تعتبر حديقة الأورمان بمصر من أكبر وأقدم الحدائق النباتية بالعالم لأنها تحتوي علي مجموعة كبيرة من الأشجار المعمرة والنباتات النادرة إلي جانب موقعها الفريد والمتميز، أنشأها في الزمن الجميل الخديوي إسماعيل الذي كان مفعما بنقل مظاهر النهضة الأوربية في مصر في شتي المجالات الفنية والمعمارية ومنها إنشاؤه للحديقة كجزء من سرايا الجيزة سنة 1875 وقام بتصميمها مهندسون فرنسيون وبإشراف من المهندس المصري إبراهيم حمودة، وبعد ذلك تم إنشاء حديقة الحيوان وجامعة القاهرة علي أرض السرايا وبقت حديقة الأورمان علي مساحة 28 فدان وبلغت أوج مجدها في عهد الملك فاروق وظلت معلمًا فريدا من معالم محافظة الجيزة ومعالم مصر كلها. أورمان كلمة تركية معناها غابة وقد عمل الخديوي إسماعيل وورثته من بعده علي أن يجعلوها من أشهر الحدائق بالعالم وحاولوا أن يجعلوا مصر بلد ذو ذوق رفيع في شتي المجالات وسعوا لإقامة مجموعة من الحدائق تكاملت فيما بينها وأعطت لمصر شهرة بيئية وفنية ومعمارية كبيرة، وكانت الحديقة فيما مضي متنزها جماليا ومتنفسا طبيعيا لكثير من وفود الجاليات والبعثات الأجنبية وكان يوجد بها باب مخصص لدخول البرنسيسات وهو الباب الرئيسي بها الآن والمقابل لجهة الدقي. تضم الحديقة أكثر من مائة فصيلة نباتية وتشتمل كل فصيلة علي 300جنس وكل جنس علي 600 نوع، ويوجد بها قسم لتبادل البذور من جميع الحدائق والمراكز البحثية في مصر والعالم، كما أنها تتبع إداريا الإدارة المركزية للتشجير والبيئة التابعة لوزارة الزراعة، من أجمل ما يميز الحديقة الآن هو إقامة معرضا للزهور يقام بها في شهر مارس من كل عام يعطي الحديقة البهجة كما أنه يعتبر فرصة للهواة والمتخصصون لعرض زهورهم أمام الجمهور، يجود بالحديقة الكثير من أشجار النخيل النادرة والشاهقة كما يوجد بها منطقة مخصصة لكثير من مجموعات الصبار النادرة بالعالم، كما يوجد بها نباتات البامبو المتميزة ويوجد بها أيضا بعض البحيرات والبرك الصغيرة التي تحتوي علي النباتات المائية والكثير من أنواع الزهور والأشجار والنباتات النادرة بالعالم، وأهم ما يميز الحديقة هو وجود مايسمي بالمعشبة ومعناها غرفة تاريخ الحديقة التي تعتبر قاعدة للبيانات والمعلومات الوثائقية عن كل النباتات والأشجار والبذور التي تجسد تاريخها كما يوجد بالمعشبة بعض الرسومات الجدارية والبراويز النادرة كبرواز يسمي عشب الكابوت وبرواز آخر تاريخي لأنواع القطن، كما يوجد بها أكثر من دولاب ملكي نادر مصنوع من خشب الورد الفاخر وكان يحتوي علي خبرة ومعلومات كثيرة لكثير من النباتات التي قام بجمعها من ربوع مصر الخبير يوسف شيتاي بأمر من الملك فاروق هذا إلي جانب صندوق العينات النباتية لصناعة السكر عبر مراحل تاريخية ممتدة ونباتات ذات قيمة طبية فريدة تضم أكثر من 540 أنبوبة بكل منها ورقة مدون عليها إسم النبات وطريقة استخدامه للعلاج وإشارة إلي الأمراض التي يعالجها كما ضمت المعشبة أيضا الكثير من العينات النباتية والمحفوظة بطريقة علمية بارعة تضم الكثير من النباتات المصرية التي جمعت من الصحراء لأكثر من 3000 عينة نباتية و700 عقار طبي من نباتات نادرة ولهذا كانت المعشبة تعتبر مكانا علميا لتبادل الأبحاث وملتقي لطلبة الدراسات العليا والدكتوراه من كلية الزراعة والعلوم والصيدلة والكمياء وغيرها من التخصصات. ومؤخرا شهدت الحديقة ومحيطها من كل الاتجاهات تخريبا متعمدا من جانب الإخوان خلال شهري يوليو وأغسطس الماضي أثناء اعتصامهم في ميدان النهضة تخريبا شمل الأخضر واليابس بالحديقة فألحقوا بها أضرارا جسيمة واعتدوا عليها بما يشبه الإعصار بداية من بوابتها الحديدية الأثرية وإتلاف وكسر الأسوار المحيطة بالحديقة وكسر أسوار مناطق الحدائق الداخلية بها مثل سور حديقة الأطفال وسور المعشبة وقيامهم بشكل وحشي بقطع الأشجار النادرة مثل شجرة التك النادرة بزهورها البنفسجية وقطع أشجار البامبو العملاقة لاستخدامها في إقامة الخيام وتقطيعها كعصي للهجوم في لحظات الضرورة، وإتلاف الكثير من المسطحات الخضراء، وإنشاء 25 دورة مياه بالحديقة، ورمي القازورات والقمامة بها، ومن أكثر الأضرار الجسيمة التي وقعت بالحديقة هو اعتدائهم علي المعشبة وسرقة محتوياتها النادرة التي لا تعوض لما فيها من معلومات وبذور ونباتات ولوحات ووثائق وسيديهات وشاشة العرض بالحديقة وسرقة محتويات الكافتريا والكثير من الأشياء النادرة التي لن تعوض. لقد تم علي أيدي هؤلاء تخريب الحديقة بطريقة لا يتصورها عقل بعد هذا الدمار الذي لحق بها ممادفع بالكثير من القيادات والمختصين بالدولة بزيارتها وعلي رأسهم الدكتور علي عبد الرحمن محافظ الجيزة وأقروا جميعا بمدي الخسائر الجسيمة والأموال اللازمة لإصلاحها وتشتمل علي إقامة الأسوار وإنشاء المسطحات الخضراء وإصلاح نظم الري والمياه والكهرباء وشاشات العرض وتأمين الحديقة وإزالة أثار العدوان والمخلفات بالحديقة. وفي زيارة ميدانية قمنا بها إلي الحديقة لمعاينة المأساه التقينا ببعض من المسئولين بإدارة الحديقة ومنهم المهندسة ' ميرفت عبد الرحيم ' المسئولة عن المعشبة بالحديقة فسردت علينا في حزن بالغ المأساة التي تعرضت لها الحديقة وتصف الفاعلين بأنهم بعد تلك الانتهاكات والتخريب لا يمكن أن يكونوا بشر أو مصريين لأنها لم تتوقع يوما أن يتم الاعتداء علي الحديقة وخصوصياتها علي هذا النحو وبخاصة الاعتداء علي المعشبة بتكسيرها وسرقة محتوياتها علي هذا النحو، وتقول من أهم المسروقات بالمعشبة تم سرقة أكثر من لوحة نادرة بها وتم سرقة زجاجة بها عينة من عينات السكر المستخرج من صعيد مصر عام 1887 ضمن زجاجات تكرار صناعة السكر في عهد الخديوي إسماعيل وسرقة الكثير من عينات الزهور الطبية بسيناء وبذور ترجع إلي عام 1923، فالحديقة وكما تقول كانت تحتوي علي 11 ألف نوع تم سرقة 1600 نوع من البذور والنباتات المختبرية التي كانت محفوظة بالمعشبة، ومن أفظع الأضرار بالمعشبة كسر الدولاب الملكي بها، وسرقة أجهزة الكمبيوتر المسجل عليها البيانات، وتقول أنه برغم ما لحق بالحديقة من كل تلك الأضرار بالأيادي التتارية الغاشمة وبرغم الإكتئاب الذي تعانيه مع زملائها فإنها ولحبها وتقديرها لمكانة الحديقة لن تدخر جهدا في محاولة إعادتها إلي ما كانت عليه من قبل من خلال خبراتها الكبيرة في هذا المجال والاستعانة بخبرة من سبقوها بالعمل في هذا المجال وعلي رأسهم الاستاذة تريزا لبيب وقيامها بالإتصال بجميع المراكز العلمية والزراعية والبحثية بالداخل والخارج لجمع الكثير مما تم سرقته من البذور والنباتات النادرة، كما قام المهندس ' عادل حافظ ' المسئول عن حديقة الورد بالحديقة بمساعدتنا للقيام بجولة ميدانية شرح لنا من خلالها تفصيليا عن وقائع إجرام الإخوان طوال فترة اعتصامهم بالحديقة وعن تهديدهم وترويعهم لموظفيها وعامليها وتعطيلهم عن العمل طوال تواجدهم حتي جعلوها مرتعا لهم، ويحكي لنا بمرارة ويقول: أنهم كانوا يعتدون علي الحديقة ويقطعون أشجارها النادرة ويذبحون الخرفان وينظفونها ويطهونها ويعلقون جلودها علي أسوار الحديقة وقيامهم بسرقة الأسوار الحديدية وأتلفوا طلمبات المياه والكهرباء بها، واعتدوا علي منطقة البركة المائية واستخدموا أوراق النباتات بها لتقيهم من حر الصيف وغيرها من أشكال التخريب التي لم نستطع في حينه وقفها أو منعها، ثم يستسرد قائلا أنه ورغم تلك الخسائر التي لحقت بالحديقة فإن الموظفين والعاملين بها يملئهم العزم والإرادة والأمل علي إعادتها لسابق عهدها لأنهم لا يطيقون أن يرونها مخربة ومعتدي عليها علي هذا النحو، وبالفعل فإن الحديقة ومحيطها الآن يشهدان أعمال إصلاح وترميم بشكل فاعل وسريع لإعادة الحديقة والمنطقة المحيطة بها علي أحسن وجه.