عالم الكتب لم يعد كما هو، تغير كثيرًا بعد ما يقرب من 4 أعوام من الثورات والصدمات، لم تعد روايات علاء الأسوانى مرغوبة، ولا أحد يتابع آخر ما كتب بلال فضل وفهمى هويدى. اللهفة على كتب عمر طاهر تراجعت كثيرًا، بعدما سيطر المتطور أحمد مراد قائد جيل الشباب فى الرواية المصرية الآن. فى جولة ميدانية عند بائعي الكتب، دخلنا أشهر المكتبات، وسألنا أصحاب دور النشر عن ملامح التحول التى طرأت على سوق الكتاب فى مصر، ركزنا فى تحقيقنا على محاولة الوصول إلى نوعية الكتب التى لم تعد مقروءة، والكتب التى عادت بعد سنوات طوال من المنع، وظهور كُتاب جدد على حساب كُتّاب آخرين، كان يعتقد البعض أنهم باقون حتى الموت، إلا أن عمرهم كان قصيرًا أكثر مما يعتقد الكثيرون. فى ميدان طلعت حرب بوسط القاهرة، دخلنا إلى مكتبة «مدبولى»، وتحدث إلينا عبدالفتاح السعدنى، الذى يعمل بالمكان منذ 25 عاما، وقال إن سوق الكتب به أكثر من 700 ألف فرع فى مختلف المجالات العلمية والأدبية، وأنهم مهتمون فى الأساس بكتب التراث والتاريخ، بالإضافة إلى اهتمامهم ببيع الرواية والكتب السياسية، وهما أكثر نوعين من الكتب يقبل عليهما القراء، خصوصا بعد ثورة يناير، التى جعلت الناس تتجه لمزيد من قراءة الروايات والكتب السياسية، بعكس ما كان قبل الثورة تحديدا فى عامى 2009 و2010 عندما ازدهر الأدب الساخر، لكن ما حدث فى 25 يناير 2011 أنهى هذا الازدهار سريعا، وكذلك عندما صعد الإخوان إلى الساحة وحصلوا على حكم مصر، ظهرت الكتب الإخوانية والأخرى التى تهاجم الجماعة مثل أعمال القيادى الإخوانى السابق «ثروت الخرباوى» صاحب كتاب «سر المعبد» وزميله «سامح عيد» الذى كتب «تجربتى فى سراديب الإخوان». واستعرض لنا «السعدنى» أبرز الأسماء الشابة التى أخذت البساط من كُتاب كبار، ومنهم: «أحمد مراد، آخر أعماله رواية 1919 - عمرو الجندى، وآخر أعماله مسيا - ومؤمن المحمدى صاحب كتاب الأصنام - ومنسى قنديل الذى كتب الرواية الشهيرة قمر على سمرقند وعصام يوسف - وناصر عراق - ومحمد صادق»، كما أكد موظف مكتبة مدبولى أن شعبية الكاتب يوسف زيدان فى ازدياد مستمر وكثير من المواطنين الخليجيين يفضلونه بسبب تحليلاته وتعمقه ولغته القوية، وكذلك مازال الإقبال جيدا على أعمال المؤرخ «د.وسيم السيسى». بالإضافة لإقبالهم الشديد على كتب الفلسفة والمتعلقة بالذات الإلهية والإلحاد، وشعر «الحلاج»، وكتاب التأويل والشخصية المحمدية، وأعمال د.نصر حامد أبوزيد.. ويؤكد موظف المكتبة أن الإقبال على كتب الإلحاد ازداد بشكل ملحوظ بصعود الإخوان إلى سدة الحكم. وعلى الجانب الآخر يؤكد «السعدنى» أن كتابا كبارا لم يعد الناس يقبلون علي أعمالهم وضعفت شعبيتهم، مثل الروائي علاء الأسواني والذى قال عنه إن مواقفه السياسية وانتماءاته أثرت كثيرا على ثقة الناس فيه، واكتشفوا مؤخرا أنه غير صادق فلم تلق روايته الأخيرة «نادى السيارات» نفس الرواج الذى شهدته أعماله السابقة وأبرزها عمارة يعقوبيان وشيكاغو اللتان لاتزالان تباعان إلى الآن، وكذلك لم يعد كثير من القراء يطلبون أعمال «جمال الغيطانى» و«يوسف القعيد»، معللا ذلك بأنهما لم يعد لديهما ما يقدمانه لقراء هذا العصر، مشيرا إلى أن كثيرا من الناس تنتظر إصدار كتاب جديد للعالم أحمد زويل، مؤكدا أنه بالرغم من المشكلات التى حدثت بسبب قضية جامعة النيل، إلا أن أى كتاب جديد لزويل «هيكسر الدنيا دلوقتى». وعن الكتب العائدة من الحظر قال لنا: إن رواية أولاد حارتنا ل«نجيب محفوظ» أبرز المفرج عنه قبل الثورة بقليل وحدث فيها تعديل بالجزئية المتعلقة بتشبيه النبى محمد «صلي الله عليه وسلم»، وبعد الثورة حدث «انفلات ثقافى»- على حد وصفه- وعادت أكثر من 90٪ من الكتب الممنوعة وأبرزها كتب سيد قطب، أهمها كتاب «معالم فى الطريق»، ولقى إقبالا كبيرا من كل الفئات والأعمار، وكذلك يعد كتاب الشعر الجاهلى ل«طه حسين» أبرز الأعمال المفرج عنها وبيعت نسخ كثيرة منه. التقينا أيضا بالناشر «أحمد سعيد»، صاحب دار نشر ومكتبة الربيع العربى، الذى أكد أن الروائى علاء الأسوانى لم يكن سوى «ظاهرة»- على حد وصفه- وأنه فقد سر «الخلطة» واكتشف الكثيرون أنه ليس بمبدع ولكنه صنايعى استطاع كسب شهرة سريعة ونجومية انطفأت بآخر رواياته «نادى السيارات»، مشيرا إلى أن روايات نجيب محفوظ مازالت حية لأنها إبداع حقيقى.. ويوضح «سعيد» أن ظاهرة «الأسوانى» تكررت مع «بلال فضل» وربما لنفس الأسباب وتحديدا فيما يخص مواقفه السياسية، فتارة يؤيد المجلس العسكرى وأخرى ينحاز للإخوان، وقد انتهت أسطورة «فضل» مؤخرا بعد أن صدر له كتابان فى معرض القاهرة الماضى، ولم يسمع عنهما أحد بعكس السابق، ويشاركهما فى المصير الكاتب الساخر عمر طاهر، والذى انحدر مستواه كثيرا وأصبح الفرق بين بدايته وبين حالته الآن، كالفرق بين الروائى أحمد مراد وكاتب مبتدئ متعثر. أكد أيضا مالك دار الربيع العربى أن الرواية هى صاحبة الحظ الأعظم فى المبيعات، وهذا معتاد، لكن غير المعتاد هو ظهور قراء متحمسين للفلسفة والتاريخ والفكر، والمفاجأة هى كتب الشعر التى زاد الإقبال على شرائها بشكل كبير لم يحدث من قبل، وبعد ثورة يناير ظهر شعراء جدد مثل شاعر العامية مصطفى إبراهيم، وازداد بشكل ملحوظ الإقبال على «الحلاج» وأعمال «صلاح عبدالصبور» والشعر الجاهلى لطه حسين، ومازال القراء يشترون دواوين «جبران خليل جبران» وأعمال «الأبنودى» وصلاح جاهين. ومن وسط القاهرة، إلى وسط الكتب بسور الأزبكية، التقينا فى بداية المشوار بصابر عبده ومحيى الدين ، مالكي إحدى أقدم المكتبات هناك، وعندما سألنا «عبده» عن سوق الكتاب والتغيرات التى طرأت عليه قال إن معظم القراء أصبحوا من المتخصصين والدارسين، وقل عدد المثقفين، وأصبح للكتب مواسم، ففى رمضان تقبل الناس على الكتب الدينية وتفاسير القرآن وكتب الحديث، وفى الصيف يقبل بعض الشباب على القصص والروايات، ويرى «عبده» أن روايات الجيب لا تغذى العقل مثل الكتب الثقافية، وأنها أصبحت قليلة للغاية، لا يوجد الجديد منها، وأن السائد الآن هى روايات الرعب. وعلى نفس الخُطى، قال «محيى الدين» إن القراء أصبحوا يفتقدون للقدوة، فقل عددهم، وضعف حماسهم لمزيد من المعرفة، وفيما يخص أنواع وأسماء الكُتاب التى أصبح يقبل عليهم القراء، قال إن صلاح جاهين ويوسف السباعى ونجيب محفوظ ومذكرات محمد نجيب والجمسى والملك فاروق وباولو كويلهو وإبراهيم الفقى أكثر المطلوبين بين باقى الكتب. «القراء ماتوا من 30 سنة» هكذا افتتح «مصطفى شيحة» صاحب إحدى المكتبات حديثه عندما بدأ النقاش حول حالة الناس والكتاب، وأكد أن السبب هو التجريف الذى جرى بيد الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى فترة حكمه، وأوضح لنا أن المتخصصين فقط هم من يزورون سور الأزبكية، وقليل من المثقفين يحضرون إلى السور الذى أصبح طاردا للقراء المحترمين بعد تردى أوضاعه، وقال أيضا إن أغلب الزبائن يسألونه عن الكتب الفلسفية والأدبية، وبعضهم يحدد سؤاله ويطلب كتبا عن مقارنة الأديان وأعمال د. فرج فودة والتى تعد الأعلى سعرا لقيمتها الثقافية والتاريخية، ومن أمثال الفلاسفة الذين يزيد السؤال عليهم، (ابن رشد- عادل زعيتر- مراد وهبة- زكى نجيب- أفلاطون- سقراط). ومن الأزبكية إلى شارع شريف، حيث باعة يفترشون الأرض بالكتب الجديدة، والتقينا أحدهم الذى قال إن كل الكُتاب الذين كانت لهم انتماءت سياسية قبل 30 يونيو، لم يعد أحد يقرأ لهم مثل فهمى هويدى وعلاء الأسوانى وبلال فضل، وإبراهيم عيسى وغيرهم. ويضيف بائع الكتب، أن القراء لم يعودوا يشترون الكتب الدينية، بعد أن ركز الإعلام على خلط الإخوان السياسة بالدين، كره الناس أى شىء يخص الدين، فامتنعوا عن شراء الكتب الدينية.. وأثناء النقاش لاحظت غلاف كتاب أسود عنوانه «داعش خرائط الدم والدين» للكاتب «محمود الشناوى»، فسألت البائع عنه فقال إن هذا الكتاب وصل إليه ليلة أمس وهذا أول كتاب يصل إليه يتناول قضية داعش، مؤكدا أنها ستكون الموضة السائدة فى سوق الكتاب خلال أيام وستصدر كتب كثيرة تتناول قصة داعش.∎