فى نوفمبر من كل عام، تفوح رائحة الموت من كل أرجاء أمريكا اللاتينية للاحتفال بعيد الموتى أحد أكبر الاحتفالات الشعبية، حيث تتذكر العائلات الأشخاص الذين رحلوا، ويقومون بالغناء والرقص فى مسيرات مرتدين أزياء غير تقليدية راسمين على وجوههم الجماجم. «يوم الموتى».. يتم الاحتفال به فى جميع أنحاء المكسيك وفى المناطق الوسطى والجنوبية، كما يحرص المكسيكيون فى مختلف أنحاء العالم على الاحتفال به، حيث تحرص العائلات والأصدقاء على التجمع والصلاة وتذكر أسلافهم وأقاربهم الذين فارقوا الحياة، والمساعدة فى دعم رحلتهم الروحية. ولا يعتبره المكسيكيون يوم حزن بل احتفال لاعتقادهم أن أحبابهم وموتاهم يستيقظون ويحتفلون معهم، وينظرون إلى الموت على أنه جزء طبيعى من الدورة البشرية، وهو ما يسمى ب «عيد القديسين» فى البلدان الناطقة بالإنجليزية، واعترفت به منظمة «اليونيسكو» وأدرجته فى عام 2008 ضمن قائمة التراث الثقافى غير المادى للبشرية، بوصفه إعادة تأكيد على حياة السكان الأصليين. فعاليات الاحتفال بدأ الاحتفال هذا العام يوم 29 أكتوبر، ويختتم فعالياته اليوم السبت 2 نوفمبر، وتعد الجماجم من أهم رموز المهرجان ويمثله المحتفلون بالأقنعة وتسمى «كالاكاس»، وبدأ الاحتفال بتكريم الأطفال والرضع القتلى، يليه Dia Dos Inocentes يوم الأبرياء يقوم فيه الأطفال عشية عيد القديسين بصنع مذبح لدعوة أرواح الأطفال وإحضار اللعب لهم، وفى اليوم التالى تكريم البالغين المتوفين ويسمى يوم Día de los Angelitos يوم الملائكة الذى يصادف الاحتفال بعيد القديسين وفيه يعتقد الناس أن أرواح أحبابهم تأتى لزيارتهم وقضاء يوم كامل معهم. وفى 2 نوفمبر يتم تكريم جميع الموتى ويسمى Dia de los Difuntos، وفيه يقوم المحتفلون ببناء مذابح خاصة وتكريم المتوفين باستخدام الزهور القطيفة وهى الزهرة التقليدية التي تستخدم لتكريم الموتى ويعتقد أن هذه الزهور تجذب أرواح الموتى إلى القرابين، فضلا عن أن الرائحة القوية بها يمكنها توجيه الأرواح من المقابر إلى منازل أسرهم، بالإضافة إلى الأطعمة، وأشهرها «تاماليس» الذى يعد لهذا اليوم، والمشروبات الدافئة والسميكة غير الكحولية وشاى جامايكا المثلج - شاى عشبى مشهور مصنوع من أزهار وأوراق نبات الكركديه الجامايكي- ويتم تقديمه باردًا وحلوًا مع الكثير من الثلج. مواكب الموتى يحرص المحتفلون على تسيير مواكب كبيرة لزيارة القبور والقيام ببعض الطقوس كتقديم الهدايا للموتى، وترك ممتلكات المتوفى عند القبور وصنع مويرتوس (خبز الموتى) وجماجم السكر والشيكولاتة وهياكل عظمية من الكرتون والمناديل الورقية والفاكهة والمكسرات وإشعال البخور، وكل ذلك لتشجيع زيارات الموتى حتى يستمتعوا بصلوات وتعليقات الأحياء لهم. الاحتفالات تتحلى أيضا بروح الدعابة، حيث يتذكر المحتفلون أحداثًا مضحكة وحكايات عن المغادرين، كما يتم ترك الوسائد والبطانيات حتى يتمكن المتوفى من الراحة بعد رحلته الطويلة فى بعض أجزاء المكسيك مثل مدن Mixquic وPátzcuaro وJanitzio، ويحرص المحتفلون على قضاء طوال الليل بجانب قبور أقاربهم فى كثير من الأماكن، ويقوم البعض بكتابة قصائد قصيرة يطلق عليها «أدب الجماجم»، وهى عادة بدأت فى القرن الثامن عشر بعد أن نشرت إحدى الصحف قصيدة تروى فيها حلم مقبرة فى المستقبل مع الرسوم الكاريكاتورية من الهياكل العظمية بالإضافة لعروض مسرحية. الجماجم وأقنعة الشيطان تختلف التقاليد والأنشطة التى تجرى فى الاحتفال بيوم الموتى من مدينة لأخرى، ففى Michoacán، إذا كان المتوفى طفلًا وليس بالغًا توضع طاولة فى منزل الوالدين مع الحلويات والفواكه والصليب ومسبح به ورود وشموع للاحتفال بحياة الطفل مع الرقص بأزياء ملونة وأقنعة على شكل جمجمة وأقنعة شيطان فى الساحة أو حديقة المدينة وفى منتصف ليل الثانى من نوفمبر يضيء الناس الشموع ويركبون القوارب المجنحة التى تسمى ماريباساس (الفراشات) إلى جانيتسيو وهى جزيرة تقع فى وسط البحيرة لتكريم حياة الموتى. أما الاحتفال فى مدينة Ocotepec شمال كويرنافاكا فى ولاية موريلوس فتفتح الأبواب أمام الزوار فى مقابل الحصول على veladoras (شموع صغيرة) لإظهار الاحترام للمتوفى مقابل الطعام. وفى بعض المناطق المتطرفة تقوم العائلات ببناء مذابح أو أضرحة صغيرة داخل منازلهم تحتوى على صليب مسيحى وتماثيل أو صور لمريم العذراء المباركة وصور لأقاربهم المتوفين وغيرهم من الناس وعشرات من الشموع الأفريقية وتقضى العائلات بعض الوقت حول المذبح وتصلح وتروى الحكايات عن الميت. يرجع تاريخ الاحتفال بعيد الموتى إلى القرن السادس عشر، وكان فى بداية الصيف وتدريجيا تغير ليصبح 31 أكتوبر و1 نوفمبر و2 نوفمبر ليتزامن مع عيد القديسين، ويرجع بعض المؤرخين أصول العطلة المكسيكية الحديثة إلى الاحتفالات المحلية التى يعود تاريخها إلى مئات السنين وإلى مهرجان الأزتك المخصص للإلهة المعروفة باسم سيدة الموتى. احتفالات حول العالم ويتم الاحتفال بعيد الموتى فى عدة دول أخرى، ففى دولة بليز الواقعة شمال أمريكا الوسطى يمارس يوم الموتى أشخاص من عرق يوكاتيك مايا ويعرف الاحتفال باسم Hanal Pixan الذي يعنى طعام النفوس بلغتهم ويتم بناء المذابح وتزيينها بالطعام والمشروبات والحلويات والشموع، وفى بوليفيا يسمى ديا دى لاس راتيتاس أى يوم الجماجم وهو مهرجان يحتفل به فى لاباز بوليفيا يوم 5 مايو وبعد الدفن تحتفظ العائلات بجماجم الموتى فقط للقيام بالطقوس. يعتقد البوليفيون أنه يتم الاحتفاظ بجماجم أفراد الأسرة فى المنزل لمراقبة الأسرة وحمايتهم خلال العام، وتقوم الأسرة بتتويج الجماجم بأزهار نضرة وأحيانًا تلبسها قبعات رأس مختلفة وتقدم لها المشروبات والسجائر وأوراق الكوكا والكحول ومواد أخرى مختلفة، وتنقل الجماجم إلى المقبرة المركزية فى لاباز من أجل قداس خاص وبركة خاصة. وفى البرازيل يتم الاحتفال بالعطلة الرسمية لفينادوس (يوم الموتى) فى الثانى من نوفمبر على غرار احتفالات يوم الموتى، ويذهب الناس إلى المقابر والكنائس بالزهور والشموع ويقدمون الصلوات لتكريم الأموات فى ذكرى القتلى من أصول كاثوليكية من أصل أفريقى وأوروبى. أما فى جواتيمالا فتتميز الاحتفالات بيوم الموتى الذى يقام فى 1 نوفمبر ببناء الطائرات الورقية العملاقة، ويعتقد أن الطائرات الورقية تساعد الأرواح فى إيجاد طريقها إلى الأرض، ويتم استخدام الطائرات الورقية كنوع من الاتصال بالجنة. وفى الإكوادور يتم الاحتفال بيوم الموتى من قبل جميع فئات المجتمع، ويشكل هذا اليوم مناسبة خاص لشعوب الكيشوا الأصلية التى تشكل ربع سكان الأكوادور، حيث تتجمع عائلات أنديجينا فى المقبرة مع عروض من الطعام لإحياء ذكرى أسلافهم وأحبائهم المفقودين طوال اليوم. وفى الولاياتالمتحدةالأمريكية، يُقام عيد الموتى فى العديد من المجتمعات الأمريكية التى يقيم فيها مكسيكيون فى سان فرانسيسكو وكاليفورنيا وميتشيجان وتكساس وأريزونا ونيو ميكسيكو، ويشبه الاحتفال بيوم الموتى الاحتفالات التى تُقام فى المكسيك وعادة ما تكون تقليدية مع بعض التحديثات البسيطة مثل موكب The All Souls الذى يعنى كل الأرواح، ويجمع الحدث بين عناصر احتفالات يوم الموتى التقليدية وتلك الموجودة فى مهرجانات الحصاد الوثنى. كما تستضيف المدينة القديمة سان دييجو فى كاليفورنيا سنويًا احتفالًا تقليديًا مدته يومين يخرج فيه المحتفلون فى موكب على ضوء الشموع إلى مقبرة إيل كامبو سانتو التاريخية، ويُقام المهرجان سنويًا فى مقبرة فورست هيلز التاريخية فى حى جامايكا بلاين بمدينة بوسطن. وفى الفلبين يتزامن اليوم مع احتفال الروم الكاثوليك بيوم القديسين، وخلاله يقوم الفلبينيون بزيارة العائلة الميتة لتنظيف وإصلاح مقابرهم والقيام بالصلوات ونشر الزهور وإشعال الشموع .