يقول المؤرخ الفرنسى الشهير «بول فين» إنه لا يوجد شىء اسمه حقيقة جاهزة، بل حقائق نخلقها نحن وننتزعها من سياقاتها ونعيد موضوعاتها، فى سبيل أن تكتسب معنى جديدًا.. وهذه المقولة يمكن أن تلخص جوهر الفيلم الوثائقى وأن تقصّر الفارق بينه وبين الفيلم الخيالى، إذ أن الأول صار بشكلٍ أو بآخر أحد مصادر التاريخ المرئية فى وقتنا الراهن يقوم فيه صنّاعه على تأويل الوقائع وتحويلها إلى صور. رغم أن الخلاف لا يزال حتى الآن قائمًا حول ماهية الفيلم الوثائقى، فإن الجميع يتفق على أنه يعتبر معالجة خلاقة للواقع، وهو التعريف الذى خرج به الناقد والمخرج الاسكتلندى «جون جريرسون» فى ستينيات القرن الماضى، رغم أنه لم يشترط أن يكون موضوع الفيلم عن الحياة الواقعية، بل أشبه بصورة لها. سياسى.. فاسد فى مساء يوم 25 يناير الماضى، داهمت عناصر من مكتب التحقيقات الفيدرالى «إف.بى.آى» منزل السياسى الأمريكى المخضرم والجمهورى المتطرف «روجر ستون»، وألقت القبض عليه، وذلك بموجب مذكرة قضائية صادرة عن مكتب المحقق الخاص «روبرت مولر» الذى يتبع وزارة العدل ويجرى منذ مايو 2017 تحقيقًا واسعًا حول احتمالية تورط أشخاص من حملة الرئيس «دونالد ترامب» الانتخابية مع قصر الكرملين الروسى. وجّه مكتب «مولر» 7 اتهامات ل«ستون» منها الكذب أثناء شهادته أمام الكونجرس الأمريكى بصفته مستشارًا غير رسمى ل«ترامب» أثناء حملته الرئاسية، ودوره فى تسريب وثائق ل«ويكيليكس» فى أكتوبر 2016 تتضمن وسائل خاصة مقرصنة من المعسكر الديمقراطى بهدف التأثير على فرص انتخاب «هيلارى كلينتون»، وسرعان ما أفرج عنه بكفالة بعد أن نفى تلك الاتهامات، ومثل أمام المحكمة يوم الثلاثاء الماضى، مكررًا نفيه لهذا الأمر. قبل فتح تحقيق «مولر» بشهرٍ واحد، وبالتحديد يوم 23 أبريل، عقد مهرجان «تريبيكا» السينمائى بولاية نيويورك فيلمًا وثائقيًا بعنوان «Get Me Roger Stone» أو «أريد روجر ستون»، وهو من إخراج ثلاثى مشترك ما بين «ديلان بانك» و«دانيال ديماورو» و«مورجان بيمه»، وعرض على شبكة «نتفليكس» فى 12 مايو 2017. الفيلم مستند بشكلٍ كبير على تحقيق مطول أجراه الصحفى الشهير «جيفرى توبين» بمجلة «نيويوركر»الأمريكية عام 2008، بعنوان «المخادع القذر» يستعرض فيه أساليب «ستون» فى تشويه المعارضين بتكليف من أعضاء بالحزب الجمهورى، وكيف أنه كان بمثابة «سمسار» ل«ترامب» فى صفقات شراء عقارات بمدينة لاس فيجاس إبان التسعينيات. ومنذ 2011، عكف صناع الفيلم على سرد الطريقة التى أثر فيها «ستون» على الحياة السياسية داخل الولاياتالمتحدة، ومدى انتشار فكرة «اللوبى» أو جماعة الضغط، التى ظهرت للنور على يد «ستون» نفسه حينما كان مستشارًا كبيرًا بحملة الرئيس الأسبق «ريتشارد نيكسون» الذى يعتبره بمثابة (مثله الأعلى) لدرجة أنه رسم على ظهره وشمًا كبيرًا يحمل صورته. أحدث الفيلم عند صدوره ضجة شديدة، خاصة أن ذلك جاء تزامنًا مع عزل «ترامب» لمدير «إف.بى.آى» حينها «جيمس كومى»، وهو ما جعل البعض يتكهن أن «ستون» أوعز ل«ترامب» فكرة عزله، كما كان له الفضل فى أن يكون أول من أدخل فى رأسه فكرة الترشح للرئاسة فى تسعينيات القرن الماضى، وهو ما حدث بالفعل عام 2000 قبل أن يتراجع «ترامب» عن تلك الخطوة لعدم وجود دعمٍ له. وكان الفيلم أول من سلط الضوء على قيام «ستون» بإنشاء أول شركة «لوبى» بالولاياتالمتحدة مع صديقيه «تشارلز بلاك»، والمحامى «بول مانفورت»، وهو أحد مستشارى حملة «ترامب» الانتخابية، والمسجون الآن بعد اتهام «مولر» له بأنه قام بغسيل الأموال لحساب «ترامب»، والعمل لصالح دولة أجنبية، وهو ما اعترف به بالفعل مؤخرًا. فنان.. متحرش ويوم 25 يناير الماضى أيضًا، وخلال فعاليات مهرجان «صنداس» السينمائى بالولاياتالمتحدةالأمريكية، عرض مخرج الأفلام الوثائقية البريطانى «دان رييد» آخر أعماله: فيلم بعنوان «Leaving Neverland» أو «الرحيل عن نيفرلاند»، وهو الاسم الذى يشير إلى مزرعة «نيفرلاند» الشهيرة بمدينة سانتا باربر فى ولاية كاليفورنيا، والتى كانت مسكنًا لملك البوب الراحل «مايكل جاكسون» فى الفترة ما بين عامى 1988 و2005. هذا الفيلم الذى سيعرض فى مارس المقبل على شبكة شركة الإنتاج العملاقة «إتش.بى.آو»- وهى إحدى الجهات المنتجة للفيلم- أثار موجة جدل شديدة داخل الولاياتالمتحدة وخارجها لا تزال أصداؤها قائمة حتى الآن، وأعاد مجددًا فتح قضية اتهامات التحرش الجنسى التى طاردت النجم الراحل منذ عام 1993 وحتى بعد وفاته، رغم أنه برىء منها رسميًا من قبل القضاء عام 2005. بالطبع أثار «جاكسون» تساؤلات شتى حول علاقته بالأطفال، بيد أنه كان دائمًا محاطًا بهم ولأنه كان يحرص على أن تكون حياته «غامضة» نوعًا ما، كما يتذكر الجميع موقفه الغريب حينما أطل على معجبيه عبر شرفة فندقه فى العاصمة الألمانية برلين عام 2002 وطلفه الرضيع «بيجى» يتدلى على صدره واضعًا على رأسه منشفة، وسط استغراب وذهول من الحشود، وهو ما عرف لاحقًا ب«فضيحة الشرفة». تبلغ مدة عرض «الرحيل عن نيفرلاند» 4 ساعات، ويستعرض فيه «رييد» شهادتى شابين يدعيان «ويد روبسون» و«جيمس سيفتشاك»، كلاهما زعم أن «جاكسون» تحرش جنسيًا بهما حينما كانا طفلين، حيث يظهران وعائلتاهما طيلة الفيلم وهما يسردان تفاصيل مثيرة وغريبة عن ملك البوب، مصورين إياه وكأنه مسخ. يقول «روبسون» إنه كان مهووسًا ب«جاكسون» حينما كان طفلاً صغيرًا، لدرجة أنه تعلم حركاته الراقصة الشهيرة، وعندما فاز بمسابقة للرقص وهو فى الخامسة من عمره منتصف الثمانينيات، كانت الجائزة هى أن يلتقى مثله الأعلى، وبالفعل، التقى الطفل بملك البوب ونشأت بينهما علاقة صداقة، إلى أن بلغ السابعة، وكانت أول حادثة تحرش تعرض لها. يحكى «روبسون» أن «جاكسون» دعاه وأسرته للإقامة عدة أيام فى مزرعته، حينها استطاع الثانى أن يقنع والدة «روبسون» بمرافقة الطفل، الذى تعرض خلال تلك الفترة إلى انتهاكات جنسية. أما «سيفتشاك» فيقول إنه التقى «جاكسون» خلال اشتراكه فى تصوير دعاية لشركة مياه غازية، ومنذ ذلك الحين تطورت العلاقة بينهما إلى أن بلغ الطفل عشر سنوات فنمت علاقة بينهما فوراً، وعندما بلغ الطفل العاشرة من العمر كان يرافق «جاكسون» فى حفلاته حول العالم وينام فى نفس غرفة نومه، زاعمًا أن «جاكسون» أجرى مراسم سرية للزواج منه، ودفع مليون دولار لوالده للسكوت عن هذا الأمر. لكن ومما يثير الدهشة والاستغراب، أن شهادة «روبسون» فى قضية التحرش الشهيرة التى رفعت ضد «جاكسون» عام 2003 من قبل «إيفان شاندلر» والد الطفل «جوردى شاندلر»، وهى القضية التى تعود وقائعها إلى عام 1993، كانت أحد الأسباب الرئيسية فى براءة ملك البوب، إذ أنه نفى كل ما نُسب من اتهامات ل«جاكسون»، رغم أنه رفع دعوى قضائية ضد ورثة الأخيرة عام 2013، يزعم فيها أنه تحرش به جنسيًا إلا أن المحكمة رفضت دعواه بحجة أنه صمت سنواتٍ عديدة قبل اللجوء إلى القانون. ومع ذلك، ورغم أن هناك نقادًا شتى ظلوا على مدار الأسبوع الماضى، يهاجمون «جاكسون» مكيلين له انتقادات عارمة، خاصة وقت عرض الفيلم، الذى شهد حضورًا كثيفًا من الشرطة، خوفًا من نشوب احتجاجات، إلا أن عائلة النجم الراحل سرعان ما أصدرت بيانًا أدانت فيه الفيلم ورفضت تلك الاتهامات قائلة: هذا «عمل يعتمد الإثارة فى محاولة فظيعة ومثيرة للشفقة لاستغلال مايكل جاكسون والاستفادة منه».