جربها بنفسك عزيزى القارئ، وقم بأخذ رأى أى من أصدقائك فى أى ألبوم غنائى جديد، ستجده يقول لك أن الأغنية الفلانية تشبه الأغنية الفلانية، فإذا كانت مختلفة فى اللحن، فهى متشابهة فى طريقة كتابتها، وإذا كانت مختلفة فى الاثنين فهى متشابهة مع أغانٍ أخرى تحمل نفس القصة، وإذا اختلفت عن الباقى فى كل ذلك، فستجدها متشابهة فى توزيعها الموسيقى مع أغانى أخرى، لدرجة تجعل مهمة الوصول إلى أغنية مختلفة ومستقلة بجميع تفاصيلها شبه مستحيلة. وقطعًا السبب الرئيسى فى هذه الأزمة هو إعادة تدوير عناصر صناعة الأغنية من البوم إلى آخر، وتقريبًا سنجد أن نفس الأسماء التى تتعامل مع كل المغنين واحدة، فهم نفس الشعراء، ونفس الملحنين، ونفس الموزعين، وأيضًا نفس العازفين الموسيقيين. ولكى يكون حديثنا أكثر وضوحًا، فما رأيكم مثلاً فى هذه الجملة: «أنا لما بقابلك ببقى فى عالم تانى.. والفرحة بتفضل مش سيعانى»، أليست متشابهة مع هذه الجملة: «ببقى فى عالم تانى.. وانتى جنبى أكيد، فرحتى مش سيعانى.. دقات قلبى تزيد»؟. فالجملة الأولى من أغنية ل«رامى صبرى»، والجملة الثانية من أغنية ل«عمرو دياب»، والأغنيتان لنفس الشاعر «تامر حسين»، فمن الطبيعى أن نجد تشابهًا فى الأفكار والقوافى والأسلوب الذى قد يصل لحد التطابق لأنها من نفس الشخص، ولكن هذا ليس معناه أى انتقاص من الموهبة الكبير للشاعر «تامر حسين» صاحب النجاحات الهائلة مع أهم مغنى الوطن العربى. وأيضًا على سبيل المثال سنجد أن هذه الجمل: «أنا ضعيفة ليالى الوحدة دى مخيفة، حياتى مملة وسخيفة، فى نفس الدايرة أنا ماشية بقالى سنين»، مع هذه الجمل: «سنين و أنا عايشه فى مشاكلى، وبعمل أنى ناسياها، من العيشه اللى عايشاها»، مع هذه الجمل: «أنا اللى حياتى عاندتنى وطول الوقت ظلمانى، وتملى الدنيا تمسكنى من إيدى اللى وجعانى» تصلح جميعها بأن تكون أغنية واحدة مكتملة، ولكن المفاجأة أن هذه المقاطع مأخوذة من ثلاث أغانٍ مختلفة، أغنيتين ل«اليسا» وأغنية ل«أنغام» وجميعها من كتابة نفس الشاعر «أمير طعيمة» صاحب النجاحات المهمة مع أكبر مغنى الوطن العربى. مثال ثالث وأخير، هذه الجمل «صحيتى الجنون»، و«صحيتى ليل العاشقين»، و«عشان تصحى غيرتى»، و«ليل الحب صحانى»، و«تصحى فيا أنا الإحساس»، كل جملة فيها مأخوذة من أغنية مختلفة، ولكن جميعها من كتابة نفس الشاعر «تركى آل شيخ» مع نفس المغنى «عمرو دياب» وهذا لا يقلل أيضًا من حجم النجاح الجماهيرى لهذه الأغانى. أما عن الألحان والتوزيعات فسنحتاج لأمثلة كثيرة وسيتطلب الأمر لأكثر من مقال، وعن سبب اختيار هذه النماذج التى تحدثنا عنها فى السطور الماضية فكان الغرض منها هو إبراز ثلاثة أجيال مختلفة من الشعراء الذين يكتبون بنفس الأسلوب الذى يصل لحد التطابق فى أكثر من أغنية وكأنهم يقومون بإعادة تدوير نفس مصطلحاتهم وأفكارهم، ولذلك من الطبيعى أن نشعر بأن الأغانى تشبه بعضها لأن المغنين أصبحوا غير مهتمين بالبحث عن المواهب الجديدة والأفكار المختلفة. وإذا كنت عزيزى القارئ تشك فى صحة كلامى، أرجوك جرب بنفسك، وابحث عن أسماء فريق عمل أى ألبوم غنائى بشكل عشوائى فى آخر 15 سنة، ثم قم بكتابة أسماء صناعه، ثم ابحث أيضًا عن أسماء فريق عمل أى البوم غنائى لفنان آخر فى ال 15 سنة الأخيرة أيضًا، وستجد بنفسك عددًا لا بأس به من الأسماء المكررة فى الألبومين سواء كانوا شعراء أو ملحنين أو موزعين، فإذا نجح الشاعر الفلانى مع أى مغنٍ من المغنين فسنجد أغلب المغنين الآخرين يتجهون للعمل معه ويزداد الطلب على أعماله، وتكون النتيجة فى النهاية إعادة تدوير لنفس الأفكار والمصطلحات فى الأغانى المختلفة، حتى أصبحت الأغانى جميعها كأنها أغنية واحدة!.