دائماً ما ترتبط هواية القراءة بحب اقتناء الكتب، وتراكم الكتب يعنى تكوين مكتبة فى البيت. الحديث عن المكتبة باعتبارها عالما آخر يثير شغف القارئ، كان محور عدد من الكتب صدرت مؤخرا. نستعرض هنا كتب وأعمال تناولت المكتبات، كمعلم سياحى،أو حتى كبطل فى رواية. اختلف التناول من كاتب لآخر تبعاً لما تُشكّله المكتبة فى ذهنه كمنطقة ساحرة؛ فتارة تكون جزءًا من حبكة روائية تُصوّر فيه المكتبة كعالم ميتافيزيقى تصبح الكتب فيه مجرد باب للدخول، وتارة أخرى يسرد الكاتب الصورة المتخيّلة لديه عن مكتبات كُتّابه المفضلين. لكن من زاوية أخرى يصبح التعامل مع المكتبة كمزار سياحى أكثر اقتراناً بالواقع، واقترابا من الصورة الحقيقية للمكتبة فى حياتنا. فى تلك الصورة؛ تتولى رائحة الكتب وشكل الأرفف عملية جذبك كقارئ. 1 حول العالم فى 300 صفحة ! فى الكتاب الصادر مؤخراً عن دار العربى «زيارة لمكتبات العالم.. أشهر مكتبات بيع الكتب» للإسبانى خورخى كاريون وترجمة ريم داوود، يأخذ الكتاب شكل مفكّرة شخصية للكاتب أثناء جولته لزيارة المكتبات المختلفة وساحات بيع الكتب باعتبار أنّ «كل مكتبة هى نسخة مكثّفة من العالم». خلال زيارته لإحدى المكتبات فى منطقة مجاورة لمدينة «لاس فيجاس» يصف «مكتبة باول» بأنها تشبه نادياً للقمار إذ تحتوى على 9 غرف لكل منها اسم لون مختلف، صالاتها متداخلة مكوِّنة «متاهة»، ويستخدم روّادها خارطة إرشادية للتجوّل داخلها، كما تحتوى المكتبة ما يزيد على المليون كتاب ما جعلها نقطة لجذب السيّاح. أما مكتبة «دوج إيرد بوكس» فقد تميّزت بطابع خاص يربطها بالحى الذى أنشئت فيه سنة 1992 إذ أصبحت واجهتها الخارجية من الزجاج لوحة تأبين للموتى من سكّان الحى فتضع صورته جوار صور مشاهير القرّاء ونجوم الفن ممّن «وحّدهم الموت وتقدير المكتبة». لكن فى مكتبة «آلان بريو» الباريسية تتصدّر الجماجم البشرية المشهد مُجاوِرة للكتب والمخطوطات والمعدّات الجراحية القديمة فتشبه فى تكوينها «خزانة مليئة بالعجائب». تلفت نظر الكاتب صورة مارلين مونرو وهى تقرأ رواية عوليس فى مكتبة «جرين آبلز» فيرى تلك المفارقة عندما «يقرأ الجسد الهوليودى العقل الأيرلندى»! أما فى مراكش تمتلئ ساحة «مسجد الفنا» بالكتب فى شكل كرنفال شعبى ولكن يستلزم الأمر معرفة المفردات الشعبية لتلك السوق، كما تتحوّل السوق لساحة طعام كبيرة بعد ظهر كل يوم، يرى الكاتب أن التعامل مع مثل هذه الأسواق المعقدة بعقلية استشراقية يعدّ تبسيطاً مُخلّا فهى «عوالم من النصوص والكتابة العصيّة على الفهم». وفى ظل تصدّر الكتاب الإلكترونى؛ يرى الكاتب أن المكتبة بمعناها الملموس صارت أشبه بالعرافات خلال عملية التحوّل للكتاب من شىء مادى إلى أحد عناصر العالم الافتراضى. 2 الغرق فى بحر الكتب تأخذ المكتبة شكلاً متخيلا فى رواية «الكتب التى التهمت والدى» للبرتغالى أفونسو كروش بترجمة سعيد بنعبد الواحد عن دار مسكيليانى، باعتبارها عالما آخر فيه «الكتاب فخ والمكتبة متاهة». تصوّر الرواية ذلك القارئ الذى غرق فى التفاصيل وحاور شخصيات الروايات بل وخلق عالماً موازياً من أبطال الحكايات وتجوّل فى الأماكن الغريبة التى لا يمكن دخولها سوى من صفحات الكتب والروايات، ساعتها يمكن وصف ذلك القارئ فعلاً أن الكتب قد التهمته أو بالتعبير الشعبى فى وصف المثقف بأن «الكتب كلت دماغه». باعتبار «أننا نتشكّل من الحكايات، وليس من الجينات ورموزها، ولا حتى من اللحم والجلد والعضلات والمخ» تتبّع الرواية خطوات «إلياس بونفين» فى البحث عن والده «فيفالدو» الموظف الحكومى، إذ كان يأخذ بعض الكتب خلسة ليتغلّب بها على الروتين اليومى أثناء عمله بمصلحة الضرائب فيتظاهر بالعمل بينما هو منغمس فى قراءة كتاب إلى أن اختفى بين سطور أحد الكتب التى يقرأها. يخرج الابن (إلياس) بحثًا عن والده فى سطور أمّهات كتب الأدب الكلاسيكى مثل «جزيرة الدكتور مورو»، ودكتور جيكل ومستر هايد (روبرت لويس ستيفنسون)، الجريمة والعقاب (فيودور دوستويوفسكى)، و451 فهرنهايت (راى برادبرى)، ويقابل خلال رحلته الذهنية التى يقضيها فى مكتبة والده شتّى أنواع المخلوقات الخيالية ونماذج مختلفة من المجرمين والشخصيات. 3 من الغواية إلى الخيال أما فى كتاب «مكتباتهم» الصادر عن دار توبقال، يأخذ محمد آيت حنا طريق آخر فى الحديث عن المكتبة، فيبدأ فى سرد صورته الذهنية المتخيلة لعديد المكتبات التى أشرف أصحابها على بنائها أو إبرازها أو حتى نقضها وهدمها دون أى نظام منطقى. ويصدّر الكتاب بعبارة «لن أتحدث عن التشابهات التى قد يلفيها القارئ بين ما هو مكتوب هنا وما قد يجده فى كتب أخرى، ولا عن التناقضات التى تنطوى عليها هذه المكتبة، فتلك أمور قلّما يحفل بها قيّم مكتبة». من مكتبة بورخيس التى ترتبط فى أذهاننا بتوصيف بورخيس نفسه بأن المكتبة هى الفردوس، بينما يراها مؤلف الكتاب رمزاً للقلق إذ تعيد الإنسان للنظر لنفسه من كل النواحى وبذلك تعد نظام جحيمى، رغم العدد اللانهائى لأرفف الكتب يمكن اختزالها فى رفّ واحد أو حتى كتاب واحد كمثال «لتجلّى الأبدية فى لحظة». ينتقل إلى مكتبة «دريدا» الفيلسوف الفرنسى، حيث يصف رفوفها بأنها تخشى الفراغ باعتبار «أن الفراغ عورة المكتبة». كما يولى اهتماما خاصاً لما يسميه «ملاحق المكتبة» فقد احتفظ دريدا بكل الأدوات التى استخدمها فى الكتابة ليكون بذلك متحفه الشخصى الذى يؤرّخ لعلاقته بالكتابة وبذلك لا يكون الناتج النهائى عنده أكثر أهمية من الأداة التى كوّنته. أما فى مكتبة «شوبنهاور» الفيلسوف الألمانى، فيكون فتح الكتاب مرادفاً لإيقاظ الموتى ويصبح تمرير اليد على رفوف المكتبة أشبه بتفقّد القبور، وبذلك تبرز أهمية المكتبة أو المقبرة عند شوبنهاور أنها ما تبقّى من أصوات الراحلين وفن القراءة عنده هو اختيار من لا ينبغى قراءتهم أو «من لا ينبغى إيقاظهم من الموت». فى إنصات أكثر لسماع صوت الكتب وتصنيفها؛ يبحث كتاب «مكتباتهم» داخل رفوف مكتبة أمبرتو إيكو عن الكتاب الملعون الذى من شأنه تدمير مكتبة بأكملها، متخيلاً ذلك الكتاب يحتوى على لعنة ما و«يُدَس كتعويذة» لإتلاف جميع الكتب. تحتفظ المكتبة سواء بتكوينها المادى أو الافتراضى فى عقل القارئ بكثير من الأسرار. تختفى الكثير من العوالم خلف الكتب وأرفف المكتبات، حكايات تغوى كل قارئ شغوف وباحث ماهر.