«ابن الوز عوام».. عبارة تنطبق على المهندس «شهاب أحمد مظهر» ابن فارس السينما المصرية الفنان «أحمد مظهر»، الذى ورث عن والده حب الزهور والنباتات ليصبح واحدًا من كبار جامعى النباتات النادرة فى الوطن العربي، ويمتلك أكبر معشبة فى الشرق الأوسط مسجلة عالميًا لتجفيف النباتات، وهو ما يعيد للأذهان قصة والده الذى خصص السنوات الأخيرة من حياته للعيش بين الزهور والنباتات. الوصول إلى المهندس شهاب ليس بالأمر الهين، فهو غير معروف فى الوسط الفنى والإعلامى كما هو معلوم فى أوساط أبناء الفنانين والمشاهير، ومن هنا كان البحث من خلال شهرة الأب «أحمد مظهر» للوصول إلى الابن، وكان ذلك فى منطقتى كرداسة والمنصورية التى كان يسكن بهما الفنان الراحل، لنكتشف أن هناك طريقين للوصول إلى «عزبة مظهر»، أولهما طريق البراجيل، والثانى الأشهر أسفل كوبرى المحور. عند الوصول إلى هناك استقبلنا الفلاحون، قائلين:«أهلًا وسهلًا هنا عزبة الفنان أحمد مظهر.. لقد عشنا أيام العز كلها فى عهد الفنان الراحل فكان حريصًا على مساندة الفلاحين ودعمهم»، فعند نزولك من الكوبرى والذى له سلالم على اليسار واليمين، تجد نفسك وسط عزبة أحمد مظهر فى رحلة شيقة مع الطبيعة والنباتات النادرة التى تحمل ملصقات لأسمائها اللاتينية وبعضها باللغة العربية وأخرى باللغة الإنجليزية. استوقفتنا النساء للحديث عن ذكريات الفنان الراحل ووالدته الست «عزيزة» كما كانوا ينادونها: «جميع السكان فى العزبة المجاورة لعزبة الفنان الراحل أحمد مظهر عرب مغاربة طيبون، وأطلقنا على قريتنا الصغيرة اسم الفنان أحمد مظهر،، فهو من ساعد أبناءنا على التعليم بما كان يجود به على الفقراء، وتوفير فرص عمل لجميع أبناء القرية ما بين مهندسين وخفراء، ويبدأ أجر العامل حاليًا من 70 جنيهًا لليوم الواحد أو 1500 جنيه فى الشهر لأقل عامل صغير، فنحن نعيش فى خير فارس السينما». تضيف إحدى السيدات: «كنا نلتقى به فى طفولتنا للحديث معه، ونخرج فى الشوارع لنتفاخر بأننا التقينا الفنان أحمد مظهر، كان يقدم خدمات للقرية من خلال إدخال المياه والكهرباء، وبناء مدرسة صغيرة، وكان يخرج لتوزيع اللحوم علينا فى شهر رمضان والأعياد». بعد ذلك كانت رحلة «روز اليوسف» داخل مكان يشبه لوحة فنية مرتبة العناصر، الأشجار تحمل أسماءها ومدى أهميتها، اللافتات خير دليل للوصول للعزبة من الداخل، كما إشارات متنوعة تشبه إشارات المرور على جانبى الطريق، وكل منطقة ومساحة يوجد بها عامل يقوم برعايتها، بعد سير ما يزيد على 200 متر وسط الأشجار والنباتات استوقفتنا غرفة صغيرة بها اثنان من حراس الأمن، معلق على جدرانها جهاز بصمة خاص بعمال القرية. بالسؤال عن المهندس «شهاب أحمد مظهر»، تم توجيهنا إلى المهندسين المسئولين عن العزبة وهم يعملون فى شركة متخصصة فى زراعة النباتات، أكد المهندسون أن المهندس شهاب لا يستقبل أى حوار صحفى فهو لا يحب الظهور إعلاميًا منذ سنوات، لكن الحديث عن العزبة وعن إنجازت الأب والابن حول النباتات النادرة التى تقدر بالآلاف فإنه متاح من خلال المشرفين، وطالبوا بالبعد الكامل عن فيلا أحمد مظهر فى منتصف العزبة. داخل عزبة «أحمد مظهر» للنباتات النادرة قضت «روز اليوسف» ثلاث ساعات تتجول فى مساحة 30 فدانًا، يعمل 100 عامل، بصحبة المهندسة أسماء بيومي، والتى كشفت لنا عن أهم إنجاز علمى فى العزبة، وهو «المعشبة» لتجفيف الزهور، والصوبات الضخمة التى يوجد بها نباتات استوائية نادرة فقط، قائلة: «توقيتات العمل تبدأ بانتظام جميع العاملين ال100 من الساعة 8 صباحًا حتى الساعة 4 عصرًا، تحضر ميكروباصات لنقلنا من كل مكان للعزبة فى راحة تامة». فيلا أحمد مظهر أثناء السير على الأقدام وسط المساحات الخضراء ظهرت أمامنا فيلا أحمد مظهر، والموجودة على مساحة نصف فدان، متميزة باللون الأبيض فقط من الخارج والداخل، وأمامها عدد من السيارات لخدمة الابن الأكبر للفنان الراحل، الفيلا عبارة عن طابقين، ومغلقة بالستائر ذات اللون الأبيض، وبها «حديقة» كبيرة، موجودة على ربوة ترتفع نسبيًا عن أرض العزبة، ومحاطة بالديكورات الزراعية المتنوعة والأشجار الضخمة التى تغطى ملامحها. تضيف المهندسة أسماء: «حديقة الفيلا مليئة بالنباتات النادرة الخاصة بالفنان الراحل، يحرص ابنه على رعايتها بنفسه، لذلك لا يدخل أى عامل من العمال إلى الفيلا أو محيطها فهى منطقة خاصة ويرفض تصويرها»، لكن ما خطف أنظارنا سلم متصل بالفيلا كبير مغطى يشبه ممشى مفتوحًا بين الفيلا وغرفة منفصلة وسط العزبة، قالت عنه أسماء: «هذا ممشى خاص لأسرة المهندس شهاب للخروج من الفيلا بشكل مباشر إلى غرفة بعيدة عن الفيلا ب100 متر، والغرفة عبارة عن جيم وجاكوزي، كان يستخدمه الفنان أحمد مظهر حتى وفاته». ذكريات مع الفنان استوقفنا العمال للحديث عن ذكرياتهم مع الفنان أحمد مظهر، قال الريس محمود جمعة، أقدم عامل: «حضرت للعمل منذ طفولتى فكان عمرى وقتها 10 سنوات، أجمل أيام عمرى عشتها مع الفنان أحمد مظهر، تربيت على يديه، وكانت له هوايات متنوعة، حيث كان يهوى القطط والكلاب، والخيول والزهور والنباتات، وكان يوصينى بإطعام القطط فى المكان حتى القطط الضالة منها التى تحضر يوميًا للعزبة بحثًا عن الطعام، فقد كان يحضر فى شنطة سيارته وجبات فراخ مشوية لإطعام القطط والكلاب، كانت القطط تصاحبه من لحظة نزوله من المحور حتى باب الفيلا، وكان يمتلك حصانًا واحدًا فى العزبة و6 أحصنة فى عزبة أخرى خاصة به». يضيف الريس جمعة: «قضى أيامه الأخيرة هنا وكان يريد أن يعيش كل لحظة بين أحفاده، كان يبدأ يومه من الساعة 7 صباحًا، ويتناول الإفطار أمام الفيلا، وأحيانًا يتناوله مع بعض الفلاحين خاصة عند رغبته فى تناول الفطير، وكان عدد الفلاحين فى العزبة وقتها 20 عاملًا فقط، كان يحرص على التجول بأحفاده ويشرح لهم ما يمتلك من نباتات نادرة مستوردة، وقام بتزويجى ودفع لى مبلغًا كبيرًا للزواج، وجميع العاملين ال20 وقتها ودفع لهم تكاليف زواجهم وزواج أبنائهم». يسرد محمود تفاصيل ذكرياته مع فارس السينما قائلًا: «كان يجلس معنا ما لايقل عن 4 ساعات يوميًا يطمئن على أخبارنا، ويعلمنا طريقة زراعة النباتات الصحيحة، وكانت أسعد لحظاته عند ركوب الخيل والسير بها فى العزبة، وللأسف العزبة لم يعد بها حصان واحد بعد رحيله، وانتهت هواية الخيول فى عائلة مظهر ولم يتوارثها أبناؤه وأحفاده». أما سعاد إحدى العاملات القدامى فى العزبة فتقول: «كان الفنان يدعمنا لتعليم أبنائنا الصغار وكان يحب الفلاحين، وساعدنى على تزويج ابنتى بالمال لشراء جهازها كاملًا». العمل فى العزبة أشبه بخلية نحل منظمة كل عامل له مهمة واضحة يسعى للانتهاء منها فى الوقت المحدد، الجميع هنا أكد أن المهندس شهاب ورث طباع والده فى مساندة العمال والوقوف بجوارهم وخاصة فى المناسبات مثل الأعياد وشهر رمضان، ولا يحضر عامل للبحث عن فرصة عمل ويرده. مكونات العزبة يوجد فى العزبة 6 صوبات كبيرة ما بين صوبات استوائية ومحلية، وثلاث معشبات، بعد أن قام المهندس شهاب مظهر بتنمية هوايته للنباتات النادرة التى ورثها من والده، بعمل معشبة خاصة به باسمه منذ 9 سنوات بها 3200 عينة نباتية، ويوجد معشبة أخرى باسم «بوتانيكا» عمرها 9 سنوات بها 3200 عينة نباتية مجففة، كما قام بشراء معشبة الدكتور الملقب بأبو النباتات فى مصر لطفى بولس للنباتات المصرية البرية «فلورا» وبها 6600 عينة نباتية، وشراء كتبه العلمية وضمها للمعشبة. وكان الدكتور بولس قد اكتشف أكثر من 20 نوعًا وجنسًا نباتيًا فى جزر الكناري وأستراليا ونيوزيلاندا وإفريقيا وآسيا والعديد من الدول العربية، واكتشف العديد من الأجناس والأنواع النباتية الجديدة على الفلورا في المنطقة العربية، لذلك حرص المهندس شهاب على شراء التراث الخاص به ليضيفه إلى العزبة لتكون أكبر متحف مفتوح أمام الباحثين وطلاب كليات الزراعة والمتخصصين فى مصر وخارج مصر. المهندسة أسماء بيومى أكدت أن العزبة تعد أكبر متحف علمى مفتوح فى مصر للبحث والزراعة لجميع النباتات، بها ما يقرب من 3000 نوع من النباتات، منها المستورد ومنها المحلى ومنها نباتات الزينة، ومنها النباتات النادرة المهددة بالانقراض، وفى الفترة القادمة سيتم ضخ منتجات العزبة للأسواق المحلية مؤكدة أن المهندس شهاب، حريص على ضم مجموعة نادرة من النباتات إلى المكان ما بين فترة وأخرى. ويضيف المهندس عادل حامد متخصص فى الإنتاج والإكثار أن هناك تنوعًا كبيرًا للمهندسين الزراعيين، من أجل إنجاز المهمة داخل أكبر مزرعة فى العالم العربى لإنتاج النباتات وزراعة النباتات النادرة التى تصل ل 200 نبات نادرة تم إحضارها من الخارج من بين 3000 نوع من النباتات، نحاول أن نحافظ على ما تمتلكه العزبة من نوادر، والأسعار تبدأ من 100 جنيه إلى 50 ألف جنيه لأنواع مختلفة للشجر والزهور. أما المهندس محمد طه فيقول: أعمل هنا منذ عامين مهمتى رعاية الأشجار فى مزرعة الأمهات بمنطقة برقاش، وهى الأشجار الكبيرة حيث نقوم بنقلها من المزرعة لرعايتها 3 سنوات متواصلة ثم بيعها لملاك الكمبوندات الكبيرة والفلل والقصور. أكبر معشبة فى العالم العربي اللون الأبيض يغطى المكان، فبالإضافة إلى الفيلا والمكتب الهندسى الخاص بالمهندس شهاب مظهر، هناك المعشبة، وبالسؤال عن السر وراء هذا اللون أكدت المهندسة أسماء أن المهندس شهاب ووالده يفضلان اللون الأبيض والأسود فقط، لذلك لا يستخدمان أى ألوان أخرى فى المكان. ومن داخل المعشبة، قدمت المهندسة المسئولة شرحًا تدريجيًَا لقصة المعشبة، قائلة: «المقصود من كلمة «معشبة»، تجفيف وعرض منظم للنباتات وأنواعها وفصائلها، وهو ما يجعلها مرجعًا موثقًا للدارسين بهدف تعليمى وتثقيفى، وتتم طريقة التجفيف بالحصول على جزء من النبات به زهرة للتعرف على النبات ووضعه فى آلة التجفيف اسمها «برس» لمدة 3 أيام، ثم وضعها على ورق أبيض عليها تاريخ النبات وجنسه والبلد الذى ينتمى إليه، كما يتم وضع اسم العامل الذى قام بقطف عينة النبات، وتلك العينة لابد أن تكون خالية من الأمراض والحشرات وتعيش لسنوات طويلة ولا تتعرض للتلف، وعليها الاسم العلمى والاسم الشائع، وهذا تخصص الدكتورة تريزا لبيب استشارى تصنيف نبات، كتابة تفاصيل النباتات على الورق الرسمى حتى يطلع عليها الباحثون والطلاب القادمون من جميع الأماكن المتخصصة فى النبات فى مصر. وأكدت أن معشبة عائلة مظهر تتبع حاليًا أكبر معشبة عالمية فى لندن، حيث تم توثيق المعشبة دوليًا وتسجيلها، مشيرة إلى أنه يوجد فى مصر معشبات متنوعة لكن خاصة بالدولة، ويعد المهندس شهاب صاحب أول معشبة خاصة فى مصر يمتلكها فرد، حيث إن المعشبات فى مصر موجودة في كلية العلوم جامعة القاهرة وحديقة الأورمان، ومعشبة فى أسوان، وجميعها تابعة للدولة. المعشبة من الداخل عبارة عن دواليب خشبية، وطاولة مستطيلة تتراص عليها عدد من النباتات المجففة، وكتيبات بها عينات النباتات المجففة، ومكتبة للكتب الخاصة بالنباتات بأنواعها فى العالم وفى مصر، كما يوجد مطبخ صغير للمشروبات الساخنة ملحق بالمعشبة، والمكان مفتوح أمام جميع الزوار على مدار الأسبوع ما عدا يوم الجمعة، وكل نوع مجفف فى المعشبة له نموذج فى العزبة على أرض الواقع يمكن الاطلاع عليه.