بعيدًا عن الحضور الطاغى للمرأة أمام الشاشة وقيام أعمال بأكملها على أسماء النجمات، فإن التواجد وراء الكاميرا أيضا قوى ومؤثر واختيار الموضوعات التى تقدمها المؤلفات أصبح يتجاوز قصص العشق والغرام التى التزمت بها الكاتبات من قبل، فالموضوعات عميقة والأفكار جريئة ومنطلقة ولاذعة فى كثير من الأحيان. هذا العام تظهر ثلاثة مسلسلات من تأليف كاتبات منها مسلسلان صناعة نسائية مائه فى المائة (كتابة وإخراج).. وهما «سجن النسا» المأخوذ عن مسرحية للكاتبة الراحلة «فتحية العسال» وقامت بكتابة السيناريو «مريم نعوم». والإخراج ل«كاملة أبو ذكرى» ومسلسل «إمبراطورية مين» تأليف «غادة عبدالعال» وإخراج «مريم أبو عوف»، بالإضافة لمسلسل «سرايا عابدين» تأليف الكويتية «هبة مشارى» وإخراج «عمرو عرفة».
العمل الأخير هو الأكثر إثارة للجدل حتى من قبل عرضه، حيث انتشرت التوقعات بأن يكون هذا المسلسل هو النسخة المصرية من التركى «حريم السلطان».. وتكرار شخصيات السلطان أو الخديو ووالدته وزوجاته وجواريه، الإحساس بأجواء المؤامرات داخل الحرملك وقرب التشابه بين الجاريتين فى «حريم السلطان» و«سرايا عابدين»، هو ما دفع الكثيرين لهذا التوقع المبكر والذى نفاه القائمون على العمل، ولكن الجدل واللغط ليس فقط على هذا التشابه ولكن على الكاتبة نفسها التى يشاع عنها أنها تستلهم أفكار أعمالها من أعمال قدمت من قبل. لدرجة أن أحد الأشخاص قام بنشر فيديو على شبكة الإنترنت يقدم فيه صورا لمدى تشابه أعمال الكاتبة «هبة مشارى» وأعمال أخرى منها التشابه بين مسلسل «أبلة نورة» و«ضمير أبلة حكمت»، مسلسل «فضة قلبها أبيض» وفيلم «توت توت»، مسلسل «بوكريم برقبته سبع حريم» وفيلم «أنا وبناتى»، مسلسل «أميمة فى دار الأيتام» وفيلم «العفاريت»، وغيرها، لذلك فمن المؤكد أن الكاتبة سوف تقع فى فخ مقارنة عملها الجديد «سراى عابدين» بمسلسل «حريم السلطان» خاصة فيما يتعلق بالخديوى - السلطان الذى تقدمه الدراما كما لو كان شبه متفرغ لنسائه من زوجات ومحظيات، والسؤال المطروح هنا: هل تظهر «سرايا عابدين» صراعا نسويا يتجاوز فراش وقلب الخديو إلى محاولة السيطرة على السرايا والبلاد؟ الإجابة سوف تكشفها الأحداث ومن الممكن أن يرفضها التاريخ ويكون العمل مجرد خيال مبنى على أماكن وشخصيات حقيقية.
ومن صراع المضاجع إلى الصراع على الحياة نفسها وذلك فى مسلسل «سجن النسا».. الذى يتعرض لأنواع شتى من القهر الاجتماعى الذى تتعرض له المرأة، من خلال مكان رمزى هو السجن الذى يبدو أنه مجرد صورة مصغرة من الحياة فالسجن الأكبر هو خارج الأسوار، التى لا يختلف كثيرا ما يحدث خارجها عما يحدث داخلها خاصة فيما يتعلق بنساء فقيرات يعشن فى مجتمع يكبلهن بنظرات دونية، «سجن النسا» هو اللقاء الثالث بين الكاتبة «مريم نعوم» والمخرجة «كاملة أبو ذكرى» بعد فيلم «واحد صفر» ومسلسل «ذات»، «مريم نعوم» تقدم فى «سجن النسا» معالجة لمسرحية من فصلين تم تقديمها على المسرح من قبل وقامت ببطولتها «سوسن بدر»، وقد كتبتها «فتحية العسال» بناء على تجربتها كسجينة تعرضت للاعتقال فى فترتى حكم السادات ومبارك، «مريم» اختارت نصا غير تقليدى - كعادتها - ففى العام الماضى اختارت تحويل الرواية شديدة التميز والاختلاف «ذات» للروائى «صنع الله إبراهيم»، وكتبت أيضا مسلسل «موجة حارة» المأخوذة عن معالجة للراحل «أسامة أنور عكاشة» بعنوان «منخفض الهند الموسمى»، والمتابع لأعمال «مريم» يجدها من أكثر الكاتبات فى الفترة الأخيرة تعبيرا عن المرأة، عن صورتها ومشاعرها وأفكارها وأسلوبها الذى يتبدل من القوة للضعف ومن الحب للحقد ومن التمرد للخنوع وكل هذا من الممكن أن يختلط داخل امرأة واحدة، وهذا ما يجعل كتابات «مريم» أكثر واقعية وصدقا، بالإضافة لابتعادها عن المباغة فى التعبير عن القهر والظلم الاجتماعى والجهر بالمطالبة بالحقوق، فنساء «مريم» نساء تعشن على الأرض وليس على سطور الأوراق، والتعاون الثالث مع «كاملة أبو ذكرى» يؤكد أن النبض الذى يملأ الأوراق يحتاج لمن هو قادر على وضعه فى جسد يتدفق بالحياة.
وفى «إمبراطورية مين» تتعاون «هند صبرى» مرة ثانية مع الكاتبة «غادة عبدالعال» بعد لقائهما الأول فى مسلسل «عايزة أتجوز» الذى عرض عام 2010 وتعود المخرجة «مريم أبو عوف» للعمل التليفزيونى بعد مسلسل «حكايات بنعيشها - هالة والمستخبى» والذى عرض فى .2009 فى «إمبراطوية مين» تستخدم «غادة» الأسلوب الكوميدى فى التعبير عن المشاكل والمواقف التى تلت ثورة 25 يناير، خاصة عندما تصطدم شخصية البطلة العائدة إلى بلادها بعد ابتعادها عنها ربع قرن فى لندن، تعود بأمل أن ترى مصر جديدة تعيش حالة تتناسب مع الثورة، ولكن الصدام يأتى فى شكل مفارقات فى تعامل الناس غير الواعى مع الثورة من تحولها إلى وسيلة من المفترض أن يجنى ثمارها بعد سنوات إلى غاية لتحقيق مطالب فئوية محدودة، «غادة» تختار دائما الشكل الكوميدى فى التعبير عن الهموم المتواجدة فى المجتمع المصرى وقد ظهر ذلك من خلال تناولها لمشكلة العنوسة فى «عايزة أتجوز» والتى تحولت من أزمة إلى مفارقات متوالية تندرج تحت حكمة أن شر البلية ما يضحك.