استشعرت دار الإفتاء المصرية مبكرا خطر الفتاوى التكفيرية والفكر المتطرف على المجتمع، وذلك عبر عدد من الدراسات والأبحاث التى رصدت وحللت الشأن الدينى فى مصر والعالم، وأوضحت بما لا يدع مجالا للشك أن المجتمعات الإنسانية بشكل عام والإسلامية بشكل خاص، تواجه خطر انتشار الأفكار المتشددة وما يستتبعها بالضرورة من سلوكيات إرهابية وإجرامية لا تفرق بين مسلم وغير مسلم. يقول الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتى الجمهورية: إن دار الإفتاء بادرت فى مطلع العام الماضى باتخاذ عدة خطوات نحو مواجهة هذا الفكر والقضاء عليه، وقد استندت المبادرات إلى استراتيجية علمية رصينة ترتكز على البعد الفكرى فى مواجهة التطرف والفكر المتشدد، حيث عمدت الدار فى أول تحركاتها إلى إنشاء مركز علمى رصدى يتناول تفنيد كل ما يصدر عن أصحاب الفكر التكفيرى وينشر الوعى بين الناس حول تلك المفاهيم المغلوطة والأفكار المشوهة التى يتبناها أصحاب هذا الفكر المنحرف، لتجفيف المنابع التى تستزيد منها تلك الحركات والجماعات الشاذة. يرصد المرصد جميع الفتاوى التكفيرية والمتطرفة عبر جميع وسائل الاتصال (فضائيات - مواقع تواصل اجتماعى أو إخبارى)، ويعمل على تحليلها مع مراعاة السياقات الزمانية والمكانية للفتاوى، ويقدم ردودا علمية شاملة وموثقة ومعالجات موضوعية. ويشير نجم إلى أن هناك ثلاث مراحل لرصد الفتاوى.. الأولى الرصد للأفكار والفتاوى والمقولات التكفيرية أو الشاذة، سواء المباشرة أو غير المباشرة، التى تصدر عبر وسائل الإعلام المختلفة، وتستخدمها الجماعات المتطرفة فى إباحة العنف والقتل وإشاعة الفوضى. المرحلة الثانية التحليل والتفنيد، وتشمل دراسة الفتاوى والمقولات التكفيرية، سواء التى تحمل التكفير صراحة أو بشكل ضمنى، ودراسة دعاواها ومبرراتها وأسانيدها، بالإضافة إلى السياقات المجتمعية السائدة، للوقوف على مواطن الخلل ومكمن العلل، سواء كان الخلل متعلقا بالاستدلال الفقهى ومعرفة الأحكام، أم كان بمعرفة المآلات والمقاصد، أم كان بغياب فقه الواقع والانعزال عن البيئة الحياتية المعاشة التى لها ضوابط ومحاذير ينبغى مراعاتها فى الفتاوى والأحكام، والمرحلة الثالثة الرد والتفنيد تشمل تلك المرحلة كشف المغالطات التى ترتكبها الجماعات والتيارات التكفيرية ومتصدرو الفتاوى التكفيرية من غير المتخصصين، وذلك من خلال الرد والتفنيد لجميع الادعاءات والمغالطات التى تأتى فى متن الفتاوى التكفيرية والمتشددة. وأكد مستشار المفتى أن مخرجات مرصد التكفير متعددة طبقا لسياق وطبيعة القول أو الفعل التكفيرى الذى يتم التعامل معه والرد عليه، حيث يقدم المرصد عددا من التقارير والبحوث العلمية التى تتناول المسائل والظواهر الخاصة بالتكفير وجماعاته المتنوعة، أو إحدى القضايا التى توظف لدى جماعات العنف باعتبارها رافدا دينيا دافعا نحو العنف والتكفير، وفى ذلك فقد أصدر المرصد حتى الآن نحو ثلاثة وعشرين تقريرا متنوعا، تناول جميع جوانب ظاهرة التكفير والعوامل الدافعة له والمساعدة عليه. ويمكن عرض مخرجات المرصد فى التالى: ∎ فتاوى دينية أصدرت دار الإفتاء عددا من الفتاوى ردا على فتاوى متشددة صدرت عن تنظيمات أمثال داعش وجماعات الإسلام السياسى داخل مصر. وتحتاج تلك الفتاوى إلى نشرها بشكل مكثف وموسع حتى تكون حائط صد ضد الفتاوى الصادرة عن التيارات التكفيرية فى الساحات المتنوعة. ∎ نشاظ مكثف على شبكات التواصل الاجتماعى يتم نشر الرد على الفتاوى التكفيرية عبر وسائل التواصل لأنها الساحة التى تستخدمها الجماعات المتشددة لنشر أفكارها. ∎ مواد تحليلية تقارير وبحوث تعد المواد التحليلية والبحثية هى خلاصة ما توصل إليه الباحثون بالمرصد، حيث يتم ترجمة جميع العمليات السابقة التى تبدأ بالجمع والرصد ثم التصنيف والتحليل كى تخرج إلى النور فى شكل دراسة كاشفة ومستفيضة للظواهر والفتاوى المتشددة والتكفيرية فى المجتمع، بالإضافة إلى تقديم سيناريوهات لتطور الظاهرة ومستقبلها القريب والمتوسط والبعيد أيضا، ويشمل البحث تقديم تصورات لكيفية التعامل والتعاطى مع تلك الظواهر والآراء والأدوار المختلفة التى يمكن القيام بها، والأطراف المنوط بها معالجة تلك الفتاوى، سواء المؤسسات الدينية كالأزهر والأوقاف أو المؤسسات الإعلامية وما يمكن أن تقدمه فى هذا السياق، بالإضافة إلى الأجهزة والمؤسسات الأخرى التى يمكن أن تدلو بدلوها فى الأمر. ∎ أبرز الفتاوى التكفيرية أشار الدكتور إبراهيم نجم إلى أنه تم رصد أكثر من 200 فتوى تكفيرية أصدرتها الجماعات الإرهابية التى تطلق على نفسها «جماعات جهادية» فى إطار حربها ضد الدول العربية والإسلامية، كان أبرزها فتاوى تكفير الحاكم ومؤسسات الدولة التى تبيح الخروج على الحاكم وقتاله وقتال كل من يرضى بحكمه باعتباره مشاركا له فى «الكفر» بالإضافة إلى فتاوى تعتبر أن عدم مبايعة «داعش» يخرج المسلم من دينه، بل ولا يقبل منه صلاة ولا صوم. كما أصدر تنظيم «داعش» فتوى تدعو إلى عدم طاعة المرأة زوجها إذا منعها من الخروج والانضمام للتنظيم الإرهابى. فى مصر تم رصد العديد من الفتاوى الصادرة من جماعات العنف السياسى فى الداخل التى سعت فى كثير من فتاويها إلى تكفير الحاكم وإخراجه من الملة حتى يتسنى لها الخروج عليه وعدم طاعته، كذا فتاوى تدعو إلى التهرب من التجنيد، سواء فى الجيش أو الشرطة، وفتاوى أخرى تبيح قتل القضاة باعتبارهم مشاركين فى قتل أعضاء تلك التنظيمات، لذا فلهم الحق فى القصاص - على حد تعبيرهم. وقد أصدر المرصد عدة تقارير تفند تأويلات آيات القتال فى القرآن الكريم لدى حركات الإسلام السياسى، حيث أوضح المرصد المعانى الحقيقية لتلك الآيات فى ضوء المعانى الكلية للإسلام وقيمه السمحة. وأصدر المرصد العديد من التقارير والبيانات الصحفية وعقد لقاءات تليفزيونية للرد على فتاوى الإخوان التى تعتبر الإضراب واجبا شرعا وتحرم التعامل مع النظام الحاكم وغيرها من الفتاوى التى تهدف لإسقاط الدولة. وقد رصد المرصد مؤخرا تناغما كبيرا بين جماعة الإخوان وتنظيم داعش الإرهابى فى الخطاب والممارسة، فبينما يهاجم داعش الجيش ومعسكراته تدعو الجماعة إلى الهرب من التجنيد ومقاطعة المؤيدين للرئيس عبدالفتاح السيسى بعدم تناول طعام الإفطار معهم.∎