أنهى الرئيس السيسى زيارته لنيويورك والتى استمرت أربعة أيام بحصيلة إنجازات على المستويات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية، لم يكن من السهل إنجازها فى تلك الفترة القصيرة. ولن نتوقف كثيرًا عند التفاصيل المنشورة عبر مختلف وسائل الإعلام، لكن يكفى أن نعرف أن وجود مصر وحكومتها ممثلة فى شخص الرئيس بالأممالمتحدة، وخطابه فى قمة المناخ متحدثا باسم المجموعة العربية، ثم مرة ثانية متحدثا باسم مصر أمام الجمعية العامة ومستوى الإنصات والترحيب الذى لاقاه من مختلف دول العالم كان بمثابة الرد القاطع على المشككين فى شرعية الحكومة المصرية. نحو أربعين لقاءً مع قادة وزعامات العالم آخرها كان مع الرئيس الأمريكى باراك أوباما، ناهيك عن لقاءاته مع مستثمرين أمريكيين، وكذلك مع مصريين خبراء يعيشون بالمهجر، وعدد ممن قطعوا مسافات وجاءوا إلى نيويورك للترحيب برئيس مصر. ويمكن تلخيص أهم الموضوعات التى نوقشت مع قادة العالم فى نقطتين أساسيتين هما: تنمية اقتصاد مصر، ومكافحة وتطويق الإرهاب، ولا تفوتنا هنا الإشارة إلى فشل جهود جماعة الإخوان فى إحراج مصر ورئيسها، ولعل تقديم موعد إلقاء الرئيس السيسى كلمة مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وسواء وصفت بالمناورة الدبلوماسية أو التكتيكية الذكية، فإن مشهد اكتظاظ ما يقرب من عشرة آلاف مصرى جاءوا من مختلف الأنحاء الأمريكية والكندية كافٍ للتعبير عن دعمهم للوطن الأم ورئيسه المنتخب أثناء إلقاء الرئيس السيسى لكلمته حيث ضجت القاعة بالتصفيق عدة مرات فاقت مرات التصفيق للرئيس الأمريكى فى كلمته بنفس القاعة قبلها بساعتين، فكانت أصوات هتاف المصريين بالخارج على إيقاع تسلم الأيادى مسموعة بالبهو الرئيسى للأمم المتحدة، بينما هتاف تحيا مصر يتردد للمرة الأولى فى تاريخ المنظمة الدولية بالقاعة الرئيسية لمجمع الأممالمتحدة من قبل قادة عرب ووفودهم إلى جانب الوفد المصرى. وهو مشهد مختلف تماما تماما عن مشهد مظاهرة بضعة مئات من مناصرى الإخوان فى اليوم الذى يليه دون أدنى التفات من وسائل الإعلام العالمية. مشهد آخر لا يفوتنا فى مأدبة الغداء الرسمية التى دعا إليها «بان كى مون» قادة العالم فكان ضيوفه على مائدته الرئيسية رئيس مصر ورئيس الولاياتالمتحدة أوباما. وإذا كان هذا الاعتراف الدولى الواسع قد وضع النقاط على الحروف، وحسم الأمر بالنسبة لمزاعم وقفت فيها كل من تركيا وقطر على جنب أمام جميع الأمم، فإن اليوم الأخير لزيارة الرئيس المصرى شملت لقاء جاوز الوقت المحدد له بين الرئيس السيسى والوفد المرافق له مع نظيره الأمريكى والأعضاء المعنيين فى حكومته، ومنهم جون كيرى، وزير الخارجية وبن رودس، نائب مستشارة مجلس الأمن القومى وغيرهما. هذا اللقاء المغلق والذى كان قد تم تحديد موعدين له فى نفس اليوم الأول فى الثامنة والنصف من صباح الخميس والثانى ظهرا، ليتم التوافق على الثانية عشرة والنصف ظهرًا موعدا لاجتماع مدته ساعة فاستمر لحوالى الساعة ونصف الساعة. وحسب مصادر أمريكية ل«روزااليوسف» فإن القضايا التى نوقشت تركزت على مسائل أمنية بما فيها الملف الفلسطينى الإسرائيلى، وليبيا ودولة الخلافة الإسلامية وتقويض داعش، وأيضا مسائل أخرى تتعلق بمسائل مصرية أمريكية، كان وزير الخارجية الأمريكى قد طرحها على القاهرة خلال زيارته الأخيرة وكانت واشنطن بانتظار سماع الرد المصرى عليها. وقد جاء البيان المصرى حول جلسة الزعيمين مثمنا المباحثات التى اتسمت بالإيجابية، وكانت بناءة من حيث إتاحة أول فرصة للرئيسين للتفاعل على المستوى الشخصى، وحيث أكدا حرصهما على التواصل فيما بينهما. وتم خلال اللقاء تناول مُجمل العلاقات الثنائية وسبل تطويرها فى مختلف المجالات بما يُحقق المصالح المشتركة للبلدين ويؤكد طبيعتها الاستراتيجية، فضلاً عن التشاور حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. وحيث طرح الرئيسان رؤيتيهما لمجمل الوضع فى منطقة الشرق الأوسط، كما اتفقا على أهمية العلاقات المصرية - الأمريكية، والتقدير لمكانة مصر الإقليمية، والحرص على تطويرها ودفعها إلى آفاق أرحب بما يُحقق مصالح البلدين والشعبين، وإطلاق عمل آلية الحوار الاستراتيجى على مستوى وزيرى الخارجية فى وقت يُتفق عليه. وأكد الرئيس السيسى أن الحكومة المصرية إنما تبلور سياساتها استجابة للإرادة الشعبية والأولويات الوطنية، باعتبار ذلك ثمرة لثورتين عظيمتين وضعتا مصر على طريق بناء دولة ديمقراطية تُعلى من قيم الحرية وتحترم مبادئ حقوق الإنسان وتُلبى طموحات الشعب المصرى فى تحقيق التنمية والتقدم. وتناولت جلسة المباحثات بين الرئيسين عدداً من القضايا الإقليمية والدولية التى تهم البلدين، وعلى رأسها الأوضاع فى ليبيا وقضية الإرهاب بوصفها ظاهرة عالمية وسبل دعم التحالف الدولى ضد تنظيم داعش المتطرف، وتم تأكيد الحرص المشترك على استمرار التنسيق والتشاور حول هذه القضايا. وفى هذا الصدد، طرح الرئيس السيسى رؤية مصر لأهمية ضرورة التعامل مع قضية الإرهاب فى إطار منظور شامل يضمن اجتثاثه من جذوره. وبالنسبة للوضع فى ليبيا، أكد الرئيس السيسى المخاطر الناجمة عن الأوضاع غير المستقرة، وأهمية مواجهة التنظيمات الإرهابية هناك، ودعم المؤسسات الشرعية المُنتخبة والحكومة التى أقرها مجلس النواب، ورفض التدخلات الخارجية، وتمويل العناصر الإرهابية، مع ضرورة إجراء حوار سياسى بين جميع الأطياف الليبية التى تنبذ العنف والإرهاب فى إطار المبادرة التى توافقت عليها دول الجوار الجغرافى لليبيا. واتفق الجانبان على ضرورة منع وصول التمويل والسلاح للميليشيات. كان هذا هو مضمون البيان المصرى، والذى حمل خبر تكليف جون كيرى وسامح شكرى بتولى حوار استراتيجى مستمر فإنه كشف فى مضمونه عن ترحيب واشنطن بتنفيذ دعوة الرئيس السيسى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لمنع تمويل وتسليح الميليشيات المتطرفة فى ليبيا. وإذا كان الرئيس الأمريكى قد حرص قبل اللقاء التأكيد على ثوابت العلاقة بين البلدين والممتدة عبر عدة عقود شارحا فإن قراءة وجهة النظر الأمريكية حول هذا اللقاء الموسع والأول بين الزعيمين كان ضروريا، لنكتشف عبر مصدرنا الأمريكى أن المعنيين بإدارة أوباما حرصوا على تحليل خطاب الرئيس السيسى أمام الجمعية العامة فى الأممالمتحدة - قبل لقائه وأوباما بيوم، وأترك هنا الحديث لمصدرى الذى قال: كان خطابا مركزا، كُتب بعناية ونعتقد أنه روجع بعناية أكبر، لقد تم تحليل لغة الجسد ونبرة الصوت، وأعتقد أن إدارة أوباما قدرت ما قاله رئيس أكبر دولة عربية بخصوص خطر الإرهاب المتربص بالمنطقة، أيضا تم تثمين ذكاء الموقف المصرى من الحاصل فى سوريا، وكيف أن الحل سياسى بالأساس، فيما رفض إعادة استنساخ نفس أسباب اندلاع غضب السوريين، وهو الأمر الذى توصلت إليه القناعة الأمريكية مؤخرا. وعندما سألته إذا كان هذا صحيحا فلماذا تخفى إدارة أوباما هذا الموقف ولا تطرحه على العلن؟ فأجاب مصدرى بأن إدارة أوباما لا تستطيع ذلك الآن لأسباب متعلقة بالسياسة المحلية واقتراب موعد انتخابات التجديد النصفى للكونجرس فى نوفمبر المقبل والتى ستؤثر نتائجها على انتخابات الرئاسة والكونجرس فى العام 2016 وبالتالى لئلا يستخدمها الجمهوريون ضد المرشحين الديموقراطيين، نفس السبب فى رأى محدثى قد يكون فى حسبان أوباما، وهو يتعامل مع ملف داعش، إضافة لعامل آخر وهو أخطر أى حصول سوريا على منظومتى صواريخ SS 300 و500 SS ، للدفاع الجوى من روسيا والتى أنهى سوريون التدريب على إدارتها منذ العام الماضى، لذا قامت واشنطن عبر مندوبها فى الأممالمتحدة سامباور بإعلام السوريين نية أمريكا ضرب داعش قبل قصفها لهم بأسبوع! وعودة للقاء السيسى أوباما، فإن مصدرى لاحظ اختلاف لهجة إدارة أوباما فيما يتعلق بمسألة ما يسمى بالمصالحة مع الإخوان، كاشفا عن أن إدارة أوباما ترغب الآن فى أن تسمح مصر بمشاركة الإخوان فرادى وليس كحزب أو جماعة فى الانتخابات النيابية المقبلة! لأن واشنطن حريصة على الإخوان ضمن حرصها على إيجاد بديل يتحدث باسم الإسلام، وهم يستعدون لمواجهة داعش لتفادى أن يفهم فى العالم الإسلامى حربهم على داعش كأنه حرب على الإسلام كدين! ولم يفت محدثى أن يشير إلى ممارسة الإخوان الأخيرة للعبة توزيع الأدوار، وكيف أنهم فهموا النوايا الأمريكية فقاموا بالضغط عبر إطلاق أحد قياداتهم وهو القرضاوى لفتوى تحرم قتال داعش، كرسالة للأمريكان مفاداها «ادعمونا ندعمكم». وبالنسبة لقضايا أخرى عالقة بين القاهرةوواشنطن مثل صحفى الجزيرة قال محدثى: إن إدارة أوباما تتفهم رد الرئيس السيسى وتحترم القضاء المصرى، ولذا فهى على ثقة من أن هذا القضاء العادل سيصدر حكما لصالح العدالة فى الاستئناف، وأنها سترى قريبا هؤلاء مطلقى السراح!! أيضا كشف مصدرى أن الإدارة الأمريكية يهمها أن ترى قريبا عملية تسريع فرز الموقوفين على ذمة قضايا سياسية فى مصر من منطلق احترام حقوق الإنسان الذى تعهد به الرئيس السيسى أمام الأممالمتحدة، وأن واشنطن تريد المشاركة فى القمة الاقتصادية التى دعا إليها الرئيس السيسى فى خطابه، وذلك على مستوى رفيع وغير مسبوق، إضافة لدعمها لترشح مصر لعضوية مجلس الأمن الدولى.