ما زالت القصص الحقيقية التى وقعت بالفعل لديها تأثير أقوى على صناع السينما من الخيال، ويبدو أن المخرجين كلما زادت أعمارهم ونضجهم الفنى وأصبحوا أكثر أهمية، أرادوا أن يجردوا أعمالهم من أى تصنع أو زيف. وهذا ما دفع كبار المخرجين فى هوليوود إلى أن تكون موضوعات أعمالهم القادمة من كنوز الواقع، وإن كانت القصص التى اختاروها أليمة إلا أنها ليست أكثر ألما مما نحيا ويحيا العالم فيه الآن. ثلاثة أفلام يتم التحضير لها حاليا وينتظر عرضها مع نهاية العام القادم، تحمل توقيع ثلاثة من أهم المخرجين فى العالم: «كلينت إيستوود»، «مارتن سكورسيزى» و«كونيتن تارنتينو». «كلينت إيستوود» وفيلمه الجديد «15 : 17 إلى باريس» هو الأكثر اقترابا من الواقع، شكلا ومضمونا، فالفترة الزمنية التى تدور فيها أحداث الفيلم قريبة وهى عام 2015 والحدث الرئيسى هو الأهم والأكثر طغيانا على العالم كله وهو الإرهاب.. ليس هذا فقط ولكن الفيلم يصل لأقصى درجات الواقعية، ف«إيستوود» لم يكتف باختيار قصة حقيقية وزمن قريب، بل قرر أن يستعين بالأبطال الحقيقيين للقصة لتمثيل أدوارهم فى واقعة نادرة الحدوث فى السينما. الفيلم يتناول الحادث الإرهابى الذى وقع فى صيف عام 2015 عندما تصدى ثلاثة رجال أمريكيين لإرهابى حاول إطلاق الرصاص على ركاب قطار متجه من أمستردام إلى باريس.. الأبطال هم: أليك سكارلاتوس وسبنسر ستون يعملان بوظائف مختلفة فى الجيش الأمريكى، وأنتونى سادلر ما زال طالبًا بالسنة النهائية فى جامعة كاليفورنيا. وقد جعلتهم الصدفة أن يكونوا ضمن ركاب القطار، ويستطيعون بشجاعة التصدى للإرهابى المغربى أيوب خازاني- 25 عاما- ومنعه من إطلاق النار العشوائى من بندقية آلية على المسافرين.. الأبطال الثلاثة تم تكريمهم بمنحهم وسام الشرف الوطنى الفرنسى، وقد تم اقتباس سيناريو الفيلم من كتاب قام الثلاثة بتأليفه بعنوان «17:15 إلى باريس: قصة قطار وإرهابى وثلاثة أبطال أمريكيين». «إيستوود» يؤكد من خلال اختياره لموضوع فيلمه الجديد إصراره على الاستمرار فى تقديم قصص واقعية، وهذا ما حدث مع فيلميه الأخيرين «القناص الأمريكي» و«سولى»، أما عن إسناد البطولة للأبطال الحقيقيين فهى المرة الثانية التى يقوم فيها «إيستوود» بذلك. المرة السابقة كانت فى فيلم «جران تورينو» الذى أسند فيه البطولة لمهاجرين صينيين حقيقيين. أما صاحب الأفلام الأكثر عنفًا فى تاريخ السينما الأمريكية «مارتن سكورسيزي» فيعود للعمل مرة ثانية مع بطله المفضل «ليوناردو دى كابريو فى فيلم ينتصر فيه خيال العنف عند «سكورسيزى» وتنطلق فيه كذلك الإسقاطات السياسية. الحكاية التى تم اختيارها غريبة وتمتلئ بالغموض، دائرة مغلقة يقف بداخلها: سكان أصليون، بترول، قتل، تواطؤ سلطات.. لقصة تعود إلى عشرينيات القرن الماضى فى مقاطعة أوساج بأوكلاهوما.. حيث سلسلة من جرائم القتل وقعت لما يزيد على ستين فردا لعائلات من الهنود، وذلك فى فترات متقاربة وتحديدا من عام 1921 وحتى 1925، الجرائم وقعت بعدة أساليب منها: إطلاق الرصاص وانفجار القنابل والقتل بالسم والإلقاء من قطار سريع وغيرها، ولم تتمكن السلطات أو لم ترغب فى كشف الحقيقية، فقط اكتفت بأن تطلق على ما حدث أنه «عهد الإرهاب». استمر الغموض يحيط بهذه القصة حتى فترة التسعينيات عندما قام صحفى بمجهود شخصى بالبحث وراء موت جدته التى كانت من ضمن الضحايا، واكتشف المؤامرة التى وقع ضحيتها عدد كبير من السكان الأصليين للمقاطعة.. السبب فى حوادث القتل هذه كان ظهور البترول فى أراضى هذه العائلات، وهو ما جعل بعض الأمريكيين من أصحاب البشرة البيضاء القيام بتدبير عدة جرائم قتل، بعض هؤلاء الأمريكيين تم القبض عليهم ومحاكمتهم، وكان أهمهم شاب قام هو وعمه بتدبير مقتل عائلة بأكملها طمعا فى الثروة.. أما باقى جرائم القتل الأخرى التى توالت على السكان الأصليين لأوساج، فلم تتمكن المباحث الفيدرالية من معرفة الجانى وإن كان القليل منها تم فيها اتهام أزواج- أمريكيين من ذوى البشرة البيضاء- بقتل زوجاتهم- هنود من السكان الأصليين. النتيجة فى النهاية كانت ذهاب ملكية الأراضى إما للأزواج الأمريكيين الذين لم تثبت عليهم التهم، أو بتعيين حراسة على الأملاك لمحامين ورجال الأعمال من أصحاب البشرة البيضاء أيضا. هذه القضية كانت أول قضية كبرى يتولاها مكتب التحقيقات الفيدرالية، بقيادة «ج.إدجار هوفر»- قام «دى كابريو» بتجسيد شخصيته فى فيلم حمل اسمه وعرض عام 2011. سيناريو الفيلم يستعين بكتاب حول هذه الوقائع قام بتأليفه «ديفيد جران» وحمل عنوان «قتلة القمر المزهر: جرائم قتل أوساج وميلاد المباحث الفيدرالية»، هذا الفيلم هو التعاون السادس بين «سكوسيزي» و«دى كابريو» فى 16 عامًا، بدأت ب«عصابات نيويورك»، وقد قدما معا فيلمين عن قصص حقيقية هما: «الطيار» و«ذئب وال ستريت». أما «كونيتن تارنتينو» فلأول مرة يقتبس من الواقع قصة لفيلمه الجديد. القصة حول جرائم (عائلة مانسون) التى هزت فترة الستينيات والسبعينيات وقامت بتحويل هذه الفترة الرومانسية فى أمريكا إلى فترة مرعبة- وفقا لتعبير تارنتينو. تشارلز مانسون، كون عصابة لارتكاب جرائم القتل وأطلق عليها «عائلة مانسون»، وكان هو العقل المدبر لهم. قام «مانسون» وعصابته باستهداف المشاهير من أهل الفن وكانت من أشهر ضحاياه الممثلة «شارون تيت» زوجة المخرج الشهير رومان بولانسكى. وقد قام مانسون وعصابته بارتكاب تسع جرائم قتل فى صيف عام 1969. وفى عام 1971 تم إدانته بالقتل من الدرجة الأولى والتحريض على القتل، وبالتالى الحكم عليه بالإعدام من الدرجة الأولى ثم تم تخفيف الحكم للسجن مدى الحياة، ومازال يقضى عقوبته حتى الآن. تشارلز مانسون قبل إدانته كان مغنى وكاتب أغانى ولديه عدة إصدارات موسيقية من تأليفه. وقد قدمت حياته فى عدد من الأفلام الروائية والوثائقية منذ عام 1976 مثل «هيلتر سكيلتر» و«كتاب مانسون». أما عن أبطال الفيلم فلم يتم تحديد أى منهم بعد، فقط انتشرت بعض الشائعات حول قيام «مارجوت روبي» بتجسيد شخصية «شارون تيت» وقيام «براد بيت» بأداء شخصية النائب العام فى القضية «فينسنت بيوجليوسي»، واحتمال مشاركة كل من «جينفر لورانس» و«صموئيل جاكسون».