نقلا عن اليومى.. إذا كان موتسارت وبيتهوفن هما أسطورة العالم فى الموسيقى، فإن الفتى الأسمر ابن الإسكندرية سيد درويش 1892-1923 هو قائد ثورة الموسيقى الشرقية، إذ يملك موهبة استثنائية فى تأليف أغانيه لا يجود بمثلها الزمان.. وحنجرة رنانة تبحث عنها الأذن ولا تمل من شدوها أبدا. تفنن صاحب «قوم يا مصرى» فى إبداع الأغانى والطقاطيق والمسرحيات المأخوذة عن حياة المصريين، كما أن ألحانه كانت الوسيلة التى عبر بها الشعب عن سخطه نتيجة نفى الزعيم سعد زغلول وآخرين من الزعماء السياسيين فى أعقاب ثورة 1919. وعندما سطع نجمه فى سماء الفن بمصر هدده البريطانيون بالسجن بسبب أغنياته وألحانه، خاصة النشيد الوطنى الشهير «بلادى بلادى لك حبى وفؤادى» وهذه الكلمات أطلقها الزعيم الوطنى مصطفى كامل الذى توفى أثناء طفولة سيد درويش لكن كلماته ظلت تلهب مشاعر المصريين. alt="بيرم التونسى" title="بيرم التونسى"/ بيرم التونسى أنشد سيد درويش العديد من الأغانى والأناشيد الوطنية كأنشودة «أنا المصرى كريم العنصرين»، وحين لحن نشيد «قوم يا مصرى» من كلمات بديع خيرى قبض عليه الإنجليز رغم أن الكلمات كانت منشورة بالفعل إلا أن تلحين الشيخ سيد لها جعلها تنتشر فى جميع الأوساط القارئة وغير القارئة مما جعل الإنجليز يشعرون بخطورة ألحانه لتأثيرها البالغ فى إشعال سخط المصريين وغضبهم ضد الاحتلال. وعندما نفى الزعيم سعد زغلول احتال مرة أخرى لتذكير الناس بالمطالبة بحريته فلحن «يا بلح زغلول»، وعند عودته من المنفى أعد نشيدًا لاستقباله فى ميناء الإسكندرية مطلعه «مصرنا وطنا سعدها أملنا»، لكنه مات قبل وصول الزعيم بسويعات قليلة. أبرز ما فى خصال سيد درويش أنه يذكر المصريين بجذورهم الأصيلة دائمًا، فهو يشعرهم بالفخر فى المطلع القوى «أنا المصرى كريم العنصرين.. بنيت المجد بين الأهرمين» الذى شدا به فى أوبريت شهرزاد الذى كتبه بيرم التونسى. وفى أسلوب مختلف فى لحن «قوم يا مصرى» يحث أبناء الوطن على تذكر ماضيهم المجيد ولكن فى صيغة عتاب قاس قائلا: alt="عباس العقاد" title="عباس العقاد"/ عباس العقاد شوف جدودك فى قبورهم ليل نهار.. من جمودك كل عضمة بتستجار.. صون آثارك ياللى ضيعت الآثار.. دول فاتوا لك مجد خوفو لك شعار.. وفى أعماله المسرحية، نجد كثيرا من الأناشيد الحماسية وأغنيات سياسية واجتماعية أيقظت روح الإصلاح والتحدى والتفاؤل لدى الشعب المصرى مثل «الحلوة دى قامت تعجن فى البدرية.. والديك بيدن كوكو كوكو فى الفجرية»، ولم ينس قضية العمال والصنايعية ورأس المال، فمثلا يترنم فى أغنية الشيالين التى كتبها بديع خيرى هكذا: «شد الحزام على وسطك غيره ما يفيدك/ لابد عن يوم برضه ويعدلها سيدك». لقد بات سيد درويش أيقونة الغناء العربى بامتياز، واحتل مكانه المرموق فى تاريخ الموسيقى بوصفه الرائد المجدد، لدرجة جعلت عباس العقاد يبدى إعجابه الشديد بإبداعاته فى كتابه «مراجعات فى الآداب والفنون»، إذ كتب بالنص مشيدًا بالرجل: «وإذا قلت السيد درويش فقد قلت إمام الملحنين، ونابغة الموسيقى المغرد فى هذا الزمان».