شارك أكثر من 100 فنان ينتمون لما يزيد على 50 دولة فى المهرجان العالمى للرسم على الأجساد الذى أقيم بمدينة كلاجنفورت فى النمسا خلال الأسبوع الماضى، ويقام هذا الحدث الفنى منذ 21 عامًا ويستمر لمدة 7 أيام، ويعتبر من أكثر المهرجانات العالمية جاذبية للفنانين وعارضى الأزياء والسياح أيضا. يذهب إلى المعرض أكثر من 30 ألف زائر يستمتعون بلوحات فنية متحركة يرسمها الرسامون المبدعون أمامهم على أجساد البشر وتستخدم الأصباغ أو أنواعا خاصة من الطين والصلصال فى تشكيل لوحات فنية تفاعلية تجمع بين السيريالية والتجريدية وتتميز بأنها لوحات حية متحركة مع مراعاة أن تكون المواد المستخدمة صحية وغير ضارة أو تسبب الحساسية للجلد. تتحول أجساد العارضين والعارضات أيضا إلى لوحات فنية حية مستوحاة من شخصيات أفلام الخيال وديزنى أو من موائد الطعام الشهية أو من أشكال الدمى والقراصنة والوحوش. وتميز المهرجان هذا العام باعتماد عدد كبير من الفنانين على رسومات ورموز مرتبطة بالحضارة المصرية القديمة وقد يصل عند البعض إلى الهوس ورسم لوحات متحركة كاملة للآلهة المصريين وبعض الوشوم والرسوم الفرعونية القديمة وهو ما فعلته عارضة الأزياء النمساوية كورينا التى حولت جسدها إلى لوحة فنية لآلهة مصرية. كورينا قالت إنها زارت المهرجان العام الماضى وعند مرور العارضين والعارضات لم تتمالك نفسها من فرط الحماس، لذا قررت أن تصبح جزءًا من الحدث وبالفعل قررت الاشتراك هذا العام. ووقفت العارضة النمساوية بثبات لمدة 6 ساعات كاملة وتركت للفنانة الجنوب إفريقية كارلا جاوز ذات العشرين عاما، مهمة نقش جسدها بالكامل ليتحول إلى لوحة فنية لآلهة مصرية فى المهرجان العالمى السنوى للرسم على الأجساد. قامت الرسامة بطلاء جسد كورينا من الرأس حتى أخمص القدمين وغطى حذاءان طويلان باللونين الأصفر والأسود ساقيها ونقشت «جعران» على شفتيها «جعران» أزرق يتسلق من بطنها باتجاه قلادة ذهبية ضخمة ووشمت كتابات هيروغليفية مذهبة أعلى ركبتيها. واعتمد فنانون آخرون على استخدام رموز فرعونية أخرى كالجعران الأزرق الذى كان يمثل إله الشمس رع وكان يستخدمه الفراعنة أختاما كالأختام الأسطوانية وأزرار الأختام وأيضا على الخواتم الذهبية الضخمة والحلى كما كانوا يحملونها كتمائم واقية من الشر إذ كانوا يعتقدون أن تلك الحشرة تجدد نفسها بنفسها تشبه المصرى القديم، إذ أنها تختفى فى الرمال ثم تظهر وكأنها خلق جديد باحتفاء الشمس أثناء الليل وظهورها من جديد فى الصباح والإلهة إيزيس هى إلهة مصرية قديمة وتعبر عن صورة الأم المثالية والزوجة الوفية عند الفراعنة والطيور المقدسة التى قام الفراعنة بتصويرها على جدران المعابد والمقابر لما لها من دلالات دينية مقدسة خاصة بالعقيدة المصرية القديمة وشكلت رمزًا لغويًا للكتابة المصرية الهيروغليفية وقناع الملك توت عنخ آمون مفتاح الحياة. وشارك عدد كبير من الفنانين العالميين منهم الثنائى البرازيلى جوناثان بافان وأليسون رودريجيس فى مسابقة الفرق وقاما بتحويل جسد عارض الأزياء ثياجو إلى لوحة تضم قطيعا من الحيوانات الملونة فى عمل أطلقا عليه اسم ثقافة العالم والرسم كان عبارة عن رأسى تنين متصلين بكتفيه ورأس فيل على صدره، كما رسما على ساقيه ما يشبه جلود حيوانات مختلفة. كما شارك الفنان الألمانى إنريكو لاين الذى فاز بلقب فنان المسابقة من قبل ورسم تمثالا حجريا على جسد متحرك مزين بالورود واعتبره عملا جديدا يشكل تحديا جديدا لأن كل جسد له طبيعته الخاصة. ومن أبرز رواد ذلك الفن سيسيليا برديس من بيرو.. التى أبدعت سلسلة من المناظر الطبيعية تماهت فيها مع البيئة المحيطة وأصبحت جزءًا من المشهد مكونة جاليرى متحركا والفنان بول روستان الذى أبدع سلسلة سيريالية بعنوان «القرش إنسان» مزج فيها بين ذلك الكائن المظلوم إعلاميا والبشر فى المقابل أبدع سيل فيربرك لوحة بعنوان «طائر الفينينق». ويستثمر ناشطو حقوق الحيوان ومنظمة بيتا ذلك الفن للترويج لأفكارهم وخلق نوع من الصدمة البصرية للتوعية بأفكارهم وقضاياهم. أسهمت الفنانة ديمى مور بالوقوف عارضة مشكلة لوحة حية وضعت على غلاف مجلة فانتى فير فى عدد أغسطس 1992. لم يكن المهرجان الوحيد الذى يعرض لوحات فنية على الأجساد لكنة الأكثر شهرة فى العالم عن غيره، فهناك ثلاث دول تقيم مهرجانات مماثلة مثل مهرجان اللوحات البشرية فى أستراليا ومهرجان رسم الأجساد فى لاس فيجاس وفلوريدا الأمريكية ويحول الفنانون الأجساد إلى لوحات مستبدلين بها الورق والقماش فى أعمال تتسم بأنها مؤقتة لدقائق أو لساعات ويمكن أن تستمر بحد أقصى أسابيع قليلة وأيضا مهرجان الذى يقام فى المركز المعارض الدولى بمدينة ووهان فى الفترة من 27 إلى 29 نوفمبر من كل عام وتعرض فيه رسوم على أجساد النساء مواضيعها تحاكى الأساطير الصينية ولم تكن الشخصيات وحدها هى الظاهرة بل كذلك تجلت الكائنات الحية والأماكن وأضيفت زينات الشعر لتضفى جوا مختلفا. يذكر أنه فى عام 2003 أقيمت 8 دورات لهذا المهرجان فى بكين وشانجهاى وقوانغتشو وغيرها من المدن الصينية وأصبح منصة مهمة للتبادلات والتعاون فى صناعة تداول السلع فى أنحاء الصين وحتى فى العالم. كما يقام فى الصين أيضا مهرجان مشابه ولكنة للرسم على أجساد البقر، لوحات فنية كاملة يتنافس فيها الفنانون على لقب أجمل لوحة ويحرص الفنانون وأهل البلدة على إقامة المهرجان كل عام مستعيدين به طقوسًا دينية قديمة لطرد الأشباح الشريرة ولكنه أصبح الآن مجرد مهرجان سنوى للاحتفال بالأعمال الفنية المرسومة على جلود الأبقار ومن المعروف ان أصول فن الرسم على الأجساد ترجع إلى السكان الأصليين فى نيوزيلندا وأستراليا وبعض أجزاء إفريقيا كما ازدهر فى الغرب فى حقبة الستينيات من القرن الماضى بينما أظهرت الدراسات الإنثروبولوجية المتخصصة فى دراسة علم الإنسان أن الرسم على الوجه والجسد ثقافة تاريخية ترجع للعصر الحجرى جاءت ثمرة تفكير استمر لقرون وفى العودة لبداية تزيين الوجه أو الماكياج فى التاريخ فقد كانت حكرا على الرجال وليس للنساء بحسب علماء التاريخ والإنثروبولوجيا وإن ذكور إنسان الإهموسابينس كانوا أول من استعمل الألوان فى التاريخ للرسم على الأجساد وحسب الباحث الأمريكى جوستاف بركسانز إن فى النيجر ما زال الرعاة يحافظون إلى الآن على التقاليد الطقوسية الذكورية المعتمدة على تلاوين الوجه والجسد فاقتصرت تلاوين ماكياج السابينس على الأبيض والأسود فقط باستخدام مادة الكلس والمنجنيز لسهولة الحصول عليها وانتشرت فى جميع أنحاء العالم وأصبح نوعا من الفنون. حيث عمد بعض الفنانين إلى استخدام الجسد كأرضية مناسبة للوحة ومنهم الفنان الأمريكى جيف كلين الذى قام برسم لوحات تشكيلية على أجساد النساء وطلب من العارضات الاستلقاء على قماشة بيضاء لتنطبع عليها الرسوم البشرية الجسدية فى لوحات بيعت بأسعار خيالية وقد اعتبرها مؤرخو الفنون التشكيلية ولادة مذهب رسم «البودى أرت» أو فن الجسد والذى يعتبر إيف كلين أباه التاريخى. وفى المجتمع المعاصر نجد أن موضة الرسم على الأجساد شاعت لدى التجمعات الشبابية الخاصة كحركة «السلام والحب» و«الهيبز» و«اليانك» و«البوب ميوزيك» و«الهارد روك» وما شابهها. كما أن حركات الشواذ فى فرنسا تستخدم الرسم على الوجه والجسد فى كرنفالها السنوى فى باريس فى شهر يناير من كل عام كالتعبير عن آراء وأفكار تريد تقديمها على الملأ مثل رسم وجوه القديسين ووجوه من التاريخ أو وجوه مخلوقات أسطورية خرافية.