«تعبت من الأزمة/ هتروق وتبقى أحلي/ تعبت ومعدتى فاضية/ حوش تجيب اللحمة/ زهقت من الضلمة ادفع فاتورتك ياللا/ ده اللى حيلتى شوية فكة/ جمعهم يبقى ورقة».. بقليل من التركيز فى معانى كلمات الأغنية ستجدها ملخصة بشكل أو بآخر للحالة التى نعيشها، «بلاش الكلام فى السياسة»، بداية من جو التوتر المتفشى والنفسية «اللى تحت الصفر» التى أغرقت الجيل الصاعد من الشباب فى حالة اكتئاب وأصبحت أشبه ب«التريند» العام فى السوشيال ميديا ونقل بتجسيده الواقعى على أرض الواقع، لتصبح الكآبة موضة، والبؤس وال«تكشير» «ريأكشن» ثابت ومعتاد، وتجد الجميع قد ارتدوا «الوش الخشب»، صباح كل يوم، بين من يذهب إلى عمله الممل، و«اللى متكدر» لذهابه إلى محاضرة فى الصباح الباكر ولا يفهم من الدكتور أو الأستاذ!، وبين التلامذة «المتكدسين» فى فصل دراسى غير آدمى أصلاً ولا المنهج «غير العلمى بالمرة»، ومن حالفه الحظ وجلس فى بيته، يغرق بشكل تلقائى فى دوامة الملل والزهق، وبين الدراما «اللى تجيب شلل»، ولا يمكن أن ننسى «سحلة» برامج التوك شو، التى تصنع من «الفسيخ شربات». فور سماعك جملة «اللى حيلتى شوية فكة»، ربما سترتسم على محياك ابتسامة صفراء تخشى أن تتحول لضحكة رقيعة حركة إسكندرانى إن أتيحت لك الفرصة، خصوصًا مع انتشار تعليقات الأزمة الاقتصادية، فما عليك هو التوجه لأى متجر أو بقالة واشتر أى منتج ولو «شيكولاتة» معتادة، لتجدها «غليت»، أو جرب عمل «كوباية» شاي، لتجدك «تنحت» وحاولت «وضع معلقة السكر فى الخباثة» دون أن يلاحظك أحد، وإلا حسدك، الحصول على «كيلو سكر» أصعب من حصولك على «قرش حشيش»!! ثمة أخبار «كوميدية» حول إلقاء القبض على أشخاص لحيازتهم «اتنين كيلو سكر»، ليصبح التعليق الأنسب لتلك الأزمة «أنت متخيل يا مان؟». بعد سرحانك فى دوامة المشاكل اليومية لغلاء الأسعار واختفاء السلع الأساسية والطماطم التى أصبحت أغلى من «الفراخ»، و«اللبس الشتوي» الذى يحتاج لتحويشة عمر أقرب لثمن الشبكة، جرب أن تكمل بقية كلمات الأغنية، وارقص مع لحنها وإيقاعها، «نفسى أتفسح وأعيش حياتي، ده أنا لسه شباب، ونفسى أتجوز وحتى لو فى خيالي، تعبان من الوحدة مستنى حلالي»، لتصطدم بالواقع الصادم بين كلمات الأغنية «حتى لو اتجوزت هيفلسونى عيالي، مصاريف البيت مبتخلصشي، الجواز بقى غالي»، لتدرك أصلاً أن فكرة «الارتباط» فى حد ذاتها غير مجدية فى الوقت الحالي، لأنك بمنتهى البساطة لن تتمكن من الحصول على «الحلال» بسهولة، لأن «كل حاجة غليت»، وحتى جرام الذهب تخطى حاجز ال«500 جنيه»، ولو فكرت فى تقديم قطعة شيكولاتة «للمزة»، أو «النوتالا» غليت لضعف الثمن، «المولتو» الذى كان معتادًا بجنيه، قارب أن يصبح ثمنه جنيهين. بعد قرابة ال40 ثانية من الأغنية، ستجد كوبليه مبهجًا سيجعلك ترقص على وقع الطبلة والإيقاعات الأشبه ب«التهييس»، خاصة مع كلمات «هزها هزها والورقة تبقى رزمة، والرزمة تبقى شبكة، والشبكة تبقى دخلة، حاسس إنى بضيع، مفيش فى التلاجة غير مية وبيضتين»، لن تستطيع منع نفسك بالأساس من تمايل أطرافك مع اللحن والتوزيع، وستتفاجأ بحفظك للكلمات عن ظهر قلب بعد أول مرة تسمع التراك، لتنتظر ذلك الكوبليه من جديد «هزها هزها»، مذيلة بكلمة قمة فى التفاؤل «هتفرج هتفرج هزها»، لتصطدم فى شعور من الحيرة، هل ما تسمعه «تريقة» وسخرية من الواقع الذى تعيشه؟ أم دعوة للتفاؤل ومحاولة تعديل الحالة المأساوية للأفضل بالعمل و«هز الكرش»، والسعى وراء رزقك بقدميك بدل انتظاره فى البيت؟ لتتفاجأ أكثر بمعنى «هزها» المقصود أصلاً من الأغنية، وهو ببساطة «هز وبطل كسل»، فيما يمكن تلخيصه بالمثل المعروف «اسعى يا عبد وأنا أسعى معاك»، و«اعمل اللى عليك واجرى ورا رزقك». تلك الحالة من الحيرة ومحاولة فهم تلك السخرية المتفشية بين الكلمات الساخرة جدا فى محتواها، والممزوجة بوصلة مزيكا أشبه بالمهرجان الشعبى فى إيقاعها، وإيقاع التت الذى يجبرك على الرقص معها، هى الحالة التى عمد على توصيلها مشروع موسيقى غنائى غير مألوف بالمرة يسمى «هتفرج»، بروجكت جديد جدا دخل بقوة إلى عالم الأندرجراوند، لم يتعد عمره بضعة أشهر، لكنه تمكن ببساطة من خطف الانتباه وحتى عامة الناس على السوشيال ميديا خاصة، بإطلاق تراكاته على الساوند كلاود واليوتيوب، صنع لنفسه مسارا غنائيا لن تألفه أبداً فى الساحة المزدحمة بالباندات والتجارب الموسيقية المتشابهة، ليكون أقرب لما يمكن وصفه ب «لسان حال الشعب» عبر كلمات كوميدية لكنها واقعية جدا فى مقصدها. «هتفرج» ربما ستجد أحد تراكاته بالصدفة على الفيس بوك خلال «تقلايبك» للتايم لاين، لكنك لن تستطيع معرفة من يغنى ومن يعزف، وهذا ما عمد له الباند، بعدم ظهور أصحاب المشروع بصورتهم الطبيعية، فكل الصور وأغلفة الأغانى التى ظهرت تكون عبارة عن «صور كرتون» و«إنيميشن وكاريكاتير» لكن عرفوا بشخصيات تخيلية اسمها «فرج» و«رزق» فى دلالة غير مباشرة إلى «فرج» الملحن والموزع الموسيقي، و«رزق» المطرب والمؤدى للكلمات، دون حتى ذكر اسمهما الحقيقي، بطلب خاص منهما، ودوما تجد فى «منشوراتهما» وأغانيهما، صراعا غنائيا بين التفاؤل المتجسد فى فرج، واليأس والاكتئاب المتجسد فى شخصية رزق، لتكون الكلمة العامة فى حل أى مشكلة هى «هتفرج». البداية كانت مع الأغنية الأولى «بقينا تسعين مليون فى الجمهورية» والتى لخصت أزمة التعداد السكانى المتفجر بشكل كوميدي، بعد احتفال الشعب مؤخرا بتعديه حاجز ال90 مليون نسمة، ووصلنا حاليا لما يقارب المائة، وتجد الأغنية معبرة عن مشكلة الزحام والخنقة فى الشوارع، والمرور المتكدس يومياً، وما يندرج نتيجته من بطالة وبلطجة وتحرش وأخلاق ضائعة، وأجيال صاعدة يضيع مستقبلها لعدم وجود وظيفة، خاصة فى كلمات «كل زهقان يقول قومى نخلف شوية»، تجد مأساة الواسطة والبطالة والتعليم عديم الجدوى والشهادات التى يتم رميها فى الدرج تجسدت فى كلمات «دخلت لقيت طابور كله واقف بالشهادات، قالولى خير قولتهم أنا عاطل ومعايا ماجستير، قالولى روح لأمك احنا عايزين بنات يكونوا حسنات المظهر والخلفية بالذات». مرورا بأغنية «هزها»، وحتى تلخيص فكرة الفراغ الشاسع بين الطبقة الغنية والمتوسطة، حتى فى فكرة المصايف، التى أصبحت مجرد الذهاب للبحر حلما لعامة الناس، بعد غلو أسعار الشاليهات واقتصار «البحر النضيف» فى الساحل والسخنة على طبقة «بعينها» لتجد الإعلانات المستفزة فى كل مكان، تكفى كلمات «ميت يافطة فى كل شارع بتقلبلى المواجع، حواليا الإعلانات تعبتنى البنات»، وصولا لمأساة التعليم والتدريس والمناهج غير المفيدة بالمرة، تَمَكَّن «هتفرج» من تلخيصها عبر أجدد تراكاته «فى الفصل قاعد مستنى المستر يقوم يغني، ويلحن الدرس ع الطبلة ويقسم ويفهمني»، لتجده وسط التريقة على الحالة التعليمية، يحمل فى نهاية الأغنية رسالة إيجابية فى فحواها، تلخصت فى «التعليم التعليم، لازم نلحق العيال، التعليم الحل لبكرة قبل ما الكل يبقى شمال». أربع تراكات هى حصيلة قرابة الستة أشهر هى عمر المشروع، تجد كل أغنية منها تعبر عن مشكلة واقعية فى البلاد، وتعبر بحق وحقيقى عن المصريين، تحمل فى طياتها ما يوصف ب «الكوميديا السوداء» فوسط السخرية والإيفيهات والنكت، تجد وراء كل نكتة معنى هادفًا، ورسائل إيجابية فى مجملها، ودعوة للجميع للسعى والعمل ومحاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه قبل أن تغرق السفينة بمن فيها، وليس قائدها فقط، ليست مجرد «تهييس» و«هلس» بالمزيكا، وليست أيضا مساندة لما يوصف حاليا بثورة الغلابة، المعانى الخفية لكلمات «هتفرج» دعوة غير مباشرة للتفاؤل والتغيير، أغانى «هلاسة» تقدم نصائح مفيدة وعميقة، مزيكا مبهجة فى مجملها لا يمكن تصنيفها بمحتوى موسيقى معين، تارة تجدها مهرجانًا شعبيًا، وتارة تجدها إليكترونية، ومزيجًا غربيًا بقليل من اللمسات الشرقية، يمكن أن توصف ببساطة بكونها «مزيكا مصرى بس عصرى».