نقاب «معلمات الحضانة».. جريمة

أثار التحقيق الذى نشرته مجلة روزاليوسف فى العدد الماضى تحت عنوان: «اغتيال البراءة فى حضانات المنتقبات»، ضجة كبيرة داخل أروقة وزارة التضامن الاجتماعى، مؤكدة أن التجاوزات التى رصدناها فى التحقيق حول إصرار معلمات منتقبات بالتواجد بنقابهن داخل الفصول دون مراعاة لأطفال لا تتجاوز أعمارهم 5 سنوات، وفرض مناهج دينية لن تسمح بتكراره، وستواجه كل من يخالف معايير الجودة التى حددتها الوزارة ضمن خطة البرنامج القومى لتنمية الطفولة المبكرة.
وأثار ما كشفت عنه «روزاليوسف» غضب واستياء وزيرة التضامن غادة والى، مؤكدة أن الوزارة ترفض هذه الممارسات، وتسعى جاهدة للقضاء من خلال مسح شامل، يقوم به الإخصائيون بالوزارة فى مكاتب ومديريات التضامن الاجتماعى على مستوى الجمهورية، بهدف الوصول للحضانات غير المرخصة، لإخضاعها لرقابة الوزارة، وإلزامها بتطبيق معايير الجودة. وأكدت وزارة التضامن أن الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم ال4 سنوات يصعب عليهم فهم مصلطحات القرآن أو الإنجيل، ويحتاجون للتعليم بطرق مختلفة كالحكايات والموسيقى والرسم وليس التلقين.

حضانات الأسمرات
البرنامج القومى لتنمية الطفولة المبكرة الذى أطلقته وزارة التضامن، يتضمن خطة لتطوير الحضانات الأهلية، وبدأت المرحلة الأولى منه ب500 حضانة تخضع للعديد من المعايير لتلافى سلبيات الحضانات غير المرخصة من خلال وجود منهج تعليمى وتربوى موحد، بالإضافة إلى تأهيل المسئولين على تلك الحضانات. داخل حى الأسمرات أحد الأحياء الجديدة الذى قامت الدولة ببنائه لأبناء المساكن العشوائية، يجرى تنفيذ تجربة الحضانات الجديدة، تحت إشراف وزارة التضامن، وتديرها الجمعيات الأهلية، حيث توجد 8 حضانات، وهناك خطة لزيادتها إلى 12 حضانة.
رؤية عصرية
«روزاليوسف» قامت بجولة داخل حصانات الأسمرات، فداخل حضانة أسمرات (2) يأسر قلبك وعينيك المظهر الجمالى ودقة الترتيبات والنظافة والنظام، وتحس لوهلة أنك داخل حضانة بمقاييس عالمية، من حيث البنية التحتية والمظهر الجمالى والمنهج التعليمى التربوى والنفسى. الحضانة تضم إلى جانب الفصول التعليمية، قاعات للطعام وأخرى للأنشطة المختلفة كالمسرح والموسيقى، ومساحة للممارسة الرياضة مغطاة بالنجيل الصناعى، تقول نورهان محمود، ميسرة (مسئولة) الحضانة: «نعتمد على تعليم عبر الأنشطة واللعب، ليس بأسلوب القراءة المعتادة والتقاليد داخل الحضانات. هدفنا تنمية الطفل من خلال التخاطب والفهم واستكشاف كل ماهو حوله».
كشفت «نورهان» أن تعديل وتحسين السلوك لدى الأطفال كان من أهم الصعوبات التى واجهتهم، نظرًا أن البيئة السابقة للأطفال كانت غير صالحة، بأن يخرج منهم طفل سوى تربويًّا ونفسيًّا، لذا اشتغلنا أسبوعين تمهيدى «سلوكيات» فقط، والآن تحسنت سلوكيات الأطفال بشكل كبير، فلا يوجد ألفاظ أو سلوكيات خارجة، كما أن الأطفال يقومون بتعديل سلوكيات ذويهم.
نورهان لا تعتمد على التحفيظ والتلقين فيما يتعلق بالتربية الدينية، حيث تتبع أسلوبًا تعليميًا يركز على تعليم الأطفال القيم والمبادئ الدينية السامية، كالصدق، والأمانة وغيرهما، خصوصًا أن الطفل حتى عمر 4 سنوات، لن يكون قادرًا على فهم القرآن والأحاديث النبوية، بالإضافة إلى غرس قيم المواطنة فى نفوس الأطفال من خلال الحديث عن الوطن، والمعالم الطبيعية والسياحية كالنيل والأهرامات فى شكل حكايات. على أبواب حضانة الأسمرات، استمعت «روزاليوسف» لتعليقات أولياء الأمور، حيث أكدت ولية أمر أن مستوى الحضانة لا يفرق عن حضانات اللغات من حيث المستوى التربوى والتعليمى، موضحة أن ابنتها كانت فى إحدى الحضانات الخاصة فى الهضبة الوسطى كانت تتقاضى 1000 جنيه بالشهر، أما مصاريف حضانات الأسمرات 150 جنيهًا فقط. ماجدة سيد، مديرة حضانة الأسمرات 2 قالت، إن وضع معايير جودة للحضانات سيضع مصر فى مرتبة عالية فى تنمية الطفولة مبكرة، مشيرة إلى التجاوب الكبير من الأهالى على تنمية أطفالهم، قائلين: «إحنا مش عاوزين أولادنا يطلعوا زينا».
تأهيل المسيرات
محمد درويش، رئيس تنمية حضانات حى الأسمرات قال: إنه قريبًا سيتم فتح حضانة خاصة بالأطفال الرضع من عمر يوم حتى عامين، فى الأسمرات (2)، موضحًا أن ذلك جاء بعد دراسة، وأن جميع مراحل العمل تخضع للتخطيط والدراسة، للعمل على تحسين سلوكيات الأطفال والأسر. وعن المسئولات عن الحضانات، قال درويش: إنه تم تأهيلهن بإخضاعهن لدورات تدريبية من أساتذة جامعات حول كيفية تعديل سلوكيات الطفولة المبكرة، تنمية مهاراتهم، إضافة إلى الاستعانة بإخصائيى تغذية لتعليم الميسرات طرق التغذية السليمة، وإخصائيى علم اجتماع والنفس، مشيرا إلى أنهم يحرصون أن يكون الميسرات من نفس بيئة الأطفال من سكان الأسمرات لضمان نشر التوعية داخل المجتمع، فضلًا عن سهولة تعاملهن مع الأطفال، ونقل الخبرة إلى الأسر، موكدا أنه تتم متابعة الميسرات أولًا بأول، بهدف تقييم نجاح الميسرات فى نقل ما تعلمنه إلى الأطفال وأسرهم، كما توفر وزارة التضامن ضمن البرنامج قوافل طبية للكشف على الأطفال فى كل التخصصات الطبية.

برنامج قومى
من جانبها أكدت دينا عبدالوهاب، مديرة البرنامج القومى لتنمية الطفولة المبكرة، بوزارة التضامن، أن الوزارة أطلقت خطة لتطوير الحضانات تشمل 500 حضانة فى 6 محافظات: (القاهرة، الجيزة، الإسكندرية، الغربية، القليوبية، أسوان) وهى المحافظات الأكثر كثافة سكانية، وتعانى عجزا فى عدد الحضانات، لتلافى جميع السلبيات والملاحظات فى الحضانات غير المرخصة ولتوحيد جهة الاختصاص، وكذلك الطرق التربوية والتعليمية، حيث يُجرى حاليًا مسح شامل، لحصر الحضانات غير المرخصة، والتى لا تخضع لأى رقابة، لإلزامها بتطبيق معايير الجودة، مع إعطائها مهلة قد تصل إلى شهرين كحد أقصى لتطبيق معايير الجودة. وأوضحت أن برنامج التطوير يعتمد فى تعليم الأطفال عبر الأنشطة والرسم والموسيقى وليس التلقين.
وقالت: إن البرنامج القومى لتنمية الطفولة المبكرة، يأتى ضمن خطة الدولة 2030، لبناء الإنسان المصرى، فلأول مرة فى تاريخ مصر يتم الاهتمام بالمرحلة العمرية من عمر يوم حتى 4 سنوات، حيث خصصت الدولة 60 مليار جنيه ميزانية لتنمية الطفولة المبكرة، مشيرة إلى أنه بالفعل تم بدء المرحلة الأولى فى 500 حضانة فى 6 محافظات، والوزارة على وشك إنهاء مسودة المعايير التى تتضمن المجالات الرئيسة كالبيئة الفيزيقية للحضانات، المناخ الداعم، نهج التعليم، والقيادة والإدارة.
وأشارت مستشار وزير التضامن إلى أن المسح الشامل الذى نفذته وزارة التضامن فى محافظة القاهرة، كشف عن وجود 4 آلاف حضانة غير مرخصة، لأن شرط الترخيص أن تكون الحضانة فى الدور الأرضى، وهذا يصعب على أصحاب حضانات دفع إيجار مكان بالدور الأراضى، لذا يلجأون إلى الأدوار العالية كالثانى والثالث وهناك حضانات بالدور التاسع، وهو ما يخالف البيئة الفيزيقية التى أهمها الحماية والأمن على أروح الأطفال، فالدفاع المدنى يشترط أن تكون حضانة بالدور الأرضى. وعن مطالب البعض بخضوع الحضانات لرقابة وزارة التعليم، أكدت «عبدالوهاب» أنه فى جميع أنحاء العالم يخضع الأطفال حتى عمر4 سنوات لوزارة الرعاية، وفى دول يصل السن ل6 أعوام، موضحة أن وزارة التضامن فى قانون الطفل يتيح للوزارة الإشراف والرقابة.. فوفقًا لمسح وزارة التضامن يوجد فى مصر ما يقرب 14 ألف حضانة أغلبها غير مرخص، ولتشجيع أصحاب الحضانات على الترخيض تم بالتعاون مع بنك ناصر توفير قرض قدره 50 مليون، على أن يكون قيمة القرض من 20 ألفًا إلى نصف مليون جنيه فى حالة التجديد، ويصل لمليون جنيه فى حالة إنشاء حضانة جديدة.
التقييم والجودة
حاتم السواح المسئول عن التقييم والجودة بالبرنامج القومى لتنمية الطفولة المبكرة؛ قال: قمنا بجمع جميع مسودات جودة حضانات بالعالم بما فيها بالعالم العربى، وخرجنا بمسودة معايير جودة، بدأنا فى تطبيقها على بعض الحضانات الخاضعة للتطوير. تتضمن معايير الجودة الاشتراطات الأساسية المفروض تواجدها فى الحضانة من حيث المبنى الخارجى ومرورًا بالشكل والتنظيم الداخلى، اشتراطات النظافة، كيفية الإدارة، الجوانب الإدراكية والمعرفية التى يجب أن يتعلمها الطفل فى الحضانة والأنشطة الحركية.