يمثل أداء ميزان المدفوعات لأى دولة المؤشر الرئيسى الذى يكشف مدى كفاءة أدائها المالى مع العالم الخارجي، نظرًا لكونه عبارة عن سجل لجميع المعاملات الاقتصادية للدولة مع دول العالم، لذا فإن تحقيق فائض فى هذا الميزان يعد مؤشرًا قويًا يؤكد نجاح السياسات المالية والنقدية للدولة فى زيادة جذب الأموال إلى الداخل وتقليل خروج الأموال منها. وبعد المؤشرات التى كشف عنها تقرير البنك المركزي، عن أداء ميزان المدفوعات الذى صدر مؤخرًا ، فإننا أمام طفرة ضخمة فى الإيرادات على مستوى العديد من القطاعات، كالاستثمار والصادرات والسياحة وقناة السويس وتحويلات المصريين بالخارج. كشف تقرير البنك المركزى الذى صدر قبل أيام، أن ميزان المدفوعات حقق فائضًا كليًا بقيمة 227.3 مليون دولار خلال الربع الأول من العام المالى الجارى مقابل فائض بقيمة 284.1 مليون دولار فى الفترة المقابلة من العام المالى الماضي، بتراجع نحو 19 %، ورغم هذا التراجع تبقى هذه الأرقام جيدة بالنظر لحجم الفائض الكلى الذى تحقق خلال العام المالى الماضى حيث لم يتجاوز ال 100 مليون دولار. المؤشرات السلبية جاءت المؤشرات السلبية فى هذا التقرير أقل بكثير من المؤشرات الإيجابية، حيث تركزت فى انخفاض فائض ميزان النقل باستثناء رسوم قناة السويس الذى انخفض بمقدار 120 مليون دولار إذ سجل 232.7 مليون دولار خلال الربع الأول من العام المالى الجارى مقابل 353.1 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام المالى الماضي، وكذلك ارتفاع عجز ميزان الخدمات الحكومية والخدمات الأخرى بمقدار 218.3 مليون دولار ليسجل 943.4 مليون دولار مقابل 725 مليون دولار فى الفترة المناظرة من العام الماضي. من أهم المؤشرات السلبية أيضًا ارتفاع عجز ميزان دخل الاستثمار، الذى يقيس أداء تحويلات الفوائد والتوزيعات على السندات، وتحويلات أرباح الشركات الأجنبية العاملة فى مصر، بجانب الأرباح المحتجزة وفوائد الدين الخارجي، وقد ارتفع عجز ميزان دخل الاستثمار بمقدار 936.6 مليون دولار ليسجل نحو 3.3 مليار دولار مقابل نحو 2.4 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي. الصادرات والواردات فى المقابل حققت عدة قطاعات مؤشرات إيجابية، يأتى على رأسها قطاعات الصادرات والواردات وتحويلات المصريين فى الخارج، وإيرادات قناة السويس والاستثمار المباشر، فقد تراجع عجز حساب المعاملات الجارية بقيمة 629.8 مليون دولار، ليقتصر على نحو 1.4 مليار دولار فى الربع الأول من العام المالى الجارى مقابل نحو مليارى دولار فى الفترة المقابلة من العام الماضي، وذلك نتيجة أساسية لتراجع عجز الميزان التجارى غير البترولى وارتفاع التحويلات. ويعرف الحساب الجاري، على أنه المؤشر الذى يقيس الفرق بين الصادرات، والواردات من بضائع والخدمات بالإضافة إلى الفارق بين الحوالات، التدفقات المالية من وإلى الاقتصاد، ولكن يستثنى منها الأموال المستثمرة بالأصول واستثمارات الأسواق المالية. ويرجع هذا التحسن فى أرقام الحساب الجارى إلى تراجع عجز الميزان التجارى غير البترولى بنحو مليار دولار ليسجل نحو 8.2 مليار دولار مقابل نحو 9.2 مليار دولار، ويعود هذا التراجع فى عجز الميزان التجارى إلى ارتفاع قيمة الصادرات السلعية غير البترولية بمقدار 707.3 مليون دولار لتسجل نحو 4.7 مليار دولار مقابل 4 مليارات دولار خلال الربع الأول من العام المالى الماضي. وتمثلت السلع التى ارتفعت فى الذهب وأجهزة الإرسال والاستقبال للإذاعة والتليفزيون، والأدوية والأمصال واللقاحات، وأصناف الصيدلة والمركبات العضوية وغير العضوية. وفى حال استمرت وتيرة هذه الارتفاعات فى الصادرات السلعية فى تحقيق هذه النسبة من الزيادة فإنه من المنتظر أن تصل قيمة الصادرات لما يقرب من 28 مليار دولار بنهاية العام المالى حيث بلغت العام الماضى نحو 25 مليار دولار، وهو ما يشير إلى إمكانية تحقيق استراتيجية الدولة لمضاعفة الصادرات المصرية ل50 مليار دولار بحلول 2025. وتراجع عجز الميزان التجارى أيضًا نتيجة تراجع المدفوعات عن الواردات السلعية غير البترولية بمقدار 322.7 مليون دولار لتسجل نحو 12.9 مليار دولار مقابل نحو 13.2 مليار دولار، وتمثلت السلع التى انخفضت وارداتها فى حديد الزهر، والقمح والخشب الخام والمكثف، وقطع غيار وأجزاء السيارات والجرارات. واستقر عجز الميزان التجارى البترولى عند مستوى 606.2 مليون دولار خلال الربع الأول من العام المالى الجاري، وجاء هذا الاستقرار نتيجة انخفاض حصيلة الصادرات البترولية بمقدار 371.7 مليون دولار خلال الفترة لتسجل 2.4 مليار دولار مقابل نحو 2.8 مليار دولار فى الفترة المقابلة. وتراجعت قيمة المدفوعات عن الواردات البترولية بمقدار 371 مليون دولار لتسجل 3 مليارات دولار مقابل 3.4 مليار دولار فى الفترة المقابلة، وجاء ذلك نتيجة هبوط الكميات المستوردة من المنتجات البترولية بعد تحقيق الاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعي. تحويلات المصريين كان ارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج، ضمن أهم المؤشرات الإيجابية التى أدت إلى تراجع عجز حساب المعاملات الجارية، حيث ظلت معدلات التحويلات فى تحقيق الزيادات المضطرة التى شهدتها الأعوام السابقة. وارتفعت تحويلات المصريين بالخارج لتسجل 6.712 مليار دولار خلال الربع الأول من العام المالى الجارى مقابل 5.91 مليار دولار فى الربع المقابل من العام المالى الماضى بزيادة 803 ملايين دولار، وانعكست زيادة التحويلات الجارية بجانب تراجع عجز الميزان التجارى غير البترولى على هبوط عجز ميزان الحساب الجارى ليقتصر على 1.4 مليار دولار مقابل مليارى دولار فى الفترة المقابلة. هذه الأرقام تشير إلى أن تحويلات المصريين بالخارج قد تصل إلى نحو 26 مليار دولار بنهاية العام المالى الجارى فى 30 يونيو القادم، مقابل نحو 25 مليار دولار خلال العام المالى الماضي، وهى تقريبًا نفس النسبة التاريخية التى كانت قد تحققت خلال العام المالى قبل الماضي. وتعود الزيادات الكبيرة فى تحويلات المصريين العاملين بالخارج نتيجة القضاء على السوق السوداء للعملة من قبل الدولة، عقب قرار تعويم الجنيه المصري أواخر عام 2016، حيث كانت معظم هذه الأموال تتداول داخل السوق السوداء لتحقيق مكاسب من فرق السعر الكبير بين العملة فى السوق الرسمية والسوق السوداء. واستطاعت البنوك المصرية استقطاب كثير من أموال العاملين بالخارج، بعد رفع سعر الفائدة لبعض شهادات الادخار والاستثمار، وعلى الرغم من تراجع معدل الفائدة فلا تزال سعر الفائدة فى مصر أعلى بكثير من أسعار الفائدة فى معظم البلدان التى تضم عمالة مصرية، لذلك فمن المتوقع أن تستمر البنوك المصرية فى استقطاب هذه الأموال برغم سياسة خفض سعر الفائدة التى يتبناها البنك المركزى منذ أكثر من عام. إيرادات القناة لعل من ضمن أهم المؤشرات الإيجابية التى وردت فى تقرير ميزان المدفوعات، هو ارتفاع متحصلات رسوم المرور بقناة السويس نحو 66 مليون دولار لتسجل نحو 1.5 مليار دولار مقابل نحو 1.4 مليار دولار، خلال نفس الفترة من العام المالى الماضي، وفى حال استمرار القناة فى تحقيق هذا المعدل من النمو، فإننا ننتظر نهاية هذا العام المالى أن تحقق القناة إيرادات أكثر من 6 مليار دولار، بزيادة تصل إلى أكثر من 260 مليون دولار. وحققت هيئة قناة السويس أعلى إيرادات فى تاريخها العام المالى الماضى بلغت 5.9 ملياردولار، بزيادة بلغت 300 مليون دولار مقارنة بالعام الذى سبقه، وتستهدف النهوض بالإيرادات لتصل إلى 13.5 مليار دولار فى عام 2023، وذلك منذ شق التفريعة الجديدة فى عام 2014، ومع استمرار العمل فى عدة مشروعات استراتيجية بمحور القناة أهمها مشروع تطوير منطقة شرق بورسعيد. الاستثمارات الأجنبية لا يزال معدل الاستثمار الأجنبى المباشر يأتى ضمن أحد المؤشرات الإيجابية التى تؤكد على قدرة الاقتصاد المصرى على الاستمرار فى تحقيق معدلات نمو كبيرة، إذ ارتفع بمقدار 937.2 مليون دولار ليسجل صافى تدفق للداخل بلغ نحو 2.4 مليار دولار مقابل نحو 1.4 مليار دولار، حيث ارتفع اجمالى التدفق للداخل بنحو 1.1 مليار دولار ليسجل نحو 4.3 مليار دولار مقابل نحو 3.2 مليار دولار ، فى حين ارتفع معدل التدفق للخارج بمقدار 107.3 مليون دولار ليسجل نحو 1.9 مليار دولار مقابل نحو 1.8 مليار دولار. ويشير التقرير إلى أن ارتفاع التدفق للداخل جاء كنتيجة لارتفاع صافى الاستثمارات الواردة لتأسيس شركات أو زيادة رؤوس أموالها بمقدار 837.6 مليون دولار ليسجل نحو 1.5 مليار دولار ، بالإضافة إلى ارتفاع صافى الاستثمارات فى قطاع البترول بمقدار 256.4 مليون دولار ليسجل 744.2 مليون دولار. إيرادات السياحة وكشف التقرير أيضًا عن أن إيرادات السياحة المصرية، لا تزال تشهد حالة من الزيادة المستمرة، حتى بعد أن حققت أعلى إيرادات فى تاريخها العام الماضي، حيث استقر صافى ميزان السفر ليسجل نحو 3.2 ملياردولار، نتيجة لارتفاع متحصلات السفر «إيرادات السياحة» بمقدار 262.7 مليون دولار لتسجل نحو 4.2 مليار دولار مقابل نحو 3.9 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي، وارتفعت مدفوعات السفر بمقدار 238 مليون دولار لتسجل نحو مليار دولار مقابل 717 مليون دولار. وبلغت إيرادات السياحة المصرية العام المالى الماضى، نحو 12.6 مليار دولار ومن المتوقع أن يصل موسم السياحة الشتوى ذروته خلال العام الجديد، بعد إلغاء حظر الطيران على مدينة شرم الشيخ أكبر المدن السياحية فى مصر، وتقتصر هذه الإحصائيات على الإيرادات الخاصة بتذاكر السفر، لكن هذه النسبة تكون مضاعفة مع حساب معدلات الإنفاق الكبيرة للسياح والتى تدعم كافة قطاعات الاقتصاد المصري. وتسهم السياحة بنسبة كبيرة من الناتج القومى الإجمالى لمصر تصل إلى 15 %، وتعد هى والصادرات ورسوم قناة السويس وتحويلات المصريين العاملين بالخارج من أهم موارد النقد الأجنبى فى مصر، لذلك فمع الزيادة المضطردة التى تشهدها هذه القنوات النقدية، لاشك أن تستمر القوة الشرائية للجنيه المصرى بالصعود خلال المرحلة المقبلة.