ويسألونك عن التحرش.. قل: هو أى قول أو فعل يحمل دلالات جنسية تجاه شخص آخر يتأذى من ذلك ولا يرغب فيه.. تمام كده.. طب وإيه السبب؟! تجد الأسباب كثيرة.. لكن أصابع الاتهام كلها تشير إلى : السينما.. أى نعم.. هى السبب.. نوعية أفلامها المليئة بكمية كبيرة من المشاهد والإيحاءات الجنسية هى السبب الرئيسى وراء تفشى هذه الظاهرة.. وازدياد هذه الأزمة.. وصعوبة هذه المشكلة. زمان قالوا : الفن مرآة لحياة الشعوب وحضارتها وتطورها.. دع عنك هذه المقولة جانبا الآن.. وتعال إلى بيان أصدره المجلس القومى للمرأة بشأن نوعية الأفلام التى تعرضها السينمات وتحرض على التحرش.. جاء فيه : إن تلك النوعية من الأفلام تؤدى إلى ازدياد واستفحال معدلات التحرش الجنسى بالشارع المصرى وهى الظاهرة التى يعانى منها الجميع بصورة تهدد أمن وسلامة المجتمع المصرى).
وأهاب المجلس فى بيانه بمن وصفهم : (القائمين على صناعة السينما المصرية والأجهزة الرقابية والمسئولين التدخل السريع واتخاذ قرار حاسم بمنع ووقف عرض تلك الأفلام المشينة حفاظا على القيم والمبادئ وحماية للمجتمع من استفحال ظاهرة التحرش المؤسفة. إذن أنت أمام حالتين الأولى أن تدخل كمشاهد تفاجأ بمشاهد تخدش الحياء سواء بالتعبير أو الإيحاء وبالتالى تتأذى منها أنت وأسرتك.. أو فى الحالة الثانية وهو أنك تدخل تشوف الفيلم.. وتخرج تطبق ما شاهدته.. وفى الحالتين.. نحن أمام كارثة لذلك نأخذك لجولة تحرش فى السينما.. من المقعد للشاشة.. اقرأ واحكم فى الأحياء الشعبية بمصر تتواجد سينما (الترسو) أو الدرجة الثالثة وهى تلك التى تعرض فيها الأفلام بعد عرضها أولا فى السينما الكبرى.. لكن الفرق أنها تعرض للبسطاء وطبقة الكادحين بأسعار زهيدة..
وهذه السينمات الآن قليلة مثل : الكورسال الجديدة أو على بابا.. الزيتون (شارع عبدالعزيز.. ميدان الجيزة..) وكلها مازالت تعمل حتى وقتنا الحالى بمقاعد بالية.. وشاشة عرض سيئة.. وأفيشاتها مرسومة بألوان مائية رديئة هذه السينمات وغيرها عموما كانت تشهد وقائع كثيرة.. يهرب إليها من يريدون المتعة ولو على السريع.. ولد شاب حب ياخد بنت وكده.. عليه وعلى هناك.. وهى ظاهرة منتشرة منذ عشرات السنوات.
مع الأيام.. ظهرت موجة من الأفلام التى تحرض على التحرش وبشكل علنى (عينى عينك).. وهنا سنأخذ أفلام الفنان عادل إمام مثلا.. والتى أصبحت فى مرمى الاتهام بأنها السبب الرئيسى فى زيادة عمليات التحرش الجنسى فى مصر.. هذا ليس كلامى بل كلام الباحث الحقوقى محمود مرتضى والذى أشار تحديدا إلى أفلام عادل الأخيرة مثل (السفارة فى العمارة) و(بوبوس)..
إذا تحدثنا عن الفيلمين السالف ذكرهما.. سنجد بالفعل أنهما فيلما (بورنو) صريح.. فى فيلم (السفارة فى العمارة) يظهر عادل فى دور (شريف) الدنجوان و(موقع) الستات فى غرامه ويصحبهن إلى شقته المجاورة للسفارة الإسرائيلية.. من بينهن ميسرة.. حيث يظهر مشهد تجسيد لعملية جنسية.. تجعلها تتلفظ بالقول : (صاروخ).. ليرد عليها بالقول : (مش أوى كده).. ولأن رد الفعل قوى والإيرادات عالية.. استغل المؤلف نفس الخط وبشكل أوسع فى فيلم (بوبوس).. تخيل أنه يضم 24 دقيقة إفيهات جنسية و10 دقائق يعلم فيها عادل إمام إحدى الشخصيات كيف يقيم علاقة حميمية مع زوجته و4 دقائق يتأمل فيها عادل جسد يسرا.
لم يكن عادل إمام هو الوحيد من شجع على تقديم هذه النوعية من الأفلام.. بل سلك الطريق آخرون كثيرون.. منهم تامر حسنى الذى اتهم هو الآخر باستخدام كلمات التحرش بشكل مؤسف فى أفلامه.. من بينها فيلم (كابتن هيما)، وخاصة كلمات أغنية (هى دى).. لما بيقول : (أكثر حاجة بحبها فيكى هو ده (ويشير إلى منطقة الصدر) هو ده.. آه قلبك.. وأكثر حاجة شدتنى ليكى هى دى (ويشير إلى منطقة المؤخرة) آه هى دى.. طيبة قلبك).
ومن سيىء إلى أسوأ.. يستمر الحال بالسينما وأفلامها المثيرة.. مثل فيلم (أحاسيس) ذلك الفيلم الذى يتضمن مشاهد صريحة على السرير تجمع بين علا غانم وإدوارد وكذلك اللبنانية مروى مع باسم سمرة ونبيل عيسى، ناهيك عن مشاهد الرقص وبدلة الرقص الساخنة التى ترتديها اللبنانية ماريا.. لدرجة دفعت المحامى نبيه الوحش - وكعادته - إلى إقامة دعوى قضائية يطالب فيها بمنع عرض الفيلم على الأقل فى إجازة منتصف العام - وقتها - لأنه أكثر المواسم التى يقبل فيه الطلبة والطالبات على دور العرض متسائلا : كيف يقبل صناع هذا الفيلم على مغازلة هذه الفئة من المراهقين والمراهقات ويلعبون على وتر إثارتهم جنسيا بهذا الشكل ؟
سؤال المحامى الشهير يدفعنى للتفكير فى دور الرقابة التى تسمح من البداية لهذه الأفلام أن ترى النور..
فالمعروف أن الخطوات التى يمر بها الفيلم قبل وصوله إلى شاشات العرض كلها خطوات نص عليها القانون بدءا من إرسال نسخة من السيناريو إلى الرقابة على المصنفات الفنية يقرأها 3 رقباء ثم يكتبون تقارير عن رأيهم فى المحتوى.. ثم تعرض التقارير على رئيس الرقابة ليوافق عليها بعد الاطلاع على التقارير وبعدها يحصل النص على موافقة التصوير بعد مرور أسبوعين فقط.
فإذا كان دور الرقابة - وكما هو واضح من اسمها - أن تكون رقيبا على كل ما هو - وإن جاز التعبير تحرش بالمشاهد.. كيف تسمح بعرض تلك النوعية من الأفلام الهابطة ؟!.. سؤال يبحث عن إجابة.. وعندما تبحث عن حلول تجدها غير كافية مثل تلك التى قادتها حركة (خد بالك) ودعت من خلالها إلى مقاطعة أفلام عرضت فى الفترة الأخيرة مثل (القشاش) و(هاتولى راجل) و(عش البلبل) وأنها أفلام تخاطب الغرائز وأن تأثيرها لا يقل عن تأثير المخدرات فكلاهما يرفعان شعار المتعة الرخيصة والمكسب السريع دون النظر إلى الوسيلة المستخدمة.
المثير للسخرية حقا.. هو أن يتبرأ واحد من صناع تلك الأفلام من تهمة تحريضه على التحرش.. وهو المنتج محمد السبكى والذى قال إن أفلامه ليست سببا فى التحرش الجماعى وأنه يعمل فى مجال الإنتاج الفنى من 25 سنة لم يحدث فيها أى تحرش.. والأكثر.. حينما تساءل هو نفسه: لماذا ازداد التحرش فى التوقيت الحالى؟
فى المقابل.. تجىء بعض المحاولات لمناقشة ظاهرة التحرش فى أفلام صنعت خصيصا للتطرق لهذا الموضوع.. ولعل تجربة فيلم (876) للمؤلف والمخرج محمد دياب خير دليل على ذلك حينما تطرق للموضوع من خلال 3 فتيات تعرضن للتحرش فى مواقف مختلفة بدءا من (صبا) والتى أدتها نيللى كريم مرورا ب(فايزة) والتى أدتها بشرى وصولا ل(نيللى) التى أدتها ناهد السباعى.. كان الفيلم الأول من نوعه يتطرق إلى هذا الموضوع بشكل مباشر.. وعملية خروجه للنور كانت أشبه بالمشى فى حقل، ملىء بالألغام.. انظر إلى الدعوة القضائية التى أقيمت أمام محكمة الأمور المستعجلة وتطالب بوقف الفيلم لأنه.. قال إيه.. يحرض النساء على التعدى على الرجال المتحرشين.. بل ويتهم أحداثه بأنها تحريض على الفجور والفسق ونشر الجريمة التى تسىء للشباب المصرى وتظهر بأنه يقوم بالتحرش الجنسى فى الشوارع والميادين العامة.. الطريف وبالمناسبة حدث أثناء تصوير مشهد جماعى فى استاد القاهرة بأن مجاميع الكومبارس من الشباب خرجت عن إطار التمثيل وأصبح من الصعب التحكم فيهم مما اضطر المخرج وفريق العمل لاحتجاز أكثر من 50 فتاة داخل غرفة تغيير الملابس.
قد تكون محاولة «876 » موفقة فى دق ناقوس الخطر.. وكذلك محاولات أخرى أقدم عليها آخرون لا بأس بها.. مثل ما قدمته المونتيرة، مخرجة الأفلام الوثائقية نيفين شلبى من مناقشة لظاهرة التحرش فى أفلامها مثل (شكوى للبحر) و(مروة) و(اتكلموا) وكلها من إنتاج الأممالمتحدة. شاركوا فى الدورة السادسة للملتقى الدولى للفيلم الوثائقى بالمغرب.. أو فى فيلم (خط أحمر) الذى استعانت فيه ببعض مشاهد من أفلام عادل إمام والتى ترى أنها تحرض على التحرش.
ليبقى السؤال فى النهاية : هل من حل؟!.. لا أظن ذلك والدليل أن الفترة القادمة ستشهد موجة مماثلة من نوعية تلك الأفلام منها فيلم (حجر أساس) من بطولة غادة عبدالرازق وتجسد فيه شخصية مدرسة فى أواخر الثلاثينيات من عمرها وتعجب بطالب بالمدرسة فى الإعدادى وتقيم معه علاقة غير مشروعة فتحمل منه ما يدفع والد الطالب لإقامة دعوى قضائية ضدها وعلى أثرها تدخل من السجن لمدة 3 سنوات وتنجب طفلها داخل السجن.. ولك أن تتخيل كم من الطلاب سيتأثرون بهذا الفيلم؟!