مع بدايات كل عام نحتفل بميلاد السيد المسيح طفل المذود «الحظيرة» الذى جاءت أمه العذراء القديسة مريم مع يوسف النجار للاكتتاب «تعداد سكان» فى بيت لحم فداهمتها آلام المخاض لتبحث عن مكان لتضع فيه وليدها فلا تجد سوى حظيرة للخيل والأبقار، وكما ترسخ لدينا من كتب التراث المسيحية فإن أجواء هذا الميلاد كانت فى مناخ شديد البرودة ممطر وأبدع بعض رسامى المسيحية فى رسم مشهد الميلاد محاطا بالجليد وهو ما يعنى أن السيد المسيح ولد فى مناخ شتوى شديد البرودة وهو ما يتناسب مع تحديد الكنائس المختلفة لتوقيت الميلاد سواء كان فى 25 ديسمبر أو 31 ديسمبر أو 7 فكلها توقيتات شتوية تفصلها أيام عن بعضها ولكن الكل أجمع على أن المسيح ولد فى الشتاء فهل حقا كان ميلاد المسيح فى الشتاء؟ وعجيب الأمر أن هناك محاولات جادة فى خطوات حاسمة وحازمة تخطوها الكنيسة القبطية لتوحيد عيد الميلاد على مستوى العالم ليصبح يوم 25 ديسمبر من كل عام وهو المقترح الذى حاول قداسة البابا تمريره فى اجتماع المجمع المقدس الأخير ورفض بالإجماع ولكن قداسته عاد وقرر أن هناك محاولات لتوحيد عيد القيامة وطالما أن الكنيسة قررت مراجعة توقيتات أعيادها فلا ضير ولكن يجب أن تحسب تلك التوقيتات على أصولها وقواعدها وليس كأتباع للكنيسة الكاثوليكية والتى تهرول الكنيسة القبطية نحوها بدون أى مبرر واضح ونحن هنا نضع رؤية تاريخية وعلمية قد تغير الموازين فى إعادة حساب الكنيسة القبطية لتوقيت الاحتفال بعيد الميلاد. لا أعياد فى الإنجيل لم يحدد الكتاب المقدس أعيادا للاحتفال بها كذكرى دينية وبالتبعية فليست هناك أى توقيتات للاحتفال بمثل تلك الأعياد بل إن تحديد توقيتات بعينها وجعلها أعيادا هو أمر مخالف للكتاب المقدس فيقول القديس بولس الرسول «لاَ يَحْكُمْ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ فِى أَكْل أَوْ شُرْبٍ، أَوْ مِنْ جِهَةِ عِيدٍ أَوْ هِلاَل أَوْ سَبْتٍ» فالمسيحية هى ديانة الفرح الدائم ويفترض أن أيام الإنسان المسيحى كلها أفراح وأعياد يعيشها بسلام مع الله هذا الفرح غير المقبول تبديله لأى سبب من الأسباب وهو ما أكده السيد المسيح بقوله «لاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ» ولكن الأعياد فى المسيحية جاءت محاكاة لما قبلها من أعياد فى ديانات أخرى سبقتها فلقد تعود الشعب على أيام بعينها يحتفل فيها كأعياد فكان أن تم استبدال تلك الأعياد الوثنية بأعياد مسيحية فعيد الميلاد لم يستحدث فى المسيحية ولكن كان يتم الاحتفال به من قبل وكان يوم 25 ديسمبر هو يوم للاحتفال بميلاد العديد من الآلهة فى الكثير من الديانات ويرجع اختيار هذا اليوم لأنه اليوم الذى يحتوى على أطول ليل وأقصر نهار والذى يبدأ بعده النهار فى الطول والليل فى القصر حيث يعتبر ميلاد الآلهة بداية لطول النور «النهار» وانحسار الظلام «الليل» فكانت احتفالات الإله ساتوم من أعظم الأعياد فى الإمبراطورية الرومانية، كانت هذه الاحتفالات تبدأ من 17 ديسمبر وتنتهى فى 25 ديسمبر وكانت تتعطل فيها الأعمال وحتى أنه كان يسمح للعبيد بالاحتفال. فكانت هذه الأيام أيام رقص وغناء وخمور ونساء، كما وصفها الشاعر كاتوليوس. كان يوم 25 ديسمبر مقدسا أيضا فى الديانة «المثرائية» التى كانت منتشرة فى الإمبراطورية الرومانية وفى الواقع لم يكن هذا اليوم هو يوم الاحتفال بالإله فقط ولكن بعدة آلهة وثنية عديدة تخص عدة ديانات تدين بها شعوب الإمبراطورية الرومانية وتشترك جميعها فى الاحتفال فى هذا اليوم ولكن كل على طريقته وفى سنة 274 ميلادية أصدر الإمبراطور «أورليان» قرارا بدمج الاحتفالات الدينية لكل الآلهة الإغريقية والرومانية والفارسية والفينيقية التى كان يحتفل بها فى أيام مختلفة ليصبح عيدا واحداً يوم 25 ديسمبر. من الوثنية إلى المسيحية جاء فى الموسوعة الكاثوليكية طبعة 1911 لم يكن عيد الميلاد واحداً من الأعياد الأولى للكنيسة، وأول دليل على هذا الاحتفال إنما جاء من مصر.. فقد تحولت العادات الوثنية الخاصة فى شهر يناير فى التقويم الرومانى القديم إلى عيد الميلاد وهكذا استبدل يوم ميلاد الآلهة إلى يوم ميلاد المسيح اعتماداً على أنه الأقصر نهاراً والأطول ليلاً ويكون من اتخذ قرار الاحتفال بعيد ميلاد المسيح يوم 25 ديسمبر هم رجال الدين المسيحى برعاية الإمبراطور قسطنطين سنة 325 ميلادى وعلى الرغم من ذلك لم يتم تطبيق القرار حتى فى روما نفسها مقر الإمبراطور إلا بعد 29 سنة وفى القسطنطينية بعد 55 سنة أما الإسكندرية فقد نفذته بعد 105 سنوات كاملة «الموسوعه الكاثوليكية» أما كنيسة القدس فلم تطبقه إلا بعد 224 سنة ميلادية والسبب فى ذلك اختلاف التقويم الرومانى عن التقويم القبطى وهو ما أدى إلى خلاف بين الكنائس حتى استقرت على الاحتفال بعيد الميلاد يوم 25 ديسمبر إلى أن جاء الاحتلال الإنجليزى إلى مصر فغيرت الكنيسة القبطية الاحتفال بعيد الميلاد حتى يصبح يوم 7 يناير اعتماداً على بعض الحسابات الفلكية لدواعٍ سياسية أكدت من خلالها الكنيسة القبطية عدم تبعيتها للغرب الذى أصر على الاحتفال بعيد الميلاد يوم 25 ديسمبر. لم يكن شتاءً تلك كانت حسابات الكنائس للاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح وعلى الرغم من اختلاف التوقيتات إلا أنها كلها تقع فى فصل الشتاء فى جو قارس البرودة ولكن هل حقاً ولد المسيح فى تلك الأجواء المناخية؟ الحقيقة أن الإنجيل والتاريخ يخبرنا بعكس ذلك على النحو التالى: يرصد القديس لوقا فى إنجيله أجواء الميلاد فيقول: «وَفِى تِلْكَ الأَيَّامِ صَدَرَ أَمْرٌ مِنْ أُوغُسْطُسَ قَيْصَرَ بِأَنْ يُكْتَتَبَ كُلُّ الْمَسْكُونَةِ.وَهذَا الاكْتِتَاب.. فَذَهَبَ الْجَمِيعُ لِيُكْتَتَبُوا، كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَدِينَتِهِ، فَصَعِدَ يُوسُفُ أَيْضًا مِنَ الْجَلِيلِ مِنْ مَدِينَةِ النَّاصِرَةِ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ، إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ الَّتِى تُدْعَى بَيْتَ لَحْمٍ، لِكَوْنِهِ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ وَعَشِيرَتِهِ، لِيُكْتَتَبَ مَعَ مَرْيَمَ امْرَأَتِهِ الْمَخْطُوبَةِ وَهِىَ حُبْلَى». والاكتتاب هنا هو تعداد للسكان كان يقوم به الإمبراطور ويسجل كل فرد اسمه فى موطن ميلاده وهو ما دعا القديس يوسف النجار والعذراء مريم إلى الذهاب إلى بيت لحم ومن الطبيعى ألا يكون الاكتتاب فى ظروف مناخية قاسية لأن هذا سوف يحد من نسبة المشاركة فى هذا الاكتتاب بل لعل القيصر اختار وقتاً تكون فيه الظروف المناخية تسمح بتحرك اليهود بين المدن المختلفة للاكتتاب. ويكمل القديس لوقا وصف تلك الأجواء عقب ميلاد المسيح ليرصد لنا مجموعة من الرعاة قد ظهر لهم ملاك ليبشرهم بميلاد المسيح قائلاً: «وَكَانَ فِى تِلْكَ الْكُورَةِ رُعَاةٌ مُتَبَدِّينَ يَحْرُسُونَ حِرَاسَاتِ اللَّيْلِ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ» وبحسب آدم كلارك وهو من أفضل مفسرى الكتاب المقدس حتى الآن يقول فى المجلد الخامس ص 592 كان من عادة الرعاة فى ذلك الزمان وحسب ما جاء فى الكتاب المقدس يرعون مواشيهم من بداية منتصف الربيع ويدخلونها الزرائب عند أوائل موسم الأمطار بحد أقصى منتصف أكتوبر، وحيث إنه من المعروف أن هذا الوقت من السنة هو أشد الأوقات بردا وأمطارا فهذا يتعارض مع كون الرعاة يرعون أغنامهم فى الحقول وعليه فإنه يستحيل أن يكون المسيح قد ولد بعد منتصف أكتوبر، إذن المسيح طبقاً لسرد القديس لوقا لا يمكن أن يكون ولد بعد منتصف أكتوبر. احتفل المسيحيون بعيد الميلاد فى توقيتات مختلفة كل الاختلاف عن 25 ديسمبر أو حتى 7 يناير فتقول الموسوعة الكاثوليكية: «أن أول علامات للاحتفال بعيد ميلاد المسيح كانت فى سنة 200 ميلادى كما هو مدون فى كتاب كليمندس السكندرى المعروف باسم ستروماتا أن بعض الكهنة تعرفوا على سنة ميلاد المسيح وأيضا يوم الميلاد ب 20 مايو فى السنة ال 28 من حكم الإمبراطور أغسطس والبعض الآخر توصل إلى أنه 19 20 أبريل» وذكر أيضا أن ميلاد المسيح كان فى 28 مارس. عيد البابا الاحتفال بعيد الميلاد إذن ليس طقسا أو تقليدا مستلما من الآباء القديسين ولم يأت به أيضاً نص إنجيلى، كما أنه ليس من عادة الكنيسة القبطية الاحتفال بأيام المولد ولكن استقرت على الاحتفال بيوم الوفاة فالكنيسة تحتفل بأعياد استشهاد كل قديسيها ولا تحتفل بيوم ميلادهم وتبين لنا أيضاً أن عيد الميلاد فى الأصل هو عيد وثنى تم تعميده ليصبح عيداً مسيحياً وهو ما جعل هناك ثورة فى الغرب على استمرار الاحتفال بعيد وثنى ورفض الكثير من مسيحيى الغرب حتى الاحتفال بتلك المناسبة وهو ما وضع الكنيسة الكاثوليكية فى حرج أمام رعاياها ومن ثم فكرت فى تعميم يوم 25 ديسمبر كعيد للميلاد فى العالم كله وهو ما لن يتأتى إلا بالاتفاق مع الكنائس الكبيرة ومنها الكنيسة القبطية التى تسعى نحو الوحدة مع الكنيسة الكاثوليكية وهو ما دعا قداسة البابا تواضروس الثانى لطرح تغيير الاحتفال بعيد الميلاد إلى 25 ديسمبر وإلغاء الاحتفال به يوم 7 يناير وهو الاقتراح الذى قوبل بالرفض فى المجمع المقدس المنعقد مؤخراً. ولأول مرة هذا العام قامت الكثير من الكنائس بعمل احتفالات يوم 25 ديسمبر، بدلاً من الاحتفال السنوى بعيد الميلاد فى الكنيسة القبطية يوم 7 يناير.∎