فى الوقت الذى تتغنى فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية بحقوق الإنسان، واحترام الحريات الفردية، وتصف نفسها بأنها بلاد الحلم الديمقراطى على مستوى العالم، لدرجة أنها شيدت تمثالاً باسم الحرية، ليكون إشارة لها، إلى جانب رغبتها فى فرض توجهاتها التى تسميها «المبادئ الديمقراطية» على أنظمة العالم الثالث، خصوصًا دول الشرق الأوسط، التى ما تصفها دائما بأنها دول منتهكة لحقوق رعاياها. فى هذا الوقت صدر مؤخرًا تقرير أمريكى مسرب عن موقع متخصص فى فضح انتهاكات حقوق الإنسان، ليكشف عن تهافت المزاعم الأمريكية، ويؤكد أنها تضرب صميم حريات الإنسان المقدسة فى مقتل، وتتخذ إجراءات قمعية ربما لا توجد فى أعتى الديكتاتوريات. وفى تسريبات حديثة كشف عنها موقع إنترسيبت الأمريكى المتخصص فى فضح واشنطن، جاء أن شركات الهاتف المحمول الأمريكية تنتهك خصوصية 1.3 مليون أمريكى، وقد اندلعت الأنباء التى وردت عن شركات الاتصالات بأنها وافقت على الطلبات المقدمة من مؤسسات حكومية والجهات التنفيذية والشرطة الأمريكية بالتجسس على سجلات هواتف عملائها. وقال التقرير: إن الأكثر إثارة للقلق أن حالات التجسس كانت للحصول على بيانات خاصة بالعملاء، ونقلها إلى مراقبة الشرطة الأمريكية على نطاق واسع دون الحصول على إذن قضائى أو تقديم سبب موضوعى للبحث. وقضت المحكمة العليا بأن البيت الأبيض انتهك قانون الحريات المدنية، وأن الأمر لا يقتصر على حالات تجسس قانونية مثل الاشتباه فى مروجى المخدرات أو أعضاء شبكات الإرهاب، ولكن هناك أعدادًا هائلة من الأمريكيين الأبرياء تخضع لنفس المعاملة من قبل الحكومة الأمريكية. فضلا عن أن شركات الاتصالات، وبناء على تعليمات الشرطة، استخدمت تقنيات التجسس مثل تكنولوجيا بطاقات الائتمان، وبرامج التصفح على شبكة الإنترنت وكاميرات المراقبة أيضا، لأنها تجعل أنظمة التتبع أكثر دقة وسهولة. وأوضحت التسريبات أن التحقيق الفيدرالى الأخير، وجد كاميرات مثبتة فى سيارات دوريات للشرطة فى مقاطعة أورانج، كاليفورنيا، التى تسمح لقوات الشرطة بالتوسع فى تحقيق المساءلة لإنفاذ القانون من وجهة نظرهم. وأمام تلك الانتهاكات انفجر غضب جماهيرى كبير من تآكل الخصوصية الفردية شيئًا فشيئًا منذ أحداث الحادى عشر من سبتمبر، حيث لجأت إدارة جورج بوش الابن إلى التوسع فى إجراءات التنصت على المواطنين، وهو الأمر الذى لم يتوقف فى عهد الرئيس الديمقراطى باراك أوباما. وبعد التعديلات القانونية التى صدرت فى عام 2008 لمنح الحصانة لشركات الاتصالات كجزء من قانون مراقبة المخابرات الخارجية، هذا جنبا إلى جنب مع الأحكام الأخرى التى قمعت حريات المواطنين، وتساءلت الصحيفة عن كيفية استخدام تلك المعلومات التى تحصل عليها الحكومة، وقد ثارت جمعيات الحقوق المدنية الأمريكية لمعارضة الحصانة التى تحظى بها شركات الاتصالات السلكية واللاسلكية وساعدت فى التنصت على المكالمات الهاتفية دون إذن قضائي. وتسرب إلى الصحافة الأمريكية كتالوج مكون من 120 صفحة يكشف عن مجموعة واسعة من العتاد المخابراتى ومعدات التجسس، التى تستوردها الولاياتالمتحدة من شركة الدفاع البريطانية «كوبهام» وتعميمها على إنفاذ القانون فى الولاياتالمتحدة، حيث تعمل تلك المعدات على اعتراض المكالمات اللاسلكية والرسائل النصية، وتحديد موقع الناس عبر هواتفهم النقالة، والاتصالات الخلوية فى منطقة معينة. وتقدم الوثائق نظرة نادرة على مجموعة واسعة من أساليب المراقبة الإلكترونية التى تستخدمها الشرطة والقوات المسلحة فى الولاياتالمتحدة سواء داخل البلاد أو خارجها عن طريق عملائها فى كل دولة بالعالم، التى يمكنها من رصد الإشارات الخلوية لبلدة بأكملها من خلال ميكروفونات مخبأة فى الولاعات وكاميرات مخبأة فى سلال المهملات. وهناك عدة شركات بريطانية كبرى تقوم بتصدير تكنولوجيا المراقبة إلى الأنظمة ومنها الشرطة فى الولاياتالمتحدة من بين عملائها. وقال ريتشارد تينان، الذى يعمل خبيرا تقنيًا: إن أمريكا تمارس المراقبة الجماعية، وتستهدف الأشخاص بأى شكل من الأشكال حتى لو لم يكونوا مشتبهًا بهم، وتبدد جراء ذلك الملايين من أموال دافعى الضرائب. ورفض مكتب التحقيقات الاتحادى التعليق على وجود الجهاز فى محاولة لإبعاد التفاصيل حول هذه الأداوات الجارى استعمالها، ومنها جهاز IMSI الذى يعد مثيرًا للجدل للغاية ويمكن استخدامه لإنشاء شبكات خلوية وهمية لتتبع المكالمات الشخصية فى أى مكان بالعالم. وتمكن أدوات التجسس السرية التى تشكل جزءا كبيرا من أدوات الشرطة والجيش الأمريكى، وهناك معدات مراقبة الصوت والفيديو، ولأن الجميع يعيش فى عالم أكثر ترابطا حيث السيارات ولعب الأطفال والثلاجات، وحتى الأجهزة التى تزرع فى الجسم تحتوى على تكنولوجيا الهواتف المحمولة المصغرة، والقدرة على التسبب فى ضرر باستخدام أحد هذه الأجهزة يصبح أكبر من أى وقت مضي. وقد طرد رئيس الإكوادور رافائيل كوريا 20 من ضباط وموظفى وزارة الدفاع الأمريكية من بلاده الشهر الماضى بسبب تلك المعدات، ومخاوف تتعلق بأعمال التجسس بحسب ما أفاد مسئول فى السفارة الأمريكية. وقال جيفرى وينشينكر المتحدث باسم السفارة، وفى بيان: إن الرئيس أمر موظفى البنتاجون بالخروج من البلاد، مضيفًا أن الولاياتالمتحدة تحترم حق الإكوادور «كدولة ذات سيادة، إلا أنها تأسف لهذه الخطوة لأنها ستحد بشكل كبير من التعاون المشترك حول قضايا تتعلق بالأمن»، وتأتى عملية الطرد بعد تهديدات أطلقها رافائيل كوريا قبل أشهر بخفض عدد الضباط والموظفين العسكريين الأمريكيين فى الإكوادور بشكل كبير بسبب مخاوف تتعلق ب«التجسس» الأمريكى. واستهدفت أمريكا بتلك المعدات 35 هدفا سريا داخل اليابان من بينها مقسم الهواتف التابع للحكومة اليابانية، والخط الآمن للمكالمات رفيعة المستوى التابعة للحكومة، وهاتف أمين مجلس الوزراء اليابانى يوشيهيدى سوجا، وهواتف عدد كبير من مسئولى البنك المركزى اليابانى، بمن فيهم حاكم البنك هاروهيكو كورودان وحزمة من الهواتف التابعة لوزارة المالية، وهاتف وزير الاقتصاد والتجارة والصناعة يويتشى ميازاوا، وقسما الغاز الطبيعى والبترول فى شركة «ميتسوبيشى».