفنانون بأقلامهم وريشهم ولوحاتهم، مطلقين العنان لخيالهم لتجسيد وتوثيق ما يمر به العالم بخطوط وألوان فى شكل لوحات وأعمال فنية تحمل العديد من الرسائل للمجتمع؛ لتكون بحق أفضل وأبسط الوسائل للتعبير عن الواقع الذى نعيشه هذه الأيام. «صفا» جسدت «كورونا» وحشًا يدمر العالم
كانت طالبة بالصف الخامس الابتدائى تعشق الفن، يستهواها كل ما هو جميل، فتحاول أن تجسده على طريقتها الخاصة لاسيما الشخصيات الكرتونية، مضت السنوات وواصلت المضى إلى أن مرت بعلاقة حب عاصفة جعلتها تترك الرسم لمدة 8 أعوام، واجهت انتقادات كثيرة من المحيطين بها، فكيف تكون أزهرية ومحفظة للقرآن، وترسم وتكتب أشعارًا، فهذه الأشياء فى منظور البعض من المحرمات.عادت من جديد، لم تلق بالًا لمَا يقال عنها وقررت أن تضع بصمتها فى عالم الفن التشكيلى بقوة.
تأثرت «صفا صلاح محمود»، 28 عامًا، بأزمة فيروس «كورونا» منذ اللحظة التى سقط فيها أول ضحاياه، فى هذا الوقت كانت تمر بمرحلة فقدان الشغف لكنها اتجهت لنشر إحدى لوحاتها على «جروب» للمواهب على فيسبوك. تعرضت للتنمر والنقد اللاذع، الشىء الذى جعلها تتجه إلى «اسكتش الرسم» لتجسد لوحة فنية تُعبر عن الأزمة التى يمر بها العالم: «رسمت وحشًا، وفى نهاية الرسمة لقيتنى جسدت الوضع اللى بيحصل فى العالم، الوحش كان بيرمز لكورونا ورسمت كوكب الأرض وهو بينزف دم والوحش كان بيدمره بسيف فى إيده، رسمتها ولونتها فى 3 ساعات بأقلام خشبية».
تخرجت الفتاة العشرينية فى كلية اللغة العربية، جامعة الأزهر، وتميزت فى الرسم السريالى والكاريكاتير، شاركت فى العديد من المعارض الدولية والمحلية، وفازت بالدروع والميداليات الذهبية، وأقامت معرضًا خاصّا بها فى المتحف القومى بالمنصورة؛ حيث تقطن هنا، تقول: «كلمنى حد أول ما نشرت اللوحة من لبنان، باحث علمى يريد أن ينسخ لوحتى للتاريخ، وكلمنى واحد من مصر يستأذن عاوز ينسخها للنحت، والحمد لله حازت على إعجاب كل طبقات الفنانين وغيرهم».
استطاعت «صفا» أن تدمج الكاريكاتير مع الفن السريالى، ما حقق نجاحًا لها، كما لاقت الفكرة إعجاب أساتذتها وكبار الفنانين التشكيليين: «كانت تجربة جديدة ومختلفة وقدرت أضيف للرسم من خلالها»، مؤكدة أنها ختمت القرآن فى الثامنة من عمرها وبدأت فى تحفيظه منذ ذلك الوقت إلى الآن: «اشتغلت فى مركز دكتور أحمد عيسى المعصراوى، القرآن بيجرى فى دمى، مش فاكرة أى حاجة من طفولتى غير القرآن، وشغالة مُدرسة لغة عربية فى مَدرسة أمريكية دولية بالمنصورة بقالى سنتين».
«شيماء» رسَمت لوحة أبطالها الأطباء والممرضين: حلمى نعدى الأزمة بخير
تابعت «شيماء» الأزمة منذ بدايتها باهتمامٍ بالغ، وتكوّن فى خيالها لوحة تُعبر عن تطور الأزمة حول العالم، إلى أن جاء اليوم الذى قررت فيه التنفيذ بعدما أيقنت أن الكوكب بأكمله يمر بكارثة حقيقية، حاولت «شيماء عبدالعزيز» 19 عامًا، أن تُعبر عن حالة الذّعر والخوف التى تسيطر على الجميع بسبب تفاقم أزمة «كورونا»، تضمنت لوحتها كوكب الأرض، تخرج منه رؤوس خضراء تعبر عن الفيروس، وجمجمة على رأسه ترمز إلى الموت، وفى منتصف الكرة الأرضية صورة فتاة تصرخ تشير إلى الرعب المستقر فى قلوب الناس، فى نهاية اللوحة تظهر يد تطلب الاستغاثة، وتابوت تجلس عليه مومياء ليُعبر عن ضحايا الفيروس الذين يتم دفنهم دون وداع ذويهم، أمّا العين الباكية فهى أهل المتوفى.
لم تنسَ «شيماء» دور الأطباء والممرضين؛ حيث وضعت الكوكب بأكمله على كاهلهم، لتعبر عن دورهم البطولى منذ بداية الأزمة: «مكنش ينفع أنسى الأطباء والتمريض اللى شايلين كل ده على كتافهم وعلى سبيل صحتهم وسهرهم»، مؤكدة أنها استخدمت ألوانًا خشبية فقط فى لوحتها، واستغرقت 7 ساعات متواصلة للانتهاء منها: «حبيت أوصل إحساس الناس وكمان أبعت شكر للجيش الأبيض، حلمى ربنا يحفظ مصر ونعدّى الأزمة بخير».
تدرس «شيماء» بكلية التجارة، لكنها محبة للاطلاع على المجالات المختلفة، بدأت مشوارها فى الرسم وعمرها 4 سنوات، وشاركت فى أول معرض لها مع الفنان «عادل فتحى» الذى كان يشجعها للمشاركة فى العديد من المعارض: «ظهرت فى حلقات على القناة الأولى ومن بعدها شغلى بدأ يتطور والناس تعرفنى والبرامج كمان، الناس اللى حواليا كانوا بيقللوا منّى وبيعتبروا الرسم حاجة تافهة جدّا، دلوقت الكل معايا وبيشجعنى الحمد لله».
وأوضحتْ أنها توقفت لفترة طويلة عن الرسم بعد وفاة والدها؛ لتأثرها الشديد بوفاته: «حلمت إن بابا جابلى علبة ألوان وبعدها قررت أرسمه، حصلت على المركز الأول على الجمهورية مرتين، ومركز أول على محافظة الاسماعيلية 3 مرات، ومعايا تكريم المونديال والأوسكار إيجيبت ونلت لقب أفضل رسامة لعام 2019م من الكويت غير تكريمات المسابقات والمعارض، والآن بدرب فنون تشكيلية للأطفال»، كانت والدة «شيماء» إلى جوارها دائمًا، تشجعها وتحاول أن توفر لها كل ما تحتاجه، وتضيف: «أقرب لوحة لقلبى رسمت عينى وداخل لمعتها صورة بابا والعين كانت بتدمع عشان أعبر عن أشتياقى ليه وإنه على طول قدامى وعلى طول فكراه».
«سعد» ارتدى كمامة ورسم نفسه «لايف»: هدفى توعية الناس
شارك فى معارض كثير فى مختلف أنحاء الجمهورية، ودائمًا ما كانت لوحاته تحصد المراكز الأولى، تخرّج «سعد السيد» 30 عامًا، فى كلية الفنون الجميلة، جامعة حلوان، شارك فى صالون الدلتا وحصد المركز الأول، ومعرض قصر ثقافة الأنفوشى بالإسكندرية وحصد المركز الثالث، إضافة إلى معرض قصر ثقافة المنصورةوالإسماعيلية ودمياط، ومعرض الأقصر للشعر العربى، وصالون الشباب 29 بدار الأوبرا المصرية، إضافة إلى عدة معارض داخل القاهرة فى ساقية الصاوى والكريك كامبس.
اكتشف الشاب الثلاثينى شغفه بالرسم منذ الطفولة، وكان يحلم بالالتحاق بكلية فنون جميلة، إلى أن مضت السنوات وحقق ما يريد: «من خلال الكلية والدراسة حبيت أدى كورسات وأساعد غيرى من خلال موهبتى وأعرفهم على كل المداخل والتكنيكات فى الرسم، وبقالى 8 سنوات بدّى الورش والكورسات فى طنطاوالمنصورةوالقاهرة وغيرها كان فى إسكندرية والأقصر وبنها»، مؤكدًا أنه يحرص دائمًا على استغلال الأحداث المهمة من خلال أفكار جديدة تنبع من وحى خياله: «مش بحب أقلد وأجيب صور من النت عن الكورونا وأرسمها، بحب أعمل حاجة محدش عملها، ولما بشوفها بتتقلد بفرح جدّا».
نبعت فكرة لوحته من خلال رسم ذاته؛ حيث ارتدى الكمامة ووقف أمام المرآة ليجسد ملامحه فى اللوحة: «رسمت نفسى لايف من المراية واستخدمت إيدى على الصورةعشان تعبر عن وقف انتشار المرض وإن الناس تشوف اللوحة كنوع من التوعية باهتمامهم بغسل إيديهم، ولبسهم للكمامة»، مشيرًا إلى أنه استخدم أقلام الحبر والماركر وألوان جواش: «الوحة خدت منّى يوم وفى أحداث كتيرة وثقتها فى لوحاتى زى الخراب والدمار اللى كان فى سوريا وأحداث 25يناير فى مصر».
«كريم» اختار تجسيد صورة من ووهان ب«الباستيل والخشب»
كان الرسم طريق «كريم عادل»، 27 عامًا، لاكتشاف ذاته؛ حيث كرّس سنوات طفولته له، إلى أن بات رسامًا محترفًا، وتخصص فى الرسم الواقعى. ورُغم حصوله على بكالوريوس هندسة جودة؛ فإنه اتجه إلى رسم البورتريه فى منتصف عام 2015م؛ ليضع فيه بصمته من خلال لمساته المختلفة التى تبث الروح والحياة فى لوحاته.
سلك الشاب العشرينى دروبًا كثيرة ومراحل متتالية فى الرسم إلى أن بات لديه أكاديمية خاصة لتعليم الرسم فى محافظة الإسماعيلية، كما أنشأ قناة على اليوتيوب لتعليم الرسم أيضًا، يقول: «غيرت اتجاهى كليّا للرسم واسغنيت عن الشهادة تمامًا، الرسم حاليًا بقى كل حياتى». موضحًا أن فكرة اللوحة نبعت من خلال حالة الهلع المنشرة بسبب فيروس «كورونا»: «لما شفت الصورة دى حسيت إنها لازم تتجسد بالرسم، الحقيقة لأن إحساسها ممتاز والحمد لله قدرت أوصل الإحساس ده، وعرفت ده من خلال تعليقات الناس ورد فعلهم على اللوحة سواء على فيسبوك أو الإنستجرام ويوتيوب، خدت فيها 6 ساعات واستخدمت الباستيل والخشب، وحلمى أن قناتى على يوتيوب تصل ل 100 ألف مشترك وشغلى يتعرف على مستوى العالم».
«محمد»، طالب بكلية طب: رسمت كاريكاتير بيعبر عن كل جوانب الأزمة
دراسته بكلية الطب البشرى جعلته قريبًا من الأحداث بروحه ووجدانه، ربما وجد ذاته جنديّا من جنود الجيش الأبيض الذين كرّسوا أرواحهم وجهودهم فى الكفاح ضد فيروس «كورونا». الأمر الذى جعله يجتهد فى تجسيد ما يحدث من خلال موهبته فى رسم الكاريكاتير؛ حيث يدرس «محمد صلاح»، 21 عامًا، بالفرقة الرابعة بكلية الطب، جامعة المنصورة، بدأت مسيرته فى الرسم بتجسيد الشخصيات الكرتونية، إلى أن تطورت موهبته وبات محترفًا، يقول: «مخدتش أى كورسات وطورت نفسى من خلال اليوتيوب».
تخصص فى رسم البورتريه والكاريكاتير وال3 دى، كما حصد مراكز متقدمة فى المسابقات التى تنظمها الجامعة: «بحب ارسم وأبيع رسوماتى بمقابل مادى إضافة لدراسة الطب المتعبة، لكن بالسوشيال ميديا ناس كتيرة شافت رسمى والفنانين عرفونى الحمد لله». مؤكدًا أن فكرة الكاريكاتير قامت على دور الأطباء والممرضين والأحداث المتعلقة بعد التزام بعض أفراد الشعب بالقواعد مثل التجمعات وغيرها، إضافة إلى دور الأمن فى الحفاظ على الدولة: «فكرة الرسمة إن الأطباء والممرضين بيبذلوا كل جهدهم عشان ينقذوا الدولة من الفيروس، كمان جسدت الفيروس فى شكل شرس بيحاول يقضى على الدولة، أمّا عن الجهل فجسّدته فى صورة إنسان همجى بيحاول يفسد مجهود الأطباء عن طريق إنه بيقص الحبل بمقص، وجسدت دور الأمن وإنه بيحاول يوقّف الجهل ويحافظ على الدولة».
استخدم «محمد» فى رسمته قلم رصاص وقلم تحبير، واستخدم الألوان الخشبية فى التلوين، ويضيف: «الرسمة خدت منّى ساعة والناس كانوا منبهرين بيها وكلهم شجعونى».