ليست كل الأماكن السيئة تسيطر عليها الشياطين بنسبة 100%، فالطريق إلى الجحيم محفوف بالنوايا الطيبة، فى فيلم «كباريه»، كان تسليط الضوء على أمرين، الأول حياة الراقصات والمطربين والريكلام داخل الكباريه، والثانى كان الجانب الآخر من حياة هؤلاء الأشخاص والظروف الاجتماعية التى تدفع الكثير من الشخصيات للعمل بالكباريه. هنا يبدو الوضع تلخيصًا لحياة شارع الهرم وما يحدث فيه. فى كتاب «شارع الهرم.. أسرار وحكايات» للكاتب محمد طاهر الصادر عن دار روافد للنشر والتوزيع، يرصد تلك الحياة بتفاصيلها وأن شارع الهرم مهما قيل عنه إلا أنه يبقى محفوفًا بالنوايا الطيبة، وهو ما أوضحه الكاتب عبر معايشته هناك والتى قضاها خلال فترة إعداد هذا الكتاب، ما بين 2008 و2010. يشرح الكتاب كيف يمثل شارع الهرم مصدر دخل لما يزيد على 20 ألف بنى آدم، بدءًا ممن يقفون على أبواب الملاهى والفنادق يلمعون الأحذية سواء لعابرى السبيل ولأعضاء الفرق الموسيقية، وحتى أباطرة الشارع الذين يتحكمون -تقريبًا- فى كل تفاصيله، مرورًا بالتاكسجية وعمال «الباركينج»، وبائعى المناديل وتجار الفاكهة والخضار ومصانع المياه المعدنية، والجزارين، وترزية الملابس «اليونيفورم» للفرق الموسيقية وهكذا. آلاف الجنيهات تحت أقدام الراقصات المشهد الأول الذى يلفت الانتباه مع بداية دخول الملهى الليلى هى آلاف الجنيهات التى تُلقى تحت أقدام الراقصات، وكل من يأتى من خارج كوكب شارع الهرم يظن أن من يفعل ذلك إنما رجل مجنون. المشهد الظاهر يخفى الكثير من الأسرار والحيل التى يتم استخدامها للتلاعب بعقل الزبائن والذى ربما تكون أنت أحدهم، فهناك زبائن لا يذهبون إلى سهراتهم حاملين مئات الآلاف فى جيوبهم، المعتاد أن الواحد منهم يطلب من إدارة الملهى المبلغ الذى يريد أن يرميه على المطربة أو الراقصة، يطلب مثلا 100 ألف جنيه، فتأتيه على صينية كبيرة، وفى آخر سهرته تأتيه الفاتورة شاملة تكلفة ما أكله وما شربه وما أخذه نقديًا، فيدفعه كاملاً، والأمر لا يخرج عن إطار الصفقة. ومن هنا يمكن لأصحاب الملهى الحصول على المال عبر عدة طرق، فالبنت الريكلام حين تغرى أحد الزبائن ويرمى عليها من فلوسه، يكون لها نصيب مما اختصها به الزبون، والمطرب والراقصة كذلك، حتى سائقى التاكسى، ومن يأتى بزبون، وإن كانت النسبة تختلف من واحد لآخر. نسبة الراقصة والمطرب، قد تصل إلى 50%، حسب شهرتها ومكانتها وثقل معجبيها، أما الريكلام، فلا تعرف أصلاً كم ألقى عليها زبونها، بل تكتفى بما تضيفه إدارة الملهى إلى أجرتها اليومية، قد تجد الزيادة 300 جنيه، أو 400، فتقنع بها، ولا يمكنها التعليق على الأمر. مهمة السائق «جر رجل» الزبون من خلال المعايشة اتضح أن السائق هو الجندى المجهول فى عملية جذب الزبون أو السائح إلى الملهى، فعادة يعقد صاحب المحل اتفاقًا مع عدد من سائقى التاكسى أو معارض تأجير السيارات أو سائقى الفنادق الكبرى اتفاقية «بيزنس»، يأتون له بالزبائن، مقابل «ترضية» مناسبة بخلاف ما يحصل عليه السائق من الزبون نفسه، وتتفاوت ما بين 100 و 300 جنيه، حسب أهمية الزبائن الذين يوردهم إلى المكان، وحسب حرصهم على كسبه وإرضائه حتى لا يذهب بزبائنه لمكان آخر. تحصل البنت الريكلام على 150 جنيهًا فى الليلة وأحيانًا أكثر، وقد تصل إلى ألف جنيه، حسب احتياج المكان لها، مهمتها الرقص على المسرح، أو بجانب الزبون، و«إسعاده» بحيث يخرج من جيبه أقصى ما يكن استخراجه منه، و«تثبيته» فى المكان، ليأتى كل يوم. 4 أسباب تصنع من الفتاة ركلام رواد شارع الهرم يضعون 4 أسباب لتصبح الفتاة ريكلام: إما أنها ابنة أسرة فقيرة مفككة، أو أنها سالكة طريق أمها، أو أنها نشأت فى أسرة شديدة التحفظ والقسوة عليها، مما يدفعها للبحث عن حنان بالخارج فتهرب من البيت. بعض من يأتون للسهر يقترضون من هذا وذاك ليجمعوا مبلغًا مناسبًا يأتى به الملهى ليرميه على الراقصة ويطير بهذا فرحًا «ده عيان وعلاجه إنك تعمل له اللى هو عايزه»، قد يكون الزبون مليونيرًا، لكنه يحس بالتعاسة، ولا يجد راحته إلا فى «مربع النايت»، قريبًا من دوشة الراقصات وقرع الكئوس وازدحام صالات الرقص، وأصحاب الملاهى الليلية يحرصون على تلبية كل رغبات الزبائن مهما كانت غريبة، طلبًا لرضاهم، وضمانًا لاستمرارهم فى المكان. وكالتفرقة والتمييز فى أى مجتمع يوجد أيضًا فى شارع الهرم هذا التمييز الطبقى بين الراقصة أو المطربة وبين «الركلام»، فى الملهى فما هو مسموح به للريكلام محرم على النجمة بكل تأكيد من الجلوس مع الزبائن أو الخروج معهم. علاقة البنت الريكلام بالزبائن لها قوانين خاصة، لكل اختراق عقوبة مختلفة، ولكل خروج عنها «أذى» مناسب، فمسموح تمامًا للبنت أن تتعرف برجال ممن يأتون إلى المكان، لكن ليس لها أن تجالسهم حصريًا، إلا إذا كانت جاءت بهم أو معهم من الخارج، ومنذ بدء السهرة، فمعنى أن تجلس الفتاة مع زبون على منضدته طوال السهرة، هو إغضاب زبون آخر، قد يكون راغبًا فيها، وليس مسموحًا لها أن تختصه بشيء دونا عن الآخرين، كما لا يمكنها أن تصطحبه آخر السهرة وتخرج برفقته. قواعد صارمة تحكم عمل الركلام قواعد الملهى صارمة للغاية، لكن دائمًا ما تتحايل عليها الفتيات، عن طريق تبادل أرقام التليفونات مع الزبائن فى الخفاء للمقابلة بعد مواعيد العمل، وحتى فى هذه الحالة لا يمكنها أن تعود معه فى السهرة التالية، وتجلس على منضدته، لكن يمكنها أن تصحبه إلى مكان آخر. وطرق الاحتيال لتبادل التليفونات كثيرة، منها أن يكتب الزبون رقم هاتفه على ورقة مائة جنيه، ويرسلها عبر أى جرسون إلى الفتاة، أو يذهب إلى العاملة التى تقف على باب حمام السيدات، ويقنعها أن تأتى له بهاتف البنت، مقابل مبلغ معين يتفقان عليه، وبالنسبة للزبائن العرب يتراوح ثمن رقم التليفون ما بين 500 وألف جنيه، وللمصريين، ما بين 50 ومائتين. وطبعًا تخضع كل الفتيات للشروط القانونية التى تخضع لها المغنية والراقصة والريكلام داخل أى ملهى ليلى، فلابد أن تسجل المغنية فى نقابة الموسيقيين، والراقصة فى المصنفات، وحتى الريكلام لابد أن تحصل على شهادة تؤكد خلوها من الأمراض، ودون ذلك فهن عُرضة طوال الوقت للقبض عليهن من شرطة السياحة ومعهن صاحب الملهى وغيرهم. من البيت للكباريه ومن الكباريه للبيت مقولة «من البيت للكباريه ومن الكباريه للبيت»، نابعة عن جملة حقيقية جدًا يصدقها هذا المجتمع وتطلق دائمًا على بعض الفتيات الراقصات فى شارع الهرم والتى يتم وصفها بالمحترمة ولديها أخلاق. عصابة المافيا التى تحكم شارع الهرم تتمحور حول 4 شخصيات فقط تقع حماية الشارع أو بالأحرى «البلطجة»، تحت مسمى الحماية على عاتقهم وهم «ص. ش» وهو الأكبر والأشهر وكيف بدأ «بودى جارد صغير» حتى أصبح أقوى الأباطرة فى الشارع من نفوذ وعلاقات بالسلطة، الثانى هو «م. س» والشهير بالحاج، الثالث هو الكهربائى «م. ج»، والأخير «م. ج». وفى الشارع أيضًا تولد قصص الحب الكبيرة، لكبار رجال الأعمال وغيرهم بين المغنيات والراقصات والتى تصل حد الزواج ودائمًا تكون بشروط النجمة، وهى ألا تتوقف عن الغناء أو الرقص، وغالبًا ما تنتهى بجنون الزوج واستمرار الفنانة فى حياتها دون اهتمام، داعمًا الأمر بعدد من القصص الحقيقية. «سهير»، راقصة كانت تعمل فى كازينو، تعرّفت على «محمود»، وهو شاب صعيدى قيل إنه يتاجر فى الآثار، وكان يرمى عليها كل ليلة آلاف الجنيهات، ولما تقرّب إليها وطلب الزواج منها، طلبت منه أن يتحدث مع زوج أختها، «سليم»، لم يكن يعرف أن «سليم» هذا هو زوجها، لا زوج أختها كما قالت له. اتفق «محمود» و«سليم» على الصفقة، سيتزوجها الصعيدى شهرًا واحدًا مقابل 30 ألف جنيه مهرًا للبنت، و20 ألفًا أخرى لزوج أختها (زوجها) لأنه سيجتهد فى إقناعها بالزواج عرفيًا. وهى التى طول عمرها ترفض عشرات العروض فى هذا السياق، وبالفعل تمت الصفقة وحصل الزوجان على 50 ألف جنيه من تاجر الآثار الذى لم يكن يعرف أنه يتزوج «متزوجة». البوب صانع النجوم في شارع الهرم «البوب»، رجل معروف بصناعته النجمات من راقصات شارع الهرم، وأحيانًا الزواج منهن، ليس لمزاج فيه، بل لأن هذا عمله ومصدر دخله. فبعد أن يصنع للواحدة منهن حالة نجومية خاصة، وقد يتزوجها، لا يمانع إن وجد من بين معجبيها من يرغب فى الزواج منها فيبيعها له، فعل ذلك مع ثلاث راقصات حتى الآن، منهن من كانت تعد الأولى على امتداد عالم الليل هناك. وفى حوار مع إحدى الفتيات فى شارع الهرم «ركلام» متحدثة هى بأسلوبها وكلامها، عن كيف دخلت إلى هذا العالم والدافع إلى ذلك وتفاصيل عن الملابس المفضلة داخل الكباريه وكيف يمكن للفتيات أن يعرفن كل أسماء ضباط المباحث وما المبلغ الذى تتقاضاه الفتاة وفقًا لملابسها أو خروجها مع الزبائن. فى الجزء الثانى من الكتاب اقتصر على مجموعة من القصص الحقيقية لشخصيات حقيقية موجودة فى شارع الهرم سرد الكاتب حكايات كل منهم بالتفصيل، ثم تحدث عن مساجد الشارع وزواياه، فى محاولة لنفى سمعته السيئة شعبيًا.