الهزيمة ليست نهاية العالم.. والهزائم واردة فى مشوار الشعوب.. ولا توجد أبدا دولة منتصرة على طول الخط.. بل إن الهزائم الكبيرة كالانتصارات العظيمة.. تعيد خلق الأمم والشعوب وتجلى معدنها الأصيل. أمريكا بجلالة قدرها تجرعت الهزيمة فى فيتنام على مدى 12 سنة متواصلة من 61 حتى 73.. وكل يوم تأخذ علقة ساخنة .. حتى تسولت الحل السلمى والخروج الآمن من هناك.. وقد بلغ مجموع القتلى الأمريكان 46 ألف قتيل.. ووقع فى الأسر الفيتنامى ألفان و335 أسيرا أمريكيا. هى ليست الهزيمة الوحيدة لأمريكا التى تعرضت وتعودت وأدمنت الهزائم فى بيرل هاربور وفى الفلبين وكوريا وكمبوديا والصومال والعراق وأفغانستان.. ومن حسن حظ الأمريكان أنه لم يخرج عليهم شيخ معمم يعايرهم بالهزيمة، مؤكدا أنه سجد لله شكرا بعد الهزيمة الطارئة التى استشهد فيها الآلاف من أبناء وطنه! وفى عام 1973 أخذت إسرائيل علقة لم تتخيلها.. واجتاحت الجيوش المصرية خطوط الدفاع الإسرائيلية.. و تحطمت أسطورة خط بارليف وجيش الدفاع الذى لا يقهر.. ومع هذا لم يجرؤ محلل استراتيجى واحد عندهم على الإعلان عن شماتته لهزيمة الجيش الإسرائيلى وتحطيم معنويات المواطن هناك! عندنا حدث ولا حرج.. وفى يونيو من كل عام تخرج علينا مجموعة من الشامتين مدفوعى الأجر.. يعايروننا بالهزيمة فى 67 والهدف واضح هو إهالة التراب على إنجازات عبدالناصر والهجوم على الرجل الذى حكم مصر ستة عشر عاما ومات منذ خمس وأربعين سنة.. ولا يزال الشامتون يقذفونه بالطوب والحجارة.. مع أننا فى أمس الحاجة إلى جمال عبدالناصر الآن! إن الدول تقوم بعد الهزائم لاستكمال المسيرة والمشوار.. نتعلم من الأخطاء وتستفيد من السقوط وتكسب معارك جديدة وتحقق الانتصارات السياسية بعد ذلك. وقد فعلتها فرنسا صاحب ة خط ماجينو الشهير.. والتى سقطت فى يد الألمان فى ثلاث ساعات.. وإنجلترا ذاقت مرارة الهزيمة فى طبرق والعلمين وسنغافورة.. وروسيا التى واجهت الألمان وتعرضت ليننجراد للحصار ثلاث سنوات لكنها قاومت وقاومت ثم قامت بعد ذلك تنفض آثار العدوان. ونصر أكتوبر عندنا يأتى فى سياقه الطبيعي.. أكتوبر يأتى بعد يونيو.. والنصر بعد الهزيمة.. ونكسة 67 كانت نقطة الانطلاق الحقيقية لإعادة بناء الجيش المصرى على أحدث النظم العالمية تمهيدا لانتصار أكتوبر 73 العظيم.. وهو الانتصار الذى نباهى به الأمم والشعوب يوم القيامة.. وهو النصر الذى يدرسونه فى الأكاديميات العسكرية فى العالم أجمع.. ويشرحون خطط الخداع وعنصر المفاجأة فى تحقيق النصر. ومن الواضح أن انتصار أكتوبر لا يرضى جماعات الإخوان والتطرف السياسى والديني.. وهو ما يفسر أنهم ليسوا مصريين.. لا ينتمون لتراب الوطن.. ولا يشعرون بقيمة الانتصار.. هم جماعة مدفوعة الأجر بهدف إضعاف معنويات المواطن صاحب النصر.. هم ينسبون النصر للملائكة الذين حاربوا فى صفوف الجيش وحققوا الانتصار بدلا من الجندى المصرى الذى وقف يتفرج. هم يؤكدون أن الجيش المصرى لم ينتصر.. لكن شعار الله أكبر استنفر الملائكة عن بكرة أبيهم فخرجوا يدافعون ليس عن الأرض المصرية.. بل يدافعون عن الشعار.. الله أكبر! آخر نظرية للإعلام الإخواني.. أن نصر أكتوبر لم يكن سوى تمثيلية مدبرة بين جمال عبدالناصر وبين قادة إسرائيل.. وهى التمثيلية المتفق عليها منذ عام 1967 وتقضى بهزيمة الجيش المصري.. ثم يرد عليها فى عام 73 ليحقق الطرفان الانتصار أمام شعبيهما!! بما يعنى أن الشهداء والدماء والعبور والتضحيات والبطولات كانت عدة الشغل وديكور التمثيلية المدبرة.. وهو ما يدخل فى باب التفسير الكوميدى للتاريخ.. وصاحب الفضل فيه هو جماعة الإخوان الذين غيروا الصنف بصنف أفضل بدليل التفسير التحشيشى لانتصار أكتوبر!!