الإطار الفضى لشاشة السينما والحوار المنمق يخفى الكثير من شخصية الفنان التى يتفنن فى تصديرها لجمهوره وبعيداً عن الأضواء المصطنعة، عبدالحليم حافظ كان من النجوم الذين يملكون قاعدة جماهيرية عريضة جدًا، تهتم بجميع تفاصيل حياته الشخصية بعيدًا عن حياته الفنية، وذلك لعشقهم له كفنان وإنسان. لذلك أطلت الكاميرات ترصد حياة العندليب الخاصة وترصد نوادره فى الوسط الفنى بين أصدقائه المقربين وأفراد أسرته. ∎ طبال نجوى فؤاد، فى بيت الأطرش الكلارينيت لم تكن الآلة الوحيدة التى احترف حليم العزف عليها فالدف نجح فى إغراء العندليب للضرب عليه فى صورة نادرة ظهرت الراقصة المصرية نجوى فؤاد، وهى ترقص على صوت طبلة عبدالحليم حافظ، فى أحد الكازينوهات.. والمعروف أن الراقصة المصرية كانت تربطها علاقة صداقة قوية بالعندليب، وكذلك الفنان فريد الأطرش، وكانت تشاركهما فى حفلاتهما فى بيت الأطرش، وترقص لهما فيها وسط حضور عدد كبير من الأصدقاء. لم تكن المرة الأولى التى يظهر فيها العندليب وهو يضرب على الدُف، خلال زيارته ل«عودة المهنا»، وتعد إحدى أهم وأشهر المطربات الشعبيات، وهى صاحبة أشهر فرقة شعبية فى الكويت. وفى مجموعة صور نادرة التقطت للفنان فى منزله، وذلك فى جلسة تصوير خاصة لإحدى المجلات الفنية، التى تظهر جزءا كبيرا من حياة عبدالحليم حافظ، بعيدًا عن عدسات الكاميرا، وبعيدًا عن التصنع، حيث ظهر حليم وهو يقوم بحلاقة ذقنه، كذلك يغسل أسنانه بفرشاة المعجون. كما ظهر فى صور أخرى وهو يرتدى جلبابًا نوبيًا قصيرًا، وذلك للمرة الأولى التى يظهر به حليم، وقام بإمساك العود، والعزف عليه، فالموسيقى كانت حياته التى لم يستطع الابتعاد عنها طوال الوقت.. ∎ الهروب الكبير من سلم الخدم خوفاً من أنور المنسى جمعت صداقة قوية بين عبدالحليم حافظ، والمطربة صباح، خاصة بعد فيلم «شارع الحب»، الذى زاد من هذه الصداقة وأشيع وقتها أنه نشأت بينهما قصة حب، ولكن صباح نفت ذلك قائلة: إنه مجرد استلطاف فقط. روت صباح موقفا طريفا عن عبدالحليم، الذى اعتاد على زيارتها فى منزلها، وكانت وقتها زوجة عازف الكمان أنور المنسى، فقالت لها شقيقتها لقد جاء أنور، وكان حليم موجودا فى منزلها، فقال عبدالحليم: «يا نهار أسود هيفسر الموقف غلط»، وهرب من سلم الخدم». ∎ السندريلا محتارة بين حليم وفريد بعد نجاح فيلم «أبى فوق الشجرة» قرر حليم إنتاج فيلم جديد، وكان قد اختار له سعاد حسنى حتى تلعب معه دور البطولة، فى الوقت نفسه كان الفنان الراحل فريد الأطرش، قرر إنتاج فيلم هو الآخر يحمل اسم «وجاء الربيع»، بعد نجاح فيلمه الأخير «الحب الكبير»، ولكن المصادفة التى كادت أن تشعل الخلاف بينه وبين حليم، بعد أن وقع اختياره على نفس بطلة فيلم حليم الجديد. فريد قال لمخرج الفيلم: «أنا نفسى أمثل مع سعاد حسنى، وطلب من مؤلف القصة يوسف جوهر أن يظبط الدور عليها، فقام يوسف بتغيير خطوط القصة حتى تتناسب مع شخصية سعاد حسنى»، وعاد حسين كمال المخرج إلى القاهرة واتصل بسعاد ونقل إليها رغبة فريد فى العمل معها، فردت عليه السندريلا قائلة: «لما تخلص القصة وأشوفها أبقى أقولك كلمتى الأخيرة». وفى الوقت نفسه كان العندليب الأسمر، يراجع مع صديقه حلمى حليم سيناريو فيلم «وتمضى الأيام»، ودور البطلة هو دور طالبة جامعية جميلة تنحرف بحكم الظروف وتحاول أن تضحى بنفسها عندما تكتشف أن زميلها الذى يحبها بصدق معرض للموت وتكون النتيجة أن تترك البطلة كل شىء لتعيش إلى جوار البطل حتى ينطفئ السراج فى قنديله. وكان عبدالحليم قد أعلن أن بطلة فيلمه الجديد هى سعاد حسنى، وفرح الناس بهذا الخبر فهذه أول مرة يجتمع فيها حبيبا الأمس فى فيلم من أفلام الغد، بعد مرة واحدة جمعتهما فى فيلم «البنات والصيف». وقد أعلن فريد الأطرش أنه سيدخل البلاتوه فى نفس الوقت الذى صرح فيه حليم أن التصوير سوف يبدأ، وبدأت عملية جس نبض البطلة التى لم ترتبط مع أى منهما بعقد محدد اتصل بها المخرج عاطف سالم فسألته عن ميعاد التصوير؟ فقال لها فى مطلع الشهر القادم، فقالت: «أنا أسفة فيلمى مع عبدالحليم يبدأ فى الوقت ده»، وانسحبت ببساطة من فيلم الأطرش نفس الشىء مع حليم وأبقت على صديقها ومنعت حربا كادت أن تشتعل بين حليم والأطرش، فعلق الأخير على قرارها قائلا: «أنا عارف من زمان أنها مش عاوزة تشتغل معايا» وعندما سئل عن السبب قال: «هما بيحاولوا يأثروا عليها». ∎ عجلة عبدالحليم لم يمنع الغناء الفنان الراحل عبدالحليم حافظ، من ممارسة بعض هواياته، إذا سنحت له الفرصة وناسب المكان، وفى لبنان كان الجو متاحا للعندليب، وأحب حليم أن يقوم بنزهتين متقطعتين إلى رأس الجبل فى عالية. عبدالحليم استغل وجود طفل يلعب بالكرة فتقدم منه لمداعبته وقبله، ولما عرفه الصغير رقص فرحًا وقدم لمحبوبه كرته، ولعب حليم بالكرة بقدمه ثم رفعها على رأسه، وأخذ يحاورها كلاعب محترف. وفى صور نادرة نشرتها مجلة «الشبكة»، يظهر حليم خلال نزهة ثانية التقى بالصغير نفسه فانطلق معه على دراجته فقادها معه، ثم قادها وحده، مؤكدًا مرة أخرى أنه يحسن قيادة الدراجة كما يحسن قيادة فرقة موسيقية. ∎ عبدالحليم والشيكولاتة خلال زيارة الفنان الراحل عبدالحليم الحافظ، لباريس، التقطت له العديد من الصور فى شارع الشانزليزيه، وقد قام بزيارة العديد من المحلات الشهيرة فيه، والتقطت له صورة وهو يملأ كيسًا بمختلف أنواع الشيكولاتة، بالرغم من نصائح الأطباء له. كما التقطت له صورة أخرى وهو يتناول سندوتش «هامبرجر»، فى أحد المطاعم وعلى الرصيف وحوله العديد من الناس. وقد استغل عبدالحليم وجوده فى باريس، وقام بمشاهدة فيلم «كليوباترا»، الذى كان يعرض فى ذلك الوقت واستطاع حجز 10 كراسى بالسينما، حيث قام بدعوة فريق العمل الدبلوماسى المصرى بباريس لمشاهدة الفيلم، ولم ترد دعوته وحضروا جميعًا، وذلك ردًا منه على حسن استقبالهم له. يعتبر الفنان الراحل عبدالحليم حافظ، أحد مطربى الثورة، ولكنه لم يستفد منها على الإطلاق، ولم يتقاض مليمًا واحدًا عن هذه الأغانى، وكان يسافر للعلاج على نفقته الشخصية، طبقا لبعض المصادر. عبدالحليم رغم وطنيته إلا أنه لم يسلم من صلاح نصر، أشهر رئيس للمخابرات المصرية وقتها، خاصة بعد أن لجأ على أمين إلى عبدالحليم وطلب منه توصيل بعض الطلبات لمصطفى أمين فى السجن بحكم صداقته لهما، فأرسل صلاح نصر لاستدعاء عبدالحليم. الفنان الراحل توصل لفكرة جهنمية فاتصل بجميع رؤساء التحرير فى مصر والعالم العربى وأخبرهم أنه سيلتقى غدًا مع صلاح نصر الساعة الثالثة ظهرًا، وذلك تحسبًا لعدم عودته فيكون هناك ضغط إعلامى وفى النهاية اتصل أحمد بهاء الدين بالمشير عامر لإيقاف تلك المضايقات. رغم النجاح الذى حققه العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ فنيًا وجماهيريًا، إلا أنه ظلّ على عاداته الريفية وتواضعه الجمّ، يفعل ما كان يخطر له ببال يضحك ويمرح ويغنى ويرقص، وبقى كذلك حتى بعدما داهمه المرض العضال. حليم بعدما أصيب بالبلهارسيا وعانى من تليف الكبد، غاب عنه المرح والضحك والتزم بإرشادات الأطباء ونصائحهم، ومُنع الكثير من متاع الدنيا الكبيرة منها والصغيرة. وفى صورة نادرة التقطتها عدسات المصور افترش العندليب الأسمر «مفرشا» صغيرا وجلس سعيدًا بتناوله ل«الخس»، ولكنه علّق حزينًا على الصورة بعد نشرها بقوله: «لم يحدث بعد ذلك أن وافق الطبيب على أن أتناوله مرة أخرى». ∎ عبدالحليم قلب الأسد عبدالحليم شخصية تختلف تماما عن الصورة التى يبدو عليها «الجدية» التى تكسو ملامحه بعيدة عن ثورة عقله المشتعل بالمقالب ويتفنن فى تدبيرها فما أن يعايش موقفا يرى فيه فرصة طيبة لمقلب حتى يشرع فورا فى تنفيذه يساعده فى ذلك ذكاؤه الفطرى أو بتعبير أدق خبثه الشديد. ∎ الضحية عبدالوهاب سيارتان الأولى فيها مجدى العمروسى والأستاذ محمد عبدالوهاب يجلسان فى المقعد الخلفى ومحاسب من شركة صوت الفن يجلس إلى جوار السائق، والسيارة الثانية خلفها: حليم إلى جوار السائق وفى المقعد الخلفى جلال معوض، وفى سيارة عبدالوهاب ووكى توكى مع مجدى العمروسى، وعلى مجدى العمروسى فى ساعة حددها حليم أن يفتح الووكى توكى على الإذاعة وكأنه راديو ترانزستور وكان حديث الإذاعة بالصدفة البحتة عن أزمة صواريخ كوبا التى أشرفت على حرب عالمية ثالثة والأستاذ عبدالوهاب ينصت باهتمام بالغ ولا اهتمام له- منذ أيام إلا أزمة كوبا وحصار الأمريكان البحرى لكوبا وتهديدات خروشوف بالصواريخ الذرية التى زرعها على أرض كوبا، وكوبا على مرمى حجر من ولاية فلوريداالأمريكية. فى السيارة الخلفية جلال معوض يتأهب للكلام فى الووكى توكى، ويحرك زرا صغيرا فى الساعة المحددة فيقطع الإذاعة فى سيارة عبدالوهاب ويتحول إلى جهاز لاسلكى بين السيارتين، فى السيارة الأولى توقف الحديث الإذاعى عن أزمة كوبا وفى السيارة الثانية جلال معوض يتحدث بصوته الذى يعلن دائما الأحداث الكبرى يقول وصوته مسموع فى سيارة عبدالوهاب أيها السادة إليكم هذا النبأ الهام: فشلت الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتى فى إيجاد حل لأزمة كوبا بسبب تشدد خروشوف وأصبح متوقعا إعلان الحرب الذرية بين دقيقة وأخرى. فى السيارة الأولى عبدالوهاب يردد عبارة واحدة وهو فى حالة ذعر هستيرى: يا نهار أسود يا نهار أسود، ومجدى العمروسى يخرج يده من نافذة السيارة الأولى بإشارة وقوف عبدالوهاب فى حالة سيئة، حليم يسرع إليه ويقسم له أن المسألة هزار فى هزار، وعبدالوهاب استشاط غضبا فقد كاد قلبه أن يتوقف. ∎ الضحية أحمد رجب يقول الكاتب الساخر أحمد رجب عن ذكرياته مع مقالب العندليب كان عبدالحليم فى سويسرا، وفوجئت بصديق مشترك يحدثنى بأن حليم أرسل لى خطابا عاجلا، فلما رجوته أن يرسله قال لى اتصلت بك ولم أجدك، فأعطيته لفلان، وهو صديق أيضا، فاتصلت به ليقول لى يا أخى أنا دايخ عليك والآخر أعطيته لفلان فاتصلت بهذا الفلان، وأخيرا بعد عدد من الناس تداولت هذا الخطاب تركه واحد لا أعرفه فى استعلامات الأخبار، واتضح أن الخطاب هو كارت بوستال بلا مظروف حرص حليم على توصيله لى بعد سلسلة طويلة حتى يتاح لأكبر عدد من الناس قراءة الكارت والكلمات التى كتبها حليم مهذبة مؤدبة على غير عادته: «عزيزى أحمد وحشتنى وياريتك كنت معايا». أحب أطمنك أن الأسرة بخير وتقدر تطمن عليهم من الصورة، وقلبت الكارت لأجد الصورة التى شاهدها أكبر مجموعة من الناس: مواشى ترعى فوق الجبل.∎