عشت مع الكاتبة القديرة لميس جابر نفس الذكريات ونفس الوقائع فى مكان وزمان واحد رغم أننى لا أعرفها شخصياً ولم ألتق بها .. تلك الذكريات الدافئة التى سردتها بأسلوب الحكى فى برنامج «صاحبة السعادة» مع إسعاد يونس عن حى شبرا مسقط رأسها ومحل نشأتها عن الشوارع والمحلات والشبراوية أهل شبرا وعن المسلمين والمسيحيين الذين انصهروا فى بوتقة حيهم الشهير. حكت لميس عن فترة صباها وكيف تشكل وجدانها فى هذا الوطن الصغير من الجيران والأصحاب والكتب وأفلام السينما التى كانت تشاهدها فى سينما الجندول الصيفية التى كانت تعرض الأفلام الأجنبية فقط وقالت: كنت أجلس فى السينما متآلفة مع الوجوه الشبراوية من جمهور وموظفى السينما وباعة الآيس كريم والحلوى، وطال التآلف قاطنى العمارة العظيمة الملتصقة بالسينما الصيفى الحريصين على مشاهدة الأفلام الشهيرة التى كانت تعرض فى نهاية الستينيات وأوائل السبعينيات ووصلت الألفة لدرجة التلويح بالتحيات بين الجمهور والجيران. كنت أنا يا لميس واحدة من هؤلاء الجيران، حيث حرصت دائماً فى فترة الإعدادى على قضاء معظم الإجازة الصيفية لدى جدى أحد سكان العمارة العتيقة الملاصقة لسينما الجندول تاركة أسرتى فى مصر الجديدة لأعايش أهل شبرا وشوارعها ومحلاتها والتمتع بالاطلاع على بعض ما تزخر به مكتبة جدى صباحاً ومشاهدة أفلام سينما الجندول المتميزة ارتبطت خلالها بمشاهير السينما العالمية وتعلمت أكثر المحادثة الإنجليزية من كثرة مشاهداتى للأفلام العالمية، والأهم العلاقة التى نشأت بين مشاهدى السينما فى المنزل العتيق ومشاهدى السينما فى الصالة الصيفية التى تخللتها مقاطع من أغنيات عبدالحليم حافظ الجميلة فى فترات الاستراحة. رجعت بى لميس جابر إلى فترة الصبا زمن التسامح والحب والعمل الجاد ورجعت بى إلى التأمل فى ذلك المناخ الصحى الذى أخرج مصريين ناجحين علماء وفنانين وكتابا وصنايعية محبين للجمال والبشر والوطن، واستغرقنى التأمل فى ذلك الزمن الرائع ليخرجنى من حلمى الجميل خبر انفجار مدرعة بالشيخ زويد واستشهاد 11 من أبنائنا الجنود على يد إرهابيين يكرهون البشر والجمال ويكرهون حتى الحياة!