ذات يوم كنت على قائمة الفنانين المسافرين إلى أمريكا لإقامة عدد من الحفلات فى حب مصر وكان الفنان سمير صبرى هو الدينامو الحقيقى وراء هذا التنظيم، ووجدت معى عددا ضخما من نجوم مصر منهم فريد شوقى وحسين فهمى وشريهان ويومها عدت بذاكرتى إلى الوراء لأتذكر هذه البنت التى تشع نورا ليس له نظير من عينيها هناك شعاع يجعلك منجذبا لها وكأنك تغوص فى أعماق بحر لا حد له ولا قرار، إذا تحدثت فإنها تزيد من جرعة الإبهار وتجعلك فى حالة دهشة وفرحة وسعادة لا تنتهى. فى مسرحية (كباريه) التى قدمناها كان أبطال العرض النجمة نيللى وسعيد صالح وعمر خورشيد فى هذه الأيام لم تكن شريهان قد اشتهرت بعد وكانت تأتى بصحبة شقيقها عمر خورشيد وكنت أراها أيضا فى منزل السيدة سهير شلبى ومعها والدتها عواطف وهى سيدة عبقرية تمتلك عقلا جبارا، كانت السيدة عواطف خورشيد أيضا معنا فى الرحلة إلى أمريكا فهى لا تبتعد على الإطلاق عن ابنتها شريهان وترافقها فى كل مكان ولعواطف خورشيد قدرات هائلة إذا تصدت للحكى فإذا بدأت فى الحكى فإنها تستطيع أن تستولى على كل من يستمع إليها وكانت شريهان رغم أن لها بنتين أكبر منها جيجى وهويدا فإن شريهان كانت هى شاغلها الأكبر وهى تعلم تمام العلم أن ابنتها الأصغر تمتلك موهبة فى عالم الاستعراض.. لم يعرف عالم الأضواء والشهرة لها مثيل.. وفى هذه الرحلة ورغم هذا الحشد الهائل من أهل الفن الذين قدموا استعراضات وغناء وفقرات تمثيلية فى أغلب الولايات لكن جاءت هذه الصغيرة لتسحب البساط من الجميع وتظهر إمكانيات فى الرقص والغناء لم أعهدها فى كل حياتى فى شخص واحد. فكنت مثل غيرى مدهوشا بما فعلته شريهان مشدودا إليها وبالطبع انتشر هذا الأمر فى الأوساط الفنية، وتم اختيار شريهان لكى تقدم فوازير رمضان بعد أن سبق وقدمتها من قبل نيللى ومن خلفها عبقرى عصرى وكل العصور صلاح جاهين ثم استكمل الأمر سمير غانم من خلال شخصية اختلقها عبدالرحمن شوقى وهى شخصية مصرية عبقرية كان لها صدى فى كل العالم العربي.. ونزول شريهان إلى سوق الاستعراض كان أمرا مرعبا.. ولكنى أدركت فى لحظة الاختبار الأولى أنها سوف تحقق مستوى أعلى من المشاهدة وسوف ترتفع بقيمة الفن الاستعراضى والإبهار وهى قوام الفوازير إلى آفاق جديدة تناسب هذه البهية الشقية الظريفة المحبوبة المتكلمة المبهرة الجاذبة للبشر شريهان.. وبالفعل جاءت النتائج تماما كما توقعتها. وأصبحت شريهان هى نجمة رمضان الكبيرة فى كل المنطقة العربية كان الكل ينتظر ما سوف تقدمه هذه الفتاة الممتلئة بالموهبة والتى تتوج موهبتها بذكاء حاد وتخدم عليها بطريقة تحسد عليها.. وذات يوم وكنا على وشك افتتاح مسرحية (الواد سيد الشغال) وكانت شريهان ستقوم بدور رئيسى وأثناء البروفات وكانت الأمور تسير بشكل طيب جدا.. وجدت داخلى إحساساً قريباً جدا.. فقلت بينى وبين نفسى أنا مستخسر شريهان فى هذا الدور لأن إمكانياتها تؤهلها لعمل أكبر. وبالفعل تم استبعاد شريهان وتم ترشيح الفنانة الجميلة سوسن بدر للدور استمرت فيه 3 سنوات ثم تقدمت باعتذار وتم الاستعانة بالفنانة مشيرة التى صورنا المسرحية وهى معنا. هذا العمل استمر لمدة عشر سنوات.. ولكننى عندما استبعدت شريهان أو استخسرتها فى الدور بدأت أفكر فى الشكل والمضمون الذى سأقدم شريهان من خلاله.. وتوقعت أيضا أن ترتفع شريهان بالأداء فى المسرح وفاتحت صديق العمر كله بهجت قمر فى الأمر فوجدت عنده ترحيباً رهيباً وقال البنت دى ح تولع المسرح رقص وغناء وتمثيل وح تعدى كل اللى قبلها، وبالفعل بدأ بهجت قمر فى كتابة أول مسرحية استعراضية تقوم ببطولتها البنت المعجزة شريهان واختار لها بهجت قمر (علشان خاطر عيونك) وبعد أن استمعت إلى كلمات بهجت قمر ورأيه فى شريهان استعدت شريط الذكريات فى أمريكا.. كانت معنا مديحة كامل ولبلبة ومديحة يسرى وعدد كبير من نجوم السينما وكانت شريهان تقدم شو مع سمير صبرى أمام الجاليات العربية فى أمريكا. وكانت شريهان وهى محل الإعجاب الأكبر موهبة متعددة مركبة متشابكة لا يمكن تجاهلها أبدا وكان لابد لهذه الموهبة أن تأخذ حقها فى عالم الشهرة والضوء وقد ورثت شريهان من السيدة عواطف أشياء كثيرة.. فأنت لا تمل من شخصية عواطف خورشيد إذا تحدثت بشأنها تضفى نوعا من البهجة والسعادة لمن يستمع إليها وكانت السيدة عواطف تسكن فى عمارة ليبون الشهيرة وتملك شقة هناك وكانت شديدة الحرص على اقتناء شقة ثانية، لكى تبقى شريهان إلى جانبها حتى آخر لحظة.. وأثناء كتابة المسرحية كان بهجت قمر ينتقل من بيته إلى بيتى فيكتب عنده أحيانا ويكتب عندى أحيانا أخرى ونتناقش فى بعض التفاصيل الفنية وكانت السيدة عواطف تزورنى ومعها شريهان ولكنها لم تتدخل على الإطلاق فى أى تفاصيل تخص العملية الفنية ولم تطلب معرفة أية تفاصيل أو تتدخل فى أمر من الأمور أو تطلب الاطلاع على النص.. ولكن شريهان كانت تعيش حالة من النشوة بما يكتبه بهجت قمر وحلقت فى فضاء الكون بأحلامها عندما استمعت إلى أشعار سيد حجاب ثم تحولت إلى حالة السعادة التى ليس لها نهاية عندما اكتمل البهاء بألحان عمار الشريعى وبعد ذلك جاء عبقرى زمانه المخرج الكبير حسين كمال ليستكمل العمل بهاءه ولا أخفى أن لوجود شريهان تأثيراًَ غير طبيعى سواء على الكتابة عند بهجت قمر وكذلك لدى سيد حجاب وكأنها تلهمه مثلما يفعل شيطان الشعر فيرتفع ويتألق وكذلك كان أثرها على الجميع عمار الشريعى وبقى على شخصى الضعيف أن أسافر وأتجول فى كل مكان فى بيروت وفى لندن وفى باريس لكى لا أقصر من جانبى وبالفعل استطعت توفير ما يلزم لكى يأخذ الإبهار نصيبه أيضا من الاكسسوار والإضاءة والديكور والموسيقى كل شيء أصبح معدا والمسرح أصبح جاهزا لاستقبال الملكة التى سوف تتوج على عرش الاستعراض فى مصر والعالم العربي، البنت التى أحدثت فى كواليس (علشان خاطر عيونك) جوا من الألفة والونس لم نعهده من قبل. إنها شريهان التى لم تبهر فقط جهورها.. ولكنها فعلت نفس الشيء.. وتركت أثرا أيضا على بهجت قمر وسيد حجاب وعمار الشريعى وعلى مخرج العرض حسين كمال.. والحق أقول أن النجومية ليست صفة.. وليست حرفة وليست من المهارات التى ممكن أن يكتسبها الإنسان فى رحلة الحياة، ولكن النجومية شيء يولد مع الإنسان وتظهر علاماته معه فى رحلة الحياة - الملك فريد شوقى مثلا فى التمثيل زكى رستم أخطر.. ولكن فى المكانة.. أين هو من فريد شوقي.. ستجد فريد شوقى هو صاحب الشباك وصاحب المكانة العظيمة فى نفوس وقلوب وعقول الناس الذين يدفعون ثمن تذكرة السينما من أجل أن يشاهدوا نجمهم صاحب الإشعاع الطاغى وهكذا هى نجومية شريهان التى تملك موهبة وأداء وإمكانيات عبقرية من الصعب أن تلتقى فى شخص غير.. شريهان.