12 عامًا مرت على إعدام صدام حسين، الرئيس الأسبق للعراق، ولأن هناك مصريين تعلقوا بحبه نظرًا لسفرهم للعراق خلال الثمانينيات سمى أهالى قرية بمركز سمنود بمحافظة الغربية عزبتهم باسم «صدام حسين»، وسموا أبناءهم قُصى وعدى ورغد، وغيرها من أسماء أبناء صدام، كما أنهم يحيون ذكرى رحيله كل عام. عزبة «صدام حسين» الواقعة بقرية أبوصير بنا التابعة لمركز سمنود، بالغربية، تضم ما لا يقل عن ألف منزل تم بناؤها بأموال جلبوها من عملهم بالعراق فى حرف مختلفة، وكل هذه البيوت مبنية على الطراز العراقى، كما أن أسماء الشوارع أيضًا عراقية مثل تكريت، النجف، ابن سينا، كركوك، الموصل، وأول شارع أطلق عليه أسماء مدن العراق «شارع بغداد». يؤكد الأهالى أنه حتى عام 1978 لم يكن السفر إلى العراق يشكل رغبة لأحد فى القرية التى كانت عبارة عن عدد كبير من المساكن المبنية بالطوب اللبن، إذ إن 90 % من أهلها فلاحون وتحيط بالقرية آلاف الأفدنة الزراعية، وبدأ السفر للعراق فى 1979، ومع حديث الأهالى عما يحصله المسافرون من مكاسب ومرتبات هناك، اندلعت حمى السفر إلى العراق، ومع بداية الثمانينيات تزايد عدد المسافرين للعمل بالعراق إلى 5 آلاف من أعمار مختلفة، وتوالى بناء المساكن فى العزبة على الطراز العراقى. فى موقف السيارات الخاص بالقرية، وقبل الوصول تشعر أنك داخل موقف سيارات بالعراق، فالسائقون يرتدون «الشال والشبيك العراقية»، بنفس طريق لف الشال فى بغداد، ويستمعون للأغانى العراقية، والجميع هناك يعشق صدام، ويحكون مآثر عما فعله صدام معهم فترة وجودهم فى العراق وهناك من حكى له أبوه وجده. «روزاليوسف» التقت أهالى القرية ليتحدثوا عن سر تعلقهم بصدام حسين وحبهم له، ونقل ما رأوه فى العراق إلى قريتهم حتى فى الطراز المعمارى وشكل البناء. صدام يحلم بزيارة قريته عبدالمقصود عبدالتواب، أو أبو صدام، يقول إنه عمل بالعراق 10 سنوات، فى الحديد المسلح بمدينة بغداد، وجنى الخير الكثير من عمله فى العراق، وسمى ابنه «صدام» حبًا فى الرئيس العراقى الأسبق، ونفس الشىء فعله أشقاؤه، وأكثر من ثلث أبناء العزبة سموا أبناءهم باسم صدام وأبنائه عدى وقصى ورغد ورنا وحلا، فلا توجد عائلة بالعزبة إلا وسمت باسم من عائلة صدام حسين، كما أن عددا كبيرا منهم من مواليد العراق. وأضاف: «تم تسمية العزبة باسم صدام حسين من شيخ البلد فى الثمانينيات الحاج محفوظ الجبالى، الذى تقدم بطلب تسمية العزبة باسم «عزبة صدام» إلى المجلس المحلى لمركز سمنود وبالفعل أصبحت العزبة تحمل اسم صدام حسين، ويوجد لجنة انتخابية تحمل اسم عزبة صدام حسين، وكذلك موقف الميكروباصات. وأكد «عبدالتواب» أن صدام عندما علم أن هناك قرية مصرية تحمل اسمه، قرر زيارتها، لكن لم تكتمل بسبب ظروف الحصار الذى كان مفروضًا على العراق. وعن إطلاق أسماء مدن العراق على الشوارع المؤدية للعزبة، أوضح أن أهالى العزبة كانوا يعيشون فى مدن مختلفة بالعراق، وكل شخص أطلق اسم المنطقة على الشارع الذى يعيش فيه، ومن هنا أصبح يوجد أسماء شوارع العزبة على مدن العراق، ولا يوجد بيت بالعزبة إلا وكان يعمل منه شخص أو اثنان بالعراق، وأكثر المصريين الذين سافروا للعراق كانوا من محافظة الغربية. وعن ردود أفعال أهالى العزبة عقب مقتل صدام حسين، قال: «كلنا كنا فى حالة حزن شديد، وبكى عليه كل أهل العزبة، الذين كانوا يجلسون أمام الفضائيات للاستماع لمحاكمات صدام، وقبل ذلك أيضًا كنا نجلس 24 ساعة طوال الهجوم على بغداد ونحن واثقون من انتصار صدام حسين وعودتهم مرة أخرى للعمل فى العراق، لكن سرعان ما سقطت بغداد وقتل أبناؤه عدى وقصى، وتحولت العزبة لحالة من الأحزان منذ سقوط بغداد 2003 إلى مقتل صدام حسين 2006، وفى ذلك الوقت انقطع الاتصال بين عدد كبير من أبناء العزبة مع أهاليهم هنا. العراق أحلى من فرنسا ويضيف الحاج مصطفى عبدالفتاح، من أبناء العزبة، والذى عمل بالعراق 7 سنوات، نجارًا بمدينة الموصل، وهو أب ل5 أبناء منهم صدام وعدى إنه ما زال يتذكر أجمل ذكريات العراق، ويقول: «عندما ذهبت للعراق لم أكن أمتلك شيئًا وبعد عام واحد فقط أصبح لدى بيت وتزوجت، وكان هناك بعض الشباب يسافرون فرنسا ويرفضون العراق أما أنا عندما خيرونى اخترت العراق فورًا، فالكل كان يعمل بها سواء كبير أو صغير، الدولة الوحيدة التى كانت تفتح العمل لكل العمالة مهما كان عمرها، وصدام حسين كان عاشقا للمصريين ويحميهم، وكثيرًا ما كانت تحدث مشاجرات بين المصريين والعراقيين، فكان صدام يتدخل لدرجة أنه فى أحد خطاباته قال: «أى عراقى يحاول المساس بالمصرى يسجن فورًا»، وفى مرة أخرى قال: المصرى عندى بعراقيين. صدام قد أعطانا الحرية». وقال: إننا بالعزبة نحيى ذكرى وفاة صدام كل عام بالدعاء له ولأبنائه. عزاء للزعيم العربى حامد الراشدى، 55 عامًا، يقول: «لا أنسى يوم مقتل صدام حسين، كانت بيوت العزبة فى حالة حزن وبكاء والقرآن الكريم ينطلق من كل منازل القرية، تم فتح الخيمة بالعزبة لاستقبال العزاء، حتى إن شباب القرية أجلوا زفافهم لما بعد الأربعين، ما زال عيد الأضحى يسبب لنا حالة من الذعر، وصدام حسين كان يمثل لأهالى العزبة ولكل المصريين الذين عملوا بالعراق «الأب»، وبعد موته شعرت أن أبى توفى، مضيفًا: عملت بالعراق 4 سنوات فقط، وكانت من أفضل سنوات حياتى، كنت أعمل هناك فى مجزر الدواجن، وخلال هذه الفترة استطعت بناء منزل والزواج، مشيرا إلى أن جميع أهل هذه العزبة استطاعوا تكوين مستقبلهم من خلال العمل فى العراق وكان هذا هو السبب الرئيسى لإطلاق اسم صدام حسين، وحبا فى شخصية صدام التى كان لها تأثير كبير فى نفوسهم مما يصعب عليهم نسيان اللحظات العصيبة سواء عند اعتقال صدام حسين أو استشهاده. مصريون فى البعث ويقول محمود الجندى، الذى عمل 8 سنوات بالعراق: «رأينا الخير كله فى العراق، وقبل أن اذهب للعراق كنت أعمل مع والدى بالأرض، ونسكن فى بيت من الطين، وبعد السفر امتلكنا منزلًا كبيرًا، واشتريت سيارة وتزوجت عراقية لدى منها 5 أبناء أكبرهم «قصى» على اسم نجل صدام وهو يعيش الآن بفرنسا، ما زلنا حتى الآن نتذكر الأيام الحلوة بالعراق، ونجلس ونتحدث عن ذكريات العراق والأماكن التى كنا نعمل فيها، وبعد سقوط العراق وصدام تدهورت الأحوال الاقتصادية بالعزبة والقرى المجاورة». وأضاف: «كنت أعمل سائقا فى شركة النفط، وكان ممنوعا أى شخص الدخول لمستودعات البترول، ولكن الرئيس العراقى صدام أمر بإصدار بطاقات الدخول فقط للمصريين، وبعض المصريين انضموا لحزب البعث، وفى عهد صدام كان المصرى يحصل على نفس حقوق العراقى بل أكثر. أصغر طفل أثناء التجوال بالعزبة التقينا بالطفل صدام على، وهو أصغر شخص يحمل اسم صدام بالعزبة حتى الآن، ويقول: «جدى هو من سمانى باسم صدام حبا فى الرئيس العراقى صدام، حيث كان أبى وأشقاء والدتى يعملون بالعراق، وتزوجوا من عراقيات، وجدى أيضا كان يعمل بالعراق فى فترة الثمانينيات، فهو الذى يحرص دائما معى فى الحديث عن الرئيس العراقى وعن ذكرياته بالعراق، لذلك أتمنى عندما أكبر أن أذهب للعراق وزيارة قبر صدام حسين. وقال الطفل عُدى، 13 عامًا: أنا أسمى عدى صدام، و«هطلع قوى زى صدام»، الذى رفض الاستسلام أمام العدو، ومات وهو بطل. 200 امرأة عراقية بالعزبة تقيم بالقرية أكثر من 200 سيدة عراقية تزوجن مصريين فى العراق وقدمن معهم منذ سنوات للإقامة فى العزبة التى تحمل اسم صدام حسين. كريمة خلف سيدة عراقية، فى الخمسينيات من عمرها، قالت: نشأت فى مدينة النجف بالعراق، وجئت مع زوجى عام 1990، بعد أن تزوجت بالعراق، وأنجبت ولدين وبنتا، والابن الرابع أنجبناه فى مصر. وأضافت: «أشعر بالفخر والعز، أنى أعيش فى مكان يحمل اسم الرئيس العراقى صدام حسين، ولم أعرف قبل مجيئى مصر أن هناك عزبة تحمل اسمه، وبسبب حب المصريين وافقت عائلتى على زواج شقيقتى أيضًا من مصرى من أبناء العزبة. وتروى السيدة العراقية عن ذكرياتها فى العراق، أن الرئيس صدام حسين كان يدخل البيوت ويفتح الثلاجات حتى يتأكد إن كانت عائلة فى حاجة للطعام أم لا، وكان يمنح قروض المبانى للأهالى لكل من فى حاجة لمسكن.