تمخض الجبل فولد فأراً!! أبعد هذه الاجتماعات والمناقشات التى دارت فى أروقة المقر البابوى وخارجها، واستمارات وبيانات لتعديل اللائحة البابوية المشئومة التى صدرت عام 1957 عقب وفاة البابا يوساب الثانى البطريرك 115 فى عام 1956 وطالب الجميع بتعديلها لمخالفتها الصريحة لقوانين الكنيسة التى استقرت منذ القرن الرابع الميلادى، يجتمع أعضاء مجمع أساقفة الكنيسة القبطية بكامل هيئة المجمع ويحضر أساقفة من المهجر متحملين مشقة السفر وتكاليفه الباهظة، ويسفر الاجتماع عن نفس اللائحة المشئومة بلا تعديل!! هذا إن دل على شىء إنما يدل على الإفلاس الفكرى والإفلاس الكنسى والإفلاس الروحى!! تحت يدى اللائحة المشئومة لسنة 2014 التى تحمل اسم «لائحة الانتخابات البابوية». وهنا أود أن أقول:
لا يوجد ما يُسمى «انتخاب البابا البطريرك»، ولكن صحته «انتخاب أسقف الإسكندرية» الذى يحمل بعد ذلك لقب بابا وبطريرك. حيث إنه يتم انتخاب أسقف، فالأسقف ينبغى أن يكون من بين الرهبان، كما هو معمول به فى اختيار جميع أساقفة الإيبارشيات الأخرى.
فى المادة رقم (2): «بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية للأقباط الأرثوذكس هو أسقف الإسكندريةوالقاهرة.. حسب قوانين مجمع نيقية المسكونى المُقدس»!! هذا النص مخالف جملةً وتفصيلاً لقرارات مجمع نيقية، لأن مجمع نيقية نص على الآتى: أن البطريرك هو أسقف مدينة كرسيه. وهذه المدينة هى الإسكندرية التى لها أسقف واحد فقط وهو البابا البطريرك. أما مدينة القاهرة، فقد انتقل إليها الكرسى البابوى بسبب أن الحكومة موجودة بالقاهرة، واليوم القاهرة مُقسّمة إلى إيبارشيات فكيف يكون هناك أسقفان على إيبارشية واحدة، كما أنه كيف يُقام أسقف واحد على إيبارشيتين!! وأرجو عدم تكرار ذكر اسم «مجمع نيقية» لأن الكنيسة القبطية ابتعدت عن مجمع نيقية وقوانينه المُلزمة.
فى المادة رقم (4): «يتولى القائم مقام البابا البطريرك جميع اختصاصات البابا البطريرك المقررة بمقتضى أحكام القوانين واللوائح العامة ولائحة المجمع المقدس ووفقاً للقواعد والتقاليد الكنسية إلى حين سيامة بابا جديد». ما حدث بعد نياحة البابا شنودة أن القائمقام لم يلتزم بالتقاليد الكنسية فى العديد من الأمور منها: السماح للأساقفة بالترشح (وهذه مخالفة)، وأيضاً محاولة تقسيم إيبارشية البحيرة ليتمكن الأسقف المساعد من أن تكون له إيبارشية (وهذه مخالفة لأنه لا يجوز تقسيم الإيبارشيات فى عدم وجود البابا البطريرك.
فى المادة رقم (7): المُرشح ينبغى أن يكون «من طغمة الرهبنة المتبتلين.. سواء كان راهباً أو أسقفاً عاماً أو أسقف دير». الرهبنة حياة قبل أن تكون اسمًا ولقبًا. فالراهب فى ديره مشغول بالصلاة وروح التعبد، أما الأسقف (بكل أنواعه) فهو مشغول بالعديد من الأمور الإدارية بداخل إيبارشيته أو مقر خدمته ومع الحكومة أيضاً، فأين إذن تفرغه للعبادة؟ معظم الأساقفة لم يُقيموا فى الدير سوى بضع سنوات تُعد على أصابع اليد الواحدة وبعضهم سنة واحدة!! هل يتم احتساب فترة أسقفيتهم من ضمن فترة رهبنتهم؟ هل نخدع الله أم نخدع أنفسنا أم نخدع الشعب؟
المادة رقم (15): من قاعدة الناخبين «10٪ من رهبان وراهبات كل دير ... جميع المكرسين والمكرسات ...'' بلا شك أن الرهبان أكثر تكريساً من المكرسين، والراهبات أيضاً أكثر تكريساً من المكرسات.
أذكر أن البابا شنودة الثالث لكى يُقنن وضع المكرسات أقامهم بدرجة شماسة (وهى إحدى درجات رتبة الشموسية السبع)، فإن كان الأمر كذلك فينبغى أن كل من يحمل درجة «دياكون» Deacon أى شماس كامل أن يكون له الحق فى الانتخاب، وهؤلاء ما أكثرهم.
الشيء العجيب أنه بعد أن صدرت لائحة 1957 جاءت انتخابات 1959 التى أتت بالراهب مينا البراموسى المتوحد والذى حمل اسم البابا كيرلس السادس وصار البطريرك 116 تبعاً للتقاليد العريقة التى استقرت فى الكنيسة وليس طبقاً للائحة 1957!! والتاريخ يعيد نفسه. لقد سجل مجمع أساقفة الكنيسة القبطية فى يوم الخميس 20 فبراير الماضى - بخط أيديهم وبتوقيعهم وبمحض إرادتهم- بطلان لائحتهم والتى لن تُطبق.
البطريركية ليست ترقية لأسقف أو مطران يا سادة ... البطريركية لقب يُطلق على أسقف الإسكندرية (وليس الإسكندريةوالقاهرة !!) الذى يتم اختياره من بين الرهبان. الشىء المؤلم أن السادة المستشارين الموجودين بالمقر البابوى ليس لهم دراية بقوانين الكنيسة، ويقولون ما يتم إملاؤه عليهم!! كيف يحدث هذا؟ فى غياب الضمير يُستباح كل شىء حتى لو كان مخالفاً للمنطق. الفاهمون فى قوانين الكنيسة وتاريخها يرفضون بإصرار اللائحة الجديدة القديمة. لا يوجد جديد وكله استهلاك للوقت وتبديد للطاقات. ماذا نفعل؟ الموضوع كله فى يد الله ولن يترك للفساد أن يستشرى فى الكنيسة.