الحياة الزوجية فى أساسها مودة ورحمة وشراكة على الحلوة والمرة.. لكن أن يتخلى بعض الأزواج عن زوجاتهم المصابات بأمراض مستعصية بدلًا من مساندتهن والوقوف بجوارهن ودعمهن نفسيًا ومعنويًا.. أو أن تهجر الزوجة زوجها بعد مرضه وتطلب الطلاق فهذا أمر يستحق التوقف.. خاصة مع وجود نماذج أخرى من الرجال والنساء ممن يقفون بجوار شركاء حياتهم حين يصيبهم المرض ويظلون بجوارهم ومعهم يساندونهم ويساعدونهم ويقدمون لهم كل ما فى وسعهم حتى يتعافون ويهزمون المرض. «ندالة» زوج التقيت بها فى الولاياتالمتحدةالأمريكية كانت ضيفة عند إحدى صديقاتى.. امرأة مصرية جميلة.. ذات لون خمرى وبشرة نضرة وشعر كستنائى طويل.. كما كانت طويلة ممشوقة.. فتبدو كعارضات الأزياء بجمالها وأناقتها.. عرفتنى صديقتى عليها وأخبرتنى أنها جاءت من مصر مند أسابيع.. وبعد أن طلقها زوجها.. ومنذ أن عرفتنى عليها وقد صرنا أصدقاء نتحدث بالساعات فى التليفون ونلتقى على فترات متقاربة.. وفتحت لى قلبها.. وعرفت أنها تزوجت بعد قصة حب من شاب مصرى ظل يطاردها بحبه لأكثر من عامين.. ولكنها لم تكن مقتنعة به فى البداية حيث كان يصغرها بأربع سنوات ولكن أمام إصراره عليها وملاحقته لها فى كل مكان.. تزوجته.. ومرت أيامهما معًا مستقرة سعيدة.. يشعرها زوجها دائمًا بحبه واهتمامه.. وحملت منه.. وفى شهرها الخامس أصيبت فى حادث سيارة وكسرت قدميها.. ويدها اليمنى وأجهضت جنينها.. كما أجرت عملية تركيب شرائح فى قدميها وطلب منها الأطباء راحة ستة أشهر على الأقل حتى تلتئم العظام.. تظل خلالها راقدة فى سريرها.. وخرجت من المستشفى محبطة حزينة على فقد جنينها التى حملت فيه بعد عامين من الزواج والعلاج.. وبالطبع لم تستطع خدمة نفسها أو زوجها.. ولم يكن لديها أحد يقوم على خدمتها.. فوالدتها لم تكن على قيد الحياة.. ولها شقيقة تأتى لها كل يوم ساعتين ثم تعود لرعاية بيتها وأبنائها..ظنت أن زوجها سيساندها فى محنتها ويساعدها ويقف بجوارها خاصة أنه يدرك سوء حالتها النفسية واحتياجها إليه فى هذه الأزمة.. خاصة أنها لم تقصر معه فى شىء.. وكانت تقوم برعاية والدته المريضة حتى ماتت.. لكنه بدأ يضيق بها ويتأفف منها.. ويغضب وينفعل لأتفه الأسباب..ويتهمها أنها فرحة برقدتها حتى لا تقوم بخدمته وتلبية طلباته.. وصار يفتعل معها المشاجرات لأتفه الأسباب.. ويهجر البيت بالأيام متخليًا عنها.. إلى أن حضرت زوجة صديق زوجها لزيارتها وأخبرتها أنها حين كانت بالغردقة مع عائلتها شاهدت زوجها مرتين يتأبط ذراع فتاة شقراء جميلة.. ويضاحكها.. حيث كان نزيلًا فى نفس الفندق الذى نزلوا فيه.. كما رأته معها مرة أخرى فى المطعم يتناولان طعام الإفطار. لقد صدمتها زوجة صديقه بما قالته.. ولكنها تصدقها وخاصة أنه يتغيب بالأيام عن البيت.. ولم يعد يطيقها منذ الحادث أو يبتسم فى وجهها. وتقرر أن تواجهه بما عرفته من علاقته بالفتاة.. وبالفعل تخبره بما قالته لها زوجة صديقه.. لكنه لم ينزعج أو ينكر كما توقعت بل يعترف لها بوقاحة أنه بالفعل يحب امرأة غيرها وسيتزوجها.. وأنه لم يعد فى استطاعته الصبر على زوجة عاجزة راقدة فى السرير..لا يمكنها القيام بواجباتها ولا برعاية زوجها. لم تتوقع أن يكون زوجها نذلًا لهذه الدرجة.. فهي لم تمرض أبدًا منذ زواجها منه ولم تختلف معه يومًا أو تغضبه.. وكم من مرات سهرت بجوار سريره وهو مريض تناوله الدواء وتطهو له الطعام الصحى الذى أمرها به الطبيب وتطعمه فى فمه.. فهل من المعقول أن يتغير كل هذا التغير لأنها مرضت. وتشعر الزوجة بإهانة شديدة وبأنه جرح كرامتها وأهانها باعترافه لها بعلاقته بأخرى بلا خجل..أو حياء.. فتطلب منه الطلاق.. ويدهشها موقف الزوج الذى يوافق على الفور ويرمى عليها يمين الطلاق. لتسوء حالتها النفسية.. وتقرر بعد شفائها واستعادة قدرتها على المشى.. أن تهرب من ظروفها وحياتها وتسافر إلى أمريكا.. حيث كانت تمتلك تأشيرتها. شريك حقيقى قابلتها فى إحدى الندوات.. كانت من بين المتعافين من سرطان الثدى.. وجاءت لتدلي بشهادتها فى حملة أعدت من أجل مناهضة هذا المرض.. الذى صار كشبح مرعب يهدد نساء العالم. وتقف السيدة التى بدت جميلة متفائلة وكأنها لم تكن يومًا مريضة بهذا المرض اللعين..لتتحدث عن تجربتها فى محاربة السرطان.. قائلة: بعد شكرى وحمدى لله سبحانه وتعالى أحب أن أشكر زوجى الحبيب.. فلولا وجوده فى حياتى ومساندته لى ودعمه المستمر.. ربما ما شفيت وربما تأخرت حالتى الصحية وساءت أكثر.. لقد كان الله رحيماً بى حين منحنى زوجًا حنونًا وإنساناً حقيقيًا مثله. نعم.. لقد كان له الدور الأكبر فى شفائى. وتواصل الزوجة الممتنة لزوجها سرد قصتها: بعد اكتشافى للمرض كنت أمر بحالة نفسية سيئة.. حتى أننى انطويت فى غرفتى أبكى بكاءً مريرًا مستمرًا.. ولا أريد أن أرى أحدًا أو أتحدث مع أحد.. وهيئ لى أننى سأموت وأترك أبنائى الثلاثة وهم فى منتصف الطريق.. فهم ما زالوا صغارًا يدرسون بالإعدادى والابتدائى..حتى أننى طلبت من الله أن يعجل برحيلي دون ألم أو عذاب.. بينما كان زوجى يحاول انتشالى من هذه الحالة بشتى الطرق.. حتى أنه حصل على إجازة بدون راتب لستة أشهر ليتفرغ لرعايتى.. وحاول أن يقنعنى أن سوء الحالة النفسية ستؤخر شفائي وأن الرضا بقضاء الله نصف العلاج.. حتى أنه أحضر لى فى البيت أحد رجال الدين المقربين لنفسى لتهدئتى والتهوين عنى.. وبالفعل بدأت أستجيب وأخرج من غرفتى.. فكان زوجى الحبيب يصطحبنى بنفسه للأطباء.. ويرتب لى لقاءات مع نساء شفين من المرض.. ويأخذنى لزيارة أولياء الله الصالحين والصلاة فى مسجد السيدة نفيسة لأنه يعلم كم أحبها.. حتى بدأت أهدأ.. وأمتثل للعلاج.. إلى أن وصلت لجلسات الكيماوى.. فكان يرافقنى فى كل جلسة.. لم يتخلف ولا مرة.. وبعد الانتهاء من الجلسة.. أجده فى انتظارى يضمنى بعينيه وابتسامته وهو يفتح لى قلبه وذراعه ونعود لبيتنا وهو يحيطنى بكل الحب والحنان والاهتمام.. ويظل بجواري يطعمنى بيده ويذكرنى بأيامنا الجميلة.. ولاينام إلا بعد أن يطمئن أننى قد استغرقت فى النوم. كما يجتمع زوجى بأبنائى ويوضح لهم حقيقة مرضى.. ويؤكد لهم أن لهم دور كبير فى شفائى لا يقل عن العلاج.. وأنهم لا بد أن يدعمونني نفسيًا ومعنويًا حتى أتعافى.. ويحثهم على المذاكرة والتفوق ليدخلوا الفرحة لقلبى.. ويتفق معهَم على أن يتعاونوا جميعًا فى الأشغال المنزلية فيخدمون أنفسهم بأنفسهم.. ويغسلون غسيلهم ويطهون طعامهم.. حتى أشفى.. ويلفت انتباههم إلى ضرورة أن يظهروا لي حبهم واهتمامهم وكلماتهم الحلوة المشجعة.. حتى أنجح فى مقاومة المرض. وبدأ الأبناء يفعلون ذلك بحماس وحب وأمل فى شفائى.. ويقومون بكل أشغال البيت بعد تقسيمها بينهم.. ويجتهدون فى دراستهم. ودائمًا ما يغمروننى بحبهم وقبلاتهم وكلامهم المطمئن. وبعد جلسات الكيماوي بدأ شعرى يقع.. فشعرت بكثير من الإحباط والانزعاج.. حتى اضطررت أن أرتدى باروكة فى البيت.. وحين شاهدنى زوجى بالباروكة انتزعها من فوق رأسى وقال: (أنت بدونها أجَمل).. وأكد أنه يحبنى فى كل الحالات.. ولا يجب أن أضعها على رأسى مرة أخرى.. فليس لدى شيء مشين لأخفيه.. وأن المرض ليس عيبًا أو حرامًا وأننى سأهزمه بإرادتى وإصرارى. وهكذا ظل زوجى الحبيب وأبنائى معى وبجوارى يساندوننى بكل طاقاتهم ويقدمون لى الدعم النفسى والمعنوى.. فأصبحت قوية بهم.. أشحذ إرادتى وإصرارى من حبهم لى وتمسكهم بوجودى فى حياتهم.. فقاومت حتى هزمت المرض وشفيت والحمد لله. وفى نهاية حديثها.. طلبت السيدة من الحضور أن تشكر زوجها على الملأ وتعرفهم على هذا الرجل العظيم. ويتقدم الزوج تجاه المنصة وسط تصفيق الحضور.. وعندما طلبوا منه إلقاء كلمة.. قال بتواضع: أولًا: أعتب على زوجتى الغالية على تقديم الشكر لى.. فما فعلته أثناء مرضها ليس تفضلًا عليها أو إنسانية منى.. إنه حقها على كزوجتي وشريكة حياتى وأم أبنائى.. بل أبسط حقوقها علىّ وعلى أبنائها أن تجدنا بجوارها نساندها فى محنتها.. وإلا ما قيمة الزواج والأبناء والحياة المشتركة.. إذا لم نساند بعضنا البعض كشركاء حياة.. ويضيف الزوج وهو يرمق زوجته بنظرة حانية: إن كان لا بد من الشكر.. فأحب أن أشكرها أنا على الملأ.. لأنها لم تُقصر يومًا تجاهى أو تجاه أبنائها.. ولا أنس تعبها معى حين كنت أستعد لمناقشة الدكتوراة.. فكانت تظل طوال الليل ساهرة بجوارى وفى خدمتي تقدم لى القهوة والعصائر الطازجة وأحيانًا كانت تقوم بتجميع الموضوعات التى تتعلق بالرسالة من الإنترنت.. ولم تنم يومًا إلا بعد أن تطمئن أننى انتهيت من المذاكرة.. فكم ساعدتنى وحرصت على راحتى...فمواقفها الداعمة لى ولأبنائنا لا تعد ولا تحصى.. وما فعلته معها لا يمثل شيئًا فيما فعلته وتفعله من أجلى ومن أجل أبنائنا.. ولتتقبل زوجتى الحبيبة شكرى وامتنانى لها طوال العمر. وينهى الزوج كلمته المؤثرة وسط تصفيق الحضور ودموعهم.. بينما يُقبّل يد زوجته ورأسها أمام الجميع.