فقط سورة وآيتان وحديثان و5 شهود يعقد بهم زواج السُّنَّة على رءوس الأشهاد. بلا أوراق بلا توثيق بلا مأذون شرعى! زواج السُّنَّة أو الزواج الشفهى ظاهرة قديمة، لكنها ورغم الحداثة لاتزال مستمرة رغم مخالفتها للقانون! صدق أو لا تصدق عزيزى القارئ فى هذا العصر ما زالت هناك قرى بأكملها يزوجون فتياتهم القُصَّر شفهيًا ويطلقونهن شفهيًا. يصدرون للمجتمع زوجات ومطلقات بالاسم فقط بلا حقوق وأطفال بلا سند قانونى! تنتشر الظاهرة فى الكثير من قرى محافظات الوجه القبلى؛ خصوصًا أسوانوقنا، وفى محافظات الوادى الجديد ومطروح كجزء من العادات والتقاليد! «روزاليوسف» رصدت الظاهرة فى إحدى القرى التى يتمسك جل سكانها بالزواج والطلاق الشفهى رغم ما خلفه من مشكلات وأزمات دعت الرئيس للمطالبة بإقرار الطلاق الشفهى فى محاولة لإنقاذ الحالات المعلقة! قرية «أقليت»، مركز كوم أمبو، التابعة لمحافظة أسوان نموذج من مئات القرى التى لا تعترف بالأوراق الرسمية فى الزواج. أفكار محيى الدين، 60 عامًا، قصت لنا حكاية زواجها: «تزوجت وعندى 7 سنين، وأنجبت 7 أولاد وكان وقتها زوجى يذهب إلى العمل وحينما يرجع يجدنى ألعب مع الأطفال فى الشارع، ولم أكن أنا الحالة الوحيدة، «ده سلو بلدنا»، ومع تقدم الزمن أصبح الحد الأدنى المتعارف عليه لزواج الفتاة 13 عامًا، دون توثيق عند المأذون واستمر هذا الأمر ما يقرب من 15 عامًا». واستكملت: «نطلق على الفتاة التى لا تتزوج وهى ابنة 16 عامًا لقب «عانس»، وكل الزيجات التى تتم بالمركز زيجات سُنة لا تُوثق عند مأذون، وعائلات العرب فى المركز لا توثق عقود الزواج حتى حينما تبلغ الفتاة السن القانونية، المسئول الوحيد عن تزويج الشاب والفتاة هو كبير العائلة». وتابعت: «فى حالات الطلاق لا يوجد ما يثبت الزواج للفتاة ولا يتقدم إليها أحد بعد ذلك نتيجة أنها ليست بكرًا ولا يوجد ما يثبت زواجها». عندما توفى زوجى لم أتمكن من الحصول على معاشه، فعلى الورق أنا لست زوجته. الحاجة أفكار أضافت: العجيب لدينا فى «كوم أمبو» أن الفتاة التى تفكر فى استكمال تعليمها الجامعى يقف قطار الزواج بالنسبة لها فلا يفكر الشباب بالقرية بالارتباط بها اعتقادًا منهم أنها ستتعالى عليهم! ولذلك عدد الفتيات اللاتى حصلن على شهادة الدبلوم بالقرية قليل لا يتجاوز %30. ليلة الزواج زواج السُّنَّة بمركز كوم أمبو يتم ليلة الزفاف؛ حيث يُوكل أهل العروسين شخصًا موثوقًا فيه من أهل القرية بإتمام مراسم الزواج سواء كان مدرسًا أو إمام مسجد أو عالمًا أو حتى شخصًا يحفظ بعض آيات من القرآن، ويذكر الشخص المكلف بذلك صيغة زواج مشابهة لصيغة المأذون. جلسة الزواج تجمع وكيل العروس وشاهدين بنفس طريقة عقد الزواج الموثق، لكنه لا يتم توثيق عقد الزواج إلا فى الحالات التى يحتاج فيها الزوج أو الزوجة إثبات زواجهما كبطاقة التموين، وجواز السفر، والتأمين الصحى المرتبط بوظيفة الزوج. زواج بهدف الطلاق «ليلى عبيدي» إحدى سيدات القرية اللاتى تزوجن فى عمر 14 عامًا، قالت: «من الأشياء الغريبة التى تحدث بالقرى استخراج شهادات ميلاد، والتحاق الأبناء بالمدارس دون عقد زواج». وأضافت «ليلي»: إن الأهل قد يكتبون الكتاب من أجل توثيق الطلاق فقط، وهو ما حدث معى، فقد تزوجت وعمرى 14 عامًا من زوجى مصطفى، وكان زواجنا لمدة عام واحد فقط، وبعد وضعى للجنين تمت كتابة الكتاب لكى يتمكن زوجى من تطليقى والحصول على قسيمة الطلاق. معاناة وأضافت سمر عن قصتها مع زواج السُّنَّة: «تزوجت من زوجى خالد، وأنا ابنة 13 عامًا، وبعد عامين من الزواج حدثت خلافات بيننا، وكان الطلاق مستحيلاً لأننى لم أبلغ السن القانونية للزواج، فانتظرت حتى وصلت للسن القانونية وعقدت القران وطلاق فى آنٍ واحد عند مأذون شرعي». بينما قالت شيماء جامع، إحدى فتيات القرية: أعلى نسبة زواج للقاصرات من قريتنا؛ ومن بنات «كوم أمبو» عمومًا، فالبنات يحضر لهن العريس وهن فى الابتدائى وكثير من هذه الزيجات تتم كل يوم. صديقتى «ليلي» تزوجت وهى فى الصف السادس الابتدائى من ابن عمتها منذ 7 سنوات، وأنجبت طفلين. وصديقتى «نعمة» تزوجت وعمرها 12 عامًا من ابن عمتها «محمود» العام الماضى. واختتمت قائلة : هناك فتاة من قنا تسكن بقرية أقليت تزوجت وهى فى سن 10 سنوات ولم تتحمل الزواج نتيجة حداثة سنها وتسبب ذلك فى طلاقها بعد أسبوع من الزواج، ونتيجة عدم وجود وثيقة زواج لها تركها زوجها معلقة دون إثبات زواجها أو طلاقها. «محمد رابح» من سكان قرية أقليت، قال: إن زواج القاصرات يستحوذ على %70 من زيجات قرى أسوان، وعدد الفتيات اللاتى يستكملن تعليمهن لا يتجاوز 15 فتاة بكل قرية، ويرى الأهالى أن استفادة الفتاة من التعليم منعدمة؛ حيث إنهن فى الغالب لا يسعين للعمل بعد إتمام تعليمهن الجامعى، لذلك يرى الأهالى أن الزواج أفضل من إتمام التعليم حتى لو لم تبلغ الفتاة السن القانونية. «رابح»، أوضح أن هناك فتيات يستكملن تعليمهن بسبب أن العريس لم يصل، وحينما يتقدم لهن عريس لا تستكمل تعليمها، والفتاة التى ترغب أن تكون عاملة فى المجتمع لا تتزوج إلا من زميل لها فى العمل من خارج القرية. المأذون يعترف الجد يوسف محمد - كما ينادونه - الرجل الستينى مأذون قرية «أقليت»، قال: زواج السُّنَّة هو زواج غير موثق دون أوراق رسمية على مذهب الإمام أبى حنيفة، وهو عبارة عن اتفاق بين الزوج والزوجة على الزواج ويتم إسناد مهمة تزويجهما لشخص يستطيع قراءة صيغة الزواج الشرعية الصحيحة التى تتضمن العرض والقبول ثم الإشهار، ويتم توثيق الزواج بعد بلوغ العروس للسن القانونية 18 عامًا، وفى كثير من الأحيان ينسى الزوجان توثيق الزواج. مضيفًا: «أسوانوقنا أكثر محافظات الصعيد تزويجًا للقاصرات؛ خصوصًا فى قرى «أقليت، السبيل، العزبة، العدوى، مغامة، دشنا، والمناعية» وتنتشر الظاهرة خارج قرى الصعيد فى الوادى الجديد ومطروح. وتابع الجد يوسف: الجلسة تتم بحضور ولى الأمر من الطرفين، ويكون نص عقد الزواج كالتالى: ترديد كلمات قبلت الزواج على سُّنَّة الله ورسوله، ونقرأ سورة الفاتحة وآية الزواج من سورة الروم، ثم قراءة حديثين شريفين الأول قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ منكُم الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»، والثانى فى جلسة الزواج الشفهى: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ». ونختتم مراسم الزواج بآية الكرسى من سورة البقرة. وأوضح «يوسف» أن البعض حاول تشبيه زواج السُّنَّة بزواج المُتعة الشيعى، لكننا أوضحنا للأهالى أن هذا الزواج مرفوض ولا يُمكن أن نسمح به فى القرية، وأكبر اختلاف بيننا وبينهم أن زواج الشيعة يكون لفترة مُحددة، بينما زواج السُّنَّة غير محدد بمدة. ثم استطرد: لم يحدث بقريتنا إلا حالة زواج شيعية واحدة فقط وطردنا من قاموا بها على الفور. حقوق ضائعة صالح رضا، أحد سكان القرية، قال: نضمن حقوق الفتاة فى الزواج الشفهى بشهود العيان فقط، ويكونون 5 أشخاص خوفًا من موت البعض منهم، وفى حالة زواج الفتاة من قرية مجاورة لنا، وهذا قليل ما يحدث نظرًا للعادات والتقاليد، يستطيع ولى أمر الفتاة خوفًا على ابنته أخذ إيصال أمانة لضمان حقوقها يكون بمبلغ 100 ألف جنيه حد أدنى، لكن معظم أولياء الأمور لا يحبذون هذه الخطوة «لأنها عيب عندنا». يستسلم الأب لزواج ابنته كما قالت العادات والتقاليد، وكما هو موجود فى عُرفنا، لذلك يحرص كل الحرص على زواجها من قريتها لتكون قريبة منه ويتابع أمورها. وأشار «صالح» إلى أن كبار القرية يحرصون على متابعة الزوجين وكأنه ميراث دائم فى عنقهم خوفًا من ضياع حقوق الفتاة، وهذا ما حدث مرارًا بحل العديد من الخلافات الزوجية التى وصلت إلى حد الطلاق عن طريق جلسة عرفية تعقد بنفس شهود الزواج تقر الطلاق إذا فشل الإصلاح بينهم ويتم بتحديد موعد له بشكل رسمى بعد بلوغها سن ال18 عامًا ليتزوجها ويطلقها رسميًا. هشام حسن، أحد حكماء القرية، قال: إن إثبات استخراج شهادة ميلاد للأطفال يحتاج إيصال كهرباء، وصورة البطاقة الشخصية للأب أو للأم، وقد يتم دون تلك الأوراق لأنها مستحدثة فكان قديما يتم بحضور شاهد من شهود الجلسة العرفية للزواج الشفهى، لكن هناك بعض المشاكل التى كانت تواجه الإثبات بأن الشهود يتوفون لأنهم من كبار السن، ولا يتم استخراج أوراق رسمية للطفل، ويظل طوال حياته دون أى ورقة رسمية، وهو خطر على مستقبل أبنائنا، وهو ما دعانا لتعديل بعض ملامح الزواج الشفهى بوضع شابين أو ثلاثة من أبناء القرية بين الشهود الخمسة لنضمن بقاء البعض منهم أكبر فترة ممكنة. مشيرًا إلى أنه فى حالة وفاة العريس يكون الشهود طوق النجاة السريع لذلك. عبدالصبور أحمد، يعمل بمدرسة القرية وهو أحد الذين يعقدون القران على طريقة الزواج الشفوى، قال: «يجب أن يتم الزواج على مذهب الإمام أبى حنيفة النعمان، وبزواج سُّنَّة حتى يكون زواجًا صحيحًا سواء كان موثقًا أو عُرفيًا، ونزوج الفتاة التى لم تبلغ السن القانونية بالسُّنَّة ونوثق العقد حينما تبلغ 18 عامًا، وفى أغلب الحالات لا تُوثق العقود والتوثيق، فهى ليست لها أهمية لدينا، وفى حالة زواج الأقارب لا يتم أخذ إيصال أمانة على الزوج، أما لو كان الزوج غريبًا فنحرر إيصال أمانة لضمان حق الفتاة. مؤكدًا أن الشريعة الإسلامية لا تشترط سنًا معينة للزواج وأن الرسول وآل بيته كانوا يتزوجون فى سن تسمى قانونًا قاصرًا بالعصر الحديث. فيزيتا المأذون محمود على، أحد شباب القرية، قال: إن عقد الزواج الشفهى يتحكم فيه شيوخ القرية الذين يستطيعون ترديد الآيات بشكل صحيح، فالأمر لا يشترط علمًا أو مؤهلاً، لذلك خرجت شريحة من الشباب غير المتعلم ليكونوا مأذونين فى القرية ويتقاضون أموالاً على عقد الزواج الشفهى تبدأ من 500 جنيه للأقارب والأغراب ألف جنيه. مُخالف للشريعة د. أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر قال: «لا يوجد بالشرع ما يُسمى زواج السُّنَّة، فهذه بدعة منكرة وافتراء على الشريعة الإسلامية، وشروط عقد الزواج، «حسن الاختيار، القبول، المهر، الشبكة، الأشهاد، الإعلان، الوليمة، والزفاف». وأضاف: «لا يعتد بأى تصرفات من جانب العقد للإنسان سواء كان ذكرًا أو أنثى إلا بالرشد، والمقصود بالرشد فى الفقه، حسن التصرف فى الأموال والأمور الرئيسية فى الحياة، لكن للأسف هناك خلط بين البلوغ والرشد، فالبلوغ يتعلق بالعبادة، بمعنى أن الإنسان يكون مُكلفًا بالعبادات الشرعية والواجبات وله علامات جسدية فى الذكر والأنثى، ولذلك زواج القاصرات مرفوض فى أحكام الشريعة الإسلامية، وهناك من يحلل الأمر بأن الرسول تزوج السيدة عائشة وهى طفلة، والحقيقة أنه تزوجها وهى ابنة 18 عامًا، ولذلك حدد الفقهاء سن الرشد للأنثى 18 عامًا. هاجر صلاح الدين، عضو المجلس القومى للمرأة، قالت: إن القانون المصرى يجرم زواج القاصرات؛ لافتقاده شرط توثيق العقد لدى محكمة الأسرة، وهو شيء مستحيل فى حالة زواج السُّنَّة. وأضافت: هناك ضحايا لزواج السُّنَّة يأتين للمجلس القومى للمرأة لمساعدتهن فى تسجيل الطفل فى حالتى الطلاق أو وفاة الزوج ونجد صعوبة فى تسجيل الطفل. مشيرة إلى أنه من الصعب حصر ضحايا زواج السُّنَّة، لأنه غير مسجل، لكن على منظمات المجتمع ووسائل الإعلام تقديم الدعم لهؤلاء وتوعيتهن بخطورة زواج السُّنَّة.