ماذا يريد حسنى مبارك من مصر بعد ثلاثين عاما من حكمه؟ هل يريد الإفلات بحصيلة ألفى قتيل ومفقود وستة آلاف مصاب فى ثورة غضب ضد حكمه؟ لا بالطبع، فقد حصل بالفعل على البراءة من جريمة قتل المتظاهرين فى ثورة 25 يناير، وكذلك كل رجال نظامه ووزير داخليته والضباط، كما حصل على ما يشبه البراءة نهائيا. إنه يريد أكثر من ذلك.. حياة كريمة وقصرا فاخرا ورد اعتبار وربما تكريما وتعويضا عما لحق به من ضرر المثول فى قفص الاتهام. القانون هو القانون، وأحكام القضاء عنوان الحقيقة، والحقيقة الغائبة عمن قتل الشهداء وجرح المتظاهرين السلميين المطالبين بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، أصبحت فى حكم القضية المقيدة ضد مجهول. تراجع هتاف الثائرين والغاضبين والمعذبين بالفقر والمرض والظلم والقمع طوال سنوات مبارك وأصبح صوته هو الأعلي، إلى حد أن قال فريد الديب محامى مبارك عقب صدور قرار الإفراج إنه لم يأمر بالإفراج عن موكله حتى الآن، رغم صدور قرار من النيابة العامة بالإفراج عنه وأنه سيتقدم ببلاغ ضد مدير أمن القاهرة بسبب تأخر الإجراءات القانونية لإنهاء الإفراج، وتساءل: لماذا لم يتم الإفراج عن موكله حتى الآن؟ وذلك بعد أن قال الديب عقب صدور القرار بدقائق: «أتوقع خروج مبارك خلال يوم أو اثنين من المستشفى إلى منزله فى مصر الجديدة، وهو نفس البيت الذى كان يسكنه منذ توليه الرئاسة». نثق أن الديب لن يضطر إلى تنفيذ تهديده وتقديم البلاغ ضد مدير أمن القاهرة، لأن مبارك سيخرج بالفعل. مبارك سيعود إلى قصر الجوهرى المواجه لقصر الاتحادية فى شارع العروبة بمصر الجديدة، كما قررت حرمه سوزان مبارك. ولهذا القصر قصة كنت أول من كشفها فى 21 مايو 2011 قبل ست سنوات، عقب إخلاء سبيل سوزان مبارك من جهاز الكسب غير المشروع بإعلان تنازل حرم الرئيس السابق عن كل ممتلكاتها للدولة، فيما عدا فيللا مصر الجديدة بعد ثبوت ملكيتها لجهاز رقابى مهم. القصر- وليس الفيللا- أصبح ملكا خالصا باسم سوزان ثابت، بموجب عقد بيع مقابل 26 ألف جنيه، وأنه ليس مملوكا لأى جهة رسمية فى الدولة. وقصر الجوهرى الذى يعود إليه مبارك وحرمه معززين مكرمين، كان من ممتلكات البارون إمبان، ثم آل إلى شركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير المملوكة للدولة، ضمن العقارات الأثرية التى بناها البارون وخلفاؤه، وقد أغرمت سوزان مبارك بالقصر بعد دخولها إليه كمنزل مستأجر من الدولة للنائب حسنى مبارك خلال عهد الرئيس السادات، وبعد تولى زوجها الرئاسة ثم تصاعد نفوذها أمرت فاضل الشهاوى رئيس شركة مصر الجديدة بتحرير عقد بيع للقصر باسمها مقابل 26 ألف جنيه، وهو يساوى قيمة بيع القصر عند بنائه فى القرن الماضي، وفى مقابل ذلك كافأت الشهاوى بالإبقاء عليه رئيسا لشركة مصر الجديدة مدى الحياة، حتى إنه ظل رئيسا للشركة بعد بلوغه الثمانين، كما عينته سكرتيرا لجمعية الرعاية المتكاملة التى رأستها فى مصر الجديدة، وكان أمين صندوقها زكريا عزمى رئيس ديوان الرئاسة. وبمناسبة ذكر زكريا عزمي، فإنه حضر فى اجتماع مجلس أمناء مارينا يوم الجمعة الماضى بصحبة أحمد نظيف آخر رئيس حكومة فى عهد مبارك، ضمن حملة استعادة النشاط والعلاقات التى يمارسها رجال مبارك ورموز حكمه الذين خرجوا معه، تماما كما عاد أحمد فتحى سرور للظهور فى قاعات المحاكم محاميا، وعاد نجلا مبارك للظهور فى المطاعم والأسواق الشعبية وسرادقات العزاء وملاعب الكرة، والكل يلاحظ الحملة المحمومة للظهور بين الجماهير التى يصنعها جمال وعلاء مبارك رغم استمرار محاكمتهما على ذمة قضية التلاعب بالبورصة. وعلى خلفية براءة حسنى مبارك من القضايا أكد مصدر مقرب منه أن الرئيس الأسبق رفع دعوى قضائية لإلزام الحكومة المصرية برد 61 مليون جنيه من أمواله الخاصة فى البنوك جرت مصادرتها قبل بدء محاكمته. فى المقابل بعض أجهزة الدولة تحاول وقف هذه المهزلة، ورفعت الحكومة مؤخرا دعوى قضائية أمام المحكمة العليا الاتحادية فى سويسرا للحجز على 430 مليون فرنك سويسرى بما يساوى سبعة مليارات و700 مليون جنيه مصرى وضعها مبارك وبعض مساعديه فى بنوك سويسرا، وقال مصدر فى الدعوى إن هذه الأموال حصيلة عمليات قذرة تشمل غسل الأموال وأنهم جنوها بطرق غير مشروعة من الخزانة العامة للدولة المصرية.