أكثر من 12 ألف طفل وطفلة يعيشون حياة طبيعية داخل أسر رحيمة    كيف أدارت أحزاب المعارضة معركة تحريك الشارع للمشاركة في انتخابات النواب 2025؟    عباس شراقي: تصريحات إثيوبيا عن سد النهضة عنيفة وغير دبلوماسية ومصر لم ترفض الحوار    اتحاد القبائل العربية: هناك طفرة نوعية وتحولات استراتيجية في الإنتاج والتصدير الزراعي    وزير السياحة يعقد لقاءات مهنية مع منظمي الرحلات بالسوق الأمريكية    بين التهديدات والمفاوضات.. هل السلام في أوكرانيا أصبح بعيد المنال؟    شوط أول سلبي بين مانشستر يونايتد ووست هام    بيان رسمي.. أهلي طرابلس يشكر مصر على استضافة نهائي كأس ليبيا    ضبط 6 متهمين جدد بقضية "طن الحشيش" في الإسكندرية    الأرصاد تحذر : موجة جديدة من البرد تبدأ خلال ساعات    "الإدارية العليا" تستقبل 300 طعن على نتائج المرحلة الثانية لانتخابات النواب خلال يومين    أول ظهور ل دينا الشربيني بعد شائعات ارتباطها ب كريم محمود عبد العزيز | صور    هيئة قصور الثقافة تنعى الشاعر الكبير فوزى خضر    دار الإفتاء تؤكِّد: «البِشْعَة» ممارسة محرَّمة شرعًا ومُنافية لمقاصد الشريعة    وزير الصحة: أمراض الجهاز التنفسي تتطلب مجهودا كبيرا والقيادة السياسية تضع الملف على رأس الأولويات الوطنية    أحمد محمود يحصد ذهبية بطولة أبطال الجمهورية في الووشو كونغ فو    ما الحكمة من تناثر القصص القرآني داخل السور وعدم جمعها في موضع واحد؟.. خالد الجندي يوضح    الأقصر تشهد أضخم احتفالية لتكريم 1500 حافظ لكتاب الله بجنوب الصعيد    مراسلة إكسترا نيوز: اشتعال المنافسة في الإسكندرية بين 16 مرشحا على 3 مقاعد    "المصل واللقاح" يكشف حقائق صادمة حول سوء استخدام المضادات الحيوية    بعد غد.. فصل التيار الكهربائي عن مناطق وقرى بالرياض في كفر الشيخ لمدة 5 ساعات    سوريا ضد قطر.. التعادل السلبي ينهى الشوط الأول بكأس العرب 2025    تحولات الدور التركى فى الساحل الإفريقى    البورصة تسجل قفزة في سوق الصفقات بقيادة شارم والخليج الإنجليزية    ننشر الجدول الزمنى للإجراءات الانتخابية بالدوائر الملغاة بانتخابات النواب    محافظ قنا ل إكسترا نيوز: غرفة عمليات لمتابعة الانتخابات على مدار الساعة    هنو يكرم خالد جلال «صانع النجوم»    تغيير ملاعب مباريات الأهلي والزمالك في كأس عاصمة مصر    بانوراما مصغرة ل«المتحف المصري الكبير» بإحدى مدارس كفر الزيات    توقيع بروتوكول تعاون مشترك بين وزارة الخارجية ومحافظة كفرالشيخ لإتاحة خدمات التصديقات داخل المحافظة| صور    الأزهر للفتوى يوضح: اللجوء إلى البشعة لإثبات الاتهام أو نفيه ممارسة جاهلية    محافظ الدقهلية يقدم العزاء في وفاة الحاجة «سبيلة» بميت العامل بمركز أجا| صور    حفل جوائز التميز الصحفى الإثنين |تكريم «الأخبار» عن تغطية افتتاح المتحف الكبير    دير شبيجل: ماكرون حذر زيلينسكي وميرتس من خيانة أمريكية    تأثير الموسيقى.. كيف تغير المزاج وتزيد التركيز؟    وفاة معلم أثناء طابور الصباح في القاهرة    برلماني: مزاعم الاحتلال حول التنسيق مع مصر لتهجير الفلسطينيين أكاذيب مكشوفة    ياسمين الخيام تكشف التفاصيل الكاملة لوصية والدها بشأن أعمال الخير    بيان من نادي كهرباء الإسماعيلية بسبب الشائعات بين المرشحين على مواقع التواصل    إجراءات التقديم لامتحان الشهادة الإعدادية 2026    تحويلات مرورية في القاهرة.. تعرف عليها    نائب رئيس الوزراء: القيادة السياسية تضع الملف الصحي على رأس الأولويات الوطنية    السفيرة الأمريكية بالقاهرة: نسعى لدعم وتوسيع الشراكة الاستراتيجية مع مصر    العمل" تُوفر 10 وظائف للشباب في" الصناعات البلاستيكية الدقيقة بالجيزة    الاحتلال الإسرائيلي يعلن مقتل ياسر أبو شباب على يد مسلحين فى غزة    الداخلية تضبط شخصا يوزع أموالا على الناخبين بطهطا    لجان لفحص شكوى أهالي قرية بالشرقية من وجود تماسيح    رئيس الوزراء يصدر 10 قرارات جديدة اليوم    أبو الغيط: جائزة التميز الحكومي رافعة أساسية للتطوير وتحسين جودة حياة المواطن العربي    في غياب الدوليين.. الأهلي يبدأ استعداداته لمواجهة إنبي بكأس العاصمة    "آثار القاهرة" تنظم ندوة علمية حول النسيج في مصر القديمة واتجاهات دراسته وصيانته    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى أوسيم دون إصابات    «الأوقاف»: تعديل القيمة الايجارية لأملاك الوقف    اسعار المكرونه اليوم الخميس 4ديسمبر 2025 فى محال المنيا    موعد صلاة الظهر..... مواقيت الصلاه اليوم الخميس 4ديسمبر 2025 فى المنيا    الحقيقة الكاملة حول واقعة وفاة لاعب الزهور| واتحاد السباحة يعلن تحمل المسئولية    الصحة: مباحثات مصرية عراقية لتعزيز التعاون في مبادرة الألف يوم الذهبية وتطوير الرعاية الأولية    كأس إيطاليا – إنتر ونابولي وأتالانتا إلى ربع النهائي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«كوم دكة» سيد درويش كوم زبالة!

آفة الإهمال الملعونة التى تفسد كل جميل فى هذا الوطن لم يسلم منها بيت لواحد من أهم فنانى مصر على مدار قرن كامل.. فنان الشعب (سيد درويش) . لم يكن يعلم (درويش) عندما غنى لحنه الشهير (أهو ده اللى صار وأدى اللى كان) أو لحنه الآخر (ليه تهدمونى وأنا لعزكم بانى) أنه يرثى حاله، وكأنما كان يستشرف ما سيفعله به الزمن، ويحدثه الإهمال فى منزله الذى كان من المفترض أن يكون مزاراً سياحياً ومعلماً فنيا مهماً من معالم مصر لواحد من أعظم فنانيها على مدار التاريخ.
فى (النمسا)، وتحديداً فى مدينة (سالزبورج) مسقط رأس الموسيقار العبقرى (موتسارت) تحول بيته إلى متحف ضخم يليق باسمه وتاريخه، كما تم إطلاق اسمه على المطار الرئيسى للمدينة، بخلاف تخليد ذكراه بالهدايا والشيكولاتة والتماثيل التى تحمل صوره، وللعلم (درويش) لا يقل قيمة ولا أهمية عن (موتسارت)، فكلاهما أحدث ثورة كبيرة فى عالم الموسيقى، وكلاهما له أوبريتاته الشهيرة ومعزوفاته الخالدة.. فلا ننسى ل(درويش) أوبريت: (العشرة الطيبة) ولا(شهر زاد).. ولا ل (موتسارت) (ليلية صيفية).. الأكثر من ذلك أن الاثنين غنت لهما (فيروز) فغنت ل(درويش): (زورونى كل سنة مرة) و(أهو ده اللى صار وأدى اللى كان) و(ياشط إسكندرية ياشط الهوى)، وغنت ل(موتسارت): (يا أنا أنا أنا وياك).. كما أن أهمية الاثنين فى كونهما وضعا النشيد الوطنى لبلادهما.. ف(موتسارت) وضع ألحان النشيد الوطنى النمساوى من تأليف (باولا فون بريرادوفيتش) الذى تقول كلماته (أرض الجبال الأرض التى على النهر.. أرض الحقول أرض القباب).. ودرويش زرع فينا الوطنية والانتماء بالنشيد الوطنى الخالد (بلادى بلادى لك حبى وفؤادى) من تأليف (محمد يونس القاضى).
(سيد درويش) الذى يعد واحداً من أهم فنانى العالم فى عصره وفى العصور التالية والخالد ذكره إلى يومنا هذا بيته - للأسف - يتحول إلى (حظيرة مواشى) و(مقلب للقمامة) بعد أن طالته أيدى الإهمال المتمثلة فى أجهزة ومؤسسات الدولة بداية من محافظة الإسكندرية مقر البيت الموجود - أو لنقل بقاياه - فى حى (كوم الدكة) الشعبى.
الغريب أن محافظ الإسكندرية الأسبق اللواء (عادل لبيب) منذ أكثر من خمسة أعوام وتحديداً عام (2010م) نزع ملكية البيت من الورثة ليقوم هو شخصياً بمتابعة تحويله إلى متحف ومزار سياحى ضخم يضم مقتنياته ومتعلقاته الشخصية والفنية ونوته وآلاته الموسيقية، إلا أن الرياح تأتى دائماً بما لاتشتهى الأنفس فقد ضرب الإهمال بالمشروع عرض الحائط ،فلا هم حولوه لمتحف ولاتركوه على هيئته بيتاً تراثياً يحفظ ذكرى (درويش)، بل تم هدم البيت وتركوه مهجوراً ترتع فيه الأغنام والماعز والمواشى، بل الكارثة الكبرى أنه أصبح مقلباً لقمامة أهل الحى؟؟!!
الإهمال لم يدمر فقط جدران البيت، وإنما الأهم من ذلك كله أنه دمر ذكريات وتاريخ وقصص وحكايات جرت بين جدران هذا البيت وسجلت تاريخاً عظيماً سواء على المستوى الفنى أو على المستوى السياسى، فكل لحن عزفه (درويش) وشارك فيه (بيرم التونسى) يحكى قصة وطن مر بأحداث هامة منها الحلو ومنها المر! ومعظم هذه الأعمال التى بدأت مع بزوغ فجر فن (سيد درويش) فى أوائل القرن الماضى وتحديداً عام (1917) شهدتها أروقة بيته الذى تعدى عمره المائة عام، وهو ماكان من المفترض أن يمنحه حصانة عدم الهدم ككل البيوت التراثية التى تتعدى أعمارها (100) عام.. ففى هذا الركن لحن أغنية (قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك)، وفى الركن الآخر جلس إلى (بيرم التونسى) ليصنعا مجداً بأوبريت (شهر زاد) ونشيد (أعظم جيوش فى الأمم جيوشنا) و(أنا المصرى كريم العنصرين) ، وهكذا يشهد كل ركن من أركان بيته الذى كان شاهداً ليس على تاريخ (درويش فقط) بل كان شاهداً على تاريخ أمة، حيث تزامن وجود (درويش) مع (ثورة 1919) التى غيرت مجرى التاريخ والتى أرخها (درويش وبيرم) بإبداعهما حباً فى الوطن والدفاع عنه بالإبداع ضد الاستعمار الإنجليزى.. حيث تفاعلا عندما هبت الثورة تأييداً لها ولإثارة الحماس الوطنى داخل وجدان الشعب من خلال أغانيهما التى تتطرق إلى تمجيد الجيش المصرى والاعتزاز بالجنسية المصرية.
فهل يعقل أن يكون هذا مصير بيت (سيد درويش) الذى تأثر بشدة عندما نفى (سعد زغلول) إلى (جزيرة سيشل) حيث جرم الإنجليز نطق اسم (زغلول) على أى لسان ومن يخالف التعليمات ويثبت عليه الجرم يعاقب بالجلد، وخروجاً من هذا المأزق ووقوفاً بجانب (سعد) معنوياً وفنياً راح (درويش وبديع خيرى) يصنعان أغانى تتغنى باسم (سعد) من باب التورية والرمزية.. فخرجت أغنية (يابلح زغلول) ياحليوة يابلح.. يازرع بلدى عليك ياوعدى يابخت (سعدى) (زغلول) يابلح.. المؤسف أن هذه الأغنية لحنها (درويش) ليغنيها بنفسه ل(سعد زغلول) عند استقباله من عودته من النفى، بعد أن تقرر الإفراج عنه وعودته للبلاد عام (1923م) إلا أن القدر لم يمهل ل (درويش) ذلك، حيث توفى قبل عودة (سعد) بأيام، فغنتها بدلاً منه (نعيمة المصرية)، ولكن يظل لحنها تفوح منه رائحة (درويش) الذى يعتبر دوره الوطنى لايقل أبداً عن دور الجنود على الجبهة وفى مواجهة جنود الاحتلال الإنجليزى، إن لم يكن التأثير أقوى.
صحيح أن الدولة كرمت (سيد درويش) عندما أطلقت اسمه على (أوبرا الإسكندرية) ووضعت تمثالاً نصفيًا له فى مدخل الأوبرا، ولكن تظل الأوبرا رغم عظيم شأنها مفتقدة لروح (درويش).. فهى ليست كبيته الذى يتحدث فيه كل ركن من أركانه وكل حجر من أحجاره عن مواقفه الإنسانية والوطنية وحركاته وسكناته وإبداعاته.. راح البيت كما راح صاحب البيت ولم يبق منهما سوى ذكرى ويافطة على أول الشارع كتب عليها (شارع سيد درويش)!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.