الأسبوع الماضى،مرّت ذكرى وفاة مُبتكر شخصية شارلوك هولمز، قليلون الذين يعرفون اسمه وهو «آرثر كونان». عاش كونان صراعا نادرا بسبب شخصيته الروائية الخيالية؛ فقد حاز هولمز شهرة أكثر من كاتبه ومؤلّفه، حتى إن الأخير لجأ إلى قتل بطله فى الأجزاء الأخيرة من روايته المسلسلة.. وعلى الرغم من ذلك أيضا، لم يرض الجمهور العريض ومحبّى شارلوك هولمز، وأحيوا الشخصية مرة أخرى فى كتب وقصص وروايات ودراسات عديدة أخرى. بالتزامن مع هذه الذكرى، أعادت دار المحروسة طباعة الرواية المثيرة «شارلوك هولمز يقابل سيجموند فرويد» التى صدرت أوائل التسعينيات ضمن إصدارات الألف كتاب الثانى. وهى لمؤلفها نيكولاس ماير وترجمة لطفى فطيم. وتفترض لقاء واقعيا حدث بين هولمز بوصفه مريضا مدمنا للكوكايين، وبين الطبيب وعالم النفس سيجموند فرويد، الذى أشرف على علاجه. بلغ هوس الإنجليز بشخصية هولمز مبلغا كبيرا، إلى درجة تحويله إلى شخصية حقيقية تسكن شارع بيكر فى لندن. حتى إنه لا يزال مكتب بريد لندن يتلقى رسائل بالمئات سنويا موجّهة إلى هولمز. أما جون واطسون، مساعد شارلوك هولمز (المخبر السرّى الاستشاري) فيصف هولمز بأنه «ماكينة مفكّرة». بعد عشر سنوات على موته فى تلال سوسكس يتأمّل المساعد فى هذه الروية فى شخصية هولمز الذى كان يقمع انفعالاته وعواطفه لأنه كان يعتبرها نوعا من التشتيت، لكنه كان عندما يُطلق العنان لمشاعره - وهذا من المرّات النادرة - يُصبح كما يصفه صديقه الطبيب واطسون «شهابا لامعا يبرق فى سماء مظلمة». فى هذه القصة، يكتب واطسون كما يتخيّل المؤلف، تأريخا متأخّرا لإنجازات صديقه. يحكى قصة مغامرة جديدة من مغامرات المخبر العتيد. فلقد كان واطسون هو كاتب الحالات والمغامرات الخاص بهولمز. وحظى بشكوك عديدة من القراء بأن بعض الحالات التى كتب عنها، زائفة ومن وحى الخيال. هنا مع هذه الرواية، نلعب مع المؤلف نفس اللعبة. يبدأ المؤلف نيكولاس ماير روايته بتمهيد يحكى اكتشاف مخطوطة لجون واطسون لم تنشر بعد، وجدها عمّه فى صندرة منزل اشتراه فى هامبشير كان لسكرتيرة واطسون التى كانت تكتب على الآلة الكاتبة ما يُمليه عليها الطبيب العجوز. وما هذه الرواية سوى إعادة صياغة لمحتوى هذه المخطوطة بعد تنقيحها. تجمع هذه الرواية بين شخصية روائية هى شارلوك هولمز، وشخصية حقيقية هى عالم النفس الشهير سيجموند فرويد. شخصية هولمز الأسطورية العبقرية التى ابتدعها الكاتب الإنجليزى آرثر كونان دويل أصبحت المرجع الأوّل فى الرواية البوليسية. ما سرّ علاقة هولمز بعلم النفس؟ فى ثلاثينيات القرن العشرين تكوّنت جماعات أدبية تدارست روايات هولمز بحيث يتسنى لها التعمّق فى «فهم خفايا النفس البشرية على الطريقة الشرلوكيّة». بينما نشرت مجلة علم النفس البريطانية عام 1988 بحثا يُثبت أن أشهر من بحث السلوك فى القرن التاسع عشر لم يكن عالما سيكولوجيا وإنما كان مخبرا خاصا هو شارلوك هولمز. إضافة إلى ذلك؛ يقوم عمل كل من هولمز وفرويد على قيام الدليل والبرهان، فى حالة هولمز كان الدليل عبارة عن اعترافات فاعل رئيسى يليها إدانة من المحكمة، بينما فى حالة فرويد فكان الدليل هو قبول المريض للتفسير. كان الصراع الأساسى فى نظرية التحليل النفسى هى الصراع الأوديبى، صراع الطفل ضد الأب وتخيّل تدميره، ويظهر مثل هذا الأب فى 23 حالة من حالات هولمز. وأخيرا ترد على لسان هولمز فى رواياته عبارات تكشف عن فه عميق لقواعد علم النفس مثل: « أنت ترى ولكنك لا تلاحظ»، و «الإنسان.. ذلك اللغز الغريب». ليست رواية ماير، التى نُشرت أوّل مرّة فى إنجلترا فى 1975، هى الوحيدة التى تتخيّل لقاء حقيقيا بين هولمز وفرويد. فى عام 1994؛ نال دكتور كيث أوتلى جائزة الكومنولث البريطانى عن روايته الأولى بعنوان «قضية إيميلى» والتى تدور حول لقاء بين شارلوك هولمز وسيجموند فرويد. حيث البطلان يبحثان فى القضية ذاتها. ظلّت هذه العلاقة مصدر وحى وإلهاما لكثير من الروائيين والمفكّرين. الاسم الأصلى للرواية التى بين أيدينا هو «المحلول الذى تبلغ درجة تركيزه 7 %.. من ذكريات د. جون واطسون كما حرّرها نيكولاس ماير». العمل يعد بقراءة شيّقة ومثيرة جدا.. ويجمع قراء من محبّى الشخصيتين، فرويد وهولمز، ويسمح بالاقتراب من الجو العام فى هذه الفترة، ومن الأساليب العلمية فى التحقيق والبحث النفسى،ويعطى بعض الإجابات عن السؤال الأوّل والأخير: ما سرّ التأثير العميق حتى الآن لشارلوك هولمز على مؤلفّى روايات المغامرات البوليسية وكاتبى أفلام الحركة والإثارة وحتى مصمّمى مسلسلات الكارتون.