ثلاثة عوامل أثرت وتؤثر فى مسيرة مصر الدولة والشعب، اثنان منها من الماضى وعامل جديد يؤثر على مستقبلها بلا أدنى شك، أول تلك العوامل هو الجغرافيا التى جعلت من مصر مركزا حضاريا واقتصاديا وممرا مائيا تعبر به التجارة الدولية، وخلقت منها دولة ذات أهمية لا تنقضى، وثانيها هو التاريخ الذى فعل فعله فى الدولة المصرية القديمة والحديثة فى أحداث وتشابكات معقدة فى أغلب الأوقات، وخلق منها قاعدة للتفاعل الثقافى بين معظم شعوب العالم فتفاعلت مصر مع الهكسوس فى حروبهم المميتة والفرس فى مطامعهم التوسعية والأغاريق اليونانيين فى تجارتهم وتساكنهم والفرنسيين فى احتلالهم والإنجليز فى انتدابهم. كما عرفت الأتراك بخلافتهم وأحلامهم عرفت أيضا الغزاة المغتصبين للأرض والمنتهكين للحقوق - (إسرائيل) - فى اعتدائهم، وظلت مصر هى مصر، توجه قوتها وتحشد قدراتها لحماية حدودها الشمالية والشمالية الشرقية أمام جحافل الغزاة والطامعين وتدافع عن حدودها بكل ما أوتيت من قوة ذلك حديث الجغرافيا والتاريخ، أما العامل الثالث فهو بزوغ ثورة 25 يناير المجيدة التى أطاحت بنظام حسنى مبارك لأجل حرية وكرامة الإنسان المصرى، ولأجل ثورة فى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث قامت شبيبة مصر بتحطيم الأغلال وارتفع صوتها عاليا حتى اهتزت له أركان المعمورة. تفاعل الناس مع الثورة الوليدة فى الوطن العربى وفى القارة الأفريقية وانهالت البرقيات والتهانى من كل حدب وصوب وشهدنا تبدلا فى المواقف حتى من الذين يقفون مسافة من مصر الدولة والسلطة لا سيما فى الجار الجنوبى السودان، حيث وجدت الثورة تأييد قطاعات شعبية واسعة من الجماهير السودانية. بعد ثورة 25 يناير ارتفع قدر الإنسان المصرى وتبدل الحال واتسعت دائرة المشاركة فى الشأن العام الوطنى والسياسى ورأت جماهير عديدة وفى بلدان مختلفة صورتها فى صورة الشعب المصرى الأبى صانع مجد 25 يناير. تغيرت مصر عدة مرات ولكن موقفها جنوبا لم يتغير، مطلوباتها جنوبا لم تتغير بل زادت بزيادة احتياجاتها ثم اهتزت الصورة مرة أخرى، فالشعوب التى كانت تنظر إلى الثورة المصرية باعتبارها ثورة ضد الظلم والقهر والاستبداد ومصادرة الحريات كانت ترى فى مصر وقت الثورة صورتها وكانت تأمل فى ثوار مصر أن يمددوا حلم الثورة إلى الجيران خصوصا الأقربين ولو بالتأييد المعنوى. بعض من النخبة السودانية اعتاد أن ينتقد السياسة المصرية تجاه السودان مصوبة السهم الأكبر لسلوك مصر الرسمى فى مؤادتها أنظمة حكمت ولا تزال تحكم السودان بيد من حديد «إن مصر لا تريد نظاما ديمقراطيا فى السودان» أو هكذا تقول تلك النخبة معللة موقفها بأن السودان عرف التجربة الديمقراطية من أيام الاستعمار فى العام 1954م وشهد قيام أول انتخابات عامة فى البلاد وفاز بأغلبية المقاعد الحزب الذى يؤيد الاتحاد مع مصر فكيف لمصر أن تساند حزبا عقائديا أصوليا متطرفا متخلفا تسربل برداء الدين وتوكأ على عصى الجيش والميليشيات ليحكم السودان الجار والشقيق بقبضة أمنية وعسكرية ومصر التى قامت بثورتين عظيمتين 25 يناير و30 يونيو؟! تشتد الشكوك لدى الفاعلين السياسيين فى «جنوب الوادى» السودان حين تتوارى وسائل الإعلام المصرية عن تغطية أخبار الثورات السودانية التى استمرت لأكثر من شهر بدءا من 16 يونيو إلى منتصف يوليو 2012م، ثم جاءت انتفاضة سبتمبر 2013م التى استمرت قرابة الشهر أيضا وقتل فيها ما يزيد على 220 من شباب السودان الواعد، وتجاوز عدد المصابين ال1600 جريح، وقابلتها الحكومة السودانية بإجراءات قمعية اعتقلت فيها ما يزيد على 2300 من الشباب والنساء والرجال فى الخرطوم لوحدها. هنا يقتضى الحال طرح سؤال عن مكمن الخطأ فى عدم الاهتمام بما يحدث فى السودان وعدم تناول الثورة السودانية فى وسائل الإعلام المصرية، هل هو قصور الثوار والقوى المعارضة «الحزبية» التى تم تقسيمها وإضعافها بواسطة النظام وأمنه لتحل محلها فعاليات «القبلنة» و«الجهوية» أم إن القصور من أجهزة الإعلام المصرية! هل استطاع النظام فى الخرطوم النجاح فى تسويق نفسه للعقل السياسى والإعلامى المصرى باعتباره نظاماً يقف ضد جبروت الولاياتالمتحدة وإسرائيل ويساند الحق الفلسطينى مصورا أن قوى المعارضة قوى ظلام وشر موالية للغرب؟! هل تم تصديق مثل هذه الأكاذيب التى يطلقها نظام الإخوان المسلمين الحاكم فى السودان عبر إعلامه؟ هل تساءل الإعلام المصرى يوما عن دواعى تشريد قرابة ال7 ملايين سودانى خارج البلاد؟ وهل تساءل يوما عن دواعى الحروب التى تخوضها ميليشيات النظام السودانى ضد قسم من أبناء وبنات شعبه فى مناطق جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور؟ تلك أسئلة تستحق أن نقف عندها إذا كنا شركاء فى الهم فى شطرى الوادى. صحافى سودانى