نظرًا لأننى أقيم بصفة دائمة فى مساكن أسر الضباط بمنطقة سجون القناطر الخيرية فقد تم تكليفى بالعمل مأمورًا لسجن النساء، وذلك فى حال قيام المأمور الأصلى المقدم إبراهيم بإجازة أو مهمة تقتضى غيابه عن محل عمله، ويا سبحان الله فى كل مرة كان يغيب فيها المقدم إبراهيم كنت أجد نفسى أمام أحداث جسام فى سجن القناطر للنساء، وقبل أن أستعرض هذه الأحداث فإنه ينبغى أن أطلع القارئ الكريم على طبيعة مهمة مأمور سجن النساء التى تبدو للسامعين سهلة يسيرة لأن طبيعة بنات حواء غير عنيفة، فأنت مثلاً لن تجد سيدة يمكن أن تغضب أو تثور فتستخدم عضلاتها أو تلجأ لسلاح أبيض أو تعتدى على سجانتها أو ضابطة أو مشرفة من إدارة السجن. ولكن بحكم التجربة تبين لى أن لبنات حواء دائمًا أسلحة فتاكة أمضي من المطواة قرن الغزال وأشد فتكًا من عضلات شجيع السيما، إننى أتحدث عن كيد النساء وما أدراك ما كيد النساء، وبفضل تجربة عريضة مع سجن النساء فى منطقة سجون القناطر أستطيع أن أقر وأعترف وأبصم بالعشرة أن كيدهن عظيم، فهناك عالم آخر خلف الأسوار فيه الكبار وأصحاب النفوذ وأصحاب الفلوس وأيضًا أصحاب الحاجة، وأى واحدة ست من أصحاب النفوذ الحقيقى داخل السجن تستطيع أن تسبب كوارث حقيقية للمأمور، أحيانًا قد تطيح بمستقبله الوظيفى، ولكن فى أحيان أخرى وهنا الخطر الحقيقى فإن ملاعيب النساء داخل السجن قد تنال من سمعة المأمور، ولأن ما يبقى للإنسان حيًا هو السيرة الطيبة، فقد نجانى المولى عز وجل من كيد نساء سجن القناطر وقد اكتشفت أن هناك اختبارا يجرى على كل مأمور يتكون من ثلاث مراحل، ولكن قبل الحديث عن اختبارات المأمور، ينبغى أن أعود إلى دراسة طبية ودقيقة اطلعت عليها وهى بمثابة مؤشر خطير لارتفاع معدل جرائم بعينها داخل المجتمع المصرى، هذه الدراسة تشير إلى أن أعلى نسبة جرائم بين النساء هى جرائم الآداب والمخدرات وبعدها السرقة والنشل، وفى المؤخرة تأتى وبنسب قليلة جدًا جرائم القتل والضرب والإضرار بالمال العام والتخابر، وقد تبين أن 75٪ من السجينات وقعن ضحية لجرائم الآداب والمخدرات والمال عمومًا لأسباب تتعلق بخلل اجتماعى رهيب نتج عن غياب دور الوالد أو الزوج أو الأخ، وأن أغلب المجرمات من شريحة اجتماعية أهملت الدولة المصرية فى رعايتها ومد يد العون لها، خصوصًا بعد أن تخلت الدولة عن النهج الاشتراكى، وهناك شىء أخير لابد أن نلقى عليه الضوء وهو المكان المخصص لنزول السجينات، حيث يقوم بالإشراف الكامل عليه طاقم إدارى مكون من السيدات العاملات فى مصلحة السجون سواء المشرفات أو «الضباط» وأيضًا السجانات برتب مختلفة «صف ضباط»، وفى إدارة سجن النساء هناك 3 رجال فقط لا غير الأول هو المأمور ومعه رقيب البوابة والأخير كاتب أول السجن، ولا يستطيع المأمور أن يقوم بزيارة مفاجئة لسجن النساء أيًا كانت الأسباب ولا حتى يتفقد سير العمل فى مرافق السجن.. هو فقط يستطيع أن يفعل ذلك بعد أن تقوم المشرفة بإعلان السجينات بهذا الأمر، ولابد أن ترافقه المشرفة «الضابط» أثناء جولته حتى تصحبه إلى خارج السجن، وأعود إلى عملية الاختبار ومراحلها الثلاث والتى يجب أن تجرى على أتخن مأمور فى سجن القناطر فلا استثناء لأحد منها وهذا الاختبار تجريه السجينات من أصحاب النفوذ الرهيب داخل السجن على الزميلات، وبالطبع يهم هؤلاء أن يمتد نفوذهن إلى أكبر رأس فى السجن وهو المأمور شخصيًا، ولو حدث هذا فإن السجن بأكمله يتحول إلى عزبة إلى هؤلاء السيدات وأصحاب المال اللائى دائمًا يبحثن عن نفوذ فى كل مكان ولا يستثنى من ذلك حتى السجن، ولا أخفى على حضراتكم أن الجهاز الإدارى فى بعض السجون لا يخلو من وجود قلة منحرفة، فهذا هو حال الحياة فى كل مكان وكل موقع، فالحاجة دائمًا ما تجبر الإنسان على أن يقبل بأشياء هو شخصيًا موجود من أجل أن يرفضها بل من أجل أن يمنع حدوثها، وقد كان الاختبار الأول عبارة عن طلب ملح ومهم ولأمر خطير لمقابلة المأمور شخصيًا، وتكتشف بدون حاجة إلى فكاكة أو نباهة بأن وراء هذا الطلب تجار الكيف، وبذكاء يحسدن عليه، تطلب السيدة صاحبة طلب مقابلة المأمور، أن يرشح لها شخصًا من الإدارة أيًا كان موقعه داخل السجن بشرط أن يكون فى حاجة ماسة إلى مساعدة مادية، فإذا أبدى المأمور قبولاً فإنها تبدأ فى كشف بعض أوراقها فتحدد المبالغ المخصصة لعمل «الخير» والتى تعتبرها زكاة عن أرباحها من أعمالها فى «الخير» أيضًا.. ثم تستعرض هذه الإمكانيات من ورش لتصنيع أثاث المنزل إلى شركات مقاولات إلى أموال سائلة وفجأة تجد الإغراءات تتوالى، إحنا على استعداد نمول أى أفراح ونفرش عفش البيت للأولاد لو هيتجوزوا، وسعادتك والله إحنا بنقول الله يكون فى عونك وأنت وزمايلك فى الغلا ده، وحياة النبى إحنا مستعدين لأى حاجة حتة أرض.. نبنى بيت.. اللى تؤمروا بيه، وإلى هنا ينتهى الاختبار الأول أو المرحلة الأولى من جس النبض فإذا قوبل بالرفض فإن طابورًا آخر يستعد للهجوم من خلال ثغرة.. والطابور الثانى هو تابع لسجينات الآداب فيتم اختيار سيدة فائقة الجمال تذهب بنفسها المقابلة وهى تراقب عينيه ومسلكه معها وبالطبع هذه السيدة تعرف طبيعة وأسرار عملها جيد جدًا وهى تستطيع بنظرة أن تحدد ما إذا كان المأمور من النوع الذى يسيل لعابه لهذا الإغراء أم لا، وهى تدعى الغلب وأنها لا تملك من حطام الدنيا أى شىء حتى الجلابية التى ترتديها مقطعة.. والغريب أن كل الأماكن المقطعة من جلابيتها هى عند الأماكن الحساسة فقط لا غير.. وترمى الست أوراقها كاملة بعد ذلك فهى تقوم بعرض دعوة مفتوحة للسهر فى أرقى فنادق البلد من أجل المتعة والفرفشة و«الذى منه»، بالإضافة إلى السفر إلى أفخم المنتجعات السياحية من أجل الاسترخاء بعد رحلة المعاناة التى تلقاها المسئول فى السجن، فإذا استطاع المأمور أن يجتاز هاتين العقبتين فإن أمامه عقبة ثالثة وهى الأكثر تعقيدًا لأن معظم من عملوا فى هذا المنصب عبروا وبسلام الفخاخ الأولى، ولكن السجينات هنا يقررن الانتقام وبالطريقة التى تحلو لهن فتتم الدعوة إلى تمرد وعصيان على إدارة السجن وإحداث حالة من الارتباك سواء فى ساعات التريض أو حتى فى ساعات الحبس وهذا الاختبار يتم من خلاله معرفة قدرة المأمور على الضبط والربط وإحلال النظام داخل السجن وسيطرته على الإدارة وعلى السجينات، فإذا نجح فى هذا الاختبار الأخير أصبحت الأمور تسير فى وضعها الصحيح وبعون الله وتوفيقه استطعت عبور هذه الصعاب، وهنا لابد أن أذكر دور بنت من بنات مصر اللى الواحدة منهن بألف رجل، هذه البنت اسمها سكينة من الصعيد، كانت سكينة هى طوق النجاة بالنسبة لى.. فهى بنت من صعيد مصر حدث أن البوليس ضبط أشقاءها الثلاثة وكانوا رجالا فى شدة القوة واليقظة ولكنهم سقطوا بعد جهود مضنية من رجال مكتب مكافحة المخدرات، ولكن هذه البنت التى لم يتعد عمرها ال20 عاما وقفت بكل قوة وثبات وقالت البضاعة دى «تلزمنى» ليس لأخوتى أى دخل بها، أنا التى أتاجر بالمخدرات، وهم لا يعلمون بأمر هذه التجارة، وبالفعل «شالت» البنت القضية وكانت تلقى كل احترام من الجميع، لأنك داخل السجن تحكى قصتك للزملاء وتقول الحقيقة بدون تزويق ولا رتوش، وقد استطاعت هذه الفتاة التى ضحت بنفسها من أجل أشقائها أن تلقى كل تعاطف من الجميع، وفى لحظة الاختبار إياها والتى كان على أن أقاومها فى كل مرة أدخل فيها سجن النساء، وبالمناسبة هناك سيدة تقوم بدور «النوباتشى» لخدمة المأمور وفى كل مرة تتغير هذه السيدة، فمرة يتم الدفع بها من قبل تاجرة مخدرات أو رئيسة شبكة آداب من المسجونات أو أى صاحبة نفوذ، ولكن البنت الطيبة الودودة سكينة هى التى تطوعت لكى تقوم بمهمة «النوباتشى» وكانت على درجة فائقة من الذكاء، فكانت تمنع عني مثل هؤلاء السيدات اللاتى أغراضهن خبيثة وحدث بعد أن أكملت هذه الفتاة داخل السجن 15 عاما بالتمام والكمال أن نالت حريتها بفضل حسن سيرها وسلوكها، ولكنها عندما خرجت إلى الحياة كان كل أشقائها قد غادروا الدنيا، ولذلك قامت إحدى الضابطات وهى السيدة الفاضلة نوال غبريال وهى سيدة قبطية برعاية سكينة «المسلمة» وفتحت لها بيتها وعاشت مع أسرتها الصغيرة، فى تلك الأيام التى لم نكن نسمع فيها بمسلم وقبطى أو نشهد فيها كل هذه السخافات التى نستمع إليها الآن، المهم أنه فى ذات يوم غاب المقدم إبراهيم وتم استدعائى، وفى اليوم التالى مباشرة وجدت أمامى أكثر من 150 طالبا وطالبة تم اعتقالهم ومطلوب توزيعهم بين سجني الرجال والنساء، وعلمت أن الواقعة حدثت عندما بدأ خطاب الرئيس السادات والذى برر فيه عدم إمكانية تحرير الأرض بسبب قيام الحرب الباكستانية الهندية، وأن عام الحسم لن يكون 1972،بل إن هذا العام هو عام الضباب لعدم وضوح الرؤية بالنسبة للقوى العالمية والاتحاد السوفيتى، وأمريكا وأن العالم لن يحتمل حربين كبيرتين. ∎ بالنسبة لتحديد المسار العالمى.. وبعد الخطاب مباشرة حدث هياج بين طلاب الجامعات وتناولوا خطاب الرئيس بسخرية، فأطلقوا على العام.. عام الضباب وبدأ الطلبة فى التصعيد، فتم توجيه أحمد كمال أبوالمجد للقاء الطلاب فى الجامعة، ولكنهم قابلوا هذا المسئول الرفيع بالهتاف ضد الدولة والحكومة، والرئيس قوبل بعاصفة من الرفض والصفير، فلم يمنحوه فرصة للحديث، وكادت الأمور تنفلت، وحدث أن تدخلت قوات الأمن ووقعت اشتباكات عنيفة تم على أثرها القبض على هذا العدد الهائل من الطلاب. ∎ سجينات جدد وبالطبع كان لابد أن أقوم بمهمتى واستعرضت الأسماء واكتشفت أن البنات طالبات هندسة وطب وعلوم وحقوق واقتصاد وآداب، وبصراحة نحن فى سجن القناطر لم نعتد على قبول مثل هذه النوعيات من السجينات، كما استعرضنا قبل ذلك عتاة المجرمين، وبينى وبين نفسى كنت أتساءل كيف يمكن للسجانات وهن بهذه الغلاظة والعنف أن يتعاملن مع سجينات رأى وطالبات جامعة، وهالنى أن أجد إحدى الطالبات وهى جارة لشقيقتى الصغرى، وهى السيدة سحر الصاوى وسط معتقلات الرأى، وفوق ذلك اكتشفت أن صافيناز كاظم أيضا موجودة وهى زوجة شاعر العامية أحمد فؤاد نجم، ولكن ما جعلنى أكثر إشفاقا هى حالة الحمل التى كانت تشير إلى أنها فى الشهور الأخيرة، ولا يوجد لدينا أى إمكانيات لتوفير رعاية لمعتقلة فى هكذا وضع، وتجولت ببصرى فى بقية الطالبات فوجدت حالة ثورة وتمرد وغضب مكتوم فى النفوس، وأدركت أننى لن أستطيع أن أستكمل مهمتى على الوجه الأكمل لأن هناك خطوات لابد من اتباعها، وهى عبارة عن التأكد من شخصية كل معتقل، ثم إجراء عملية تفتيش لكل متعلقاته والحصول عليها وإيداعها فى مخزن السجن حتى لا تتعرض للضياع أو السرقة، وكانت هذه الخطوات تتم بمعرفة السجانات، خصوصا عملية التفتيش، ولكن بدأت الطالبات فى إظهار روح التمرد، فتعالت الصيحات تلعن الحكومة وتوجه السباب لكل المسئولين، ونال بالطبع شخص الرئيس، ثم بدأت تتردد الأغانى الوطنية التى كتبها الشاعر أحمد فؤاد نجم ولحنها الشيخ إمام، وكان لابد من أن أترك الطالبات لكى يتم تفريغ شحنة الغضب خصوصا وأنا أعلم مدى الغضب المكتوم ليس من الحكومة أو الرئيس فقط، ولكن أيضا من هذا الموقف الحرج فهن أمام لحظة يتم فيها سلب حريتهن وهى أقسى لحظة يمكن أن يمر بها أى إنسان وفكرت فى عملية تدبير السكن فى هذه الأثناء وأيضا كيفية إعاشة هذا الكم من الطالبات وكيفية الحفاظ عليهن بعيدا عن أجواء الاحتكاك بالسجينات المتهمات بجرائم قتل ومخدرات وآداب ونشل وسرقة، وبالفعل أمرت بتخصيص أربع حجرات متجاورة بالدور الأرضى بمستشفى سجن النساء مع إتاحة الفرصة لهن بالتريض طوال اليوم فى فناء السجن مجتمعين - أى الطلاب - وكلفت المشرفة الاجتماعية بالعمل على تدبير كل ما تحتاج إليه أى طالبة فى حدود ما يسمح به القانون. فقد كنت حريصا على تخفيف وقع الصدمة على الطالبات ودائما ما التمست لهن العذر، فمثل هذا المكان لا يليق بمكانتهن الاجتماعية ولا الثقافية، كما أن عملية إبداء الرأى لا تتفق أبدا مع عملية سلب حرية هؤلاء البنات فالرأى يقابل بالرأى والحجة بالحجة ولو كان هؤلاء الطلبة حملوا سلاحا أو جنازير حديد أو اعتدوا على زملاء لهم أو خربوا ممتلكات عامة أو أفسدوا سير عملية الدراسة لكان من حق الحاكم أن يطبق عليهم القانون.. لذلك فإنه من كل الجوانب كان لابد أن تتعاطف مع هؤلاء الطلاب خصوصا البنات منهم. ولكن ومع شديد الأسف فوجئت ذات يوم بإحدى الحارسات تبلغنى بأن الطالبات رفضن بشكل قاطع الدخول إلى المكان المخصص لهن حسب لوائح السجن التى تقضى بأنه وفى تمام الخامسة لابد من أن يدخل السجين زنزانته وهذا التوقيت هو موعد التمام المسائى حيث نغلق الحجرات والعنابر ويتم حظر تواجد أى سجينة خارج الحجرات، وعلى الفور توجهت إلى الطالبات.. وتحاورت معهن ولكن الإجابة جاءت حاسمة فقد رفضن الدخول فى الحجرات بل قررن فوق ذلك الاعتصام بفناء السجن حتى يتم البت فى موقفهن وحاولت أن أبين لهن أن ما يجرى محاولة تمرد وأن قانون السجن يلزمنى فى هذه الحالة أن أقوم بأداء واجبى بإدخال كل المعتقلات إلى داخل الحجرات عنوة وطلبت منهن التفكير فى الأمر ومنحتهن نصف ساعة مهلة ولكن أصواتهن بدأت فى التعالى ورددن أغانى نجم وإمام مرة أخرى ولم يكن هناك خطر حقيقى سوى أن تنتقل هذه الحالة إلى السجينات فى الأدوار الأخرى وهن سجينات تختلف أحوالهن تماما عن نوعية الطلاب فهن من فئة المخدرات والدعارة والسرقة، وبالفعل بدأت الحركة تدب فى عنبر الجنائى ولو حدث وانضمت هذه العنابر إلى طالبات الرأى الموجودات فى فناء السجن فسوف تحدث كارثة، وبالفعل بدأت سجينات العنابر الأخرى فى الإنصات إلى ما يحدث فى الفناء وبدأت استمع إلى كلمات استهجان وارتفعت أصوات تقول «كوسة» «كوسة» وكان لابد من التدخل وإعمال القانون ووجهت إنذارا أخيرا بالانصياع إلى التعليمات، ولكن الرد جاء بالرفض وللحق ينبغى أن أشرح لحضراتكم عن نوعية الحارسات اللائى تستعين بهن المصلحة فى سجن النساء فالواحدة منهن أشبه بمصارع محترف ضل طريقه إلى الحلبة، كما أن الواحدة منهن قادرة على أن تمسك بخمسة من الطالبات وتحملهن وتدخل بهن إلى الزنزانة دون أى جهد أو مشقة ولكن الحارسات كن فى انتظار أوامر ولم يكن هناك بد من إعطاء الأمر، وبالفعل أصدرت الأوامر بتسكين السجينات أو المعتقلات بالقوة وأمسكت كل سجانة ما بين أربع أو خمس طالبات ولم تجد مقاومة تذكر فقد كانت الكفة تميل تماما لصالح السجانات وتم تسكين الجميع دون أى خسائر تذكر ولكن الأمر لم يخل من بعض السباب والشتائم التى نالت شخصى الضعيف واتهامات بأننى كلب من كلاب السلطة ومع الأسف نلت الكم الأكبر من الشتائم من صافيناز كاظم وهى التى أثارت تعاطفى معها بشكل خاص نظرا لحالتها الخاصة وهى فى الأشهر الأخيرة للحمل ويشهد الله أننى لم أبادلها السباب وقابلت السيئة بالحسنة فقد حاولت ما استطعت أن أوفر لها كل رعاية ممكنة وأسكنتها فى الدور العلوى لمستشفى السجن تحت الملاحظة الدقيقة والدائمة خوفا أن تفاجئها آلام الوضع وحتى العتاب لم أتوجه به لشخص هذه السيدة وبقيت واقفا فى مكانى أراقب الإجراءات حتى انتهيت من التمام المسائى وقمت على الفور بإبلاغ النيابة العامة بتفاصيل ما جرى، حيث انتقل على الفور السيد وكيل نيابة القناطر الخيرية وباشر التحقيقات وأبلغته بما جرى دون حذف أو إضافة ولم أذكر على الإطلاق الإهانات الفظيعة التى وجهت لى من قبل السيدة صافيناز كاظم ولو حدث هذا الأمر لوقعت تحت طائلة القانون لكن لأن الرحمة دائما فوق كل شىء فقد قدرت ظروفها الشخصية ومحنتها وحملها ولم أرد أن أثقلها بالمزيد فيكفى ما هى فيه من ضائقة.. وتم الأمر على خير وانتهى وكيل النيابة من عمله وحفظ المحضر فى نيابة القناطر، وظل هؤلاء الطلاب فى ضيافة سجن القناطر لأكثر من شهر وظلت معاملتنا معهم على أفضل ما يكون فهم يرتدون الملابس الملكية ومعهم الكتب الخاصة بهم وخصصنا سجانة لتلبية احتياجات الفتيات، فقد كانت بعض البنات تحتاج إلى أشياء من السوبر ماركت والصيدليات فكانت طلباتهن بالفعل أوامر ولا أخفى سرا أن الرئيس السادات أبلغ وزير الداخلية بضرورة حسن معاملة الطلاب، وكان هناك أيضا عرف سائد بيننا نحن ضباط سجن القناطر نظمى الخولى ومحمد صبحى وجميع قيادات السجن بأن تخضع معاملة كل السجناء أولا للقواعد الإنسانية والرحمة والرأفة بالمساجين قبل تطبيق اللوائح والأعراف والقوانين وكانت هناك سهام صبرى وهى ابنة ضابط جيش كبير وسحر الصاوى ابنه عبدالمنعم الصاوى وصافيناز كاظم وكانت تعمل صحفية وهى أكبر منهن سنا وقد آلمنى أن أجد اسمى ذات يوم على مواقع التواصل الاجتماعى مقترنا بعمليات التعذيب الوحشى التى تعرضت لها معتقلات الرأى فى عام 1972 فى سجن القناطر الخيرية، وكانت السيدة الفاضلة صاحبة الادعاء طبيبة اسمها منال، ولعلنى أجد العزاء كله فى سلوك صافيناز كاظم التى أدركت بعد ذلك كم كنت متسامحا إلى أبعد مدى وإلى أقصى حد ممكن مع كل الطالبات ومعها تحديدا. صحيح أنها ذكرتنى بالسوء فى مقال لها ولكنها لم تدع مناسبة تفوت إلا وتقوم بالواجب فلم يحدث أن نشر نعى لأحد أقاربى إلا وتلقيت منها تلغرافا للعزاء وأعتقد أنها قامت بهذا الأمر ردا لمواقف سابقة شهدتها بأم عينيها، وقد كنت حريصا على معرفة أخبارها بعد أن خرجت واستردت حريتها وعلمت أنها أنجبت ابنتها التى أطلقت عليها اسم «نوارة» ولكننى فقدت كل وسيلة للاتصال بها من أجل أن أهنئها على المولودة الجديدة!!