«داخل إحدى العمارات الفخمة فى شارع البطل أحمد عبدالعزيز، تدخل «أم أحمد»، سيدة فى العقد الخامس من عمرها، تجاوزتها النضارة، وانسحب الجمال عن قسمات وجهها، وأصيب جسمها بالترهلات، تقف لتلتقط أنفاسها فى مدخل العمارة، وتواصل الخطوات السريعة فلم تنتظر الأسانسير، فالمسافة قريبة للصعود إلى المكان الذى تقصده فى الدور الثانى، بملامح يشوبها الإرهاق تدق جرس الشقة رقم 5 وتفتح لها إحدى الفتيات للدخول وتغلق الباب خلفها مسرعة. تضغط «أم أحمد» بأصبعها النحيلة على بصمة الحضور، وتجلس فى هدوء على مكتبها الصغير الذى لا تتجاوز مساحته مترا واحدا، بدأت توقيتات العمل الرسمية، داخل الغرفة المزدحمة بالمكاتب الصغيرة، وظيفتها التى لا تنطبق على ملامحها أو مهنتها فى بطاقة الرقم القومى «ربة منزل»، إنها الحديث عبر الهاتف. «أم أحمد» تتحدث بهدوء واسترخاء على مكتبها، وهى تخرج من شنطة كتفها الكبيرة الطعام والتسالى والماء، لتقضى به تفاصيل سهرتها التى تنتعش بالأحاديث المتنوعة بأكثر من لهجة عربية. على مدار 8 ساعات متواصلة، كلماتها معسولة تصف ملامح شخصيتها التى تريدها من وحى خيالها عكس الواقع، الأمر هنا ليس للترفيه كما تعودنا إذا تحدثنا فى الهاتف، بل هى مهنتها من أجل الراتب الشهرى الذى تنتظره مقابل كلماتها المعسولة دون شروط أو خبرات. إذا انتهت المكالمة الهاتفية فهناك أخرى تنتظرها من آخر هى فتاة أحلامه وهو فتى أحلامها خلف الهاتف الحديث بإمكانيات عالية يستقبل الاتصالات الرومانسية للحب والتعارف من جميع دول العالم، تحت مسمى «فتيات الشات»، والمهنة لا يصلح للانضمام لها شباب فهى للفتيات فقط. اخترقت «روزاليوسف» المهنة التى تعمل فى السرية التامة، والحديث مع الفتيات العاملات لرصد تفاصيل عمل ال«كول سنتر» صوتا دون صورة، إلى أن تطور فى عام 2017 إلى العمل من المنزل بالصوت والصورة مقابل 75 دولارا للساعة. شروط الالتحاق بالوظيفة «استقللت سيارة متجهة إلى شارع البطل أحمد عبدالعزيز، وفى إحدى العمارات الفخمة الموجودة به توقفت السيارة أمام العنوان المقصود، دخلت العمارة للوصول إلى الشقة رقم «5» كما وصفت لى خدمة العملاء فى شركة فتيات ال «كول سنتر»، استقبلتنى سيدة فوق عمر الثلاثين، وبدخول الشقة معها كان الأمر مرتبا للغاية. الشقة عبارة عن غرفتين أبوابها مفتوحة عبارة عن مكاتب صغيرة تجلس كل فتاة على مكتب عليه تليفون فقط، وكل غرفة بها 5 هواتف و5 أجهزة تليفون حديث أرضى، جلست السيدة بهدوء لتشرح لى تفاصيل الوظيفة قائلة: «لا توجد أية شروط، فالوظيفة متاحة لكل الفئات العمرية، ولا يشترط أن تكون المتقدمة لها متعلمة تعليماً عالياً، أو تتقن لغة أجنبية، أو على إلمام بالمعلومات العامة.. هذه شروط ليست مطلوبة، فالمطلوب فقط أن تكون «الموظفة» ذات صوت ناعم، وحنجرة تفيض غوايةً وأنوثة وإغراء. وتحصل اللاتى يتم قبولهن، على راتب يصل إلي1000 جنيه فى حال عملهن لمدة 12 ساعة صباحاً، ويصل الراتب إلى 2000 جنيه إذا وافقن على العمل فى وردية الليل، حيث ترتفع نسبة المكالمات، ويلوذ بعض مدمنى «الشات» بمثل هذه الشركات، فيتحدثون فيما يروق لهم من مواضيع، وعلى رأسها بطبيعة الحال: الجنس. وإذا كان الوضع على هذا النحو، فلا عجب فى أن تتولى امرأة فى العقد الخامس من العمر، مهمة الرد على الاتصالات، بصوت تحاول «ترقيقه» بكل ما فى وسعها، كى تغرى المتصل بالكلام لمدة أطول، لأن الحد الأدنى لعدد الدقائق الواجب على كل «موظفة» أن تسجله، لا يقل عن 300 دقيقة فى «الشيفت». جلست السيدة التى يناديها الفتيات ب«مس إيمان»، لتتحدث بشكل واضح وصريح لتفسر نوع المهمة، مؤكدة أن الشركة بها جميع المستويات الاجتماعية من الفتيات، وشروطنا الوحيدة التى توقع الفتاة عليها فى العقد الرسمى هى ألا تتحدث فى «الدين أو الجنس أو السياسة»، وإذا حدث ذلك فهى تتحمل عقابه أمام القانون فنحن لسنا مسئولين، والشرط الثانى أن الفتاة المتحدثة لا تعلن عن هويتها الحقيقية، فهى تجلس للتعارف، لكن التعارف الوهمى وليس له أى واقع من الحقيقة بداية من الاسم الذى تتحدث به حتى مؤهلها الدراسى عنوانها حياتها الخاصة أسرتها، خوفاً من حدوث قصة حب بين المتصلين والفتاة والبحث عنها والوصول للشركة وهذا الأمر يفسد مهمة التعارف عبر الهاتف، بالإضافة إلى أن هناك فتيات يقمن باستغلال المتصلين لتحويل مبالغ مالية لهن مقابل الحديث معهم على الهاتف الخاص بالفتاة مباشرة، لأنه يختلف تماماً عن وضع الاتصال بالأرقام الخاصة بالشركة. وأضافت «إيمان»، عندما يتعرف الشاب على فتاة ويريد الحديث معها أكثر من مرة، فنستطيع الحصول منه على دقائق فى أكثر من هاتف، وفى نهاية الشهر الفتاة التى تتفوق على زميلاتها تحصل على مكافأة مالية تقدر ب300 جنيه. طريقة العمل فى تمام الساعة ال 6 أعلنت الفتيات أن العمل بدأ، ونصحتنى إحداهن بالجلوس لأبدأ عملى، وسوف تساعدنى إذا تطلب الأمر، وجلست لأطلع على تفاصيل العمل، وليس على سوى استقبال الاتصال على الهاتف والحديث فى أى موضوع مقابل الحصول على دقائق كما هو مطلوب، فالهاتف له شاشة عليها رقم الدولة وعدد الدقائق، وكان ثمن الدقيقة وقتها 5 جنيهات للاتصال الدولى أو المحلى. والغريب فى الأمر أن المكان مراقب بالكاميرات لرؤية ومتابعة الفتيات لأصحاب الشركة المجهولة من منازلهم، فعلى حد قول الفتيات قد لا يحضرون إلى المكان ويتابعوننا بالاتصال. لكل «شيفت» رئيسة من الفتيات العاملات، تشرف عليهن بشكل دورى وتعمل فى نفس الوقت ويزيد راتبها على مهمة العمل الرئيسة، وأى وشاية منها تتسبب فى الخصم الفورى لزميلاتها. ومن هنا كان الوقت المتاح للاستراحة قليلاً، بما يساوى دقائق عمل مشروب ساخن فى المطبخ، أو إعداد وجبة سريعة وتناولها أثناء الحديث على الهاتف، ولا يتعجب المتحدث من الأمر لأنه يتوقع أن الفتاة تتحدث له من مكان رسمى للعمل أمام الجميع. وفى دقائق للراحة قالت «جوليا» إحدى الفتيات المشاركات وهذا اسمها المستعار، هناك شركات أخرى معروفة، وتستطيع الفتيات العمل بها فى سرية تامة، حتى لا يتعرضن للطرد من المقر الحالى. وأشارت أن هناك فرعين آخرين لتلك الشركات أحدهما يقع فى شارع الخليفة المأمون بمصر الجديدة، والثانى بالجيزة. قصص الفتيات العاملات وبسؤال أخرى وتدعى «ليلى» كما أطلقت على نفسها فى الشيفت المسائى، عن سبب عملها فى المهنة قالت، أنا سيدة مطلقة وعمرى 45 عاما، حضرت للعمل منذ عام والراتب مغرى، وابنتى الصغرى هى من أحضرتنى إلى هنا، وشرحت لى طبيعة العمل، فأنا سيدة لا أمتلك مؤهلا أو حاصلة على ما يميزنى فى سوق العمل بجوار الخبرات والشباب وسنى لا يؤهلنى إلى ذلك، لكن صوتى هو سبب قبولى فى الوظيفة وقد حققت نجاحا أنا وابنتى فى المهنة فى عدد الدقائق ونحضر سوياً ونغادر سوياً، وأسرتى صغيرة عندى ولد يجلس فى المنزل حتى عودتنا، وأنا من سكان المناطق العشوائية فى بولاق. فيما تدخلت أحلام كما أطلقت على نفسها أيضاً فى الحديث وقالت، أنا طالبة جامعية ومغتربة، سمعت عن الوظيفة من صديقاتى، فحضرت مسرعة لأننى كنت أبحث عن أى مال للعيش منه فى الغربة، وفى البداية كنت رافضة للأمر لكن بعد فترة استجبت، فالأمر سرى ومزيف فهى مجرد شخصية خفية لا يعلمها أحد، وعندما تسألنى أسرتى عن العمل أقول لهم «كول سنتر»، وأذهب حالياً للجامعة نصف يوم وأحصل من هنا على يوم إجازة أيضا يكون للجامعة وليس للراحة. وابتسمت ساندى إحدى الفتيات المشاركات فى «الشيفت» بعد أن انتهى الهاتف الذى كان معها، وبصوت خافت قالت «أقدم لكى نصيحة قبل العمل حتى لا تتعرضى لما يتعرض له معظم الفتيات هنا، الكلام المعسول يشبه السم فى الجسد، ورغم أن الحب ممنوع فى الغرفة لكن يحدث بالخطأ عندما يرق قلب فتاة تجاه الشاب الذى يتحدث لها، وهذا أكبر خطأ لأن معظم المتصلين يعرفون جيداً أننا فتيات ليس لدينا أخلاق وننتظر الحديث من أجل التعارف، والإعلانات الموجودة على التليفزيون تظهر فتيات بشكل غير أخلاقى وهذا ما يدفعه للاتصال على الفور، وخاصة الجنسيات العربية المتنوعة وهناك بعض الأجانب، وهناك بعض الرجال الكبار فى السن. فيما تحدثت إحدى الفتيات قائلة، حررت ضد شركة إيبر محضرا برقم 7735 بقسم الجيزة عام 2012 اتهمت فيه الشركة بممارسة أنشطة مخالفة للآداب والأخلاق تحت ستار البرمجة، وأنها أحد فروع مهنة ال«كول سنتر» الخفية للشات الصوتى بأنواعه. وتتهم الفتاة الشركة باستغلال الفتيات اللواتى يتقدمن للعمل لديها، فى الحديث مع متصلين فى موضوعات جنسية خارجة، بعد أن يوقعن إقرارات تفيد بأنهن يعملن فى مجال الدردشة بعلم ذويهن خلافاً للحقيقة. وتقول الفتاة التى طلبت عدم ذكر اسمها، تعرفت على الشركة من إعلان بإحدى الصحف الإعلانية، وكان العرض مغرياً، فراتب 1600 جنيه يعد راتباً مجزياً فى عام 2010 فى ظل الأحوال الاقتصادية الخانقة، ومن ثم تقدمت ووافقت على العمل، موضحةً «إنهم يستغلون حاجتنا إلى العمل، ويجبروننا على مجاراة المتصل حتى نحقق عدد الدقائق يومياً بغض النظر عن الاعتبارات الأخلاقية». وتضيف «معظم اللاتى يعملن هنا ليس لديهن خيارات، بعضهن فتيات صغيرات يتوهمن قصص غرام مع متصلين، وبعضهن «خبيرات» يعرفن كيف يجعلن المتصل يسهب فى الحديث وينسى نفسه، حتى تفاجئه فاتورة هاتفه الطائلة، وقد رأيت بعينى فتيات يدخن المخدرات، و«الإدارة» لا ترفض ذلك، وإنما تشجعهن حتى «يعملن بمزاج». وتقول: إن المحضر بقى محفوظاً بقسم الجيزة منذ عام 2012 لأن رجال الشرطة اعتبروا كلامها بلا دلائل، مشيرة إلى أن دوافعها لتحرير المحضر تتمثل فى إنقاذ الفتيات من براثن هذه الشبكة الخطيرة «حسب قولها»، لكنها فى الوقت ذاته اعترفت بأن لديها مستحقات مالية عن فترة عمل لم تحصل عليها. تجربة اتصال من شاب أحد العملاء ويدعى «محمد» مصرى الجنسية قال، لى تجربة مع شركات الشات عبر الهاتف المحمول، يؤكد أنه لم يسع للأمر منذ البداية حيث وصلته رسالة من رقم مجهول تحثه للحديث مع فتاة عربية مثيرة وفى آخر الرسالة رقم آخر يختلف عن رقم الهاتف الذى وصلت منه الرسالة ويقول «قمت بالاتصال وبعد دقائق من الاستماع للأغانى والرسائل المسجلة ردت إحدى الفتيات وتحدثت معى فى أمور عدة قد تصل أحيانا إلى كلمات ذات إيحاء جنسى»، ومن هنا فصل رصيد هاتفى المعبأ ب20 جنيها فى 4 دقائق، ولم أكررها مرة أخرى خوفا على رصيدى فلا امتلك المال للحديث معهن. تطور المهنة فى عام2017 لم تختف فكرة «شات الفتيات الصوتى»، لكن تطورت إلى الشات المرئى والمسموع للفتيات «لايف» من خلال نفس الأرقام الموجودة فى الإعلانات على شاشات التلفزيون علنياً والجميع يراها، ومن يرغب التواصل بمجرد الاتصال فأنه يرى فتاة بشحمها ولحمها تلك المرة وليس صوتها فقط. كانت ل«روزاليوسف» تجربة أخرى للتعرف على ملامح التطوير الحديث للظاهرة التى لم تختف وتعمل فى ظلام منذ سنوات من خلال إحدى الفتيات التى حاولت العمل مع تلك الشركات، وأمدتنا بالأحاديث الصوتية والمكتوبة عن تجربتها. قالت «ج. د» التى طلبت عدم ذكر اسمها، كنت أبحث عن وظيفة فى إحدى مجموعات الموضة على «الواتس آب»، فوجدت إعلانا من فتاة وكان نص الإعلان كالتالى «معايا شغل بكره فى أبلكيشن لايف على الإنترنت شغل صوت وصورة الفيس بس اللى بيبان فى الشغل والقبض بالدولار اللى تمام بس وموافق على الشغل يكلمنى غير كده محدش يكلمنى والشركة ياجماعة محترمة جدا وعاوزه بنات وستات من سن 16 إلى 37 والشغل من بيتك». قمت بالاتصال إلا أن الفتاة التى ردت على الهاتف طلبت منى التواصل عبر الواتس آب فقط لأن التواصل سوف يكون من طرفها بالرسائل الصوتية فقط، أكدت فى الرسالة أنه عمل شات للحديث مع المتصل مقابل الدقائق التى تحصلين عليها على الأبلكيشن، ومدة العمل ساعتين فقط فى اليوم مقابل مبلغ 75 دولارا وفى الأسبوع 200 دولار وهناك إجازات رسمية من العمل يوم واحد فى الأسبوع. وهنا ابديت قبولى بالأمر مع تفسير نوعية الحديث، فقاطعتنى فتاة الشركة المزعومة أنها تريد الاطلاع على صورى أولاً، وبعد رؤيتها للصور على «الواتس آب» ردت مسرعة تمام أنت مقبولة. وطلبت منى أن نتقابل فى المترو لإتمام تفاصيل العمل وحصولى على «الأبلكيشن» تقابلت مع الفتاة التى تدعى «مى» فى المترو بصحبة صديقتى، إلا أنها طلبت منا الذهاب إلى مقر الشركة وبشكل مفاجئ ركبنا من المترو سوياً متجهين إلى «ثكنات المعادى» مع مجموعة من الفتيات، والمكان عبارة عن فيللا ملحقة بها جنينة. جلسنا مع الفتاة فترة ولم نعلم شيئا، نظام الشغل على أبلكيشن ويومان راحة ب75 دولارا، وفى البداية قالت إن الحديث فى المكياج والموضة إلا أن مى سرعان ما غيرت تفاصيل حديثها بأنه من الممكن الحديث فى أى شيء. واستقبلنا شاب يدعى «نور» للحديث معنا وطلب تحميل الأبلكيشن وكتبنا رقم الهاتف وصورة للبروفايل و10 صور على الأكاونت الخاص لى على البرنامج، وبسؤاله من يرى صورى قال العالم كله سوف يراك من خلال موقعك الذى سوف تطلقين عليه اسمك وصورك، سواء صينيين أو عرب أو مصريين، لكن ممنوع الحديث فى السياسة والدين والجنس، وقال لى ألبسى لبس كويس اعملى حاجات مجنونة يكون المكان إللى أنت فيها جيد، والناس ممكن تشارك معاكى صوتا وصورة، وفى حالة العمل الإضافى بعد الساعتين الأساسيتين تحسب لك الساعة ب20 دولارا. وأصابتنى حالة من الذهول والخوف، ومن بعدها تفاجأنا أن هناك اتصالات دولية تقتحم هواتفنا المحمولة بعد حصوله على بياناتنا. والتقطنا فى حديثة أن هناك مستويات للفتيات، فهن درجات فى الجمال «أى، بى سى، دى، ودى» هى الفتاة الأقل مستوى فى الجمال. وعرفت أنا وصديقتى أن المكان للشات الصوتى والمرئى لكن بطريقة حديثة فخرجنا مسرعين، ولم نعد إلى المكان مرة أخرى خوفاً على سمعتنا.