وضعت الأزمة الهنديةالباكستانية أوزارها تقريبا، ورغم تعدد وجهات النظر حول ما جرى بين الجارتين النوويتين خلال الأيام الماضية فإن جانبا هاما لا يكاد كثير من المحللين يلتفت إليه وهو الجانب العسكرى من الصراع، إذ يعد إسقاط مقاتلتين من طراز MiG-21 «روسية الصنع» التابعة لسلاح الجو الهندى بواسطة المقاتلة الباكستانيةالصينية من طراز JF-17 Thunder منعطفا جديدا سيكون له تأثير كبير فى عالم التسلح العسكري، لا يمتد لأطراف النزاع فحسب ولكن لدول أخرى فى الشرق الأوسط تعتمد على هذا النوع من الأسلحة. ما حدث هو أن المقاتلات «الباكستانيةالصينية» التى تصدت للطائرات الهندية فى إقليم كشمير المتنازع عليه بين الجارتين مثل صدمة لكثير من المهتمين بالشأن العسكري، فالطائرة الصينية التى أسقطت مقاتلتين روسيتين أثارت عدة تساؤلات فى سوق السلاح الدولية بشأن ظهور السلاح الصينى وتفوقه فى صراع دولى بهذا الحجم، وبدون شك فإن هذا الحادث قد يؤدى إلى إعادة تقييم أسلحة الردع الصينية عالمياً وترتيبها بالنظر الى مدى فعاليتها وكفاءتها القتالية. الصدمة دفعت واشنطن للتشكيك فى هوية المقاتلة التى أسقطت الطائرتين الهنديتين استنادا لمزاعم هندية تشير إلى استخدام جارتها الباكستانية طائرات إف- 16فى المعركة الجوية بينهما، وكان رد فعل واشنطن من خلال تأكيدات سفارتها فى إسلام أباد بأنها «تسعى للحصول على معلومات» بشأن استخدام باكستان طائرات إف – 16 الأمريكية، وأن هذا يعد انتهاكا لاتفاقات بيع هذا النوع من الطائرات بينهما وذلك على الرغم من تأكيدات الأخيرة ووسائل إعلام أمريكية أن إسلام أباد لم تستخدم طائرات إف 16 فى إسقاط المقاتلة الهندية عندما عبرت خط السيطرة على الحدود. من جانب آخر، تتابع نيودلهى الأمر بقلق وتوليه اهتماما فائقا لأنه يمس أسطولها الحربى الذى يعتمد على المقاتلات من طراز ميج 21 والذى طالما حقق نتائج إيجابية لصالحها طوال حربها مع باكستان منذ عام 1971 حيث لعبت الميج - 21 دورا هاما فى هذه الحرب وأمنت التفوق الجوى الهندى على باكستان ما أدى إلى قيام الهند بعدة تعديلات عليها وأطلقت عليها بعد التحديث اسم «ميج - 21 بيسون». تجدر الإشارة هنا إلى أن 60 % من السلاح الهندى الحالى روسى الصنع، رغم انخفاض اعتماد الهند على السلاح الروسى فى السنوات الماضية وتنافس الولاياتالمتحدة وإسرائيل على المرتبة الأولى والثانية فى تصدير السلاح للهند بعد أن كانت روسيا على هذا العرش لعقود من الزمن. القلق الهندى يتجلى فى تفوق الخصم الباكستانى فى معضلة الجو بطائرة حربية مقاتلة خفيفة متعددة الأغراض صناعة باكستانية صينية مشتركة فى مقابل مقاتلات من طراز ميج 21 «العمود الفقري» للقوات الجوية الهندية، التى يوجد بها حوالى 200 من هذا الطراز . هذا ما جعل قائد القوات الجوية الهندية المارشال بيرندر سينغ دهانوا، يبدو فى حالة دفاع عن النفس أثناء رده على أسئلة الصحفيين عن الأسباب التى تقف وراء نشر هذا الطراز من الطائرات الحربية واستعمالها فى العمليات العسكرية الأخيرة مع باكستان، حيث شدد على أن «ميج - 21» لا تزال طائرة قادرة بعد تحديثها الأخير، قائلا: «إن طراز ميج - 21 بيسون، عبارة عن طائرة قادرة، وقد تم تطويرها ولديها رادار أفضل، وصواريخ جو جو ونظام أسلحة أفضل، وأضاف : نحن نقاتل بجميع الطائرات الموجودة فى حوزتنا. المقاتلة الهندية الروسية الصنع التى أثارت غضب الهنود بعد إسقاطها يرجع تاريخها إلى خمسة عقود سابقة، و هى عبارة عن طائرة حربية اعتراضية أسرع من الصوت، وخلال تاريخها الطويل، امتلكت أكثر من 30 دولة الميج - 21، وما زالت تخدم فى دول كثيرة بعد نصف قرن من تحليقها لأول مرة. استطاعت الميج - 21 إحراز عدة انتصارات جوية أشهرها فى حرب 1973 وخصوصاً فى معركة المنصورة الجوية التى وقعت يوم 14 أكتوبر 1973 والتى استطاعت خلالها حوالى 65 طائرة ميج- 21 أمام 160 طائرة إسرائيلية من أنواع إف - 4 فانتوم الثانية وإيه- 4 سكاى هوك إسقاط حوالى 17 طائرة إسرائيلية مقابل سقوط 6 طائرات ميج - 21 ثلاث منها بنيران العدو وثلاث أخرى نتيجة لفراغ الوقود منها. ولكن فى بداية الثمانينيات حصلت إسرائيل على طائرات إف - 16 وإف - 15 فتعدت الميج - 21 بمراحل، كما استخدمت الميج - 21 فى المراحل الأولى فى الغزو السوفيتى لأفغانستان عام 1979. فى المقابل فإن المقاتلة الصينية من طراز JF-17 تمتلك القدرة على التحليق فى مختلف الأحوال الجوية ومجهزة بمعدات إلكترونية وأنظمة تسليح حديثة تؤهلها لتنفيذ المهام الاعتراضية والهجومية، وأتت كنتيجة لتعاون مشترك بين الصينوباكستان بدأ فى 1999 وبنسبة 50% من كلفة التحديث لكل منهما، حيث يعتبر الجانب الصينى المسئول عن برنامج التصنيع والتحديث فيما تمثل الشركة الباكستانية الشريك الرئيسى المسئول عن خدمات المبيعات والصيانة بالإضافة إلى تصنيع أجزاء من هذه الطائرة فى باكستان. كانت الخطوة الكبيرة التى أسهمت بدور فعال فى إنتاج هذه الطائرة عندما أقدمت الولاياتالمتحدة على فرض عقوبات على التصدير العسكرى إلى باكستان كرد على برنامجها النووي، حينها برزت المخاوف الباكستانية من منع تزويدها بقطع غيار مقاتلات F-16 الأمريكية الصنع والتى تعتمد عليها باكستان بشكل رئيسى فى قوتها الجوية، وكنتيجة لما سبق وقعت المؤسسة الوطنية الصينية لتصدير واستيراد تكنولوجيا الطيران CATIC و باكستان فى 1999 على الاتفاق على تعاون مشترك فى الإنتاج والتصنيع . ولأن طائرات JF-17 الصينية صممت لتزويد دول العالم الثالث بمقاتلة ذات تكلفة منخفضة وقليلة الصيانة وقادرة على نشر ذخائر حديثة متطورة، أبدت بعض الدول فى الشرق الأوسط وأفريقيا وفى مقدمتها مصر اهتمامًا خاصًا بها، لأنها تستخدم خزانات الوقود أكبر حجما، وأنظمة حرب إلكترونية حديثة ورادار نشط إلكترونيًا مع إمكانياتها المتقدمة مما يجعلها طائرة مقاتلة من الجيل الرابع. وفيما يذهب محللون استراتيجيون إلى القول بنجاح المقاتلة الصينية فى إثبات فعاليتها فى الردع وإسقاط النسخة الأكثر تطورا فى العالم من مقاتلات ميج - 21 الروسية التى مازالت تستخدم فى العديد من الدول حتى الآن . يكون التساؤل: هل نتجه نحو وضع عسكرى جديد تنافس فيه الصين بقوة على الساحة لاسيما مع إثبات الطائرات الصينية دون طيار فعاليتها فى مهمات قتالية كثيرة أبرزها فى حرب اليمن وتغيير السلاح الصينى المعادلة اليمنية لصالح دولة الإمارات وفقا لتقرير نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، هذا إلى جانب توجس إسرائيل من أية صفقات أمنية تبرمها أى دولة عربية مع الصين، مهما كانت هذه الصفقات صغيرة ولا تشمل أسلحة متطورة. وفى هذا الإطار صدرت دراسة منذ قرابة شهر عن «معهد أبحاث الأمن القومى» فى جامعة تل أبيب، تكشف عن تخوفات إسرائيلية من أسلحة صينية فى الشرق الأوسط. كذلك أشار تقرير صادر حديثا عن وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن الإنتاج الصينى فى مجال الصواريخ البالستية والصواريخ الموجهة وصواريخ أرض – جو وصواريخ جو – جو، لاستخدام جيشها وللتصدير، تحسن بشكل كبير فى السنوات الأخيرة. ومعظم الصواريخ الصينية البالستية والموجهة قريبة من حيث أدائها لمنتجات موازية من صنع دول غربية وروسيا، وقسم منها معد للتصدير. وتطورت الصناعيات الجوية التجارية والعسكرية الصينية فى السنوات الأخيرة، وفقا للدراسة، وباتت تصنع طائرات شحن كبيرة وطائرات مقاتلة من الجيلين الرابع والخامس، وطائرات بدون طيار عصرية لغرض الاستطلاع والهجوم، ومروحيات. كذلك طورت الصين قدراتها الصناعية البحرية، وبينها بناء الغواصات والبوارج حاملة الصواريخ والطيران البحرى ووسائل بحرية أخرى بواسطة تطوير وتوسيع أحواض بناء السفن. ووفقا لوزارة الدفاع الأميركية، فإن الصين هى أكبر منتج للسفن فى العالم، وتسلح سفنها الحربية بوسائل متطورة فى مجال المضادات الجوية والحماية تحت سطح البحر، وتطور قدرات هجومية فى هذا المجال. وبالرغم مما تكشف عنه الأرقام والإحصائيات من سيطرة أمريكية روسية على سوق السلاح العالمية، مع محاولات أوروبية وصينية لإثبات الوجود فى هذا المجال، وفقا لتقرير معهد استكهولم الدولى لبحوث السلام، الذى يشير الى إن روسيا تعد المورد الرئيسى لعدد من أكبر وأهم الدول فى العالم. تحذر الدراسة الإسرائيلية من اتساع التصدير الأمنى الصينى إلى الشرق الأوسط والذى تراه يضع تدريجيا تحديا متزايدا أمام إسرائيل والجيش الإسرائيلي، لعدة أسباب أبرزها كما أوردت الدراسة بأن الصين تزود السلاح لإيران، وهى دولة عدو بالنسبة لإسرائيل، ولأن معظم الأسلحة الصينية التى تصل إلى المنطقة يستخدمها الجيش الصينى بالأساس، وليست منتشرة كثيرا فى العالم. هذا إلى جانب إن الصين على عكس أمريكا لا توجد فيها تشريعات تلزمها بالحفاظ على التفوق النوعى الإسرائيلي، ولا يوجد بين الصين وإسرائيل قناة اتصال منتظمة للحوار حول هذا الموضوع. وخلصت الدراسة إلى أن «اتجاهات إنتاج الأسلحة والتجارة الأمنية الصينية تدل على وجود احتمال للتغيير فى هذا المجال، وتستوجب ازدياد المتابعة الإسرائيلية لها. وعلى الحكومة الإسرائيلية السعى باتجاه فتح قنوات حوار مع الحكومة الصينية حول موضوع الصادرات الأمنية إلى الشرق الأوسط.