الرئيس السيسي: سيناء ستظل شاهدة على قوة مصر وشعبها وجيشها    احتجاجات طلابية في مدارس وجامعات أمريكا تندد بالعدوان الإسرائيلي على غزة    سعر صرف الدولار مقابل الجنيه اليوم 25 أبريل 2024    طريقة تغيير الساعة بنظام التوقيت الصيفي (بعد إلغاء الشتوي خلال ساعات)    أسعار السمك تتراجع 50% .. بورسعيد تواجه جشع التجار بالمقاطعة    وزير النقل يشهد توقيع عقد تنفيذ البنية الفوقية لمحطة الحاويات «تحيا مصر 1» بميناء دمياط    قطع المياه عن سكان هذه المناطق بالقاهرة لمدة 6 ساعات.. اعرف المواعيد    عيد تحرير سيناء.. جهود إقامة التنمية العمرانية لأهالي أرض الفيروز ومدن القناة    قيادي في حماس: إذا قامت دولة فلسطين مستقلة سيتم حل كتائب القسام    خبير في الشؤون الأمريكية: واشنطن غاضبة من تأييد طلاب الجامعات للقضية الفلسطينية    لأول مرة .. أمريكا تعلن عن إرسالها صواريخ بعيدة المدى لأوكرانيا    في حماية الاحتلال.. مستوطنون يقتحمون باحات المسجد الأقصى    الأهلي يختتم مرانه اليوم استعدادا لمواجهة مازيمبي    تفاصيل اجتماع أمين صندوق الزمالك مع جوميز قبل السفر إلى غانا    متى تنتهي الموجة الحارة؟.. الأرصاد تكشف حالة الطقس ودرجة الحرارة اليوم وغدًا (الأمطار ستعود)    بسبب ماس كهربائي.. نشوب حريق بحوش في سوهاج    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق مصنع بالوراق    شاب يُنهي حياته شنقًا على جذع نخلة بسوهاج    معلق بالسقف.. دفن جثة عامل عثر عليه مشنوقا داخل شقته بأوسيم    كيفية الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الافتاء توضحها    6 كلمات توقفك عن المعصية فورا .. علي جمعة يوضحها    حكم الحج بدون تصريح بعد أن تخلف من العمرة.. أمين الفتوى يجيب    وزير الصحة يهنئ الرئيس السيسي بالذكرى ال42 لتحرير سيناء    «الاتحاد الدولي للمستشفيات» يستقبل رئيس هيئة الرعاية الصحية في زيارة لأكبر مستشفيات سويسرا.. صور    علماء بريطانيون: أكثر من نصف سكان العالم قد يكونون عرضة لخطر الإصابة بالأمراض التي ينقلها البعوض    إزالة 7 حالات بناء مخالف على أرض زراعية بمدينة أرمنت في الأقصر    «الأهرام»: سيناء تستعد لتصبح واحدة من أكبر قلاع التنمية في مصر    «الجمهورية»: الرئيس السيسي عبر بسيناء عبورا جديدا    إعلام فلسطيني: شهيد في غارة لجيش الاحتلال غرب رفح الفلسطينية    عائشة بن أحمد تتالق في أحدث ظهور عبر إنستجرام    مستشار سابق بالخارجية الأمريكية: هناك موافقة أمريكية على دخول القوات الإسرائيلية لرفح    أحمد جمال سعيد حديث السوشيال ميديا بعد انفصاله عن سارة قمر    الأكثر مشاهدة على WATCH IT    الشرطة الأمريكية تعتقل عددًا من الطلاب المؤيدين لفلسطين بجامعة كاليفورنيا.. فيديو    هل ترك جنش مودرن فيوتشر غضبًا من قرار استبعاده؟.. هيثم عرابي يوضح    بسبب روسيا والصين.. الأمم المتحدة تفشل في منع سباق التسلح النووي    بالصور.. نجوم الفن يشاركون في تكريم «القومي للمسرح» للراحل أشرف عبد الغفور    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    تطور مثير في جريمة الطفلة جانيت بمدينة نصر والطب الشرعي كلمة السر    ميدو يطالب بالتصدي لتزوير أعمار لاعبي قطاع الناشئين    أبو رجيلة: فوجئت بتكريم الأهلي.. ومتفائل بقدرة الزمالك على تخطي عقبة دريمز    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    لتفانيه في العمل.. تكريم مأمور مركز سمالوط بالمنيا    أول تعليق من رئيس نادي المنصورة بعد الصعود لدوري المحترفين    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    بعد نوى البلح.. توجهات أمريكية لإنتاج القهوة من بذور الجوافة    عماد النحاس يكشف توقعه لمباراة الأهلي ومازيمبي    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    اسكواش - ثلاثي مصري جديد إلى نصف نهائي الجونة الدولية    توجيهات الرئيس.. محافظ شمال سيناء: أولوية الإقامة في رفح الجديدة لأهالي المدينة    تجربة بكين .. تعبئة السوق بالسيارات الكهربائية الرخيصة وإنهاء الاستيراد    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القذافى استدرج الجاسوسة لقصره وطلب منها تعريفه بمدير الموساد

فى الحلقة الماضية تعرفنا على خطة «المنزل المصرى الغامض فى باريس».. والذى كان عبارة عن خدعة استخبارية محكمة دبرها الرئيس السادات وأدت إلى تضليل الموساد ومهدت لانتصار حرب أكتوبر.
فقد استدرج الدبلوماسى المصرى صديقه جاسوس جهاز الموساد وتصنع على وجهه تعابير التوتر والهم فسأله «A» بطريقة طبيعية عن أسباب قلقه ربما استطاع مساعدته فوجدها الدبلوماسى المصرى فرصة سانحة لتنفيذ هدف العملية.
كما طلب الدبلوماسى المصرى من صديقه الدبلوماسى الجزائرى «A» أن يستغل علاقاته الخاصة لتوفير منزل فاخر ومنعزل بفرنسا وعشر سيارات حديثة شريطة عدم تسجيلها بأسماء مصرية أو عربية على أن يتم إنجاز الأمر فى أقصى تقدير صباح الثلاثاء الموافق 25 سبتمبر .1973
ثم ختم الدبلوماسى المصرى طلباته بوعد لصديقه «A» بعمولة معتبرة تدفع له فورا حال تمكنه من تنفيذ المطلوب مع تأكيد الحجز وبشرط أن يسلمه «A» قبل الموعد المحدد عقد المنزل الهادئ مع مفاتيح السيارات ومستنداتها.
فى هذه الحلقة نتابع بالتفصيل الخطة التى وضعها جهاز الموساد للنقيب «تامار» والمتمثلة فى استخدام ما تمتلكه من أنوثة طاغية فى استدراج زعماء وقادة الدول المختلفة، حيث جاء الدور على العقيد الليبى معمر القذافى الذى أبدى بدوره استعداده لإجراء حوار صحفى معها ودعاها إلى زيارته فى طرابلس.
تنقل الرئيس السادات بين صفحات مفكرة يوميات «تامار جولان» وتوقف طويلاً بالفحص والدرس أمام آخر ما حررته فى فصل وثقت فيه علاقتها الشخصية المباشرة مع العقيد ''معمر القذافى'' حاكم ورئيس ليبيا المثير للجدل فى الفترة من 1 سبتمبر 1969 حتى مقتله فى 23 أغسطس .2011
حيث استهلت «تامار» ذلك الفصل المهم للغاية بمقولة:
«الصحفية الجيدة هى من تعرف استغلال أسلحة أنوثتها الفتاكة لشحذ ألسنة قادة ورؤساء الدول المتخلفة من دهماء الجهلاء ليتكلموا ويفصحوا طواعية بشكل تلقائى عن أسرارهم وأن أقذر الأعمال تصنعها أطهر الأقلام».
وهى مقولة نسختها كما هى مرتين فى مفكرة يومياتها الشخصية أولها سبقت توثيقها للأحداث التى واكبت بداية تكليفها من قبل جهاز الموساد للقيام بعمليتها الخاصة داخل القارة الإفريقية عام .1962
والثانية كتبتها فى مستهل أحداث الفصل الأخير من يومياتها بشأن اتصالاتها السرية للغاية مع الرئيس الليبى معمر القذافى وهى جملة «تلقين وتوجيه» بالعملية نقلتها تامار جولان من نص إحدى المحاضرات المؤهلة التى تلقتها فى معهد مدرسة الاستخبارات الإسرائيلية بتل أبيب قبيل انطلاقها وانضمامها فى البداية لفرع عمليات الموساد «تسوميت» - مفترق الطرق - ثم انتقالها للعمل لحساب فرع عمليات «تيفل» - العالم - فى فترة تالية.
فى تلك اللحظة - مثلما سجل اللواء فوزى عبدالحافظ - خبط الرئيس السادات بظهر كف يده الأيمن برفق على الصفحة الأولى من مذكرات نقيبة الموساد بشأن ليبيا فى مجلد اليوميات المترجم ثم نظر إلى كاتم أسراره مدير مكتبه وسكرتيره المخلص حتى آخر دقيقة بحياته وابتسم ابتسامة الانتصار ورفع رأسه وخلع نظارة القراءة ثم أعاد ترديد الجزء الأهم من وجهة نظره من نفس الجملة موجهاً حديثه إلى عبد الحافظ بقوله:
«أسلحة أنوثتها الفتاكة.. هو دا يا فوزى السر قالت لك.. أسلحة أنوثتها الفتاكة البت دى دخلت لقادة وزعماء إفريقيا من هنا.. من الجملة دى بالتحديد والجمسى هو الوحيد اللى هيقدر يحينا عن تلك الأسلحة عندما ستظهر له وإزاى بتستخدمها فى ساحة العمليات».
وعندها رد اللواء فوزى عبد الحافظ الابتسامة على الرئيس السادات الذى ارتدى نظارة القراءة مرة أخرى وعاد يدرس محتوى مفكرة اليوميات المثيرة التى سردت فيها تامار جولان أسرار عمليتها فى ليبيا ولقائها الأول بالعقيد معمر القذافى بقصر باب العزيزية.
وفى خلفية المشهد السياسى بالشرق الأوسط توتر متقطع على مستوى العلاقات المصرية - الليبية تصاعدت حدته عقب حرب أكتوبر 1973سببه المباشر توقيع الرئيس السادات على اتفاقية فض الاشتباك الأولى فى 18 يناير 1974 ثم قراره التوقيع على اتفاقية فض الاشتباك الثانية فى مدينة جينيف السويسرية بتاريخ 1 سبتمبر 1975 دون إشراك ليبيا.
وتبنى العقيد القذافى بشكل ظاهرى مغرض مساراً معادياً لسياسة مشروع السلام المصرى - الإسرائيلى وتقارب القاهرة مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية على حساب مصالح الاتحاد السوفيتى حليف ليبيا القوى.
ثم انفلات الأعصاب وتدهور العلاقات بين الدولتين الجارتين الشقيقتين لدرجة شن مصر عملية عسكرية محدودة خاطفة هدفت إلى ردع النظام الليبى استغرقت عدة أيام فى الفترة من 21 حتى 24 يوليو 1977 أعقبها تجميد شامل للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين لمدة 12 عاما.
حكت تامار جولان فى مفكرة يومياتها أن اللواء اسحاق حوفى مدير جهاز الموساد الجديد وقتها الذى تسلم مهام منصبه فى 1 إبريل 1974 كلفها فى بداية شهر يونيو عام 1974 بالاستعداد للسفر إلى العاصمة الصومالية «مقديشيو»، على أن تتابع شخصياً مع دافيد قمحى مدير فرع العمليات ''تيفل'' نائب رئيس الموساد ساعتها أسلوب صياغة عدد من الأسئلة الاستخباراتية الاستراتيجية طلب منها طرحها خلال جولة لقاءات صحفية مع زعماء ليبيا وتونس والمغرب وساحل العاج وسوريا.
وعندما وصلت تامار إلى فرع «تيفل» - العالم - المسئول عن إدارة عمليات جهاز الموساد الخارجية الذى انتقلت إليه حديثاً وقتها وجهها قمحى إلى ضرورة العمل بحذر تحت هويتها الفرنسية كمراسلة لفرع الشئون الإفريقية بشبكة BBCوصحيفة الأوبزرفر البريطانيتين.
ثم أخبرها بموعد تاريخ بدء المهمة التى ستحتم عليها التواجد فى الفترة من 12 حتى 16 يونيو 1974 فى العاصمة الصومالية مقديشيو حيث تقرر استضافتها فعاليات قمة منظمة الوحدة الإفريقية الثانية عشرة.
كما أطلعها قمحى على أهمية المؤتمر السياسية حيث ستنتقل رئاسة المنظمة الإفريقية أثناء الجلسة الافتتاحية من دولة إثيوبيا إلى الصومال التى احتفظت برئاستها للمؤتمر حتى 28 يوليو .1975
وقد كلفها دافيد قمحى مديرها المباشر الأعلى رتبة بعد اسحاق حوفى خلال الجلسة تنفيذ خطة عمل سلسلة من الحوارات الصحفية الاستراتيجية حدد الموساد أسئلتها مسبقاً بهدف استطلاع رأى عدد من الزعماء الإفريقيين البارزين حول إمكانية توصل مصر وإسرائيل إلى اتفاقية سلام شامل ودائم فى منطقة الشرق الأوسط.
ثم سلمها قمحى بنهاية الجلسة أمر تكليف العملية وجدول لقاءات صحفية بعينها ثلاثة منها على هامش المؤتمر مع الرئيس التونسى ''الحبيب بورقيبة'' الثابت شغله منصبه فى الفترة من 25 يوليو 1957 حتى 7 نوفمبر 1987
والملك «الحسن الثانى» عاهل المغرب الذى جلس على عرش بلاده خلال الفترة من 3 مارس 1961 حتى 23 يوليو 1999
و«فيليكس هوبوا بوينى» الرئيس الأول لدولة ساحل العاج الثابت توليه مهام منصبه فى الفترة من 3 نوفمبر 1960 حتى 7 ديسمبر .1999
على أن تختم تامار بقية اللقاءات المدبرة مع الزعيم الليبى معمر القذافى فى طرابلس ثم مع الرئيس السورى حافظ الأسد بدمشق فى سبتمبر 1975 بعد أن تذرع مكتبه بانشغاله الدائم.
مع إشارة جانبية سجلتها تامار كملحوظة بمفكرة يومياتها أكدت أنها سبق وحاورت بتاريخ 12 مارس 1968 الرئيس التونسى الحبيب بورقيبة أثناء استضافته لرئيس ساحل العاج فى العاصمة تونس.
وقد ثبت بالفعل فى يومياتها أنها رافقت فى سنوات سابقة الدكتور فيليكس هوبوا بوينى رئيس ساحل العاج الذى اعتبرته أقرب أصدقائها بين رؤساء الدول الأفريقية السمراء.
كما حاورت من قبل الملك الحسن الثانى ساعة كاملة على هامش مؤتمر منظمة الوحدة الأفريقية الذى عقد فى مدينة الرباط المغربية فى الفترة من 12 إلى 15 يونيو 1972
بينما تطلعت تامار إلى خطة الموساد التى ستمكنها لاحقاً من لقائها الأول مع العقيد الليبى معمر القذافى خاصة بعدما شرح لها دافيد قمحى الأسلوب الأمثل للتعامل مع العقيد بسبب شراسته وتصرفاته غير المستقرة نفسياً وحبه ممارسة العنف مع النساء.
خرجت تامار جولان من جلستها مع قمحى وكان عليها طبقاً للخطة الإسرائيلية ترك جواز سفرها الإسرائيلى فى تل أبيب ثم العودة إلى باريس لدراسة الأسئلة المعدة سلفاً والاستعداد للسفر مباشرة إلى مقديشيو عبر مطار العاصمة الإثيوبية أديس أبابا والانتقال بطائرة تقلع مرة واحدة كل أسبوع إلى الصومال.
وقد رتب لها دافيد قمحى حجزاً مسبقاً باسمها فى غرفة بفندق تابع لمطار مقديشيو الدولى راقبت من نافذتها بالعين المجردة «فيلا الصومال» - Villa SOMALIA-مقر الإقامة الرسمى للرئيس الصومالى المقرر استقباله ضيوف المؤتمر الكبار من رؤساء وزعماء دول إفريقيا.
كما تسلمت من قمحى وشاحاً نسائيا زاهى الألوان كان وسيلتها للتعارف على عميل محلى نشط لحساب الموساد داخل ''راديو مقديشيو'' - بث لأول مرة عام 1943 - تقرر بالخطة أن يستقبلها بمطار العاصمة لتأمين تنقلاتها وتسهيل مهمتها ومصاحبتها فترة تواجدها فى المؤتمر.
طارت تامار جولان من مطار ''أورلى'' بباريس مباشرة إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا وفى الطريق سرحت فى ذكرياتها مع زوجها ''أفياهو جولان'' الذى قتلته أمام عينها شاحنة عسكرية تابعة للجيش الإثيوبى فى أوائل صيف عام 1961 وكما سجلت بخط يدها أضفت الذكريات الحزينة الكثير على تصميمها إنجاز مهمتها لاستخلاص أسرار زعماء أفريقيا.
عقب وصولها ارتدت تامار الوشاح النسائى زاهى الألوان وسيلة التعارف وانتظرت طبقاً لخطة الموساد أن يتقدم منها شخص صومالى الجنسية عمل كسائق نقل معدات لدى راديو العاصمة مقديشيو اعتاد العمل بأوقات فراغه على سيارة خاصة لتحقيق دخل إضافى.
على أن تتعمد تامار فى نقطة متفق عليها أمام بوابة المطار عقب إتمام إجراءات الجوازات إسقاط حقائبها وأن تتصنع التعثر وساعتها سيتقدم منها السائق عميل الموساد ليساعدها، وفى هذه الأثناء كان عليها أن تشكر الرجل ثم تستخدم وسط كلمات الحديث شفرة اتفق أن تقول فيها:
''الجو حار جداً أعتقد أن الغزال الرقيق لا يمكنه الحياة فى غابات الصومال''.
بعدها كان على السائق الصومالى عميل الموساد أن يجيبها مباشرة بعد أن يتحقق من وسيلة التعارف التى ترتديها على كتفيها بقوله:
«أسود يهودا وحدهم يمكنهم الحياة هنا ياسيدتى».
وللتوثيق خارج يوميات تامار ثبت بالديانة اليهودية أن «أسد يهودا» ورد كشعار لسبط قبيلة يهودا فى عهد مملكة إسرائيل القديمة وأن التوراة ذكرته فى الإصحاح رقم 49 فقرة 9 من سفر التكوين كما ثبت استعماله كأختام لهيكل الملك «سليمان بن دافيد» كما يستخدم حالياً كشعار حكومى لبلدية مدينة القدس.
التقت تامار جولان عميل الموساد الصومالى وقد أمن لها الطريق وتأكد قبل وصولها من عدم تواجد عناصر لأجهزة غريبة حول نقطة اللقاء حيث طلبت منه مصاحبتها إلى فندق مجاور للمطار حيث ستقيم مع الترتيب لنقلها مباشرة إلى قاعة المؤتمر.
شرعت تامار فى عمليتها وبسبب ضغوط بجدول أعمال صديقها الحميم رئيس ساحل العاج هوبوا بوينى اكتفت بحوار رئاسى معه على الهاتف أجرته ليلة الخميس الموافق 13 يونيو .1974
ثم أجرت بعدها مباشرة حوارها الثانى مع الرئيس التونسى الحبيب بورقيبة لكنها فشلت لرفضه وتهربه من الإجابة على سؤال رؤيته الخاصة لإمكانية توصل مصر وإسرائيل لاتفاقية سلام.
بينما نجحت بحوارها الثالث فى انتزاع إجابة ملكية على سؤال استراتيجى حسبت بعد ذلك كإنجاز معلوماتى للموساد عندما كشف لها الملك الحسن الثانى الذى عرفها جيداً فى حوار خاص أجرته معه لحساب شبكة BBCمكنون رؤيته وخطته للسلام بالشرق الأوسط.
حيث أكد لها فى إحدى الفقرات على هامش الحديث - طلب حذفها - استعداده الشخصى للتوسط بين مصر وإسرائيل لتحقيق اتفاقية سلام عادلة حتى لو اضطره ذلك استضافة مفاوضات حيادية «سرية للغاية» تحت إدارته وإشرافه المباشر بالمغرب.
وصل الرئيس السادات إلى تلك النقطة وقرر التوقف لفحص المعلومات من التواريخ إلى مسيرة الأحداث وعندما تأكد من صحة تسلسل الوقائع طلب تسجيلات شبكة BBC ليوم الجمعة الموافق 14 يونيو 1974 عندما حاورت تامار جولان الملك الحسن الثانى.
ثم طلب من اللواء فوزى عبد الحافظ تكليف ''محمد سعيد أبو السعود'' وزير الإعلام المصرى الثابت شغله المنصب خلال الفترة من 28 أكتوبر 1975 حتى 18 مارس 1976 لتوفير نسخة من شرائط تسجيلات راديو شبكة BBC عن اليوم المقصود.
تحت ضغط اللواء فوزى عبد الحافظ الذى أدرك أهمية طلب الرئيس السادات للتسجيلات وتوجيهه لوزير الإعلام بضرورة الحفاظ على السرية التامة أعلن أبو السعود عن حاجته لمهلة أقصاها 72 ساعة يرسل فيها مبعوثاً خاصاً إلى الأرشيف الرئيسى الخاص بالشبكة البريطانية فى لندن، على أن يطلب بخطاب حكومى روتينى من وزارته اعتادت BBC التعامل بصياغته شرائط تسجيلات أخبار قمة مقديشيو كاملة بدعوى حاجة شبكات الإذاعة المصرية لها.
أنجز وزير الإعلام محمد سعيد أبو السعود المهمة بناء على تكليف الرئيس السادات وقبل مرور المهلة التى طلبها عاد مبعوث وزارته إلى القاهرة مع نسخة مجمعة من التسجيلات المطلوبة ذهب بها مباشرة إلى اللواء فوزى عبد الحافظ الذى أبلغه امتنان الرئيس لجهده.
بعدها أرسل الرئيس السادات فى طلب اللواء كمال حسن على كى يتعامل معلوماتياً مع التسجيلات وكلفه الرئيس البحث فى أمرين الأول صحة نقل تامار جولان إجابات الملك الحسن كاملة لشبكة BBC من عدمه.
والثانى دراسة الموضوع من الناحية الاستراتيجية والمنطقية على أن يعود حسن على خلال 24 ساعة ومعه إجابات دقيقة لكل التساؤلات.
بالموعد المحدد حضر اللواء كمال حسن على وقابل الرئيس السادات وعلى وجهه علامات السعادة لإنجازه المهمة بنجاح وسلم الرئيس ملفاً وجد به السادات كل النتائج المطلوبة مع تفاصيل دقيقة أكدت عدم نقل تامار جولان حديث الملك الحسن الثانى عاهل المغرب كاملاً للشبكة البريطانية وأنها نفذت على ما يبدو طلبه لحذف فقرات بعينها.
مما كشف للرئيس السادات جوهر الإجابات التى بحث عنها الموساد فى مقديشيو وأثبت على الهامش مرة أخرى مصداقية مفكرة اليوميات، أما التوقع الاستخباراتى الأهم الذى استخلصه اللواء كمال حسن على من تحليل المعلومات فقد شمل شقين:
الأول أن مصر كانت يومها فى انتظار تسلم رغبة ملكية رسمية من الملك الحسن الثانى للدخول كوسيط محايد لإدارة مفاوضات سرية للغاية بين الأطراف.
والثانى أن تل أبيب فى طريقها لاستغلال العرض الملكى المغربى وهو ما حدث بالفعل بعدها بشهور وسأتناوله بالتفصيل فى الحلقات التالية.
عاد الرئيس السادات عقب مغادرة اللواء كمال حسن على إلى مكتبه لمتابعة يوميات تامار جولان التى وفر لها ساعات طويلة من وقته الثمين لأهميتها القومية بالنسبة لمصر واستمر فى دراسة تسلسل الأحداث الواردة كما سجلتها وعايشتها صاحبتها باهتمام وشغف، حتى وقعت عيناه على فصل يوميات ذكرياتها عن لقائها الأول مع الرئيس الليبى العقيد معمر القذافى الذى نجحت فى تحديد موعد خاص للقائه بالعاصمة الليبية طرابلس مساء الثلاثاء الموافق 17 يونيو 1975 ولنتابع مع الرئيس السادات نص التفاصيل الكاملة.
طبقاً لتعليمات دافيد قمحى نائب جهاز الموساد ومدير فرع عمليات ''تيفل'' وصلت تامار جولان إلى ''مطار طرابلس العالمى'' الذى شيدته القوات البريطانية أثناء الحرب العالمية الثانية بينما حصل على اسمه الحالى عام 1952 ويبعد المطار عن قلب المدينة 25 كيلو متراً جنوباً بمنطقة ''قصر بن غشير'' التابعة لبلدية طرابلس.
قبيل هبوطها من طائرة الخطوط الجوية الفرنسية Air France تأسست فى 7 أكتوبر 1933 - التى أقلتها من مطار أديس أبابا مباشرة إلى مطار طرابلس لاحظت تامار بعينها المدربة تواجداً أمنياً ليبياً مكثفاً حول الطائرة التى كانت ما زالت تتحرك فى تلك الأثناء على أرض المطار لكنها أرجعت الأمر لإجراءات روتينية عادية.
لكن ثبت عكس اعتقادها عندما فتح طاقم الضيافة الفرنسى أبواب الطائرة تمهيداً لوداع ركاب الرحلة الذين اشتموا ساعتها نسمات هواء ليبيا الدافىء بينما أشارت الساعة إلى التاسعة من صباح الثلاثاء 17 يونيو .1975
فوجئت نقيبة الموساد تامار جولان بضابط ليبى وسيم يدخل إلى الطائرة لينادى على اسمها وعندما قامت قدم نفسه باسم النقيب «موسى محمد كوسا» يعمل بجهاز الأمن الليبى الخاص بالعقيد القذافى وأنه مكلف باصطحابها إلى مقر الزعيم «مهيب الركن».
وللتوثيق ثبت تولى موسى كوسا منصب رئيس ''جهاز الأمن الخارجى'' المسمى باسم ''استخبارات الجماهيرية'' خلال الفترة من عام 1994 حتى عام 2009 بينما كان آخر مناصبه الرسمية كوزير لخارجية ليبيا فى الفترة من 4 مارس 2009 حتى هروبه من طرابلس بتاريخ 30 مارس .2011
مثلما سجلت تامار جولان لم تكن تلك هى أول مرة ينتظرها على سلم الطائرة ضباط من سلطات أجهزة أمن الدول الإفريقية التى نفذت فى أكبر عواصمها عمليات سرية لحساب جهاز الموساد سواء وهى منتحلة شخصية سيدة الأعمال الفرنسية «جانيت» أو كصحفية متخصصة فى الشئون الإفريقية.
بل كانت المفاجأة الأخطر بالنسبة لها أنه سألها دون مقدمات عن أحوال صالونها الثقافى فى باريس وراح يرمقها بنظرات خبيثة من آن لآخر داخل السيارة ذات الزجاج الأسود المعتم التى نقلتها مباشرة من أرض المطار دون العبور على منافذ دائرة الحدود الليبية الرسمية لختم جواز سفرها الفرنسى.
حاولت تامار التى حكت باليوميات أنها شعرت تلك اللحظة بالخطر أن تستشف قصد ذلك الضابط الليبى الشاب ذى الصلاحيات الأمنية المتسعة وراء سؤاله المباغت لكنه تعمد عدم الإجابة مما زاد من توترها ورفع درجة قلقها.
بينما قطعت السيارة طريقها فى دقائق قليلة حتى وصلت إلى مجمع «قصر باب العزيزية» جنوب مدينة طرابلس على الطريق السريع إلى المطار حيث مقر إقامة العقيد القذافى مكان عقد اللقاء الصحفى الذى وصلت ليبيا من أجله طبقاً لخطة الموساد.
أثناء ولوج السيارة الغامضة التى أقلتها من المطار إلى بوابات قصر باب العزيزية سمعت تامار موسى كوسا الضابط الشاب المرافق لها يعلن إلى حراس البوابة عن وصول ''المرة'' وكانت تعلم بحكم خبراتها فى التعامل مع المعارضين العرب فى باريس أنها كلمة عربية دارجة تعنى المرأة.
لكنها تستخدم بعض الأحيان للحد من شأن النساء وكما سجلت تأكدت من تلك اللحظة أن شيئاً ما قد وقع عن طريق الخطأ بخطة دافيد قمحى ربما كشفها لاستخبارات الجماهيرية وأن حياتها أصبحت مهددة كضابطة عمليات إسرائيلية بالموساد سقطت بين أيدى رجال القذافى فى ليبيا.
تابع الرئيس السادات يوميات نقيبة جهاز الموساد العاملة تحت هوية الصحافة وهى تحكى عن الأحداث التى سبقت لقاءها الأول مع العقيد القذافى فى مقر إقامته بقصر باب العزيزية الذى شيده الملك «محمد إدريس الأول» الذى جلس على عرش ليبيا خلال الفترة من 24 ديسمبر 1951 حتى 1 سبتمبر 1969 وسنتابع الوقائع كما سجلتها تامار بخط يدها.
اصطحب ضابط الاستخبارات الليبى الشاب موسى كوسا الصحفية الضيفة تامار جولان «المرة» مثلما أخبر أمن حراسة المجمع الرئاسى وسمعت هى بأذنيها إلى باب العزيزية واتضح أن له حظوة قريبة من دائرة العقيد فتحت جميع الأبواب أمامهما.
بات اللقاء مع العقيد القذافى وشيكاً وعند إحدى الغرف الموسرة داخل ردهات القصر طلب كوسا من تامار أن تسلم ما لديها عدا قلمها ودفتر الكتابة حتى جهاز التسجيل وعبثاً حاولت إقناعه أن التسجيل ضرورة صحفية حيث أجابها أنه ممنوع تسجيل حديث العقيد ومن هنا أصبحت وحيدة دون جواز سفرها الفرنسى آخر ملاذ يمكنها الاحتماء خلفه سياسياً إذا تدهورت الأمور.
غادر موسى كوسا الغرفة وأغلق بابها ومرت الساعات على تامار مثل الدهر بينما ساعات ذلك النهار الساخن تتسرب تراقبها تامار من نافذة الغرفة المسيجة بسياج فولاذى يطل على حديقة داخل القصر ولولا نظام التبريد القوى لاحتاجت نقلها المستشفى من قسوة قيظ صيف ليبيا الساخن.
خارج الغرفة لا يوجد أثر أو صوت لكائن حى داخل مجمع الأشباح مثلما وصفته تامار فى يومياتها بينما تسمع أحياناً أصوات أقدام أحذية عسكرية منتظمة الخطى وكأنها تحرس باب الغرفة التى لم تفتح ثانية سوى لإدخال وجبة الغذاء مع بعض المشروبات الملطفة والفواكه الطازجة وأشباح تتحرك بالخارج ترى صورتها المعكوسة على بلاط الردهة أسفل العتب.
أشارت عقارب الساعة السويسرية الحديثة بيدها إلى السابعة مساء الثلاثاء الموافق 17 يونيو 1975 وهى وحيدة منذ أكثر من عشر ساعات مرت عليها ثقيلة فى غرفة بحمام خاص فاخر ونافذة يتيمة لا يمكن لطير النفاذ منها وهى بحاجة ماسة لحمام «دش» بارد يذكرها بحريتها المسلوبة فى طرابلس حتى إشعار آخر.
فكرت نقيبة الموساد ممشوقة القوام، رقيقة البشرة الموجودة بإحدى غرف قصر باب العزيزية تحت الهوية الصحفية فى تلك اللحظة أن تخلع ملابسها الصيفية الخفيفة أصلاً حتى تسرق حلم حمام الماء البارد، شجعها على ذلك خُبو الأصوات والحركة بالخارج واعتقادها أنها ستُمضى ليلتها الأولى فى ليبيا بتلك الغرفة على حالتها.
بل ربما أبدل العقيد القذافى موعد اللقاء الصحفى لأسباب خاصة بمهامه الرئاسية وبالفعل خلعت القميص النسائى الأبيض الذى لم يخف الكثير تحته ومدت يدها لفتح حمالة الصدر الصغيرة وفى نفس اللحظة خلعت بحركة محترفة حذاءها الأوروبى الأبيض وهى تراقبه يعلو بالهواء ليسقط على مقربة منها بينما بدأ هواء مبرد الغرفة يلاطف بشرتها الغضة.
لم تصل يد تامار جولان بعد إلى مشبك حمالة صدرها بيضاء اللون وكانت معطية ظهرها لباب الغرفة الهادئة حتى انفتح الباب فجأة مما أصابها بالذهول بموقف لا تحسد عليه امرأة بمثل سطوعها وقد حرصت على عدم إدارة جسمها ناحية الباب بينما مدت يدها والتقطت قميصها سريعاً وارتدته فى ثوانى وعندها فقط أدارت وجهها إلى الزائر الجديد ثانى رجل تلتقى معه وجهاً لوجه منذ هبوط طائرتها صباح ذلك اليوم المرهق فى مطار طرابلس.
فوجئت تامار برجل يرتدى الزى العسكرى الكامل لجنرالات الجيش الإيطالى يزين صدره عدد من النياشين والأوسمة المفروض أنه نالها على مراحل خدمته الوطنية الطويلة فأومأت برأسها مع نصف ابتسامة وهى تكاد أن تصرخ بوجهه حتى تعلمه آداب الدخول إلى غرفة سيدة أوروبية أسيرة فى قصر باب العزيزية.
تحدث الرجل الغريب المظهر اللغة الإيطالية بطلاقة بلكنة ولهجة أهل روما وعندها مد يديه القويتين ليصافحها بكلتا كفيه احتضن يدها صغيرة الحجم برقة يرتب عليها وكأنهما أصدقاء قدامى وبدا من حديثه وكأنه يرحب بها بحرارة فسحبت كفيها منه برفق وأخبرته أنها لا تعرف سوى القليل من اللغة الإيطالية وأنها تفضل الحديث باللغة الإنجليزية.
وكانت فى هذه الأثناء تفكر فى ظهور ذلك الجنرال الإيطالى وعلاقته بزيارتها وسبب تواجده فى تلك الغرفة داخل قصر باب العزيزية وحتى لو فرض أنه من الاستخبارات الإيطالية التى تعاون معها العقيد القذافى فما سبب ظهوره لها؟
وغرقت فى هذه الأجواء بعشرات الأسئلة دون إجابات تفكر هل كشفها الإيطاليون حلفاء العقيد وأن ذلك الجنرال قادم خصيصاً للتحقيق معها؟
وعقلها ينفى لأن هيئة الرجل وأسلوب حديثه وترحيبه بها دل على عكس ذلك تماماً ولم يعد أمامها تلك اللحظة سوى أن تتجرأ وتسأله مباشرة ولما لا حتى لو كانت قد كشفت وسقطت فيبقى من حقها دائماً السؤال عن كل ما ترغب فيه.
لكن لم يمهلها الرجل الواثق بنفسه وبخبرته فى التعامل مع البشر لدرجة الغرور وقد نطق سريعاً مثل جهاز الترجمة الفورية ورد عليها قائلاً:
Why Not?
لكنه سقط بتلك اللحظة فى امتحان اللهجة الإنجليزية الأوروبية المعروفة بلكناتها المختلفة وانكشف لها أمره وعلمت أنه عربى من أهل المكان وقد بات لها السؤال الغريب والمريب مفتوحاً على مصراعيه.
فلماذا يرتدى ذلك الرجل الليبى النظارة السوداء ذات الماركة الفرنسية الباهظة الثمن تكاد تخفى كل وجهه مع ''الكاب'' العسكرى الإيطالى السميك الذى أخفى بقية ملامحه وبالأصل من أين للرجل ملابس كاملة لزى جنرال إيطالى كبير بالخدمة العاملة؟
قطع الرجل فى الزى الإيطالى حبل تفكير تامار وناداها بلقبها «مدام جولان» الذى نالته من اسم عائلة زوجها الراحل ضابط العمليات الإسرائيلية ودون مقدمة كشف لها عن شخصيته وخلع نظارته مع الكاب لتفاجأ وهى تسقط على أقرب كرسى بالغرفة من هول الصدمة أنه العقيد القذافى حضر لها متخفياً بزى الجنرال الإيطالى.
ومثلما سجلت بمفكرة يومياتها علمت تامار عقب مغادرتها ليبيا من دافيد قمحى نائب رئيس الموساد أنه اعتاد تلك الفترة من منتصف السبعينيات تقمص عشرات الشخصيات العظيمة بالعالم بل شوهد وصور متخفياً بمدن ليبية مختلفة فى تلك الشخصيات.
أمسك العقيد القذافى بيد تامار قبل أن تسقط أمامه من وقع الصدمة وأظهر خبرة خاصة فى التعامل مع النساء قطعت الموقف وسحبها من يدها إلى خارج الغرفة ثم المبنى لتجد عربة صغيرة الحجم تستخدم فى رياضة الجولف أقلها داخلها ثم قادها بنفسه وسط حدائق القصر.
فى تلك اللحظات التاريخية بالنسبة إلى تامار أضيئت الأنوار من حولهما فجأة بنظام وتتابع هندسى مثير وكأن النظام الضوئى تعرف على العقيد أو أنه رتب لذلك كى يبهرها فتحولت حدائق قصر باب العزيزية لأرض كرنفال خاص رحب بحضورهما معاً بينما انطلق العقيد يقود عربة الجولف وهو ما يزال مرتدياً الزى العسكرى الإيطالى.
فى هذه الأثناء تقمص القذافى شخصية المرشد السياحى للسيدة الضيفة الجميلة وراح يحكى لها وهما يمران على معالم القصر المشيد على مساحة ستة كيلو مترات مربعة عن مسجد الملك إدريس وملعب كرة القدم وعشقه للعب الكرة مع حراس القصر فى أوقات الفراغ.
ثم عن أحدث مركز للاتصالات الروسية بمنطقة شمال إفريقيا وبثه من داخل قصر باب العزيزية وعن الملحق الإدارى الأحدث بالشرق الأوسط طبقاً لوصفه وتحصينات القصر غير المسبوقة بالعالم حتى وصلا إلى ساحة حمام السباحة.
ساعتها رصدت تامار المدربة على دقة الملاحظة وسرعة البديهة مائدة عشاء فاخرة معدة لشخصين مضاءة بالشموع تحيطها الورود الفواحة على الطرف الأيمن من حوض الحمام وشماعة علق عليها طاقمين أحدهما نسائى مع روب ''بُرنس'' كبير ويبرز بجانبهما رداء سباحة لونه أبيض ليس غريباً عليها يبدو أنه بيكينى ساخن ورائحة العطور الفاخرة تزكم الأنوف بشكل ملفت ومثير.
سجلت تامار أنها شعرت فى تلك الليلة بفخ سقطت فيه وعندها أوقف العقيد القذافى عربة الجولف الصغيرة طلب منها الترجل ثم صحبها من يدها وكأنه يراقصها لمائدة العشاء لأنه كما قال شعر بالجوع ولم يأكل على حد تعبيره بسبب انشغاله بالعمل منذ فترة طويلة.
كتبت تامار بيومياتها عن تلك الليلة الغريبة بطرابلس أنها تمنت أن قصده هو تناول الطعام المتنوع الذكى الرائحة على مائدة العشاء العريضة ولم يقصد بالأكل وجوعه الشديد خطة لالتهامها هى على العشاء بجوار حمام سباحة قصر باب العزيزية الرئاسى فى طرابلس.
ثم انغمست معه فى تناول الطعام الشهى بعدما تذكرت أنها لم تتناول سوى وجبة الغذاء التى أحضروها لغرفتها عقب وصولها من مطار طرابلس فى الصباح وكان اللافت أن القذافى لم يكمل طعامه كما توقعت.
بل استأذن منها وخلع ملابسه كاملة وتبين أنه ارتدى رداء السباحة الخاص به مسبقاً تحت الملابس العسكرية وقبل أن تنطق بكلمة قفز داخل الماء ثم نادى عليها وطلب منها النزول للسباحة معه لأن المياه جميلة.
حاولت تامار الاعتذار منه لعدم وجود ملابس سباحة معها فضحك وأخبرها أنه عمل حسابه وقد أشار إلى شماعة الملابس بجانب حوض السباحة لكنها استمرت بالمراوغة وسألته كيف عرف بمقاس رداء السباحة الخاص بها وبلونها الأبيض المفضل لأنها لا ترتدى سواه فذكرها أنها سلمت حقيبة سفرها فى الصباح إلى الضابط موسى كوسا.
فتجرأت تامار على عقيد ليبيا القوى الهائم فى المسبح وهو ينتظر أن تلحق به داخل المياه الباردة وسألته ساخرة:
«هل من عادات موسى كوسا تفتيش حقائب ملابس السيدات ضيوف العقيد»؟
فضحك العقيد القذافى وكان وقتها فى ريعان شبابه وأعلن لها أن كوسا من أفضل معاونيه من ضباط ليبيا الوطنيين المدينين له بالولاء التام وأنه يبلغ من العمر 28 عاماً لكنه فى خبرة الشيوخ.
فى هذه الأثناء الساخنة خرج العقيد القذافى من حمام السباحة وعلامات الابتسام لا تفارق وجهه وتناول المنشفة وارتدى بُرنس السباحة الخاص به وعاد للجلوس جوار تامار معلناً لها عن عدم اعتياده رفض النساء له ثم قال لها بثقة بالغة:
«ومع ذلك لأنك ضيفتى بليبيا لأول مرة سأسامحك على عدم الانضمام لى فى المسبح لكن لن أسامحك إذا رفضت الآن الاحتفال معى بذكرى مولدى منذ ثلاثة وثلاثين عاماً والثابت أن القذافى مواليد قرية «جهنم» بوادى «جارف» التابعة لمدينة سرت 7 يونيو .1942
ابتسمت تامار وانفرجت أساريرها وشعرت أن مرحلة الخطر قد ولت وهنأته بمناسبة عيد ميلاده وتجرأت حتى تذيب الثلج والفوارق بينهما مرة واحدة وللأبد واقتربت منه ثم شبت على أصابع قدميها لأنه أطول منها.
بعدها طبعت تامار على خده الأيمن قبلة خفيفة فشعر العقيد بالانتصار على أنوثتها ووجدها فرصة ليستغلها فأشار لها على خده الآخر وهو يضحك فبادلته سعادته ثم قبلته مرة أخرى وساعتها افتعل القذافى حركة بيده بطريقة لعب فيها بأصابعه وكأنها شفرة حركية سرية.
فانشق صمت المكان الذى اعتقدت حتى تلك اللحظة أنه غير مسكون وأنها وحيدة مع العقيد القذافى تحت سماء ليل طرابلس الساخن وظهر حارسان أحدهما موسى كوسا الذى تعرفه الآن جيداً بصحبة رجل ارتدى زى طباخ - «شيف» - يبدو أنه أوروبى شرقى.
يجر عجلة طعام متحركة أمامه عليها «كعكة» عيد ميلاد وصواريخ صغيرة مشتعلة تحترق بتتابع مغروسة فى جوانبها ليخرج منها ألوان زاهية مثل صواريخ أعياد الميلاد وبعدما أعد الشيف الكعكة اختفى خلال ثوان قليلة مع الحارسين وما عادت تامار تراهما ثانية.
أطفأت تامار مع العقيد القذافى شموع كعكة الاحتفال بعيد مولده وتناولت قطعة صغيرة منها واعتذرت لارتباطها بحمية طبية صارمة فأخبرها أن يوم مولده الحقيقى فى 7 يونيو 1942 لكن شعبه الليبى الذى يعشقه على حد تعبيره يحتفل بمولده ثلاثين يوماً كاملة لذلك هو باحتفال دائم طيلة شهر يونيو من كل عام.
بعدها اصطحب العقيد القذافى ضيفته تامار جولان مرة ثانية إلى ملحق القصر الذى نزلت به ضيفة فى الصباح بينما قاربت الساعة التاسعة مساء الثلاثاء الموافق 17 يونيو .1975
قبل أن تسأل تامار بعدما اقتربت فى ليلة واحدة من الزعيم القذافى أكثر من أى إسرائيلى آخر غيرها عن الحوار الصحفى معه، طلب منها العقيد أن تحصل على قسط من الراحة حتى صباح اليوم التالى بعد يومها الشاق مع وعد أنه سيقابلها على وجبة الإفطار.
عادت تامار إلى غرفتها الأولى لتجدها وكأن مهندس ديكور قد زارها خلال الساعتين اللتين غابت فيهما وقد تغير كل شىء كما وجدت حقيبتها الشخصية وكل أغراضها وجواز سفرها الفرنسى قد رد إليها ولاحظت أن موسى كوسا ختمه لها بمطار طرابلس فتنفست الصعداء واعتقدت بزوال الخطر وأصبحت مؤهلة لأول مرة ذلك اليوم أن تغمض عينيها لتنام قليلاً.
عبثاً حاولت تامار تلك الليلة مصادقة النوم الذى زارها لأقل من ثلاث ساعات أفاقت بعدها على صوت آذان الفجر الخاص بالمسلمين يسمع من عدة اتجاهات مرة واحدة فتذكرت أنها على أرض عربية وكان الأقوى يدخل من نافذة غرفتها القريبة من مسجد الملك إدريس.
مثلما وعدها العقيد القذافى فقد طرق باب غرفتها الساعة السابعة صباحاً موسى كوسا لكن بلطف هذه المرة ووقف حتى أذنت له بالدخول وعندها طلب منها الاستعداد لمقابلة العقيد على وجبة الإفطار حيث ينتظرها كما وعد.
قامت تامار مسرعة بعدما أغلق موسى الباب وراءه من تحت الغطاء الرقيق الذى التحفت به طيلة الليل وهى عارية بسبب رطوبة جو مدينة طرابلس الساحلية المطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط.
وجدت تامار العقيد القذافى بانتظارها على المائدة يرتدى زى ضابط بحرى فلم تعلق وعقب تناولهما قهوة الصباح شرعت باستجوابه عن عدد من الأسئلة الاستراتيجية التى وضعها لها الموساد بهدف التعرف على رأيه فى السلام بين مصر وإسرائيل وهى المهمة الأصلية التى جاءت إلى ليبيا من أجلها.
على عكس ما خطط له دافيد قمحى فوجئت تامار بالعقيد يرفض الاستمرار فيما أطلق عليه لعبة الأطفال التى تمارسها معه منذ أن وصلت ليبيا وعندما تظاهرت بعدم فهم قصده كشف لها علمه الكامل بشخصيتها وبالهدف الذى حضرت من أجله وأكد لها إمكانية القبض عليها فوراً لأنها ضابطة إسرائيلية بالموساد.
وقع الأمر عليها كالصدمة ولم تجد تامار سبباً للإنكار بعدما أخبرها بمعلومات دقيقة عنها وفى نفس التوقيت أدركت بخبرتها أن العقيد القذافى لم يخطط للقبض عليها ولو أراد لكان افترس جسدها أولاً الليلة الماضية للانتقام منها وإذلالها مثلما اعتاد فعله مع نساء أعدائه وهو ما دفعها للتساؤل:
''إذا ماذا أراد القذافى منها؟ ولماذا استدرجها إلى ليبيا وهو عالم بحقيقتها؟''.
استجمعت تامار شجاعتها وقد كُشف أمرها بالفعل وسألت العقيد بهدوء يشوبه الخوف وهى تحاول الحفاظ على أكبر قدر من السيطرة على حديثها كى لا يثور بوجهها وربما تدهورت الأمور أكثر مما هى عليه بالفعل قائلة:
«إذا ما تريد سيادتك بالتحديد»؟.
فأجابها العقيد القذافى دون تفكير وكأنه استعد لسؤالها وتوقعه مسبقاً وهو جزء من خطته:
«أريدك أن تكونى همزة الوصل بينى وبين رئيس جهاز الموساد الجنرال اسحاق حوفى ولا تنكرى فبالتأكيد تعرفينه شخصياً وربما هو نفسه من أرسلك إلى ليبيا، فقط أريدك أن تكونى ساعى البريد السرى للغاية بينى وبينه عندما أريد ذلك بالطبع؟''.
أعلنت تامار سعادتها بالطلب لكنها أخبرت العقيد القذافى أن ذلك الأمر يعود بالتأكيد لتقدير مدير الموساد وهى تملك كضابطة صغيرة الاتصال به لعرض الأمر وانتظار قراره وحده لكن لا يمكنها أن تضمن موافقته أو موافقة الموساد وطلبت من العقيد أن يتفهم ذلك المنطق وموقفها.
وافق العقيد القذافى على المبدأ وأن تتصل بمدير الجهاز الإسرائيلى مثلما طلبت وبعدها يقرر الخطوة التالية ووجدتها تامار فرصة أخيرة حتى تطلع الموساد على ما حدث معها فى ليبيا وبالفعل أبلغت دافيد قمحى أولاً على الهاتف بصفته مديرها المباشر بالموقف.
ثم نقلت إليه نص طلب العقيد القذافى فطلب منها قمحى التماسك لأن الموساد لن يتركها فى ليبيا مع مهلة ثلاث ساعات حتى يجتمع بالمسئولين فى حضور اللواء حوفى على أن تعاود الاتصال معه الساعة الثانية عشرة ظهر الأربعاء الموافق 18 يونيو 1975 لأنه لا يعرف لها رقماً ثم طلب قمحى بحنكته أن تنقل تحيات الموساد الخالصة إلى العقيد القذافى ففعلت.
تأكد العقيد القذافى على الجانب الممتد من ساحل البحر المتوسط داخل قصر باب العزيزية بطرابلس من سيطرته على جواب مدير الموساد وقد أمسك بكل خيوط اللعبة بما فيها تامار جولان التى ترقبت رد تل أبيب فى قلق وتوتر وبعدها سيتقرر إما استكمالها حياتها بشكل عادى أو دخولها السجن الليبى ذلك اليوم كجاسوسة لإسرائيل.
سجلت تامار بيومياتها أن العقيد القذافى المخضرم شعر بهذه اللحظات الفارقة بما مر عليها فطلب منها أن تثق به لأنه سيتعامل معها على حد تعبيره بأى وسيلة مؤكداً لها ثقته فى الرد الإسرائيلى ووعده أنه سيسمح لها بالعودة إلى باريس فى كل الأحوال.
كان الرئيس السادات يطالع بتعجب ما سجلته نقيبة الموساد من ذكريات شخصية بمفكرة يومياتها التى سربها إليه الصحفى الأمريكى الشهير والتر كرونكيت فى زيارته الأولى للعاصمة الأمريكية واشنطن وعندما وصل إلى تلك الفقرة نادى على اللواء فوزى عبد الحافظ وكلفه بإبلاغ اللواء كمال حسن على حاجة الرئيس لرؤيته على وجه السرعة.
وعندما وصل كمال حسن على أطلعه الرئيس السادات على ذلك الفصل من اليوميات فأكد اطلاعه عليه بالفعل وأنه بصدد إعداد تقرير شامل عن الواقعة الخطيرة التى لم يكن لأحد كشفها لولا مفكرة اليوميات الثمينة على حد تعبيره وتقديره للسادات.
عاد الرئيس السادات ليكمل مع كمال حسن على هذه المرة قراءة ودراسة محتوى ما سجلته نقيبة الموساد صحفية الشئون الإفريقية فى يومياتها عن رحلتها المثيرة إلى العاصمة الليبية طرابلس ولقائها الأول مع العقيد القذافى مساء الثلاثاء الموافق 17 يونيو .1975
ومثلما أنبأها الزعيم الليبى العقيد معمر القذافى حدث بالتفصيل عندما تلقت تامار بالاتصال المرتقب مع نائب رئيس الموساد دافيد قمحى فى تمام الثانية عشرة ظهر الأربعاء الموافق 18 يونيو .1975
موافقة تل أبيب الرسمية على التعاون مع العقيد بل فوجئت تامار ذلك اليوم التاريخى كما وصفته بمذكراتها الشخصية بصوت مدير الجهاز اللواء اسحاق حوفى يطلب منها شخصياً وضع العقيد على الهاتف وكانت تلك هى المحادثة المباشرة الأولى من نوعها بين القذافى والموساد الإسرائيلى وللسر بقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.