«فنان مبدع» هذا الوصف أطلقه الفنان مدحت كوتة على الأسد «روماريو» الذى هجم عليه فى أحد العروض وأصابه بإصابة بالغة كادت تودى بحياته، على الرغم من غلاوة العمر وحرص الإنسان على حياته إلا أن كوتة لم يفقد الثقة فى الأسود أبدا والمفارقة كانت فى موقف ابنته المدربة أيضا أنوسة كوتة التى تولت تقديم الفقرة بعد إصابة أبيها باستخدام الأسد روماريو الذى انقض على والدها رغم أن العمر غالٍ إلا أنها لم تفقد الثقة فى حب روماريو. تعرض فنان السيرك مدحت كوتة لهجوم من الأسود تسبب له فى إصابات كثيرة فى جسده كادت تودى بحياته، والعناية الإلهية وحدها تدخلت لإنقاذه بعد أن هجم عليه ثلاثة أسود أثناء تقديمه فقرته فى السيرك القومى. لم يكن هذا هو الحادث الأول ولن يكون الأخير فى ظل استمرار غياب وسائل التأمين والتدريب الكافى للحيوانات وعدم دعم الدولة لهذه النوعية من الفنون فهم فنانون يحملون أكفانهم على أيديهم فى كل ليلة، فى دولة لا تحترم الإبداع وتهتم فقط بنجوم السينما والتليفزيون والأغانى.
الحالة التى تعرض لها كوتة تعرض لها من قبل فنانون كثيرون من بينهم الفنان محمد الحلو الذى هجم عليه الأسد وتوفى بعد نقله للمستشفى بأيام والأسد توفى بعد إصابته بالاكتئاب وامتنع عن الطعام، أيضا حوادث بسيطة تعرض لها محمد صلاح الحلو ومحاسن وفاتن الحلو وتمت السيطرة عليها سواء بتدخل مدربين آخرين أو بسيطرة المدرب نفسه، وفى السيرك فنانون يعيشون بين الحيوانات بأقل الإمكانيات محاولين رسم البهجة على شفاه الجمهور والأطفال.
فوجئ المدرب مدحت كوتة أثناء تقديمه عرضه بالسيرك القومى فى حفلة صباحية بهجوم ثلاثة أسود عليه عندما وقع على الأرض متزحلقا، فالجلد المفروش على أرضية السيرك لا يصلح إلا للألعاب الأكروباتية فقط ويوضع عليه قماش حتى تستطيع الأسود السير عليها.
عندما وقع كوتة انقض عليه الأسد روماريو أسد النوبة وعندما رأته بقية الأسود جاملته فى الانقضاض وكان فى الحلبة تسعة أسود انقضت عليه جميعها وكادت تقتله إلا أن تدخل الحارسان الواقفان أمام الحلبة بإطلاق طلقات فشنك أو ما يسمونه طلقات بنج فرقت الأسود وتم فتح أبواب بيوتها فدخلت إليها سريعا، وتم نقل مدحت كوتة إلى مستشفى العجوزة بعد طلب النجدة والإسعاف وانزعج الحاضرون وتفرقوا إلى أن تم نقل مدحت كوتة إلى المستشفى.
وعندما زار الدكتور محمد صابر عرب وزير الثقافة مدحت كوتة طلبت منه ابنته أنوسة أن تنقله من هذا المستشفى «العجوزة» إلى مستشفى الشرطة أو الجيش، وبالفعل على الفور استجاب الوزير وتم نقله لمستشفى الشرطة وإجراء جراحة فى الرئة لشفط الهواء الناتج عن الفتح الموجود فى الرئة نتيجة اختراق مخالب الأسد لها، بالإضافة إلى العديد من الكدمات والجروح فى جميع أجزاء الجسم بالكامل، وهو ما أحدث اعوجاجا فى الفك، بالإضافة إلى الجلطات الموجودة فى جميع أجزاء الجسم.
ذهبت «روزاليوسف» إلى المستشفى لزيارة الكابتن مدحت كوتة فقال عن الحادث: كنت فى الحلبة مسيطرا على الأسود، لكن حدث طارئ تزحلقت على الأرض فتخيلت الأسود أننى انهرت لأننى بالنسبة لها هرم لا ينهار أو يلقى على الأرض فجاء أسد النوبة يسمى روماريو وهو المبدع الفنان الذى أشعر وكأنه من أذكى وأبرع الأسود التى تعاملت معها من قبل بالهجوم علىّ فأنا تعاملت معه وكأى أسد مثله فقمت بعضه من فمه، وهو ما جعله يقلل هجومه علىّ، ثم جاملته بقية الأسود وقامت بالهجوم علىّ، وكنت قد طالبت بتغيير الأرضية أكثر من مرة ولم يستجب أحد على الإطلاق، فنحن نعانى معاناة كبيرة، فقانون التدريب لا يعطى المدربين والأسود حقوقهم، فنحن نحصل على 14 ألف جنيه شهريا مقابل نقل وتغذية وعلاج وأجر مدربين ومساعدين وحراس وملابس وإكسسوار ونقل الأسود وإطعامها وشراء أسود جديدة وكل ما يخص الأسود والمدربين وشراء البندقيات والحديد لحماية الجمهور، حيث يأكل الأسد من 7 إلى 10 كيلوجرامات لحم يوميا عدا يوم واحد فى الأسبوع يشرب لبنا معه بيض لنظافة معدته، حوالى 7 إلى 10 كيلوجرامات لبن عليها 30- 50 بيضة.
حيث يتعامل فنانو السيرك كموظفين ويطبق عليهم القانون رقم 47 بتطبيق الكوادر الوظيفية ورواتبهم حسب كوادرهم العمرية ولا يتم صرف بدل مخاطر أو بدل عدوى مثل فرنسا وجميع أنحاء العالم، ولذلك المطلوب من فنان السيرك أن يسعد الناس وهو يتقاضى الملاليم دون تأمين واضح من قِبل الحكومة ولا يجد من يساعده عند مرضه!
وتقول أنوسة كوتة - أصغر مدربة فى العالم العربى للأسود وابنة الكابتن مدحت كوتة: نحن تربينا وسط الأسود والنمور، أخى حمادة كوتة أشهر مدرب سيرك فى روسيا، يعيش ويقيم بها منذ فترة طويلة عندما لم يجد الاعتناء والحفاظ على موهبته والشعور بها وبأهميتها، ترك مصر وذهب لروسيا وأصبح من أشهر المدربين المصريين، بل أصبح أشهر مدرب عالمى فى روسيا.
أنوسة هى التى تولت تقديم الفقرة بعد مرض والدها فى السيرك مستخدمة الأسد روماريو الذى انقض على والدها قائلة: إنه أسد فنان موهوب وله فى قلبى معزة خاصة، فكل يوم قبل بداية العرض آخذه فى حضنى وأداعبه فى شعره ثم يدخل العرض، أنا لم أخف منه على الإطلاق لأن فيه شيئا مثيرا للحب والإعجاب به، وإن لم يستخدمه والدى مرة أخرى فى العرض فأنا سآخذه فى العروض الخاصة بى فى السيرك، مؤكدة أن أزمة والدها ليست الأولى ولا الأخيرة، لكنها واحدة من ضمن مخاطر كثيرة يتعرض لها فنانو السيرك كل يوم فى مصر.. الأزمة التى نواجهها هى عدم الاهتمام بنا وتعاملنا كفنانين من الدرجة الثانية دون سبب، الفقرات التى يقدمها السيرك كلها محاطة بالمخاطر وفى كل يوم من الوارد أن نموت ونتعرض لمثل هذا الهجوم، فهو كله تعامل مع حيوانات شرسة وارد أن تهجم فى أى وقت علينا.
والرعاية التى يحظى بها فنانو السيرك قليلة جدا، فكان الأولى أن تكون هناك سيارة إسعاف خاصة أثناء إقامة العرض وأيضا الإمكانيات المادية لابد من تعديلها وأن ينظر لها المسئولون بشكل أكثر أهمية.
عن الأنوثة والرقة فى التعامل مع الأسود تقول أنوسة: بعد تخرجى فى الجامعة قمت بعمل بعض الدراسات ثم اعتبرت التدريب للأسود جزءا من هواياتى، ثم تحولت الهواية إلى عمل لأنها مهنة أبى وجدتى فالأسود هى الاختيار المريح والمفضل بالنسبة لى، تعودت على هذا الحيوان فى البيت دوما ومعظم أسود السيرك خرجت من بيتى وغالبا يترعرع الأسد فى البيت من عمر شهرين إلى سنة، وآخرها الأسد بوشكاش الذى انضم سريعا إلى أسود فى البيت بعد عمر شهرين إلى سنة، وأعتقد أن تدريب الأسود لا يؤثر على أنوثة البنت أو شكلها على الإطلاق، على العكس مهما كانت مهنة المرأة تظل الأنثى هى الأنثى، لكنى اكتسبت بعض الصفات الجميلة من خلال تعاملاتى مع الأسود على وجه الخصوص وعن طريقها تعلمت كيف يكون الإنسان لديه كرامة وشموخ وثقة بالنفس وكبرياء، وهى صفات يتميز بها ملك الغابة، وأنا أعتقد أن الحيوانات تعاملها أسهل من البشر، وعلينا أن نخاف من البشر أكثر من الحيوانات لأنك أثناء التعامل مع الحيوان تكون فى حالة حذر لأنك على دراية بطبيعته لأنه فى النهاية حيوان متوحش لديه مخالب وأسنان حادة والافتراس جزء من غريزته ويستطيع أن ينقض عليك وينهى حياتك فى أى لحظة وتتعامل معه على هذا الأساس، أما الإنسان سواء كان طيبا أو سيئا فتتعامل معه على أنه إنسان طبيعى وبدون سابق إنذار يغدر بك ويطعنك فى ظهرك، وهذا هو الفرق بين التعامل مع الإنسان والحيوان الذى لا يتقن وسائل الخداع.