اثنان وأربعون عاماً مضت على نصر السادس من أكتوبر 1973، الذى كان ومازال تاريخاً لا ينسى فى حياة المصريين والإسرائيليين والعالم بأسره.. نصر كتبه الرئيس الراحل أنور السادات وأفراد القوات المسلحة الذين ضحوا بالغالى والنفيس من أجل تحرير الوطن. التاريخ وحده من يستطيع أن يبرهن صحة مقولة «حلفاء الأمس أعداء اليوم»، فالعلاقات المصرية- الإيرانية التى تشهد توتراً منذ اعتلاء «الخومينى» الحكم فى أعقاب الثورة الإسلامية التى أطاحت بنظام شاه إيران فى 1979، وتوقيع اتفاقية «كامب ديفيد» مع إسرائيل عام 1978، والتى بموجبها تم الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية ومعداتها والمستوطنين الإسرائيليين من شبه جزيرة سيناء، التى احتلت عام 1967. لم تكن العلاقة كذلك قبل اعتلاء «الخومينى» حكم البلاد، ففى عهد الشاه كان هناك صداقة وتعاون استراتيجى حقيقى وقوى بين «القاهرة»و«طهران». العديد من وسائل الإعلام الإيرانية نشرت عدداً من الصور التى تؤرخ تلك العلاقة الوطيدة التى جمعت بين الشاه والسادات، وتسجل العديد من المواقف التاريخية لتكشف تفاصيل ربما لم يتحدث عنها الكثير، فشاه إيران بحسب تصريحات «السادات» كان أحد الداعمين لمصر فى حرب أكتوبر لم يبخل بإمداد مصر بالنفط اللازم فى حربها ضد العدو الإسرائيلي، من بين أهم اللقطات المصورة ما نشرته وكالة الأنباء الإيرانية «إيرنا»، وتضمن زيارة الرئيس الراحل أنور السادات ل«طهران» فى أعقاب نصر أكتوبر، وكشفت جانباً كبيراً من الصداقة التى جمعت بين السادات والشاه. زار الرئيس «السادات» برفقة زوجته السيدة «جيهان السادات» إيران بدعوة رسمية من محمد رضا بهلوي، آخر شاه إيرانى عام 1977، وكان استقبالاً ملكياً حافلاً بحضور زوجته الشهبانو فرح بهلوي، وكبار المسئولين الإيرانيين وارتسمت السعادة على وجوههم بفضل التعاون الكبير بين البلدين. مراسم الاحتفال الملكى فى مطار «مهرآباد» بالعاصمة «طهران» وقصر «جلستان» تشهد على المكانة التى حظى بها «السادات» فى قلب إيران الملكية قبل أن يحكم الملالى قبضتهم عليها. ومن خلال تعليقات بعض الإيرانيين الذين تداولوا تلك اللقطات الأرشيفية عبر المدونات وصفحات مواقع التواصل الاجتماعى ونشروا عدداً من الفيديوهات الأرشيفية التى تسجل تلك الزيارة بالصوت والصورة وهى مقاطع فيديو نادرة ، ندرك الفرق بين نظرة مؤيدى الشاه والخوميني، منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا، ففى الوقت الذى يكفر أنصار الأخير «السادات» لتوقيعه اتفاقية «كامب ديفيد» ويجعل من قاتله «خالد الإسلامبولى» شهيداً ويطلقون اسمه على أحد الشوارع ويضعون صوره على الطوابع البريدية تخليداً لدوره، نجد أن أنصار «الشاه» يحرصون على تسمية الرئيس الراحل «السادات» ب«الشهيد». على الرغم من الاتفاق النووى الذى وقعته إيران مؤخراً مع أمريكا والغرب، وبموجبه طويت صفحة العداء الظاهرى بينها وبين تلك الدول، وفتح أبواب الاستثمار على مصراعيه دون قيود، إلا أن الإعلام الإيرانى الذى ينطق بلسان حال المسئولين هناك لايزال يصر على تخوين «السادات» ومن جاء بعده من الرؤساء متمسكاً باتفاقية «كامب ديفيد»، ليؤكد ذلك على الازدواجية التى يعانى منها صناع القرار فى إيران الذين حللوا التعامل مع الغرب على أنفسهم وحرموه على مصر، فسبحما ذكره موقع معهد الدراسات والأبحاث السياسية الإيرانى، الذى اتهم كلاً من «السادات» و«الشاه» ب«الخيانة»، حيث قال بالنص: «أن جميع حلفاء «الشاه» باعوه إلا الرئيس «الخائن» أنور السادات»، على حد ماورد بالموقع. فى المقابل فإن إمبراطورة إيران السابقة فرح بهلوي، دائماً ما تشيد فى حواراتها ب«السادات» والصداقة التى جمعت بين أسرته وأسرة الشاه، فنظام الشاه لم يكن يعرف المذهبية الدينية والطائفية التى فرضها الملالى بعد ثورة «الخومينى»، حتى أنها صرحت فى أحد الحوارات التى أجرتها معها قناة «العربية» بأنها «تتمنى من الله أن تموت مثل السادات لأنه بطل». كما نشرت عدداً من المواقع الإيرانية صوراً لبعض المستندات التى تحمل توقيع مهدى هاشمي، الذى كان مسئولاً لحركات التحرر التابعة للحرس الثورى الإيراني، وتؤكد أنه كان همزة الوصل بين نظام «الخومينى» وجماعة «الجهاد الإسلامى» فى مصر، وأنه تم تحريضهم على اغتيال الرئيس «السادات»، وأن «الخومينى» عرض عليهم مبالغ مالية مقابل ذلك، كما جاء بالمستندات المنشورة. الوثائق أقرها «هاشمى» نفسه الذى أكد جرائمه وجرائم «الخومينى» الذى كان واقفاً وراءها بفتاواه الدموية التى كان يطلقها بين الحين والآخر، ويرى نفسه إماماً للمسلمين فى العالم بأسره ويريد تطبيق «ولاية الفقيه» فى مصر والدول العربية. ونشر موقع «مبين ميديا» الإيرانى فيلماً وثائقياً يروى فيه «هاشمى» دوره فى تحريك جماعة الجهاد الإسلامى فى مصر وعن فتوى «الخومينى» التى قال فيها: «بجواز اغتيال أو إسقاط أى حاكم طاغ فى أى مكان فى العالم»، وكانت إشارة لاستهداف «السادات» والقضاء على الحكم العسكرى فى مصر. فمخطئ من يظن أن محاولة إيران لنشر قوات الحرس الثورى كانت خطة وليدة الانفلات الأمنى وحالة الفوضى التى شهدتها مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، بل إن الأمر كان مدبرًا له منذ اللحظات الأولى لحكم «الخومينى» الذى قال فى أحد خطاباته: «على الشعب المصرى أن يواجه الحكم العسكرى وأن ينزل للميادين للثورة ضد النظام كما فعل الشعب الإيرانى».