العائد من الموت.. الطفل المعجزة الذى خطف قلوب وعيون المصريين خلال الأيام الأخيرة منذ حادثة كنيسة الوراق الإرهابية التى راحت فيها شقيقته «مريم مسيحة».. إنه فيلوباتير الذى فاجأ الكل بمقاومته لرصاصات الغدر التى اخترقت جسده النحيل دون رحمة، مؤكدا بقاءه على قيد الحياة.. فيلوباتير الذى خفقت له القلوب خوفا عليه كان مثالا للقوة والصبر والحمد لله أصبح قاب قوسين أو أدنى من الشفاء رغم الخراطيم التى تحاصره وتخنقه، والتغيير على الجروح المؤلمة، لكنه رغم ذلك يواجهها بابتسامته البديعة الملهمة!.. روزاليوسف ذهبت لفيلوباتير وكانت بين طوابير من المصريين الذين يطمئنون على هذا الطفل الجميل! كلما تحدثت مع فيلوباتير كان يضحك ويلعب بألعابه الصغيرة، إلا أنه كان طوال الحوار يردد «بابا شنودة كسر عربية» ويضحك، فسألت والدته عن قصة هذه العبارة وما يتحدث عنه، فقالت لى: «دخلنا عليه فى يوم ووجدنا السيارة اللعبة مكسورة، فسألناه عما حدث فقال لنا: إن البابا شنودة كان بيلعب معاه وكسر العربية، وتؤكد أنه فى نفس اليوم تم نزع أصعب خرطوم منه.
وعندما سألته عن أخته مريم وقلت له: إنت تعرف مريم فين؟.. فكان رده: مريم فى السماء بتلعب مع عمو اللى معاه عصيتين ولابسه فستان حلو ومبسوطة.
وهنا تدخلت الأم مرة أخرى وقالت لى: فى نفس اليوم الذى تم نزع أول خرطوم عنه وجدناه يقول أنه رأى أخته تلعب مع رجل يمسك بعصيتين وهو الأمر المعروف عن القديس أبوسيفين والذى سمى على اسمه رأه يلعب مع أخته وهى ترتدى فستانا أحمر جميلا!
وتقول لنا نرمين أنه عند زيارة الأنبا موسى والأنبا رفائيل لنا حكى لهما قصة البابا شنودة وهو يشير إلى صورته ضحكا معه وقالا له: طب أستر عليه، وقالت لى الأم أنهم أصبحوا يرون الكثير من المعجزات وصلت إلى حد إيمانهم بأن العذراء كانت تريد أن تأخد ما لها والدليل على ذلك، أنه لم تمت أى سيدة سوى «المريمتين»!
وعن أكثر الزيارات المؤثرة قالت: جاءنى رجل لا أعرفه ليزورنا وعندما رآنى أبُتسم، ثم سألنى: زعلانة على مريم، فرديت عليه وقلت: المفروض مازعلش، وهنا أعطانى إيشارب وجدت مطبوع عليه أربع صور لأربع سيدات، فقال لى: هؤلاء بناتى وزوجتى اللائى رحن ضحية حادثة القديسين.. كنت زعلان عليهم وبعد ذلك أدركت أنهم فى مكان أفضل.
خبوا وضحكوا على وقالولى أولادك روحوا بيت جدهم، بهذه الكلمات استكملت «نيرمين» والدة الشهيدة «مريم مسيحة» والطفل فيلوباتير ضحية الحادث الإرهابى الغاشم الذى تعرضت له كنيسة السيدة العذراء مريم بالوراق أثناء خروج حفل زفاف منها!
كنت أمهد لنفسى أن أرى أسرة مكسورة مذبوحة فى الغرفة «477» بمستشفى المعادي العسكرى بما حل بابنهم الصغير، والتى تسببت طلقات الغدر والخسة التى انطلقت من أناس يتخذون من الإسلام دينا وهو برىء منهم ومن أفعالهم، من كونه غطاء وستارا للتنفيس عن أحقال دفينة لا أحد يعلم سببها إلا الله.
وقالت أمه لنا: أنا من القناطر وتزوجت وعشت بحلوان، وعشت عاما كاملا لم يرزقنى الله فيه بالخلفة، فذهبت إلى الأطباء الذين أكدوا لى أن ما أريده لن يتم الآن لأن هناك مشاكل عديدة لابد من حلها أولا.. لم أيأس، وطلبت من الله أن يرزقنى بالأولاد وذهبت أنا وزوجى إلى دير السيدة العذراء مريم بمسطرد وهناك طلبت من الله وقلت: إن رزقنى بابنه فسأسميها مريم، إن شاء الله.
وتكمل الأم حكايتها: فوجئت بعد أسبوع من هذه الزيارة بألم شديد فذهبت للطبيب الذى أكد لى فى ذهول شديد بأنى حامل فقلت له أنها فتاة وسأطلق عليها مريم، وبالفعل أعطتنى العذراء طفلتى مريم، متسائلة كيف لى أن أفرح عندما تعطينى ما طلبته وأحزن عندما تأخذها منى، هى أعطتها لى وهى أخذتها، إشارة منها إلى أن «مريم» ماتت فى كنيسة تحمل اسم العذراء مريم!!
وعن الحادث الإرهابى تتذكر قائلة: وصلنا إلى الكنيسة ولم تكد أقدامنا تلمس الأرض حتى سمعنا صوت الرصاص وصراخا ولم ندرك أى شىء سوى أن الناس تتساقط من حولنا ومن بينهم أطفالى، وتؤكد: أنه رغم إصابتى بطلقتين فى فخدى إلا أنى لم أشعر بشىء فأخذت أولادى أنا وزوجى وجرينا بهم إلى المستشفيات دون أن أدرك أن هناك قطع لحم مهترئة بسبب الرصاصتين تتساقط منى وعندما وصلت للمستشفى أخذوا منى أولادى وبإهمال شديد عالجونى لدرجة أنهم لم يكملوا خياطة الجرح وتم نقلى بعد ذلك للمستشفى العسكرى.
ومنذ ذلك الحين لم أعرف أى شىء عن أولادى، وقالوا لى أنهم بخير وأنهم ذهبوا لبيت جدهم إلا أنى لم أكن مطمئنة خاصة أنى كنت أرى وفودا كثيرة تأتى لزيارتى ولم يأتى أولادى، وتضيف «نيرمين»: منذ حوالى أسبوع جاءنى «الأنبا يؤانس» أسقف الخدمات لزيارتى وأخذت أتوسل إليه بأن يطمئنى على أولادى وقلت له: أبوس إيدك قلى بنتى فين؟، فبكى وهنا أدركت أن مريم ماتت.
نيرمين قالت لنا: ابنتى الصغيرة ماتت لكنى لست حزينة فهى كانت عطية الله وأخذها مرة أخرى ولكنها ابنتى جزء منى صعبان على أنى مش هاشوفها تانى، كانت حنينة على قوى، أتذكر أنه فى يوم سكب على ماء ساخن فلم أستطع أن أتحرك، فكانت تأخذ أخاها الصغير وتغير له وتحميه، دى بنتى اللى كانت بتكبر قدام عينى.
أنا مش زعلانة من قتلة ابنتى رغم ذلك بس أنا زعلانة عليهم، هما خلوا بنتى تروح أحلى مكان لكن هما إزاى بيناموا بعد ما يقتلوا وإيديهم مليانة دم، مش بيشوفوا ضحاياهم فى الحلم؟ أنا بصلى ليهم إن ربنا ينور طريقهم ويهديهم.
وتتذكر نيرمين قائلة: بعد أن علمت بوفاة ابنتى قالوا لى أن ابنى فى العناية المركزة فطلبت منهم أن أمكث معه وبالفعل سمح لى الأطباء بأن أكون لجواره لم أصدق عينى وأنا أرى طفلى الصغير وجسمه مملوء بالخراطيم كل جسمه مغطى بهذا وكنت أتعجب كيف أن الله يعطيه القدرة أن يتحمل كل هذا الألم وهو فى الطبيعى كان لا يستطيع أن يتحمل «شوية سخونة أو دور برد» إلا أن فيلوباتير ظل لمدة طويلة حرارته 42 ولا يعى من حوله.
وعن تطورات إصابته تقول: طفلى أصيب برصاصتين منهم واحدة دخلت من بطنه وخرجت من فتحة الشرج، ولأنه طفل صغير فجسمه لا يتحمل إجراء عملية فقاموا بنقل أمعائه حتى يلتئم جرح فتحة الشرج، ثم يرجعوها مرة أخرى وهى العملية التي ستجري له بعد شهر من الآن.
وتكمل «نيرمين»: كثيرا ما طلب منى زوجى أن نهاجر إلى الخارج ولكنى كنت أرفض، لكن بعد هذه النقلة المأساوية فى حياتى فأنا التى أطلب منه الآن أن نترك هذا البلد ونسافر حتى لو سيبنا حق ولادنا.
وفى هذا تصف لنا «مروة» الممرضة المسئولة عن حالة «فيلوباتير» فتقول أنها مندهشة من قدرة هذا الطفل على تحمل آلامه وأنا لا أتحمل ذلك، فأنا فى النهاية أم ولدى أطفال ولا أحد يتصور كيف أن هذا الطفل الصغير يتعرض لكل هذه الآلام
وتؤكد لنا مروة أنه تردد أن بعضا من الأطباء المتعاطفين رفضوا علاج الطفل ورعايته، مضيفة أن كل طبيب أو ممرض يرفض أن يؤدى واجبه لسبب دينى أو سياسى إنما هو نوع من أنواع التخلف الذى أصبح آفة مجتمعنا!
وتركنا «فيلوباتير» بين ابتساماته المثيرة للتساؤل، داعين له بالشفاء والإرهابيين بالشقاء!