مع قرب حلول شهر رمضان المبارك تزداد الفتاوى الدينية حول الصيام ومبطلاته وكل ما يتعلق بهذا الشأن، فالآية القرآنية الكريمة جاءت واضحة (كتب عليكم الصيام) على جميع المسلمين سنة أو شيعة، فالأصل فى المذاهب الاتفاق على مبطلات الصوم ووجوب صيام المسلمين، الذين تنطبق عليهم شروط الصيام، إلا أن هناك من يشذ عن تلك القاعدة فى المذهب الشيعى ويخالف ما نقله أئمتهم فانقسموا بين الإفراط والتفريط، فبعضهم يغالى فى تطبيق الشريعة كتنفيذ عقوبة الجلد على المفطرين فى نهار رمضان، والبعض الآخر يقع فى التفريط وإباحة شرب الماء أو التهرب من الصيام بالسفر، ليشذوا بذلك عن القاعدة الأساسية للصيام وكثير من تلك الفتاوى تصدر عن مرجعيات دينية لها ثقلها. الأصل فى المذهب الشيعى مخالفة أهل السنة، ومن ثم فإن هناك الكثير من الأمور الفقهية تختلف كلية عن المذهب السنى، ووفقا لما ورد فى موقع (عقائد الشيعة الإمامية) فإن الصيام يبدأ بعد مضى ثلاثين يوماً من شهر شعبان والتأكد من انتهاء الشهر كى يبدأ صيام رمضان وهو ما يخالف حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم): (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته)، وبالتالى فإنه لا توجد رؤية للهلال عندهم ومن ثم فإنهم قد يفطرون فى أول ليلة من ليالى رمضان. ويقول الشيعة إنه مسموح لمن يخشى على نفسه من المرض دون أن يكون مريضا فعلاً أن يفطر، وهو ما يفتح المجال أمام الكثيرين ممن يشعرون بثقل الصيام دون أن تكون لهم رخصة شرعية أن يفطروا فى نهار رمضان. ∎ الماء لايفطر بعض المرجعيات الشيعية أفتت بالتهرب من الصيام وقت ارتفاع درجة حرارة الجو بسفر الصائم لأى بلد أو مكان آخر كى يتهرب من عناء الصيام، وهناك واقعة شهيرة لأحد المتصلين بقناة الفرات الشيعية، حيث قال المعمم : (هناك حلول كثيرة لمشكلة التغلب على الصيام فى الحر، منها التنقل من مكان لآخر والإقامة بأى بلد عشرة أيام مثلاً.. فالهروب من الصوم حتى لاتوجد به أية مشكلة والفقهاء يصرحون به). ويضيف قائلاً: (إن القاعدة الفقهية تقول بأن كل مكروه يجوز)، فهذا يعنى أن إباحة الصيام تبيح فعل كل المحرمات فى نهار رمضان من إشباع شهوتى البطن والفرج دون أى حرج شرعى. (مسألة 496) التى جاءت بكتابه (لابأس على الصائم أن يمضغ الطعام للصبى أو الحيوان فإن ذلك لايبطل الصوم). وهو الأمر الذى فسره البعض بأنه لاحرج من فعل هذه الأشياء من باب المرونة فى الدين وإن كان قصد المرجع بألا يتعدى الأمر الحلق، وهو ما يفسر سبب الفتوى الشهيرة التى أثارت ضجة فى السنوات الأخيرة للمرجع الشيعى أسد الله بيات زنجانى، الملقب بآية الله، والذى أفتى بجواز شرب المياه للصائم طالما أنه لايتحمل العطش، وأن هذا الأمر لايفسد الصوم ولايتعارض معه. وبرر (زنجانى) فتواه بأن الأحاديث التى وردت عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والمصادر الشيعية المنسوبة لآل البيت وحتى ماجاء فى القرآن الكريم بوجوب صيام المسلمين مدعياً بأن الله سمح لهم فى الوقت نفسه بالشراب كنوع من الرأفة، فعلى سبيل المثال يجوز لكبار السن وأصحاب الأعمال الشاقة والنساء اللاتى يرضعن والأطفال وكل من لا يطيق العطش أن يشرب الماء فى نهار رمضان،مستدلاً بالآية الكريمة (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) و (ما جعل عليكم فى الدين من حرج)، مشيراً إلى أن تضارب الروايات حول جواز الصيام لا ينفى أبدا إباحته. وبعد أن أصبحت تلك الفتوى حديث العالم الإسلامى بأسره الذى استنكرها، رد عليها العديد من المرجعيات الشيعية فى إيران، التى تضم مدينة (قم) الشهيرة والتى تعد قبلة الشيعة فى العالم، حيث علقوا عليها قائلين : (إن جواز الأكل والشرب فى الصيام لم يكن أمراً عجيباً أو جديداً)، وذلك وفقاً لما ورد بموقع (بارسينه) الإيرانى، فإن بعض المرجعيات أكد على إمكانية شرب الماء ولكن تناول الطعام هو ما اختلفوا عليه بأنه يبطل الصوم، ويقول المرجع (شيرازى) الملقب (بآية الله) إن بعض الفقهاء أباحوا شرب الماء ك(محسن حكيم)، مضيفاً بأن هناك نوعين من العطش الأول للحفاظ على الاحتياجات الأساسية لجسم الإنسان، والثانى يتعلق بالمرضى الذين يحتاجون لشرب كميات من المياه على مدار اليوم كمرضى السكر والكلى، مشيراً إلى أن من يعتبر حالته تدخل ضمن هاتين الحالتين فإن عليه أن يشرب ويروى عطشه وصيامه صحيح ودون أن يدفع كفارة. فإذا كان الشيعة أحلوا قيام المرء بالأكل والشرب وإفتاؤهم بأن تلك الأمور لا تؤثر سلباً على صحة الصوم، فإنهم حرموا بعض الأشياء الأخرى وقت الصيام وجعلوا ارتكابها أشد جرماً من الأكل والشرب وحتى الجماع فى نهار رمضان مثل ''الكذب''، فمن يكذب فإنه فاطر وفقاً للمذهب الشيعى. ويذكر كتاب (منية الصائمين) ص(109) للمرجع الشيعى البارز محمد الصدر: (إذا غلب على الصائم العطش وخاف على نفسه الضرر من الصبر عليه، جاز أن يشرب بمقدار الضرورة لا أكثر من ذلك). ويقول الشيعة إن الكذب على الله ورسوله (ص) والأئمة الإثنى عشر لديهم، الملقبين ب(المعصومين) الذين يحتلون لديهم منزلة الأنبياء أمر يبطل الصوم، وبالتالى فمن كذب فإنه (فاطر) وعليه أن يدفع كفارة وصيامه باطل. ∎ زواج المتعة بعض المرجعيات الشيعية أفتوا بأن الجماع لا يفطر الصائم وأن عليه أن يكمل صيامه باعتبار أن صيامه صحيحاً، كما جاء فى كتاب (منية الصائمين)، الذى أكد أن ارتكاب بعض المحظورات قد لايفسد الصوم وأن بعض الحالات ربما تستلزم قضاء الكفارة فحسب. ومن بين الأسئلة الشائعة التى ترد على لسان بعض الشيعة عبر مواقع المرجعيات الدينية ما ورد بموقع (إسلام كويست) المتخصص فى الرد على الفتاوى الشيعية بجواز إباحة زواج المتعة فى رمضان، حيث جاء الرد بأن المذهب الشيعى أباح هذا النوع من الزواج والذى يحل للرجل استمتاع بالمرأة بمدة زمنية محددة يتفق عليها الطرفان فى العقد، ومن ثم فإنه لايوجد ما يتعارض شرعاً بزواجهم سواء فى شهر رمضان أو غيره من شهور السنة، ولكن السؤال يكشف عن عدم تحريمهم للجماع فى تلك الفترة فى ذلك الشهر الذى يحرم فيه ممارسة الجنس لوجوب الصوم. وفى الموقع الرسمى للمرجع الشيعى البارز محمد تقى البهجة، يقول بأن مداعبة الزوج لزوجته لايفطر الصوم. ∎ الجلد لمن يفطر فى مقابل تلك الحالات التى يرى فيها أهل السنة أنها تحمل نوعاً من التفريط فهناك إفراط ومغالاة فى بعض الأحيان فى تطبيق أحكام الشريعة، ففى إيران وهى أكبر الدول الشيعية تطبق عقوبة الجلد على من يثبت عليه الفطر فى نهار رمضان وتنفذ الأحكام فى الشوارع والميادين العامة بحجة أن يكون المفطر عبرة لغيره ممن تسول له نفسه أن يرتكب مثل هذه الأمور، فهناك كثير من الحالات التى تقوم فيها قوات جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بالسير فى الشوارع لمراقبة المارة، لم يقتصر الأمر على تلك الجماعة فحسب، بل إن الشرطة الإيرانية أيضاً تلقى القبض على المخالفين للشريعة وتطبيق عقوبة الجلد عليهم وفى بعض الحالات يصل الحكم ل80 جلدة. فبين الحين والآخر يشدد القائمون على جهاز الشرطة فى إيران على التصدى بحزم لمن يخالف أحكام الشريعة من عدم التزام بالصوم أو الحجاب الشرعى بالنسبة للنساء. فى النهاية فإن بعض المرجعيات الشيعية وضعت الصائم بين حلين لاثالث لهما إما التفريط فى الصيام والهروب بالسفر وإما الجلد فى حال عدم الالتزام.∎