كانت صدمة كبيرة عليه لم يتوقع ما حدث معه عندما تقدم لخطبة ابنة شيخ سلفى كبير من أقطاب السلفية فى محافظة الدقهلية.. جلس معه فى المسجد لا البيت.. استعلم عن كل كبيرة وصغيرة.. شعر الشاب وكأنه أمام وكيل نيابة لا والد وشيخ لزوجة المستقبل الذى حاول أن يرتبط بواحدة من أبناء السلفيين ربما لمحاولته الارتباط بفتاة متدينة من أسرة محافظة بعيدا عن أجواء اللهو واللعب التى تتصف بها كثيرات من فتيات هذه الأيام، كان الدليل لتلك الأسرة وهذا الشيخ أحد أتباعه وتلاميذه الذى حاول التقرب لشيخه بهذا العريس المسلم. وجد نفسه أمام أفكار لا علاقة له بها جامدة كيف ينظر هؤلاء الناس للمرأة؟ كيف يحجب عنها رؤية الدنيا والاستمتاع بها ما معنى ذل المرأة لزوجها ما هذه الأفكار الرجعية المتخلفة للرجل؟ وتعجب كيف يسير وراءه مئات الآلاف من الأتباع ويرددون هذا الفكر، شعر وقتها أن المرأة فى خطر وقرر فى نفسه أن يبحث ويفتش عن المرأة داخل هذا المعتقل الفكرى الذى لم ينزل الله به من سلطان خاصة أن المراجع الفقهية التى قام بمراجعتها قبل لقاء هذا الشيخ تحدثت كثيرًا عن التعامل الراقى والمهذب للرسول الكريم مع نسائه ومكانتهن عنده، فقد روت السيدة عائشة ما يقرب من نصف أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم وكان يسمع الأحاديث النبوية.
يتجه التيار السلفى إلى عزل النساء عن الحياة العامة، ويحصر دورهن فى الإطار الأسرى ولا ينظر إلى المرأة إلا من موقع الفتنة، فلا يعطى لها أى حقوق سياسية فيما يتعدى حق الانتخاب قياسا على البيعة، أما حق الترشح وتولى المناصب العامة فالمسألة غير مقبولة عملا بمقولة «سد الذرائع» ولتقديم مفهوم القوامة على مفهوم الولاية، ويتبنى السلفيون المعاصرون منطلقات أساسية للحد من مفهوم المواطنة الكاملة للنساء وهم يقدمون مفهوم القوامة كى يعطلوا مفهوم الولاية والاستخلاف.
ويعتبر ابن تيمية أفضل النماذج المعبرة عن التهميش السلفى للنساء، وقد ترك تأثيرا قويا فى سلفيي العصر وكانت له أفكاره حول شتى القضايا المرتبطة بالمرأة كالنفقة والحيض والصلاة والمهر وغيرها من المسائل، وكان فقيه القرن الرابع عشر الميلادى قلقا لازدياد نفوذ النساء فى عصره لدرجة كتب معها أن الذى يطِيع النساء يدمِّر شئون البلاد.
وفى شرحه للحديث الذى أورده الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1703- 1791) فى كتابه «التوحيد» يقول الشيخ ابن عثيمين: اشتهر عند بعض الناس إطلاق السيدة على المرأة، فيقولون مثلا هذا خاص بالرجال، وهذا خاص بالسيدات، وهذا قلب للحقائق، لأن السادة هم الرجال وقال الرسول النساء عوان عندكم أى بمنزلة الأسير وقال فى الرجال: راعٍ فى أهله ومسئول عن رعيته فالصواب أن يقال للواحدة امرأة وللجماعة منهن النساء فالرجال هم السادة والنساء إنما هن بمنزلة الأسيرات ووصف النساء بأنهن سيدات إنما هو قلب للحقائق.
تجاوز السلفيون المحدثين فى خطابهم للسلفيين الأوائل فلم يكتف بممارسة العزل الاجتماعى والسياسى بحق النساء بل تفننوا فى إصدار فتاوى غريبة وتصدر هؤلاء أبو إسلام الداعية السلفى المصرى الذى برر الاغتصاب فى ميدان التحرير بحجة السفور، وقد شبه الشيخ السلفى أبو إسحاق الحوينى وجه المرأة بفرجها فى إشارة منه إلى وجوب ارتداء النساء للنقاب حتى أن بعض مشايخ السلفية اعتبروا صوت المرأة عورة ما يعنى أن النساء بالنسبة للسلفيين عبارة عن كائنات جنسية تنطوى على تهديد دائم.. والحال هل لغة السلفيين تعبر عن هواجس من تزايد الحضور الأنثوى؟
ولا يمكن أن نغفل المعارك التأويلية التى خاضها الإصلاحيون فى الإسلام من أمثال رفاعة رافع الطهطاوى والإمام محمد عبده والطاهر الحداد ومن تبعهم من المجددين.
إن النساء المسلمات كن حاضرات على مدار التاريخ الإسلامى ولم يعشن فى عزلة كاملة. ولو عدنا إلى ذاك التاريخ المسكوت عنه فى التراجم الإسلامية لاكتشفنا أهمية الأدوار التى اضطلعن بها فى ميادين مختلفة، ومن ضمنها أبواب المعرفة الدينية، ومعلوم أن فاطمة السمر قندية الفقيهة المسلمة التى عاشت فى حلب فى القرن الثانى عشر الميلادى درست المذهب الحنفى على يد أبيها وحفظت فى ذاكرتها ما جمعه من أحاديث وصدر عنهما معاً فتاوى شرعية، وإذا دخلنا أكثر فى التاريخ يمكننا الكشف عن إضاءات نسائية كثيرة فبعض النساء اللاتى عشن فى القرن السادس عشر الميلادى كانت لهن معرفة فى الشريعة الاسلامية وإحداهن وصلت إلى رتبة مفتية، كما أن هجيمة بنت حيى الأوصابية وصفت بأنها من أهم الفقيهات فى دمشق وقيل إنها علّمت العديد من الرجال وتمتعت بثقة الخليفة عبد الملك بن مروان واعتادت أن تقابله بانتظام حيث كانا يجلسان معاً فى مسجد دمشق.
وبعيداً عن الشواهد التاريخية التى تؤكد أدوار المسلمات كفقيهات وعالمات ومتصوفات يبدو أن السلفيين لا يريدون الإقرار بتغير أحوال النساء ربما لأن ذلك يصدم ذكوريتهم لذا يتجهون أكثر فأكثر تجاه الفقه الذكورى القابض على أنفاسهم، ليس بإمكان الخطاب السلفى إجراء انقلاب على خطابه فهو مسكون برهاب الفتنة من الجسد الأنثوى نفسه لذا يسعى إلى تقليص حضوره وتشريطه بفتاوى تعيده إلى الحريم المجالى.
وكان اللافت فى المشهد الذى أعقب ثورة يناير ذاك الجدل فى شأن ترشيح منقبات للبرلمان حيث رشحت أحزاب سلفية على قوائمها عددا من النساء استنادا إلى فتوى ياسر برهامى رئيس الدعوة السلفية فى الإسكندرية والتى قال فيها إن ترشح المرأة مفسدة لكنها أقل من مفسدة ترك الساحة لمن يريدون تغيير المادة الثانية من الدستور خصوصاً بعدما اشترط قانون الانتخابات الجديد أن تضم كل قائمة لأى حزب امرأة واحدة على الأقل، وأن المجالس النيابية على الصحيح نوع من الولاية وهى داخلة تحت قول الرسول: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَة»، وتابع يقول الأصل عدم الجواز ولكن الفتوى فى واقعنا المعاصِر ليست على الحكم المطلق بل قلنا إنه لا يمنع من ترشح امرأة على القوائم للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية ومنها حزب النور لدرء مفسدة ترك البرلمان لليبراليين والعلمانيين يسنّون دستوراً يحارب الإسلام ويقيّد الدعوة بل ويمنعها ويعاقب عليها.
ولكن كان التحول العجيب فى هؤلاء المشايخ الذين قرروا خوض غمار المنافسات على الانتخابات البرلمانية والفوز بالكراسى والمناصب وغيرها، ولما فرضت عليهم براثن السياسة وألاعيبها نزول المرأة ومشاركتها فى الحياة السياسية خاصة فى لعبة القوائم تحايلوا على تلك النظرية وقاموا بإضافتها على قوائمهم الانتخابية، ولكن بنفس أسلوب التفكير قاموا بوضعها فى ذيل القائمة الانتخابية بالنقاب بشكل مستفز أقرب ما يكون للضحك على الشعب منه للواقع كيف يختار الشعب ممثلة فى البرلمان، وهو لا يعرف شكلها، وهى عبارة عن هيكل تم تغطيته بقماش أسمر لا نعلم من هى مجرد اسم عابر من هى تلك السيدة وما هى قدراتها السياسية وبرنامجها، لكن كانت الطامة أن معظم السيدات التى تمت إضافتهن لقوائم السلفيين الانتخابية لم يكن من زوجات المشايخ ولا بناتهن، ولكن شخصيات انتهازية وجدن فى السلفيين سبيلاً فقررن السير فيه والثمن معروف وبسيط ألا وهو ارتداء النقاب والتردد على دروس العلم والفقه التى يعقدها المشايخ، وهناك بعض السيدات اللواتى أضيفت أسماؤهن من سجلات الدعوة والحزب كاسم فقط دون شخص.
ولم ينته الأمر عند هذا الحد بل إن غريبا أن تنشر الصحف والمواقع الخاصة بالسلفيين صورا لمؤتمر نظمه حزب النور السلفى تحت عنوان المؤتمر النسائى الأول، ووجه الغرابة هنا لم يكن فى لافتة الدعاية للمؤتمر التى جاءت باللون الفوشيا كنوع من زيادة التأكيد على نسائية المؤتمر ولا فى تخصيص مكان مختلف للنساء اللاتى حضرن بالزى غير الإسلامى، واعتبر الشيخ ياسر برهامى ذلك ردا على من يقول إنهم سيفرضون على المرأة النقاب بالقوة داعيا الأخوات إلى تقديم النصيحة إلى هؤلاء المتبرجات لارتداء الحجاب.
الغرابة كلها لم تكن فيما سبق بل كانت فى منصة المؤتمر التى خلت من أى عنصر نسائى واقتصرت على ثلاثة متحدثين من الرجال هم الشيخ ياسر برهامى والشيخ حازم شومان وسعيد الشحات، لا تجتهد فى البحث عن تفسير لفكرة خلو منصة المتحدثين فى مؤتمر نسائى من النساء لأن أحداث المؤتمر الذى عقد فى الإسكندرية كفيلة بأن تفسر لك ما يجعلك تقتنع بألا تسأل عن أشياء إن بدت لك تسؤك وأول هذه الأشياء يمكن استخلاصها من تصريح للشيخ برهامى قال فيه بالنص لا يجوز للمرأة أن تكون نائبة لأنه نوع من الولاية ولكن فرض علينا وضع المرأة فى القوائم الحزبية.
أى مؤتمر نسائى إذن وقد خلت المنصة منهن ولم تشهد تفاصيل المؤتمر كلمة أو مداخلة للحضور اللائى بلغت أعدادهن حوالى 700 أغلبهن من المنتقبات أىّ مشاركة نسائية فى الحياة السياسية أراد حزب النور أن يناقشها ويروج لها والحزب نفسه حرم النساء من المشاركة فى المؤتمر الذى عقد لمناقشة مشاكلهن وانتظرنا جميعا بلهفة أن تطل علينا نساء التيار الإسلامى بما فى عقولهن من معرفة وفى قلوبهن من إخلاص، ففوجئنا بحزب النور يفرض عليهن الاكتفاء بالتمثيل المشرف أى مشاركة برلمانية للمرأة يتحدث عنها قيادات حزب النور السلفى وهم الذين رفضوا أن يظهر صوت للمرأة فى مؤتمرهم المصغر ويتخيل قيادات حزب النور أن الشارع السياسى قد يقبل نائبة صامتة فى البرلمان!
ولكن إخلاص القائمين على حزب النور السلفى لقضيتهم أيا كان اختلافنا أو اتفاقنا معها لا يعنى أبدا أن نقبل بأمور اللف والدوران والمحاولات الديكورية لتحسين صورة الحزب فى مسألة مشاركة المرأة والفن وموقع الأقباط فى الحياة السياسية.
والغريب أن السلفيين نظموا مؤتمرا ضخما تحت عنوان المؤتمر النسائى الأول، واقتصرت المشاركة النسائية فى المؤتمر على اللون الفوشيا الذى زين لوحة الإعلان عن المؤتمر ليس فقط لأن الخدعة مكشوفة ومضحكة ولكن لأنها تشبه إلى حد كبير ما كان يفعله نظام مبارك حينما أسس عددا من الأحزاب الديكورية واستخدمهما «كخيالات مآتة» يضعها أمام كل من يحدثه عن الديمقراطية والتعددية والحرية.
ليس هذا فقط ولكن المثير للدهشة أيضا هى المؤتمرات التى يعقدها ياسر برهامى مع نساء النور والتى يُعلن عنها فى الصفحات الرسمية للحزب على الإنترنت، وأن الندوة ستكون فى المسجد لكن الطريف فى كيفية إدارة الندوة داخل المسجد، فنساء النور لا يغادرن المصلى النسائى وياسر برهامى يشرح استراتيجية الحزب فى المسجد هذا هو اللقاء السياسى لقيادى سلفى مع نساء الحزب ولا يكتفى بهذا فقط بل حول المسجد بيت الله إلى مقر للحزب بعيدًا عن عدم وجود أى مناقشات فالاختلاط ممنوع وصوت المرأة عورة، وبات الأمر هو عبارة عن تلقين لا مناقشة فى الأمور السياسية وفقدت المرأة أبسط حقوقها فى هذا المعتقل الفكرى.