ظن الكثيرون أنه بعد القرارات التى اتخذتها وزارة الأوقاف ونقابة القراء بحق المشايخ الذين سافروا لإيران ورفعوا الأذان الشيعى، أنه لن يجرؤ أحد على الإقدام على مثل هذه الخطوة مجددا، إلا أن الشواهد تؤكد إصرارهم على التواصل مع النظام الإيرانى، الذى يتحدى السيادة المصرية، ويعلن دعمه لهم، فخبر سفر المقرئين التسعة لإيران انتشر بصورة كبيرة فى العديد من وسائل الإعلام الإيرانية التى رحبت بهم، حتى إن الإذاعة الإيرانية أعلنت عن تخصيصها لمقاعد ثابتة لهؤلاء المقرئين طوال شهر رمضان ليكونوا جنبا إلى جنب مع مقرئى إيران. الكارثة الأكبر أن إيران دائما ما تمارس لعبة خبيثة فى استقطاب المصريين، وتحاول بشتى الطرق أن تلقى عليهم بشباك التشيع سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، فإما تصورهم وهم يرفعون الأذان الشيعى مثل «فرج الله الشاذلى»، السيد متولى عبدالعال، مصطفى غلوش.. وغيرهم، أو دعوتها المصريين لزيارة أراضيها بالتزامن مع بعض المناسبات المهمة عند الشيعة.
فكما دعت إيران الوفد المصرى الذى ضم عددا من أهالى الشهداء وبعض الشخصيات الشيعية المصرية، وبعض الشخصيات العامة فى عام 2012 بالتزامن مع الذكرى ال23 لوفاة «الخومينى» قائد الثورة الإسلامية الذى يعتبره «خامنئى» المرشد الأعلى للثورة بأنه الأب الروحى لثورة 25 يناير، وباقى الثورات العربية التى تطلق عليها إيران «الصحوة الإسلامية»، إيران كررت الأمر نفسه مع مصر حين وجهت الدعوة للمقرئين المصريين فى رمضان، والتى ذكرت وكالة أنباء «فارس» المقربة من «خامنئى» أنها تتزامن مع ذكرى ميلاد «حسن مجتبى» أى «الحسن بن على» كرم الله وجهه، وهى إحدى أهم المناسبات الدينية الشيعية.
ولعل هذا الأمر ينفى أى بادرة لحسن النوايا، فبالعودة إلى خطبة «خامنئى» التى ألقاها فى الذكرى الثالثة والعشرين سوف نكتشف نية إيران الحقيقية من هذا الأمر، حيث ذكرت الإذاعة الإيرانية أن: «خامنئى» جدد البيعة مع الشعب المصرى أمام قبر «الخمينى» معلنا أن المصريين انتصروا لإرادته وخطته وساروا على دربه وأطاحوا بمبارك الذى وصفه بالطاغية.
ومن المؤسف أن إيران استغلت حاجة بعض أهالى الشهداء للمال وطمع البعض فى الحصول على المزايا التى تأتى من وراء سفرهم، فى حين أن هناك الكثير من أهالى الشهداء رفضوا السفر كاشفين لرغبة إيران فى تشيعهم.
وبذلك كان تخصيص إيران برامج ثابتة فى الإذاعة لإحياء حسينيات أمرا متعمدا لإحراج النظام فى مصر، حتى إن فارس نشرت مواعيد جداول إذاعة برامج المقرئين طيلة شهر رمضان ومن بينهم مقرئو الرئاسة د. أحمد نعينع، السيد متولى عبدالعال، وغيرهما.
واستكمالا للخبث السياسى الذى تمارسه إيران، سلطت الضوء فى العديد من وسائل الإعلام على كبار المشايخ المصريين الذين رحلوا عن عالمنا وسافروا لإيران فى الماضى، باعتبار أن من يقتدون بهم وسافروا لإيران وقابلوا رجال دين شيعة مثل القارئ الكبير أبو العينين شعيشع، الذى ذكرت العديد من المواقع الإيرانية أنه سافر إلى إيران عدة مرات، وكانت تربطه علاقة قوية بالمرشد الأعلى على خامئنى، حتى أن موقع (إيكا) الإيرانى المتخصص فى العلوم القرآنية أشار إلى تصريح ل (شعيشع) يؤكد فيه أن: (إيران وطنه الثانى).. وأنه لابد للدول الإسلامية أن تقتدى بإيران فى إحياء المناسبات الدينية فهى مدعاة للفخر).
كما خصصت الإذاعة الإيرانية فقرات ثابتة لتلاوات الشيخ (شعيشع) وعبدالباسط عبدالصمد الذى وردت أنباء عن تشيع نجله (ياسر)، إلى جانب الكثيرين من كبار القراء.
لم تقتصر مكافآت إيران على تخصيص برامج ثابتة لهم بالإذاعة، بل إن رئيس الشئون القرآنية فى منظمة الأوقاف والشئون الخيرية (ولى يار أحمدى)، أعلن أن المصريين سيشاركون فى إحياء أكثر من 560 احتفالية فى العديد من المحافظات والمدن والمؤسسات والمساجد الشيعية خلال تواجدهم فى إيران، وذلك بدءا من السابع إلى الرابع والعشرين من شهر رمضان الجارى.
والمقرئون هم : محمود شحات أنور، السيد متولى عبدالعال، أحمد شحات أحمد لاشين، عادل الباز، على محمود الشميس، محمد قطب الطويل، عبدالناصر حرك، محمد شرف الدين).
وأكد (أحمدى) على حرص بلاده على دعوة مشاهير المقرئين المصريين كنوع من التقارب بين المذهبين السنى والشيعى، وذلك وفق ما ورد فى وكالة أنباء (أيسنا) الإيرانية.. والسؤال الذى يفرض نفسه إذا كان النظام الإيرانى بهذه البراءة فلماذا الحرص على تصويرهم وهم يرفعون الآذان الشيعى، ولماذا يدعوهم خلال المناسبات الشيعية؟
ودافعت الوكالة عن المقرئين المصريين الذين تم فصلهم من النقابة هم : أحمد نعينع، عبدالفتاح الطاروطى، طه النعمانى، فرج الله الشاذلى، أحمد محمد بسيونى، محمد عبدالوهاب طنطاوى، محمود يوسف عقل، عبدالعزيز أحمد عبدالقادر.
واتهمت النظام المصرى بالتعسف ضد الشيعة.
وفى صورة أخرى من صور تحدى النظام سلطت العديد من وسائل الإعلام الإيرانية المقربة من النظام الضوء على فشل محاولات منع مشاهير المقرئين المصريين من السفر لإيران، كما قالت وكالة (مهر) الإيرانية المقربة من المحافظين، متهمة التيارات القومية والدينية بأنها مدعومة من الخارج، وأن الأخيرة تسعى لزعزعة أية محاولات للتقارب مع مصر.
فإيران دائما ما تخشى من تقارب السعودية ومصر وتشعر بأن السعودية حجر العثرة أمام عودة العلاقات مع مصر، لإدراكها أن ثورة 30 يونيو جاءت للإطاحة بنظام المعزول محمد مرسى، الذى فتح الباب على مصرعيه لحماس وحزب الله المدعومين من إيران وسمح لهما باقتحام السجون، كما تعاون مع الحرس الثورى الإيرانى الذى كان ينوى إنشاء فرع له فى مصر، كما أدركت خوف المصريين من المد الشيعى، وبالتالى فإن دعمها لهؤلاء المقرئين سيفتح لها أبوابا أخرى من خلال تحسينهم صورة إيران عند مريديهم من المصريين البسطاء فى القرى والمحافظات الذين لم يعرفوا الفرق بين الشيوعية والتشيع..
ولعل بطء اتخاذ القرارات حيال من ثبت عليه ممارسة شعائر شيعية، هو ما يجعل إيران تتمادى فى استقطابهم، فحتى هذه اللحظة ورغم الضجة الكبيرة التى أثيرت حول رفع بعض المقرئين للآذان الشيعى، إلا أن البعض منهم لا يزال يظهر على شاشات التليفزيون المصرى وكأن شيئا لم يكن، مثل الشيخ السيد متولى عبدالعال، مقرئ القرآن فى صلاة الفجر التى ينقلها التليفزيون المصرى خلال شهر رمضان الجارى، والذى تم تسجيل فيديو له مرفوع على موقع (يوتيوب) وهو يرفع فيه الآذان الشيعى، الذى ردد خلاله : أشهد أن لا إله إلا الله وأن على حجة الله)، كما أنه ظهر على شاشات القنوات الشيعية كقناة (المنار) اللبنانية التابعة لحزب الله، وقناة (الغدير).
كذلك الشيخ عبدالناصر حرك، مقرئ القرآن بمسجد (الحسين) والذى ينقل التليفزيون المصرى شعائره على الهواء مباشرة، والذى ظهر على قناة (الكوثر) الإيرانية الشيعية.. النظام والإعلام الإيرانى يسعيان دائما لصناعة هالة نورانية مفتعلة للمرشد أو الولى الفقيه (خامنئى) الذين يعتبرونه يملك زمام أمر المسلمين جميعا سواء داخل إيران أو خارجها، فما أكثر الصور التى تصوره وكأنه رسول منزل من السماء لهداية البشر فى جميع أنحاء العالم..
ومن المؤسف أن بعض المقرئين المصريين ساهموا فى تغذية هذه الصورة، فهناك الكثير من التصريحات التى أدلى بها البعض لوكالات أنباء إيرانية أكدوا خلالها على أن (خامنئى) راعى الإسلام فى العالم وأثنوا على جهوده فى نشر تعاليم الدين الحنيف.
حتى أصبح البعض يتباهى بأنه نال الرضا من (خامنئى) حين ابتسم له، مثلما حدث مع المقرئ : أحمد شحات أحمد لاشين، حين قال فى حواره مع وكالة (فارس) أنه حين قال ل(خامنئى):
جطورى؟.. أو ( كيف حالك) بالفارسية ضحك له.. مضيفا أنه بعد عودته إلى مصر أصبح يتذكر ذكرياته مع (الإمام) ويسردها لمعارفه، مشيرا إلى أن لقاءه به يعد من أجمل وأقرب الذكريات لقلبه على الإطلاق.
على الرغم من أن كثيرا من الإيرانيين المعارضين للنظام يرون أنها صورة زائفة، لاسيما أن (خامنئى) وأبناءه متورطون فى قضايا فساد مالى ويستولون على أموال النفط الإيرانى، وبالتالى يعبترونه لا يمت بصلة لتلك الصورة الملائكية التى يرسمها لنفسه، مشيرين إلى تقرير نشرته وكالة ( رويترز) يفيد بأن (خامنئى) يتحكم فى امبراطورية اقتصادية ضخمة تقدر بنحو95 مليار دولار، فى المقابل فإن أكثر من 40٪ من الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر.
تتوافق مساعى خامئنى من نحو دعوة المقرئين المصريين مع جهاز المخابرات الإيرانية الذى يحرك وسائل الإعلام الرسمية من وراء ستار، فبالعودة إلى تقرير المخابرات الذى نشرته العام الماضى عبر موقعها الإلكترونى الرسمى، الذى كتب تحت عنوان ( الوحدة والتضامن كلمة السر للانتصار على أعداء النظم الإسلامية) نجد إشارة إلى الدور الذى لعبته إيران سواء على الصعيد الدولى أو الإقليمى وبالتحديد فى الدول العربية فى نشر ثقافة (الخمينى) من خلال ما أسمته (الصحوة الإسلامية).
ولعل مصطلح ( إيران الكبرى) الذى استخدم فى التقرير يكشف خبث النوايا الإيرانية حيال مصر والوطن العربى بأسره ففيه إشارة إلى رغبتها لتوسع حدودها بضم كل الدول المناصرة لها إليها وهو ما يستدعى للأذهان فكرة (الامبراطورية الفارسية) ومحاولة استعادتها لمجدها القديم من خلال الحكم الإسلامى فى الدول المجاورة.
فنموذج الجنوب اللبنانى وحزب الله، والعراق وحكومة المالكى، وحماس الفلسطينية الموالين لإيران ليس ببعيد عن ذهن المواطن العربى، فإيران تدرك أن الخطوة الأولى لاستعادة ملكها تبدأ عن طريق الدين ونشر ثقافتها فى المنطقة.