هل تخيلت فرحًا بدون عروس؟ ..نعم هذا يحدث فى أفراح الجمعية، التى يقيمها البعض من أجل جمع «النقطة»، ولا يهم هنا من العريس أو من العروس، المهم جدًا كم سيجمع من المال؟. فرح جمعية، أو قرض يكون الاتفاق عليه لجمع المال فقط، ويُعتبر بديلًا للقروض ويُغنى عن البنوك. هذا الفرح له استعدادات خاصة، فلا يمكن لأى شخص مهما كان حجم النقوط الذى ينتظره، أن يدعو لفرح ويضمن نجاحه، بل الأمر يحتاج إلى خطة لها مهندسون، تعتمد فى المقام الأول على شخصين، الكبير أو أفندينا الذى يسجل النقطة فى كل الأفراح وهو بالأحرى المتعهد الذى يعقد الأفراح بالتبادل والعدل بين الناس حتى لا يظلم أحدهم الآخر، والشخص الثانى هو «النبطشي» الذى يدير المسرح، فهو الرجل الذى يمكنه أن «يحرق الليلة» أو أن يجعلها تحقق مرادها فى هدوء. أفراح الجمعية لها قانونها وعرفها وعاداتها وتقاليدها، ومن يخالفها يكون عليه حق عرب، يُحكم به فى عصر يوم الجمعة بعد أسبوع من انتهاء الليلة التى خالف قانونها. من قوانين الأفراح أيضًا ألا يحضر أفندينا مبكرًا، بل يكون حضوره فى الأفراح التى تستمر حتى الصباح فى حدود الثانية بعد منتصف الليل، فحضوره مبكرًا يجعل الجميع يلتف حوله ويصرفهم عن الفرح، وصراع النقطة ويتحول الأمر إلى مجاملات باسمه باعتباره سلطان التعاقدات. أيضًا على صاحب الفرح، أن يكسب ود «النبطشي»، ويعطيه أكثر مما يطلب، ليحافظ على التوازن، فهو هنا يصبح مثل «مايسترو خط النص» فى مباراة كرة قدم، فعليه أن يحرص على عدم صعود أصحاب النقطة الكبيرة مبكرًا حتى لا يحرج أصحاب النقطة الصغيرة، لأنه إذا صعد من سيمنح الفرح 5 آلاف جنيه، ينتهى هنا دور من يعتزم تقديم 500 جنيه، ولذلك يحرص النبطشى، على استدعاء الأفراد حسب ميزانياتهم المعهودة فى سوق الأفراح. إذا وجد النبطشى أن هناك من يريد إفساد الفرح، يتصدى له بأن يزيد من المدح فيه، وكل صاحب مهنة له اسم شهرة مرتبط بصنعته أو مهنته، يتلقى به تحية استقبال ويحتويه بها النبطشى حال قرر افتعال أزمة أو إفساد الفرح، بالإضافة إلى أنه من مهمته الدعاية للأفراح القادمة بأنه مع كل نداء يردد اسم الفرح القادم وموعده شرط أن يكون صاحبه من الحاضرين، ويحرص على التواجد وإرسال التحيات للموجودين. يعتبر فيلم الفرح بطولة خالد الصاوى ومحمود الجندى تجسيدًا واقعيًا لفكرة أفراح الجمعية، ورغم أن الفرح فى الفيلم، شهد وجود عروسين، ولو بشكل صورى، فإنه الآن لا يشترط وجود عروسين من الأساس، بل يمكن أن يُعلن صاحب الفرح فى كثير من الأحيان أنه لا يوجد زفاف أو عروسان من الأساس وأن الغرض من الفرح جمع «النقوط» فقط. فى كفر الشيخ، خصص أحد المقاهى جدرانه لكتابة مواعيد الأفراح وأسماء أصحابها، وبسؤال صاحب المقهى محمد فهمى عن سبب كتابة مواعيد الأفراح بهذه الطريقة على جدران المقهى قال: «الدعوات لأفراح حقيقية، لكنها دون عروس، والعريس هو صاحب الفرح، ويريد إقامة فرح لجمع مال فى هيئة «نقطة» لإعانته فى ضائقة مادية تواجهه، أو لاحتياجه لذلك المال للعديد من الالتزامات الحياتية مثل شراء جهاز ابنته أو بناء بيت للأسرة، أو عمل عملية تحتاج مبلغًا ضخمًا. وأضاف إن سبب وضعها على حائط المقهى، هو تذكرة جميع أبناء الشارع بيوم الفرح الخاص بكل شخص فى المنطقة لمجاملته بتلك «النقطة» ومن أجل فك ضائقته، وتطور الأمر حتى أصبحت مثل جمعية ثابتة تتم كل شهر يوم الخميس وهو يوم معروف فى عرف المصريين بأنه يوم الأفراح وإحياء الليالى الملاح، ومعظم المشاركين فى تلك الأفراح رجال، فهذه الأفراح ذكورية فى كل تفاصيلها باستثناء الراقصات. من قواعد الفرح أن يكون عبارة عن شادر ضخم يُنصب فى منتصف الشارع، وفى مقدمة الشادر لافتة ضخمة تحمل اسم صاحب الفرح وأسرته، ويُضاف للشادر أنوار ملفتة، ويتم وضع بوفيه ضخم أيضًا فى منتصف الشادر عبارة عن مشروبات ساخنة «شاى وقهوة» ويكون هناك شخص مسئول عن تقديمها مرتدياً ملابس مقدم القهوة والشاى لجميع الحضور، فالمشروب واجب رسمى. والطريف فى الأمر أن فى نهاية الشادر كعادة الأفراح كوشة خاصة بالعروسين لكن خالية وتظل طوال الاحتفال خالية ولا يجلس بها أحد، وهناك شخص يجلس بجوار الشادر ومعه أبناؤه وأقاربه من الرجال وهو صاحب الفرح وأمامه صندوق وجميع الحضور يقومون بوضع ظرف به مال، ويسجل صاحب الفرح الأسماء، وبعد انتهاء الفرح يكتب المبلغ بجوار الاسم. ويضيف صاحب المقهى: «أقل فرح يجمع من 50 إلى 100 ألف حسب الحضور، وهو مبلغ يساعد على حل أى أزمة، والدعوة للفرح تكون بلصق ورق على حوائط الشوارع أو وضع لافتة ضخمة فى المنطقة التى يعيش فيها صاحب المناسبة، وفى بعض الأحيان يوزع دعوة ورقية على المقربين ممن يرحبون بالحضور لمجاملة صاحب الفرح، ويحيى الشباب الفرح بالرقص على الأغانى الشعبية كنوع من التعبير عن الفرح ب «جمعية الأفراح». إبراهيم ندا، رجل أربعينى، قال إن ظاهرة الأفراح فتحت عشرات البيوت وعمرتها من جديد بعدما كانت تعانى من ضائقة مالية، وكنت أحد المشاركين فيها بعد خطبة ابنتى، وكنت فى حاجة لتجهيزها ولا أمتلك سوى راتب بسيط لا يساعدنى على تجهيزها وزواجها، وكانت جمعية الأفراح الحل، وجمعت منها 50 ألفًا وحتى الآن أجامل أصدقائى فى نفس أفراحهم الخاصة بالجمعيات بالمساهمة ب500 جنيه شهريًا. وأضاف»: «حاليًا حينما يعرف المدعون أنه فرح جمعية يزيدون نقطة الأفراح كى تكون مساهمة ترد فى المستقبل من صاحب الفرح، وفى الأغلب يكون صاحب الفرح متزوجًا وله أبناء كبار فى بعض الأحيان، ولأول مرة فى العالم ابتكر المصريون فرحًا بدون عروس، وسبب غياب العروس هو ضائقة مالية تواجه الأسرة، والفكرة منتشرة أكثر فى الأرياف، لأنهم يعلمون بعضهم البعض ولديهم عادة المجاملات فى المناسبات عكس سكان القاهرة لا يعلمون بعضهم البعض إلا إذا كانوا فى منطقة شعبية، وهناك تكاليف لتلك المظاهر للفرح تصل فى أقل فرح إلى 5 آلاف جنيه من أجل المشروبات وال «دى جي»، والشادر، وأقل عدد للحضور يصل إلى 300 شخص. ووصفت كريمة محمد، سيدة ثلاثينية أفراح الجمعيات بأنها حلالة الأزمات، وقالت: «حلت أزمة زوجى وبنينا منزلنا، وبسببها انتقلنا من الإيجار إلى التمليك». وكان هناك نموذج آخر لأفراح الجمعيات ليس لديه أزمة مالية لكن لديه حاجة فى جمع المال الذى جامل الكثيرين به وليس لديه أبناء للزواج، فتكون أفراح الجمعيات هى الدليل السريع لجمع أمواله. د. حسن الخولى أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، يقول إن الظاهرة تتفشى فى الأماكن التى تسودها الحالة الاجتماعية المتوسطة أو المتدنية لمساندتهم على أعباء الحياة بطريقة يشبعها حالة من الود، وهو تطور اجتماعى جديد داخل المجتمع لإقامة فرح من دون عروس ولأول مرة كوشة دون عروس، لكن الأمر محدود رغم رواجه منذ عدة سنوات، لكن الغريب فى الأمر أن إقامة الفرح المزيف يكون مكلفًا أيضًا لذلك هو يختلف شكله من منطقة إلى أخرى حسب الحضور وقيمة المجاملات لتغطية التكاليف وحل الأزمة أو الضائقة.