النفس البشرية، لا تختلف من فقير أو غني، فلكل منها هوى يدفع صاحبه إلى بذل كل ما يملك من أجل الوصول إليه، حتى وإن كلفه ذلك السير فى بعض الطرق غير الشرعية.. المهم أن يتحقق ما تربو إليه نفسه.. السحر والدجل والشعوذة من الحيل التى لم تقتصر على المجتمعات الفقيرة والبسطاء الذين يسعون خلف أى بارقة أمل تنير طريقم، وتزيل عنهم الهم والبلاء، حيث حرص علية القوم على اتباع السحرة، والمشعوذين، فكان لكل ملك دجال، ولكل أمير ساحر، خاص به يمنحه القوة والنفوذ ويساعده على التخلص من الأعداء ويوفر له الحماية من خلال الطقوس والطلاسم السحرية. مزاد علني صالة مزادات «كريستي» فى لندن عرضت مؤخرًا مجموعة كبيرة من ملابس الملوك تعود للقرون الوسطى بعضها خاص بالسلاطين العثمانيين وحكام مملكة بيجابور الهند، وأخرى لحكام وملوك بلاد الشرق الأدنى والأقصى التى صممها دجالو البلاط الملكى خصيصًا للملوك والأمراء كتمائم للحفظ، والحماية، وجلب القوة. وتحوى بعض الملابس على رسومات وأرقام وطلاسم، مكتوبة بخط نسخى صغير، وموائد دائرية، وخراطيش سحرية ذات الأشكال والأحجام المختلفة، وبعضها الآخر مزين بآيات من القرآن الكريم، وطلاسم سحرية. ملابس الأمراء والملوك ذات الطلاسم السحرية عرضت بأسعار وهمية وصلت إلى 50 ألف جنيه إسترلينى للقطعة البالية وو100 ألف للقطع السليمة. كتب التاريخ والرحالة تكشف أن فترة العصور الوسطى تعد من أكثر فترات التاريخ التى شهدت انتشار ظاهرة السحر والشعوذة فى العالم، وليس فقط فى الهند ودول آسيا، لكن فى أوروبا، حيث كانت لقوة السحر والشعوذة تأثير كبير على عقول الملوك، وكانت أشهر ساحرات ذلك العصر فى أوروبا الجميلة «آن بولين» زوجة الملك هنرى الثامن، والتى استطاعت عن طريق السحر التخلص من كل من عارض زواجها. وعلى الرغم من أن السحرة والدجالين فى تلك الفتره كانت تلاحقهم أشد عقوبات الإعدام سواء عن طريق الشنق أو الحرق أو رميهم فى إناء مليء بالقطران المغلى كما كان يحدث فى بريطانيا، فإن سيطرة الدجالين على عقول الحكام استمرت على مر العصور حتى أصبح الدجالون والمشعوذون الحكام الأصليين، لدرجة وصلت إلى أن الحاكم لا يستطيع أخد قرار دون الرجوع إلى الدجالين. «راسبوتين».. الراهب الدجال كما عرفت روسيا الدجل، وكان سبب دخوله البلاط الملكى الراهب راسبوتين، حيث دخل إلى البلاط الملكى فى عصر الإمبراطور ألكسندر فيوديوروفونا بعد مرض وريث العرش أليكسيس نيكولايفيتش الذى كان مصابًا بمرض الهيموفيليا، حيث استطاع الراهب أن يخفف آلامه عن طريق التنويم المغناطيسي، فاقتنع القيصر بأنه قديس، وعاش 7 سنوات ناصحًا له فى القصر أو قريبا منه. ذاع صيت راسبوتين بين العامة خاصة القرويين خلال رحلاته لزيارة مجموعة من الأديرة والكنائس المسيحية، حيث كان يمر على اليونان والأراضى الفلسطينية والأردن وسوريا، وقام خلال جولاته ببناء قاعدة جماهيرية كبيرة ومجموعات من الأتباع التى كانت تمارس معه الشعائر الخاصة بطائفة خالتيس، والتى من أبرزها التعذيب الجسدي، وممارسة الجنس الجماعى فى الغابات وممارسة السحر الأسود والقدرة على تحضير الأرواح. وبعد علاج راسبوتين وريث العرش، تقرب من الإمبراطور والملكة ألاكسندرا وأصبح حافظ أسرارها ومستشارها الشخصي، وظلت علاقته تقوى مع الإمبراطور والأسرة المالكة بسبب وجوده المستمر فى البلاط الملكى حتى تمكن من حكم روسيا من خلف الستار، وبسبب القرب الشديد اكتسب راسبوتين العديد من عداوة رجال الدولة الذين كان لديهم أرق شديد من سلطاته المطلقة التى ظل يحكم بها روسيا حتى يوم مقتله فى 16 ديسمبر 1916. دجالة الكرملين زاد اهتمام الحكام بالسحرة والمشعوذين لفترات طويلة، ولكن تحت مسميات أخري، حيث استطاع الدجل التلون من أجل البقاء فى البلاط الملكى واقتحام القصور الرئاسية والمجتمعات التكنولوجية المتقدمة تحت مسمى التنجيم وكانت المنجمة الروسية دجونا واسمها الحقيقى يفغينيا دافيتاشفيلي، ذات الأصول الشرقية والملقبة بالأميرة الآشورية منجمة الرئيس الروسى الأسبق بورليس يلتسين وأشهر المنجمات الروس فى العصر الحديث، وكانت تعمل سرًا مع عدد كبير من مسئولى الكرملين فى الحقبة السوفيتية، وقصدها ليونيد بريجنيف المسئول السوفيتى وإدوارد شيفاردنادزه وزير الخارجية السوفيتى فى مشورات تخص المستقبل السياسى لروسيا، حيث كانت سيارات الليموزين من الكرملين فى انتظام لتأخذها من شقتها التى تحولت إلى مقصد السياسيين والفنانين. أسطورة نوستراداموس ويعتبر البلاط الفرنسى الأكثر اعتمادًا على الدجل على مر العصور، فلويس الرابع عشر أحد أشهر ملوك فرنسا كان يجبر العرافين على البقاء معه فى غرفة النوم ليحددوا له الوقت المناسب للإنجاب، ويملون عليه القرارات السياسية، وفى القرن الخامس عشر كان يوجد فى فرنسا أكثر من ثلاثة آلاف ساحر وساحرة، وكان لكل نبيل ونبيلة أو شخصية مرموقة ساحرها الخاص، ويعتبر المنجم الفرنسى الشهير نوستراداموس الذى عاش فى القرن السادس عشر، والذى أدلى بتنبؤات دقيقة وصدقت تنجيماته للعديد من ملوك فرنسا، وعلى الرغم التقدم التكنولوجى الذى وصل إليه المجتمع الفرنسى فإنه لا يزال أكثر المجتمعات الأوروبية استخدامًا للدجل. منجمة الإليزيه وتعتبر المنجمة الفرنسية إليزابيث تيسيه أشهر منجمات فرنسا وأصدرت كتابًا تحدثت فيه عن علاقتها بالرئيس فرانسوا ميتران، وكشفت أنها كانت المستشارة الروحية له طيلة السنوات الست الأخيرة، وألمحت عن غيرة الرئيس من زبائنها الآخرين، مشيرة إلى أن الرئيس الفرنسى لم يكن فى البداية مقتنعا بما ترويه، إلى أن حدث معه عدد من الوقائع كانت قد كشفت له عنها مسبقًا، فارتفعت مكانتها بعدما تنبأت له بوقوع حرب فى بداية التسعينيات فكانت حرب الخليج الثانية، وبعدها أصبحت إليزابيث تيسيه معروفة فى أوساط حاشية ميتران، وكان يدعوها إلى تناول الطعام معه، وتَعود حراس القصر الجمهورى على زياراتها المتكررة، وكانت تدخل من الباب الرئيسى للقصر مثل أى زائر آخر، واحتلت أخبارها عناوين العديد من الصحف والمجلات. كما اشتهرت المنجمة ياجيل ديدييه التى عرفت بأنها منجمة الساسة والفنانين، لجأوا إليها كى يتعرفوا أو يكتشفوا مستقبلهم السياسي، حيث كشفت فى كتابها حقيقة أن السياسيين يهتمون بالتنجيم فى أوقات الانتخابات بشكل خاص ويريدون معرفة ما إذا كانوا سينجحون ويريدون معرفة خصمهم السياسي، قائلا: إن أروع تجربة مرت بها كانت عندما تنبأت باغتيال السادات، ورويت هذا التنبوء فى كتابها. مذابح الشيطان لا تعتبر فرنسا وحدها موطن الدجل ففى ولاية أوهايو بالولايات المتحدة يضحى سنويًّا منذ 1969 بخمسة مواليد جدد على مذابح الشيطان من أجل الاحتفال بعودة الصيف، ويعتبر الرئيس الأمريكى الأسبق رونالد ريجان الأشهر فى استخدام الدجل فى البيت الأبيض فعند توليه الرئاسة عام 1981 اختار ثلاثة منجمين ضمن مستشاريه الرسميين، ولم يأخذ أى قرار دون الرجوع إليهم، وعلى أساس حسابات الأبراج اختار ريجان نائبه جورج بوش. واعتمد ريجان على نصائح مستشاره المقرب المنجم دانى توماس لمساندة تانكر نيافيز فى انتخابات الرئاسة فى البرازيل، وكانت زوجته تبدى اهتمامًا كبيرًا بعالم السحر حتى إنها قامت باستدعاء مشعوذ من الهند، صنع لها حجابًا للحماية والنجاح. سحر أفريقيا الأسود وفى القارة الأفريقية، اعتمد ملوك القبائل والرؤساء على أخطر أنواع السحر الأسود «الفودو» الذى بدأ كعقيدة، ثم تحول فيما بعد إلى ممارسات شيطانية تم تطويرها وتطويعها، حتى تمكنت من الانتشار فى معظم أنحاء أوروبا والأمريكيين، وصل الأمر إلى قيام بعض الدول بالسماح بممارسة طقوس الفودو، ففى البرازيل يمارس تحت اسم «كاندومبل» وفى جزر الكاريبى الناطقة بالإنجليزية سنجده تحت اسم «أوبيه»، وبعض المدن فى غرب إفريقيا مازالت تحوى أشد المخلصين لهذه الممارسات حتى تعتبر القارة السمراء موطن الدجالين والسحرة، حيث يقوم السحرة الذين يقطنون فى سهول شرق جمهورية وسط إفريقيا بقتل السكان الأبرياء بهدف تسخير أشباحهم لخدمة الملوك. أما فى الدول العربية، فقد استفحلت الظاهرة فخلال السنوات الخمس الأخيرة، تخطى إنفاق الدول العربية على الدجل والشعوذة ال7 مليارات دولار سنويًّا، وتنوعت ممارساته بين قراءة الكف، وفتح الكوتشينة وأسحار جلب المال، وجلب الحبيب وقراءة الطالع، وأصبح بيزنس الدجل أحد أذرع الاقتصاد غير المشروعة فى بعض الدول، وعلى رأسها مصر والمغرب، وطبقًا لدراسة مركز البحوث والدراسات الجنائية فإن مصر بها دجال لكل 120مواطنًا و300 ألف ساحر يَدَّعون تحضير الأرواح، ومثلهم يدعون علاج الناس من الأمراض، والمس الجنى بالقرآن والإنجيل، و50% من نساء مصر تؤمن بالسحر، وأعمال الدجل والشعوذة، ودائمات الزيارة للمشايخ والسحرة و40 % من المثقفين على علاقة بالسحرة والدجالين.