تفاصيل المرأة الدقيقة تصنع غالبا دراما سينمائية جريئة وحساسة.. ولا أقدر من كاتبات السيناريو على سرد هذه التفاصيل.. ولهذا السبب منحت السينما المصرية فى الفترة الأخيرة كاتبات السيناريو هامشا لكتابة الأعمال السينمائية لتميزهن باقتحام القضايا النسائية الجريئة المسكوت عنها، بعد أن كان دور المرأة يقتصر على بطولة الأفلام. لهذه الأسباب، ظهرت مؤخرا ما يشبه الهوجة أو مولد كاتبات السيناريو، بداية من مريم ناعوم التى تركت دراسة الاقتصاد فى فرنسا وعادت إلى مصر لتدرس السيناريو فى معهد السينما، فكان أول فيلم لها (واحد صفر)، ثم اتجهت لكتابة المسلسلات التليفزيونية، وكتبت (ذات، سجن النسا، تحت السيطرة). ومن الأقلام السينمائية الصاعدة أيضا فى كتابة السيناريو وسام سليمان التى تعبر عن سينما المرأة بكتاباتها، من خلال أفلام «أحلى الأوقات» و«بنات وسط البلد» و«فى شقة مصر الجديدة» ومؤخرا عرض لها فيلم «فتاة المصنع». هناك أيضا الناشطة الحقوقية وكاتبة السيناريو غادة شهبندر، كاتبة القصة والسيناريو والحوار لفيلم «قبل زحمة صيف» الذى عرض مؤخرا فى مهرجان دبى السينمائى. وأثار البرومو الدعائى للفيلم ضجة كبرى لاحتوائه على مشاهد جريئة سواء من بطلته هنا شيحة أو باقى أبطاله. وتقدم الأفلام النسائية طرحاً مغايراً لعدد كبير من قضايا المرأة المصرية، وبخلاف درجة الدقة وعمق التناول والرسائل التى تحملها هذه الأعمال، فإنها تمنح كاتبات السيناريو صوتاً يعبر عن قصصهن بنزاهة أكبر ويكرس لهن مساحة حُرمن منها طويلا. وتشمل قائمة الأفلام المُعبرة عن هذا التيار أعمالاً تعكس الصورة البسيطة والدقيقة لحياة المصرية مثل «أحلى الأوقات» للمخرجة هالة خليل (2004) و«فتاة المصنع» للمخرج محمد خان (2013) إضافة إلى التناول الأكثر جرأة لمعاناة المرأة من نظرة مجحفة تحصر أهميتها فى جسدها وتقرن نجاحها بالزواج، ويمثل هذه التيار أفلام مثل: «بنتين من مصر» لمحمد أمين (2010) أو«بلد البنات» لعمرو بيومى (2007) و«الباحثات عن الحرية» لإيناس الدغيدى (2005) و«678» للمخرج محمد دياب (2010) تُقدم طرحاً أكثر صدامية مع الواقع إما بسبب شدة صراحته أو شدة سرياليته. وإذا كانت السينما بشكل خاص تحتاج إلى المرأة كممثلة فى الدرجة الأولى ولكن تستغنى عنها كمخرجة أو كاتبة، فكيف يمكن إتاحة الفرصة لكاتبات الدراما التليفزيونية والسينمائية التى تستطيع منافسة كبار كتاب السيناريو والحوار، وما العقبات التى تحول دون تحقيقها لهذا الهدف، وكيف يمكن تخطى هذه العقبات؟ «لم أدرس السيناريو، وإنما اعتمدت على شغفى بالقراءة والكتابة وشجعتنى أسرتى على قراءة سيناريوهات جاهزة لأعمال تلفزيونية أو سينمائية وحضور التصوير داخل الاستوديوهات حتى أتقنت هذا الفن نظريا وعمليا». بهذه الكلمات بدأت الكاتبة والسيناريست غادة صفوت كلامها- وهى بالمناسبة أحدث قلم نسائى يغزو الشاشة الفضية. تحكى غادة عن تجربتها «نظارة شمس»: «حاولت تغيير وجهة نظر البعض من خلال تسليط الضوء على فتاة كانت تظهر للآخرين طوال الوقت وهى ترتدى نظارة شمسية وفى النهاية أظهرت أنها كفيفة، وحاولت من خلال الفيلم أن أوصل رسالة بأن هذا نوع من الحرية الشخصية، والابتعاد عن التدخل فى خصوصيات الناس». ورغم أن اتجاه المرأة العربية للكتابة الإبداعية بوجه عام ما زال حديثا- مقارنة بالرجل- لكن هناك عدداً لا بأس به من كاتبات القصة والشعر والمقال، مقابل ندرة- فى الكم والكيف- فى كاتبات السيناريو والحوار، وهو ما ترجعه الشاعرة الغنائية- عضو اتحاد الكتاب- عزة الزرقانى، إلى عدم جرأة بعض الكاتبات فى اقتحام القضايا الساخنة وقلة خبرتهن فى هذا المجال»، وتضيف: «كتابة السيناريو للتلفزيون أو السينما تحتاج لامرأة من حديد،لأنها ليست عملا فرديا وإنما عمل جماعى فيه مخرج ومصور وتمثيل وإنتاج. إضافة إلى أن الكتابة للدراما تتطلب مواصفات خاصة فى الكتابة، منها معرفة ومراعاة الذوق الاجتماعى العام والمواءمة بين الواجب والمفترض مع مواكبة روح العصر. إضافة إلى ما سبق فإن فلسفة السينما والدراما التليفزيونية تعتمد على الكاميرا أكثر من الكلمة، والبطل هو الممثل وليس الكاتب، ويزداد الأمر صعوبة بالنسبة للمرأة المبدعة عموما وتحتاج منها أن تعيش بين الناس طوال الوقت لتستطيع أن تعبر عن الشارع وما يحدث فيه بصدق وجراءة وبالتالى يكون للرجل الغلبة فى هذا المجال وهو ما يحدث أيضا فى مجال الإخراج. لكن الكاتبة الساخرة أمانى فاروق، تعارض التفرقة بين الرجل والمرأة: «لا أرى فرقا بين أدب (ذكورى أو نسائى)، ولكن يختلف فقط أسلوب المعالجة.. الإبداع طريق يسلكه إنسان. ولأن تحيزى للمبدعات واقع لابد منه، فإننى أحلم بأن تفجر النساء المشهد الدرامى والتخلص من احتكار الرجل لموضوعات أشمل فالمرأةأيضا معنية بقضايا الآخرين وليس فقط همها الوحيد قضاياها الشخ صية». ومن جانبها، تفسر الشاعرة عزة الزرقانى سبب لجوء معظم كاتبات السيناريو إلى الكتابة عن قضايا المرأة بأننا نعيش فى مجتمع رجالى، أى نجد الأفلام تناقش قضايا الرجال، لذلك معظم الكاتبات لا يكتبن فى هذا الاتجاه، بل يكتبن فى قضايا المرأة لأنها أقدر من المرأة على شرح التفاصيل الصغيرة داخلها، وهذه القضايا تأخذ صيغة الدراما أخيرًا، تقترح معظم من استطلعن آرائهن فى هذا التحقيق عقد دورات للمساعدة على اكتشاف المواهب. ويظل دعم مؤسسات الدولة هو الحل والطريق لدعم كاتبات السيناريو واكتشاف مواهب جديدة.■