نائب محافظ كفر الشيخ يشيد بدور المدرسة الرسمية الدولية في بناء جيل المستقبل    نقيب المحامين يحذر من القرارات الفردية في التصعيد بشأن أزمة الرسوم القضائية    اجتماع موسع بين مستثمري العاشر وشركة الكهرباء لبحث أزمة الانقطاعات والفواتير    أحمد فارس: التحالف الإعلامي المصري الصيني ضرورة لصناعة مستقبل مشترك أكثر تأثيرًا وتوازنًا    «درّبته في 2023».. من هو الأمريكي الذى يقول إنه حوّل أحمد الشرع من «جهادي» إلى «رئيس»؟    تشكيل مانشستر سيتي.. مرموش وهالاند يقودان الهجوم أمام بورنموث    النحاس والشناوي يحضران احتفالية الأهلي تحت سفح الأهرامات    بسبب ممارسة الشذوذ.. الإعدام شنقًا لقاتلا صديقهما في الإسكندرية    رانيا ياسين: «إيلون ماسك عايز يعمل فيلم على المريخ.. وإحنا ماسكين في جواب سعاد وحليم»    سفير فرنسا يزور نادي الصيد بالإسكندرية لتعزيز التعاون في مجالي البيئة والثقافة (صور)    هل يجوز الجمع بين الصلوات بسبب ظروف العمل؟.. أمين الفتوى يُجيب (فيديو)    وزير الصحة من جنيف: ملتزمون بتعزيز التصنيع المحلي لبناء مستقبل صحي لأفريقيا    توقيع بروتوكول تعاون لتشغيل مبنى السلطان حسين بالإسكندرية وتحويله إلى مركز للعرض المتحفي والفني    بسمة نبيل تنضم إلى فريق عمل فيلم بنات فاتن    الجامعة العربية ترحب بتعيين كامل إدريس رئيسا للوزراء في السودان    هربوا من الحر فاحتضنتهم الترعة.. نهاية مأساوية لثلاثة أطفال غرقوا بقرية درين في نبروه بالدقهلية    محافظ الإسكندرية: السيسي وجّه بإحياء «أبومينا».. والتطوير يشهد إشادة من اليونسكو    أسماء بنات قوية.. تحمل في معانيها الهيبة والشجاعة    الخطيب يقود حملة لإزالة التعديات على أملاك الدولة بالقليوبية    وزير الدفاع يشهد مشروع مراكز القيادة للمنطقة الغربية    وزير الصحة: ملتزمون بتعزيز التصنيع المحلي للمنتجات الصحية من أجل مستقبل أفضل    الإسكان: تفاصيل طرح سكن لكل المصريين 7 غدا ومميزات المبادرة    بروتوكول تعاون بين جامعة جنوب الوادي وهيئة تنمية الصعيد    القائم بأعمال سفير الهند: هجوم «بهالجام» عمل وحشي.. وعملية «سيندور» استهدفت الإرهابيين    أول رد من بيراميدز على تصريحات سويلم بشأن التلويح بخصم 6 نقاط    اتحاد الكرة يستقر على تغيير ملعب نهائي كأس مصر للسيدات    لتجنب الإصابات.. الزمالك يعيد صيانة ملاعب الناشئين بمقر النادي    غدا.. طرح الجزء الجديد من فيلم "مهمة مستحيلة" في دور العرض المصرية    لابورتا: لامين يامال مشروع نجم مختلف عن ميسي    بآلة حادّة.. شاب يقتل والدته جنوبي قنا    شروع في قتل عامل بسلاح أبيض بحدائق الأهرام    إقبال منخفض على شواطئ الإسكندرية بالتزامن مع بداية امتحانات نهاية العام    عبد المنعم عمارة: عندما كنت وزيرًا للرياضة كانت جميع أندية الدوري جماهيرية    مشاهدة مباراة الأهلي والزمالك بث مباشر اليوم في نصف نهائي دوري سوبر السلة    المشرف على "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" تستقبل وفدًا من منظمة هيئة إنقاذ الطفولة    «الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية» يوضح مواصفات الحجر الأسود؟    «زهور نسجية».. معرض فني بكلية التربية النوعية بجامعة أسيوط    خالد عبدالغفار يبحث تعزيز التعاون مع وزيري صحة لاتفيا وأوكرانيا    رئيس جامعة أسيوط يتابع امتحانات الفصل الدراسي الثاني ويطمئن على الطلاب    طريقة عمل البصارة أرخص وجبة وقيمتها الغذائية عالية    تشديد للوكلاء ومستوردي السيارات الكهربائية على الالتزام بالبروتوكول الأوروبي    محافظ بورسعيد: المحافظة ظلمت بسبب إدراجها ضمن المدن الحضرية    5 فرص عمل للمصريين في مجال دباغة الجلود بالأردن (شروط التقديم)    شقق متوسطى الدخل هتنزل بكرة بالتقسيط على 20 سنة.. ومقدم 100 ألف جنيه    مهرجان كان يمنح دينزل واشنطن السعفة الذهبية بشكل مفاجئ |صور    محافظة القدس تحذر من دعوات منظمات «الهيكل» المتطرفة لاقتحام المسجد الأقصى    ب48 مصنعاً.. وزير الزراعة: توطين صناعة المبيدات أصبح ضرورة تفرضها التحديات الاقتصادية العالمية    الإفتاء توضح فضل صيام التسع الأوائل من ذي الحجة.. وغرة الشهر فلكيًا    استمارة التقدم على وظائف المدارس المصرية اليابانية للعام الدراسى 2026    بعد دخول قائد الطائرة الحمام وإغماء مساعده.. رحلة جوية تحلق بدون طيار ل10 دقائق    حكومة بلجيكا تتفق على موقفها بشأن الوضع في قطاع غزة    "أونروا": المنظمات الأممية ستتولى توزيع المساعدات الإنسانية في غزة    جامعة سوهاج تعلن انطلاق الدورة الرابعة لجائزة التميز الحكومى العربى 2025    المغرب: حل الدولتين الأفق الوحيد لتسوية القضية الفلسطينية    هل يجوز الحج عمن مات مستطيعًا للعبادة؟.. دار الإفتاء تُجيب    ماذا تفعل المرأة إذا جاءها الحيض أثناء الحج؟.. أمينة الفتوى ترُد    الحبس 3 سنوات لعاطلين في سرقة مشغولات ذهبية من شقة بمصر الجديدة    عاجل- الصحة العالمية تُعلن خلو مصر من انتقال جميع طفيليات الملاريا البشرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غراميات الفاجومى وصافيناز فى سجن القناطر

يا سبحان الله فى سجن القناطر كان العبد لله موعودا مع أحداث وحكايات وغرائب لو كانت موسوعة جينس موجودة على أيامى لأصبحت أحد أعلامها، فقد حدث ذات يوم أن حل الشاعر الشهير أحمد فؤاد نجم ومعه توأم كفاحه الشيخ إمام فى سجن الرجال ومتى ؟! فى نفس التوقيت الذى كانت فيه صافيناز كاظم متواجدة فى سجن النساء وهى مصادفة نادرة الحدوث.. ولا يخفى على أحد أن أحمد فؤاد نجم ومعه الشيخ إمام كانا فى هذا التوقيت بمثابة أحزاب المعارضة وصحفها، حيث لم يكن فى حياتنا السياسية مسموحاً غير بالتنظيم الواحد وهو الاتحاد الاشتراكى العربى، والرجل الواحد الذى هو رئيس الجمهورية.
فإذا قدر لك أن تغرد خارج سرب الحزب الواحد أو أن تقف فى وجه الرجل الواحد فإن المكان الوحيد الذى سوف تجد فيه كل المراحب الحارة لأفكارك هو السجن أو المعتقل، ولذلك كان أحمد فؤاد نجم ضيفا دائما على السجون فى هذه المرحلة، فقد كانت أشعاره هى الوقود الذى يحرك القوة الكامنة فى الطلبة داخل الجامعات المصرية، وعندما اقتربت من الرجل اكتشفت أن سر عظمته تكمن فى البساطة التى كان يعيش عليها فهو لا يطلب من الدنيا أى متاع ولا يرغب فى أى مكسب شخصى ولا يبحث عن بقعة ضوء ولا يشغله الاقتراب من السلطان.. حاولت أن أتودد إليه وأن أقترب منه، ولكنى وجدته عازفا عن الأمر مفضلا أن يواجه ما سوف يلاقيه داخل السجون منفردا وعلل الأمر قائلا:
أنا باللغة اللى انتوا تفهموها.. حبسجى.. خلاص أخدت على السجن وأعرف أتصرف كويس قوى لوحدى من غير ما أطلب خدمة من حد ومن غير ما حد يعرض علىّ خدماته بالعكس.. ده أنا المفروض اللى أخدمك هنا.. اعتذرت للفنان والشاعر وقررت أن أنسحب فى هدوء.. ولكنه أدرك بعد وقت قصير أنه ربما يكون قد عاملنى ببعض الجفاء.. وهنا وجدته يحاول أن يصحح الأمور فكان كلما التقانى قابلنى بود زائد وأخذ يحكى عن مغامراته مع الحكومات المختلفة فى ظل العهود المختلفة لناصر والسادات.
وكان يؤكد لى أن السجون أكلت بالفعل من جسمه طبقات وأنه فى سجن القناطر الخيرية يمضى نزهة أو فترة استجمام، وهنا بدت علامات الدهشة تكسو ملامح وجهى.. وعلى الفور بادرنى قائلاً:
ما تندهش كده أوى.. وسألنى: أنت خدمت فى معتقلات أيام عبدالناصر.. فأجبته بأننى خدمت فى سجن طرة فقط قبل أن أنتقل إلى القناطر الخيرية، فرد قائلا : يبقى عمرك ما ح تعرف الفرق، بس فى يوم من الأيام أنا لازم ح أسطر كل اللى جرى لى مع الناس اللى ربنا خلقهم والرحمة انتزعت من قلوبهم لازم أفضحهم فى يوم من الأيام، وهنا دعوت له بأن يطيل الله فى عمره ليسجل هذه المذكرات التى سيكون لها شأن بالتأكيد فى حياتنا الأدبية والسياسية.. ومرة أخرى سألته: تؤمر بأى شىء.. فأجاب بالنفى قائلا :
لا.. ماتخافش علىّ!!
ومرت الأيام هادئة لم يعكر صفوها شىء سوى حادث يتيم، ولكنه من الحوادث التى يمكن أن تسبب مشكلات خطيرة لإدارة السجن، ففى أحد الأيام وكان أحمد فؤاد نجم نزيلا بسجن الرجال بينما زوجته صافيناز كاظم تحل بسجن النساء، تم ضبط رسالة مختصرة جدا موجهة من السيدة صافيناز إلى زوجها أحمد فؤاد نجم تطمئن فيها على أحواله الصحية وما يواجهه من متاعب أو مشكلات داخل السجن وفى نهاية الورقة الصغيرة ملحوظة صغيرة.. «برجاء إرسال الرد مع حامله»!!
وكانت التعليمات فى هذا الشأن حاسمة.. ففى أول لقاء مع أى مسجون سياسى يتم إعلانه بالمحظورات.. فمثلا عندما جاء الكاتب الصحفى محمود السعدنى إلى سجن القناطر الخيرية ليستكمل عقوبة السجن عامين بسبب اشتراكه فيما سمى بمراكز القوى التى انتهت بمحاولة قلب نظام حكم الرئيس السادات.. تم التحذير والتنبيه على جميع أفراد الحراسة من ضباط وعساكر بمنع وصول أى أوراق إلى المحبوس وتم تكليفى بتوصيل هذا التحذير إلى السعدنى.. وتقبل الرجل الأمر.. ولأن أحمد فؤاد كان (حبسجى) على حد قوله فقد كان يعلم بأن الورقة والقلم من المحظورات داخل السجن.
وفوق ذلك فقد كانت التعليمات صريحة وحاسمة فيما يخص أى تواصل من أى نوع بين المحبوسات أو المعتقلات من الطالبات فى سجن النساء والشباب الجامعيين فى سجن الرجال وقد اتخذنا بالفعل احتياطات صارمة لمنع أى اتصال بين الجانبين إلا أننا وجدنا هذه الرسالة التى تسربت من سجن النساء إلى سجن الرجال وفتح تحقيق فى كيفية وصول الأوراق والأقلام إلى صافيناز كاظم ثم فى طريقة وصول الورقة إلى سجن الرجال، حيث كان مفترضا أن يتسلمها زوجها الشاعر الكبير..
وفى التحقيق الذى توليته مع أحمد فؤاد نجم كان الرجل هادئا جدا وأعصابه من حديد وأحسست أنه بالفعل كما قال سابقا فى نزهة فقد كان يتكلم بثقة زائدة عن الحد وبدلا من أن يجيب على السؤال تحول إلى وكيل للنيابة أو جهة للتحقيق فإذا به يسألنى أين وجدتم هذه الرسالة ومع مَنْ.. لابد أن أعرف من الذى حملها وأن تجرى معه تحقيقا وأمامى.
لأننى أشكك فى الخط المكتوب به هذه الورقة فهذا ليس خط زوجتى كما أنها اعتادت التوقيع بطريقة مختلفة تماما عما هو موجود فى هذه الورقة، ولذلك أنا أتهم إدارة السجن بأنها دست هذه الورقة للإيقاع بنا.
فسألت الأستاذ نجم : أنت تتهمنا بأننا زوّرنا هذه الورقة.. قال : أنا لم أتهم أحدا ولكن أؤكد أن الورقة مدسوسة.. قلت له: وما دليلك؟
قال وهو يشير إلى إمضاء زوجته:
الاسم مكتوب إزاى.. صافيناز.. وهذه ليست طريقة زوجتى فى كتابة اسمها
فهى تكتب اسمها بدون ألف المد الأول أى صفيناز.
والحق أقول إننى وجدت فى تبرير نجم مخرجا لهذه الورطة التى لا أدرى كيف وصلت إلى رؤسائى وعلمت بعد ذلك أن أحد المسجونين.. قد شاهد أحمد فؤاد نجم وهو يتسلم الورقة وعندما هم بكتابة الرد..سارع المسجون للإبلاغ عن الأمر ظنا منه أنه بهذه الطريقة يستطيع أن يقترب من المأمور والضابط ويكتسب ثقتهم ولكننى كتبت فى التقرير دفاع نجم عن نفسه وأكدت أنه بالتحرى عن الأمر ثبت بالفعل كيدية البلاغ..
ويومها تأكدت أن أحمد فؤاد نجم صاحب تجربة عميقة بالفعل وأنه رجل لم يترك الأحداث والظروف تمر به مرور الكرام، ولكنه استفاد من هذه التجارب وخبر الحياة داخل السجون والمعتقلات وأنه وكما يقول المثل الشعبى استطاع أن يخرج من موضوع تسريب خطاب من سجن النساء إلى سجن الرجال كما الشعرة من العجين وأوجد لنا نحن الضباط المسئولين عن كل صغيرة وكبيرة المخرج من سين وجيم ووجدته ذات مساء وكان مزاجه «رايق» وأحواله النفسية فى أحسن حالاتها.. نظر إلىّ وضحك من أعماقه ولا أدرى لماذا انطلق فيروس الضحك إلى شخصى الضعيف فشاركته فى نفس القهقهة وقال : طيب أنا بأضحك على سبب إنما أنت بتضحك ليه؟.. قلت له : نفس السبب.. فأجاب : تصدق أنت تبقى مليونير بدماغك لو قلت لى أنا بأضحك ليه؟!
فقلت له على الفور: لأنك بمعلمة أنهيت الموضوع وقلبته رأسا على عقب.. فرد يقول: لأ ومش كده وبس سعادتك كل ما تقابلنى.. تقولى أى خدمة.. تحت أمرك.. أطلب أى شىء.. وفى الآخر.. أنا اللى خدمتك!!
نظرت للشاعر الكبير.. وقلت : والله معاك حق أنت فعلا قدمت لنا خدمة كبيرة تستحق عليها الشكر والتحية.. وهنا وضع أحمد فؤاد يده داخل أذنه وكأنه يسلك ماسورة مسدودة.. وقال: على فكرة أنت من الناس اللى (الذاكرة) لازم تحفظهم يا محسن بيه..
ومرت أيام قليلة وتم الإفراج عن أحمد فؤاد نجم ومعه الشيخ إمام وشهدت مصر أحداثا لا حصر لها من أول نصر أكتوبر ثم الانفتاح الاقتصادى والمنابر والاتجاه بعنف أو قل لو شئت الدقة الارتماء فى أحضان المعسكر الغربى وعلى رأسه الولايات المتحدة، وكنت أتابع كلمات نجم ومعه الشيخ إمام ورحلاتهما إلى العالم العربى وإلى باريس، ومات السادات وجاء مبارك وتغيرت أشياء وأصبحت مساعدًا لوزير الداخلية لشرطة النجدة وأثناء تواجدى ذات يوم فى مكتبى فى الفترة المسائية رن جرس التليفون وإذا بنفس الصوت وذات النبرات وجدت على الجانب الآخر أحمد فؤاد نجم وهو يقول لى:
أنا مش قلت لك أنت من الناس اللى لازم (الذاكرة) تحفظهم يا محسن بيه ودخلنا فى فاصل من الذكريات وتبادلنا الأشواق والسلامات، وحكى لى عن أحواله وأنه انتقل إلى السكن فى المقطم وسألنى إذا ما كنت قد اشتقت للعودة للخدمة فى السجون ذلك لأنه اشتاق هو الآخر للعودة إلى هناك.. ثم بادرنى بسؤال غريب، وقال: أنت لسه عندك حبايب فى المصلحة؟
فقلت: خايف أقولك.. أى خدمة.. تزعل منى تانى فضحك من قلبه وقال.. أنا فعلا المرة دى عاوز خدمة، قلت أؤمر.. قال: فيه ولد اسمه مختار (القص) خريج سجون قديم ولد ابن بلد وشهم بس دماغه راكبة شمال إذا حاجة عصلجت معاه بيفكر فى الغلط ما بيستعملش مخه.. عضلاته أقرب للتفاهم من عقله وهو طالب أى شغلانة شريفة ياكل منها عيش. فقلت له: طيب وعاوز إيه من المصلحة.. قال على الفور: الشهادة.. حسن السير والسلوك.. ثم أضاف: أنا ح أبعتهولك ومعاه ورقة منى بس خليك على حذر منه وطول بالك معاه لأنه لما حد بيستفزه بيبقى خطر جدا وهو بيفكر يعمل أى حاجة ترجعه السجن تانى لأنه مبسوط هناك.. على الأقل فيه (متوى) و(مأكل) و(هدمة) وكله بلوشى، وفوق ده هو بيشتغل فى السجن وبيكسب كويس وبيلاقى كيفه كمان.
وعدت الرجل خيرا وإن كنت أعلم تمامًا أن الشخصية التى طلب منى مساعدتها شخصية استثنائية فمختار القص معتاد إجرام وهو يمارس البلطجة وفرض الإتاوات داخل السجن وهو مسجل شقى خطر من الفئة بالغة الخطورة.. فقد دخل السجن بعد أن حكم عليه فى عدة قضايا: تعدى على الغير وإحداث عاهة وسرقات بالإكراه وقد أمضى داخل السجن فترة طويلة جدا من عمره وتأقلم على الحياة داخله وانقطعت كل صلته بالمجتمع خارج السجن حتى أقاربه لم يعد أحد منهم يزوره أو يرسل إليه الملبس أو المأكل وكان يقوم بتحصيل الأموال والسجائر بالقوة من المساجين ويقوم برشوة الحراس وتطور عمله داخل السجن وممارساته إلى أنه صنع من علب السجائر الكليوباترا العلبة القديمة الكارتون صنع منها كوتشينة وأدار حلقات للقمار بين المساجين.
وفرض نسبة من الأرباح لنفسه من الخاسر والرابح معا، وبالطبع قام بترويج المخدرات والحبوب بين النزلاء.. وأثناء خدمتى تم عرض تقرير عن حالة هذا السجين بالذات وقررت أن أتخذ معه أعنف درجات المواجهة والتى تبيحها لى صلاحياتى وذلك بأن أضعه فى حجرة أو زنزانة انفرادية لا يخرج منها السجين الخطر إلا تحت حراسة شديدة مع القيام بتفتيشه بشكل دورى وعزله تمامًا عن باقى السجناء وكان القانون يبيح لى إيداعه فى هذا الوضع لمدة شهرين قابلة للتجديد.
وكانت عملية التنفيذ هى الخطوة الأكثر خطورة.. ولذلك فقد قررت أن أبدأ المهمة بعد عودة المساجين من ورش العمل وغلق جميع الزنازين تجنبا لتعاطف صبيانه والمتعاطفين معه والمستفيدين منه وتوجهت ومعى قوة مختارة بعناية ودخلنا عليه فى العنبر المحبوس فيه وسط مجموعة من زملائه فى العنبر وحذرناهم من أى تصرف وتمت السيطرة عليه وتم اقتياده إلى الزنزانة الانفرادية.
بالطبع قام مختار القص طوال الطريق بسب المأمور ونائبه ولجميع ضباط إدارة السجن ولشخصى وللحراس الذين أمسكوا به وتوعدنا جميعا بالقتل ونالنى تهديد خاص فقد أقسم بشرف الست الوالدة أنه سوف يصفى لى عينى لأصبح (قص) مثله مش إجرام ولا فتونة ولكن محبة.. بصراحة ضحكت لتهديد مختار القص وحذرته بأن أمامه شهرين فى العزل ولو أنه مضى على نفس هذا السلوك فسوف تجدد المدة وافعتل القص بعد ثلاثة أسابيع قصة وهمية بأن هناك ثعبانا فى الزنزانة وأنه سيقتله إذا لم تفتح عليه الزنزانة.
ولا أدرى كيف ابتلع الحارس الطعم ولكنه فتح عليه الباب وبمجرد أن خرج وضع (نصله) وهو سلاح يقوم عتاة المساجين بصنعه من قاعدة جردل البول وهى أمضى وأحد من المطواة قرن الغزال وسحب الحارس إلى العنابر وخرج جميع من فى العنابر وعددهم 003 سجين وهم يهللون للقص الذى تحدى إدارة السجن وانتصر عليها واتخذ من حارسه رهينة لديه وقام أمام هذه الحشود المتعطشة للتمرد وأمام العقل الجمعى الباحث عن بطل أسطورى داخل السجن أقول قام بتمزيق جسد حارسه ثم أعلنها بأعلى صوت فين قائد العنبر إللى عامل راجل وسط حراسه ولو راجل بصحيح.. يجى هنا ويقابلنى راجل لراجل.
ثم هتف بأعلى صوته: يا محسن يا سرساوى.. ومن خلفه ال 003 مسجون.. يا محسن يا سرساوى وكاد الأمر يتحول بالفعل إلى كارثة وكان لابد من المواجهة.. ذهبت إلى هناك وتبعنى عدد من الحراس، ولكنى أمرتهم أن يبتعدوا ويتركونى وشأنى وتقدمت بخطوات ثابتة وأنا أنظر أمامى دون أن أتوجه بنظرى إلى أى مخلوق وكنت أدعو المولى عز وجل أن يثبت أقدامى ويلهمنى الصواب، وبالفعل كنت أتقدم وأنا أصعد السلم لمواجهة القص الممسك بالنصلة ولكن المساجين توقفوا عن الصياح بمجرد أن اقتربت منهم ولم أنظر إلى أحد منهم ولكننى ركزت نظراتى كلها على (القص) وهو يدعونى للمنازلة، لم أفتح فمى بكلمة واحدة كل ما كانت أفكر فيه السيطرة عليه ذلك لأنه لا مفر من المواجهة، صحيح هو يمسك بنصله وأنا لو استعنت بأى سلاح حتى ولو عصى سوف أخسر كثيرا من رصيدى لدى هؤلاء المساجين والعساكر فقد يتعاطف معه بعض المساجين.
ويتحول السجن إلى ساحة للقتال ويخرج الأمر عن السيطرة لذلك فكرت فى أننى لو واجهت القص وأنا أعزل بغير سلاح سوف أكسب تعاطف البعض بل ربما يفقد القص تعاطف حتى صبيانه والمستفيدين منه باعتبار أنه ليس من الرجولة التى يدعونى إليها مبارزا أن يتسلح هو بنصله بينما أكون أنا فى موقف المبارز الأعزل وبالفعل نجحت الخطة فتقدمت إلى الحارس المسكين الذى غرق فى دمائه وقلت: أمن الرجولة أن نعتدى على رجل فى هذه السن بكل هذه الوحشية؟!
وكان الحارس كبير السن بعض الشىء وصمت الجميع.. ونظرت إلى القص وأنا أقول - وكان لى من العمر أيامها 72 عاما - نحن فى سن متقارب وأتحداك ومعك النصلة أن تنال منى وتقدمت فى خطوات سريعة وإذا ببعض الأصوات ترتفع : ارجع يا محسن بيه، ده قتّال قُتلة ح يموتك.. ولم أعر هذه الكلمات أى اهتمام.
ومضيت فى سرعة جنونية نحو (القص) الذى ارتبك واندهش وهو يحدث نفسه بالتأكيد.. من أين أتى هذا الضابط بكل هذه الجرأة والقوة فإذا به يلقى بالنصلة ويفر هاربا وسط الجموع، والغريب أن هذه الجموع التى كانت منذ عدة دقائق قليلة هى التى تهتف للقص وتنتظر أن يكون بطلها الذى سيقضى على قائد عنبر السجن هم أنفسهم الذين أمسكوا به أمطروه على وجهه وقفاه وركلا بالشلاليت ولم ينقذه من مصير أسود سوى (العبد الله) وأخذته من يده وسط هذا المسرح الكبير وسط تصفيق حار من المساجين والحراس ولم يفتح فمه بكلمة واحدة وحمل الحراس زميلهم وذهبوا به المستشفى وتم إبلاغ النيابة بالأمر، وأضيفت جريمة جديدة للقص ضمن بها البقاء داخل الأسوار لأطول فترة ممكنة !!
وبالطبع لم يكن أحمد فؤاد نجم على علم بهذه الواقعة ولم يقم القص برواية ما جرى بينى وبينه لأحمد فؤاد نجم لذلك رفض أن يأتى لمقابلتى وحدث أنه توجه إلى مديرية الشئون الاجتماعية وهى الجهة المختصة برعاية المساجين المفرج عنهم والبحث لهم عن وظائف تناسب قدراتهم لكى تعيد تأهيلهم مرة أخرى للاندماج فى المجتمع ولكن مختار القص انتظر كثيرا خارج مكتب السيدة مديرة الشئون الاجتماعية وفجأة انتابته ثورة غضب فأخرج مطواته من طيات ملابسه وهنا لم يستطع أحد أن يعترضه واقتحم مكتب المديرة وهو يسب سنسفيل جدودها، هى وكل من فى المديرية واتجه إليها فهرب كل من كانوا فى مكتبها وانتابت السيدة لحظة فزع ورعب رهيبين واستسلمت تماما فلم تهرب ولم تستطع أن تدفع الشر عن نفسها وسدد إليها طعنات نافذة فى كل أنحاء جسدها أدت إلى مقتلها.
وبالطبع لم يكن القص مؤهلا على الإطلاق للعودة إلى الحياة المدنية والحياة وسط الناس والتعامل معهم والعمل إلى جانبهم، وهكذا عاد من جديد إلى البيئة الوحيدة التى يمكن فيها أن يتنفس ويتنسم الإجرام يومها.. اتصلت بالعم أحمد فؤاد نجم وكان الضحك هذه المرة من نصيبى وقال الرجل: والله معاك حق.. بس ربنا سلم ولطف وستر وكانت هذه المكالمة هى آخر حديث جرى بين الشاعر الجميل وبين العبد لله!!∎


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.