لقد أثارت «روزاليوسف» فى عددها السابق شجون كل من عاصر نكسة يونيو 1967 من جيل الشباب والمراهقين - آنذاك - بطرحها عدداً - من الموضوعات التى تتناول تلك النكسة بالتحليل.. فالخامس من يونيو عصف بآمال وأحلام جيل الشباب وأطاح بطموحاتهم وشعورهم بالعزة والرفعة التى زرعها عبدالناصر فى نفوس شعبه كقائد عظيم كان يبهر الناس عندما يستهل خطابه بكلمة «أيها الأخوة المواطنون».. لقد نجح عبدالناصر فى خلق شعب يعتز ببلده ويحترمه العالم أجمع وكان المصرى يعرف فى الخارج أنه من بلد «ناصر» ذلك الثورى الذى ساعد كل شعوب العالم فى الحصول على حريتهم والتخلص من الاستعمار شرقاً وغرباً شمالا وجنوباً.. لقد كانت فترة الستينيات فى مصر شاهدة على نهضة كبيرة فى التصنيع والتعليم والصحة وجميع المجالات.. وكنا فى ذلك الوقت كتلاميذ نخرج لتحية الزعيم وهو يستقبل ضيوف مصر الكبار من جميع أنحاء العالم.. وكانت لعبدالناصر «كاريزما» عالية فبمجرد وصوله تشتعل الأيدى بالتصفيق والألسنة بالهتاف وكلها كانت نابعة من القلب.. يالها من أيام. أثارت هذه الشجون الحديث عن نكسة يونيو وقد بات واضحاً الآن أن المؤامرات العالمية سواء الأمريكية أو الروسية كانت وراء تلك النكسة وذلك للحيلوحة دون وقوع أى أضرار على إسرائيل سواء فى عام 67 أو73 أو اليوم أو غداً.. فهذه قاعدة ثابتة لا تكسر أبداً.. لكن أكثر ما لفت نظرى تلك الجملة التى وردت على لسان عبدالناصر أثناء حديثه للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى أعلى هيئة سياسية فى ذلك الوقت بعد النكسة والتى قال فيها «لم يبق من عمر معظمنا أكثر من عشر سنوات خصوصا مع المرض والضغوط والجهود.. لذلك يجب تغيير النظام بحيث لا يسمح لشخص واحد أو بشلة غير واعية أو جاهلة سياسياً أن تحكم البلد الذى أعطانا شعبها ثقة بلا حدود»، مضيفاً.. «وأن يكون عملنا مركزاً على خطط التنمية ومتابعة تنفيذها». وهذه الجملة وهذا اللقاء يوضح كيف تمالك عبدالناصر نفسه بعد النكسة ليحمى البلد من مؤامرات ومطامع بعض القادة العسكريين.. فقد كانت عينه على مصر واستطاع خوض حرب الاستنزاف كأشرف وأنقى حرب خاضها الجيش المصرى الباسل الذى استعاد بها الثقة فى نفسه وأن النكسة ماكانت إلا ظرفاً طارئاً.. فقد كان ناصر سياسياً ذا بصيرة تهدف إلى رفعة مصر وتجاوز العثرة التى مرت بها. ولم يعش عبدالناصر عشر سنوات بعد النكسة وسرعان ما لاقى ربه وخرجت عاصفة حب تودعه من الشعب المصرى كما خرجت من قبل تطالبه بعدم التنحى.. قد يكتب المتخصصون التاريخ.. لكن لكل من عاش الأحداث تاريخاً يكتبه.∎