لا اختلاف من الممكن أن تلحظه عن تلك الطلة التى خرجت علينا بها للوهلة الأولى منذ ما يقرب من نصف قرن.. الفنانة الكبيرة لبنى عبدالعزيز أو «سميحة» فى فيلم «الوسادة الخالية» وهو الفيلم الأول لها فى السينما وأمام العندليب الأسمر، فى الذكرى الأربعين على رحيل العنديل الأسمر عبدالحليم حافظ تحدثت لبنى عبدالعزيز معنا ولترسخ أيضا علاقته التاريخية ب«روزاليوسف» وكبار كتابها على مر العصور. لايزال فيلم «الوسادة الخالية» يتربع على عرش أفضل الأفلام التى أنتجتها السينما المصرية؟ كيف تفسرين ذلك؟ - «الوسادة الخالية» لقى نجاحا كبيرا وتسبب فى اتساع شهرة عبدالحليم بعد عشرة أفلام له لم تحقق نفس النجاح، ولنجاح الفيلم قصة، ففى الصين معروف فيلم «الوسادة الخالية» فالحب الأول للشباب والوردة حينما تتفتح يصبح لدينا شعور خاص وجديد، الهرمونات تبدأ تشتغل ويبدأ الشاب والشابة فى النضوج والإحساس بأشياء لم يحسها من قبل، فالحب الأول له تأثير خاص فى حياة الإنسان مهما تعددت قصص الحب فى حياته، فهو له مكانه، والشباب يضعون ذلك الحب فى الوسادة بالذات، وحينما تزوجت بطلة الفيلم فضلت الإخلاص لزوجها والبعد عن حبيبها والفيلم عموما هو الأول الذى يفتح ملف الحب الأول فى السينما المصرية. هل فيلم الوسادة الخالية من الأفلام التى تعتزين بها؟ - هو من أنجح أفلامى مازال الناس تتذكره حتى بالخارج عندما يرانى أحد يقول لى «الوسادة الخالية». بما أنك قدمت مع عبدالحليم قضية الحب الأول التى كانت محور رواية إحسان عبدالقدوس فهل تؤمنين فى حياتك بتلك الحالة؟ - الحب الأول هو دقة القلب الأولى والتعرف على الجنس الآخر، والإحساس بشعور جديد خلاف حبه لوالديه وإخوته وأقاربه، وذلك ينطبق على كل الشباب بأى بلد وليس شباب مصر فقط، ولكن الشباب قد يفقد حبه الأول نتيجة ظروفه الاقتصادية فى مقتبل عمره، فيصعب عليهم تحمل مسئولية الزواج، فعادة يفترقون، ويفرض على الفتاة الواقع أن تتزوج المقتدر الذى يستطيع تحمل المسئولية والإنفاق على زوجته وبيته وأولاده. ما انطباعك عن عبدالحليم حافظ قبل مشاركته فى ذلك الفيلم؟ - كنت لا أعرفه، فقد قابلته مرة واحدة عند رئيستى بالتليفزيون بالقسم الأوروبي. كيف تلقيت عرض الفيلم.. وهل وافقت على الفيلم دون ملاحظات أو تفكير؟ - ذهبت لاستديو النحاس لكتابة مقالة بالأهرام عن الاستديوهات والمقارنة بين استديوهات مصر واستديوهات أمريكا وبالصدفة كان يوجد تصوير بالاستديو، فجأة قاموا بتصويرى أثناء كتابتى للمقال، وبعد أسبوع عرض لى الفيلم فأعجبتنى القصة، فعبدالحليم حينها لم يكن مشهوراً بالنسبة لى، وعرض عليّ المخرج صلاح أبوسيف فيلمين «الوسادة الخالية و«أنا حرة»، وأنا وصلاح أبوسيف كنا نرغب فى تمثيل «أنا حرة» أولا، ولكن عبدالحليم كان يرغب فى تمثيل «الوسادة الخالية» أولا، وبالفعل تم ذلك وأنا وقتها كنت أمثل حينها بالجامعة الأمريكية وكتب عنى فى مجلة آخر ساعة أربع صفحات بصور نتيجة نجاحها، وقد كنت مشهورة بالإذاعة فقد كان لى عدة برامج بها أنجحها برنامج أضواء المدينة الذى قام به مفيد فوزى بالعربى، حيث كنت بالقسم الإنجليزى، وقد نشرت صورتى بأغلفة مجلة الإذاعة والجيل الجديد والاثنين، وقد عُرضت عليَّ أفلام كثيرة قبله، ولكنى كنت أرفض نتيجة أن التمثيل أمر مرفوض عند عائلتي. هل كان لديك تحفظ للتمثيل أمام عبدالحليم؟ - لا، لم يكن يوجد أى تحفظ، فإحسان كان يريدنى بفيلم «أنا حرة»، وعرض عليّ «الوسادة الخالية» فقمت بتصوير فيلم «الوسادة الخالية» ثم تصوير فيلم «أنا حرة». هل معنى ذلك أنك لم تستمعى لأى أغنية لعبدالحليم حتى تصوير فيلم «الوسادة الخالية»؟ - أنا كنت أدرس، وكنت أستمع للأغانى الأجنبية فقط، ولم تكتشف أذناى أم كلثوم الجوهرة المصرية الخالدة إلا مؤخراً نتيجة تلك الميول، فأنا كنت لا أعرفها مطلقا، فحتى التجهيزات التى كانت تحدث بالبيت لحضور حفلاتها كنت لا أستوعبها حينها نتيجة حبى للأغانى الأجنبية وعدم اهتمامى بالأغانى العربية. وماذا رأيت صوته حينما غنى لك بالفيلم؟ - عبد الحليم صوته يتمتع بشجن مصرى أصيل وحنان ومشاعر خالدة. ما العلاقات الإنسانية التى جمعتك مع عبدالحليم داخل البلاتوه؟ - كان يتمتع بدم خفيف وروح مرحة وبسيطة، وكان يستمع لكلام المخرج ويؤديه كما يطلب منه، فهو مغنٍ يؤدى التمثيل، وشخصيته بأفلامه هى شخصيته فى حياته، فالتمثيل بالنسبة لى كان فنًا ودراسة وتعمقًا وموهبة. هل مازلت تذكرين أول مشهد لك معه؟ - هو الحقيقة لم يكن أول مشهد لى معه فقط، ولكنه كان أول مشهد لى أمام الكاميرا من أساسه وكنت مرعوبة ومكسوفة جدا خاصة أن أول مرة أقف أمامه كانت من خلال المشهد الذى من المفروض أننى أزوره فى البيت مع زوجته وأكسر أسطوانة «أسمر يا أسمراني»، ولكنه شعر بخجلى وقلقى فحاول أن يحتوينى ويهدئ من روعى فقد كان فنانا بمعنى الكلمة. لماذا لم تكررى تجربة التمثيل بينكما رغم نجاح تجربة فيلم «الوسادة الخالية»؟ - عبدالحليم حاول كثيراً بعد النجاح غير المسبوق من خلال شركته الذى كان شريكاً فيها مع عبدالوهاب ومجدى العمروسى، ولكنى كنت مرتبطة مع شركة أخرى، ولكنى عند قبول فيلم «الوسادة الخالية» وضعت شرطًا بالعقد أن أقوم بأداء فيلم واحد فقط، وإذا اشتغلت مرة أخرى بالسينما أقوم بتمثيل فيلمين للشركة المنتجة، فكنت لا أنوى اتخاذ التمثيل مهنة، خاصة أن العائلة كانت واقفة ضدى تماما فى ذلك الأمر، ووقتها حصلت على أكبر أجر ممكن أن تحصل عليه ممثلة مبتدئة ألف جنيه، وحينها كان أحمد رمزى يأخذ خمسين جنيهًا، وزاد أجرى فى الأفلام التالية له، فأنا شخصية لا أحب الأضواء وانطوائية. البعض قال أنكِ رفضتِ التعاون مرة ثانية مع حليم وفضلتِ التعاون مع فريد الأطرش، فما صحة ذلك؟ - لم أرفض التعاون مع حليم، ولكن هو عرض عليّ أن نقدم فيلما آخر، عندما عرف بمشاركتى فى فيلم «رسالة من امرأة مجهولة» مع فريد الأطرش، فوجدت حليم يقوم بمجهودات كبيرة حتى لا أقدم الفيلم، لكن العمل أعجبنى وقررت تقديمه، لأن الدور عجبنى وليس عشان فريد الأطرش ولم يستطع والفيلم ربنا وفقنا فيه وكنت سعيدة للغاية إنى اتعرفت على فريد به، لأنه فنان عظيم وفيلم كان إضافة لي. وما حقيقة الشائعة التى انتشرت وقتها عن وجود قصة حب بينكما؟ - فيلم «الوسادة الخالية» حقق نجاحا كبيرا جدا جعل البعض يعتقد أنها قصة حب حقيقية، بالإضافة إلى أن وجودنا معا فى الفيلم جعل البعض يتصور أن قصة الحب التى جمعتنا فى الفيلم يمكن أن تجمع بيننا فى الحقيقة، ولكن السبب الحقيقى وراء تلك الشائعة هو أننا أصبحنا صديقين جدا بعد الفيلم وحتى وفاته، ومع العلم أن عبد الحليم كان من أكثر النجوم الذين خرجت عليهم شائعات حب وزواج لأنه كان فنانا غير عادى ولن يتكرر، وكان كل من يراه يمكن أن يقع فى غرامه من أول نظرة. هل استمرت علاقة بينك وبين عبدالحليم علاقة متصلة بعد فيلم «الوسادة الخالية»؟ - كنت أنتمى لشلة صحفيين كبار كامل الشناوى وإحسان عبدالقدوس وأحمد بهاء الدين وأنيس منصور، وكنت دائماً أجتمع معهم وكنت أتقابل مع عبدالحليم لديهم كثيراً، وعبدالحليم آخر من ودعنى بعد زواجى وسفرى فجاء لوداعى الساعة الثالثة صباحاً، وكان موعد الطائرة السابعة صباحاً، وطلب منى حليم أن أعده أن أعود لمصر، خاصة أننى لم أترك الفن بسابق تخطيط فأنا قررت الابتعاد بالرغم من أنى كنت مضيت ثلاثة أفلام وكان لديّ عقد مع سعد الدين وهبة وطلب منى زوجى أن أسافر إلى لندن لأقضى إجازتى معه، وعندما انتهت الإجازة وجدته يقول: ياريت لو تفضلى هنا، وفى تلك اللحظة قررت أن أترك كل شىء وأتفرغ لبيتى وبناتى وزوجى، وبالفعل اعتذرت عن الأعمال التى مضيتها وبقيت فى لندن، وكان هناك اتصال دائم ومستمر بينى وبين حليم وكان كل ما يأتى إلى لندن يزورنى ورجعت بعد وفاته بعد إخفاء خبر وفاته عنى لفترة طويلة، أول شىء فعلته بعد الرجوع ذهبت إلى مقبرته الخاصة به لقراءة الفاتحة عليه. ما أغانى حليم التى تحبين أن تستمعى لها الآن؟ - «قارئة الفنجان، جبار»، والآن أحب أن أستمع لكل أغانيه، وكان يسألنى عن رأيى فى أغانيه وأثناء تصوير فيلم «الوسادة الخالية» عندما علم حليم أننى لم أستمع لأغانيه غضب جدا لأننى لم أستمع لأى أغنية، وكان يقول لى تعرف أغنية الشوق أرد عليه لا يغنيها أمامى، كل شوية طوال ما احنا فى التصوير يغنى لى «أسمر يا أسمراني» لدرجة أنى زهقت وأقول ليه حرام عليك كفاية كدا. رغم مرور40 عاما عن رحيله؟ لماذا ماازل حليم خالد الذكرى؟ - هناك مواهب فنها يعيش مع كل الأجيال، ووسامته وشكله يدخلان القلب بسهولة، فأغانيه خالدة وهو كشخص يجعل كل أم تريد أن تحتضنه وترعاه، فهو يمتلك رقة وحنانًا يمتلكان روحه أكثر من أى شىء آخر.