إذا ما حاولت أن تتأمل من حولك كل ما يحيط بك من أدوات ومنتجات وملابس وتليفونات محمولة وأدوات المطبخ وحتى علم مصر.. سوف تجد أن أغلبها مكتوب عليه عبارة «صنع فى الصين»، فقد اقتحمت الصين حياة المصريين بشكل غير عادى، فالمنتجات الصينية تحاصرك فى كل مكان، فقد تجدها على الأرصفة وتجدها فى أفخم المولات والمحلات التجارية وقد تصل إليك حتى باب البيت عن طريق أحد الأشخاص الصينيين، ويرجع هذا الانتشار للمنتجات الصينية بسبب انخفاض أسعارها، وبالأخص بعد الانكماش الاقتصادى وتردى حال الاقتصاد المصرى وفترة التحولات التى نمر بها بعد ثورة 25 يناير، وارتفاع معدلات البطالة ومحدودية القدرة الشرائية للمستهلك، ومن ثم زاد الإقبال على السلع الصينية لرخص أسعارها فى مقابل منتج مقبول مجتمعياً. ووفقاً لإحصاءات المستشار الاقتصادى والتجارى بالسفارة الصينية لدى مصر، فإنه خلال الفترة من يناير إلى أكتوبر عام 2010، بلغ حجم التبادل التجارى بين الصين ومصر 45,8 مليار دولار أمريكى، ومن بينها 99,4 مليار دولار أمريكى قيمة الصادرات الصينية إلى مصر، وتتمثل المنتجات الرئيسية فى الأجهزة الكهربائية، الآلات والمنسوجات، كما لوحظ أن معظم جمهور هذه المنتجات فى القاهرة هم من أفراد ذات الدخل المتوسط لأن المنتجات أسعارها مناسبة وفى متناول الطبقة المتوسطة من الشعب المصرى.
ولم تكتف الصين بتغلغل منتجاتها داخل كل البيوت المصرية، ولكن فاجأت المصريين ببناء تمثال مشابه لتمثال أبوالهول الفرعونى ومماثل تقريباً لحجمه الأصلى داخل متنزه فى قرية قريبة من مدينة بكينالصينية، ويتوقع أن يكون المتنزه موقعاً لإنتاج أفلام وبرامج تليفزيونية، وقد اعتزمت السلطات المصرية اللجوء إلى منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» لاتخاذ إجراءات قانونية ضد بكين، على خلفية تشييد نسخة طبق الأصل من تمثال أبوالهول، وتطالب مصر المنظمة بتطبيق اتفاقيتها الموقعة عام 1972، والخاصة بحماية التراث الثقافى والطبيعى ضد هذه الخطوة التى أقدمت عليها إحدى الجهات الصينية، وتنص الفقرة السادسة من الاتفاقية على أن تتعهد الدول الموقعة على «ألا تتخذ متعمدة أى إجراء من شأنه إلحاق الضرر بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالتراث الثقافى والطبيعى، والواقع فى أقاليم الدول الأخرى الموقعة على هذه الاتفاقية».
وقد استنكر مجموعة من الأثريين المصريين هذا الحدث لأن مثل هذا الفعل يوقع الضرر بالتراث الثقافى المصرى، ويعد تعدياً على حقوق الملكية الفكرية المصرية، ناهيك عن تشويه الصورة الأصلية للتراث وحضارة الشعوب والذى اعتدنا عليه من قبل الصين فى ظل ما تقدمه لمصر من منتجات مقلدة وممسوخة ورديئة الصنع، وأكدوا على ضرورة وضع حل عادل يحافظ على التراث والآثار المصرية، وأضافوا بأنه لا يحق لأى بلد استنساخ تراث بلد آخر، وأن يكون العمل فى ظل الضوابط التى ترتضيها البلد المالكة لهذا التراث، إلا أنه لا ينبغى ولا يجب تقليد، أو استلهام أو نسخ مفردات الملكية الثقافية لأى أمة دون إذن مسبق منها.
وبالإضافة إلى ذلك، إن ما حدث من جانب الصين يجعلنا أن نقف وقفة أمام آثارنا المصرية لنحميها ونقدر قيمتها حتى لا يأتى يوم نجد أن ما يميز مصر من آثار قد نهب وسُرق وانتقل إلى الدول الأخرى، ونفقد القيمة التى يأتى لها السائحون من كل نواحى العالم ومن ثم نفقد مصدر دخل أساسياً للمصريين، وضرورة التأكيد على أن مثل هذه الأفعال هى سرقة للتاريخ المصرى وتعرض التاريخ الفرعونى للانتهاك، والتأكيد على أن ذلك مخالف للمادة 39 من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 والمعدل بالقانون رقم 3 لسنة 2010، والتى تنص على «أن المجلس الأعلى للآثار وحده من له الحق فى إنتاج نماذج حديثة للآثار، وعلى أن يتم ختمها منه».